الجمعة، 29 أغسطس 2014

ذلكم الرباط

 ذلكم الرباط
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله.
قال : إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ". رواه مسلم .
في اللغة: ربطه: أوثقه وشده، ورابط الجيشُ: لازم تخوم العدو، وربط الله على قلبه: قوّاه وصبّره، ورابط الأمر: واظب عليه.
ما أحوجنا، ونحن نعيش أحداث الثورة السورية، بكل ما فيها من صعود وهبوط، وسلبيات وإيجابيات، وتقدم وتأخر، أن نقف بتأمل عند هذا الحديث العظيم، ثم نتعاهد على العمل بما جاء فيه.
ما من مخلص للثورة إلا وقلبه يهفو إلى ذلك اليوم الذي فيه تنتصر، وتحقق هدفها الأساسي. وإن قومًا يتسربلون بالخطايا، وتغمرهم الذنوب، ويسبحون في بحر المعاصي على اختلافها، إن قومًا، تلك حالهم، لا يُمكن، حسب سنن الله أن يحققوا هدفًا نبيلًا، ما لم تُحطّ عنهم تلك الذنوب، وتُمحَ من سجلاتهم الخطايا، وبعد ذلك يَسْمون، بأرواحهم، إلى أقصى درجات الكمال الذي به يستحقون أن يتبوَّؤوا مقعد الصدق في الدنيا والآخرة.
والرسول، صلى الله عليه وسلم، يبين لنا سبيل ذلك، والوصول إليه، ويلخصه في الآتي:
1-   إسباغ الوضوء على المكاره، والإسباغ هو الإكمال، والتحسين، والإكثار. فلا يتثاقلن امرؤ يريد أن يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى عن تطهير بدنه ونفسه على أتم وجه، يطهرها بدنيًا بإحسان الوضوء، ولو في طريق ذلك مكاره وعقبات، كبرد، أو شح ماء، أو بعده، أو خوف من عدو، أو غير ذلك من المكاره...ويُطهرها، روحيًا، بصدق النية وحسن التوجه إليه سبحانه، فمن يفعل ذلك يكن في دورة تدريبية على الإصرار والمثابرة على تحمل المشاق والمتاعب في سبيل الوصول إلى الهدف. وهذه لا بد من أن تتحقق في الثوار الحقيقيين ليبلغوا مرادهم ويُحققوا أهدافهم.
2-   كثرة الخطا إلى المساجد، والمسجد بيت العلم، وبيت إظهار العبودية لله وحده، وبيت التلاقي والتعارف والتآلف مع الآخريبن، وبيت يتعرف المرتاد له على مشكلات إخوانه، ويسعى في حلها، وبيت يُحِسّ فيه المصلون وهم يقفون إلى جانب بعضهم بعضًا متراصين، في اعتدال تام، من غير أن يتقدم واحد على الآخر أو يتأخر، أقول يُحس فيه المسلمون بنوع من الصلة فيما بينهم تسري فيهم جميعًا في لحظة واحدة وفي مكان واحد وفي ظرف واحد... فيتعمق في نفوسهم أنهم جسد واحد، يتعاونون على جلب كل خير، ودفع كل ضرر. وهذا الإحساس ضروري وجوده عند الثوار؛ حتى يتحقق المعنى الفعلي لما تدل عليه الآية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعًا)، وهذا الإحساس ضروري أيضًا لتنتفي عن كيانهم دواعي الفرقة والتنازع، التي حذرت منها الآية الكريمة (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
3-   انتظار الصلاة بعد الصلاة: فالصلة غذاء الروح، ومصدر الطاقة النفسية للمؤمن، فعليه أن يبقى متشوقًا إليها، يترقب حلولها؛ ليعوض ما استهلكه من طاقة، وما صرف من وقود، حتى يبقى عنده مخزون احتياطي، وهو يقوم برحلة هدم الباطل والفساد والظلم، وبناء صرح الحق والصلاح والعدل. والانتظار يمكن أن يكون بدنيًا أو روحيًا أو بالاثنين معًا. وهذا ضروري للثوار، وعليهم أن يحرصوا عليه قبل حرصهم على تأمين الوقود المادي من عتاد وسلاح، فهذا يمكن أن يُحجَب عنهم، وتعترضه عقبات أما الأول فلا، سوى تثبيط الشيطان لهم، وهذا بمقدورهم دفعه حين تقوى الإرادة عندهم.
تلك هي الأمور التي بينها نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، ومعلم الناس الخير، وقائدهم في الحرب والسلم، الأمور التي بها يتحقق الهدف، وتُبلَغ الغاية، وقد أطلق، عليه الصلاة والسلام، على ذلك كلمة "الرباط". فإذا رجعنا إلى ما تقدم من المعنى اللغوي للرباط، نجد أن هذه الأمور هي التي توثق الصلة مع الله تعالى، وتوثقها مع المؤمنين أنفسهم، وهي التي تمثل الوجود الحقيقي الفعال لجند الحق على تخوم العدو لمناجزته، ومنعه من الاقتراب من ساحة المؤمنين، والنيل منهم، وهي التي تقوي العزيمة والصبر، وعدم التخاذل والتقهقر أو التراجع عن السير في طريق الحق حتى بلوغ الهدف المنشود.
أجل: ذلكم الرباط أيها الثوار، ومن لم يفعل ذلك فكأنه يعبث، لأنه لا يرابط، ومن لا يرابط لا ينتصر على عدو... فلنعِ ذلك جيدًا. اللهم اجعلنا من المرابطين في سبيلك، حتى نستحق نصرك الذي وعدته لعبادك المؤمنين.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق