الجمعة، 28 نوفمبر 2014

أعمدة الحياة الثلاثة (الذكر)

أعمدة الحياة الثلاثة:
أولًا: الذكر.
قال الرسول صلى الله عليه وسلّم لمعاذ: أوصيك بألا تدعنّ في دُبر كل صلاة أن تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك.
كلمات قليلات، أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم حبيبه معاذًا، بعد أن حفز كل عرق فيه، وكلَّ جهاز استقبال، أن يستعد ويتأهب للأخذ بهذه الوصية، كان ذلك حين أمسك بيده يداعبه، ثمّ أخبره بأنه يحبه...
يا معاذ، اسأل ربك بعد أن تفرغ من كل صلاة أن يعينك على فعل أمور ثلاثة...أمور حددها له، فكم هي، إذن، مهمة في الحياة، وكم هي من الثقل والضخامة حتى تحتاج إلى تأكيد طلب العون من الله لأدائها وباستمرار.
اللهم أعني على ذكرك؛ والذكر، كما هو معلوم واسع المدلول، وأول ما يتبادر إلى الذهن هو ذكر اللسان، واللسان لا يذكر شيئًا أو يردده إلا بعد تلقيه الأوامر من القلب... فإذا أحب القلبُ ذاك الشيءَ أمر اللسان بذكره، وأمرَ العقل بتصوره واستحضاره، وأمر البصر والبصيرة بتمثل آثاره،... ومن كان ذكره بغير هذا فذكره قليل عليل، وهذا ما وصف به الله سبحانه وتعالى المنافقين، إذ قال عنهم (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى، يُراؤون الناس، ولا يذكرون الله إلا قليلاً).
ومن حالات الذكر؛ ذكر الله في النفس، والشعور بمعيته في كل حال من أحوال الذاكر، في إقامته وسفره، وفي أكله وشربه، وفي نومه ويقظته، وفي حربه وسلمه، وفي صداقته وعداوته، وفي عمله أنى كان نوع ذلك العمل، يستشعر صحبة الله معه، ومعيته له، فينتج عن ذلك إحساسه بأن قوة، لا حدود لها، تدعمه، وتشد أزره، وأنّ علمًا واسعًا، اتساع البحار بل أكثر، ومحيطًا بكل شيء، يغرف منه ليسير على بينة ووضوح وجلاء، وأن رحمة تغمره كله، فلا يُحس، وهو على حالته تلك، بتعب أو نصب أو عذاب، وأن ركنًا شديدًا يأوي إليه، ويبقى في كنفه وظله، فلا يخاف ولا يجزع، وأنّ... وأنّ.... ذاك هو ديمومة ذكر الله في النفس... ولذلك فإن القلب يطمئن، والنفس تزكو، والحياة تطيب. قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب) وقال: ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى) ولذلك طلب الله سبحانه وتعالى من المؤمنين حين يكونون في ساحة الحرب، ويتأهبون للقاء عدوهم أن يذكروا الله كثيرًا، لأنهم، في تلك الحال، أحوج ما يكونون إلى طاقة تغذيهم، وقوة تمدهم، وحصن يحتمون به، وطمأنينة ينطلقون بها على ثقة بالنصر... قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثْبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون).
ويترتب عن ذكر الله باستحضار النفس لمعية الله لصاحبها، أن يجعله يصحو بعد غفلة، وينهض بعد زلّة، ويندم بعد لمم، ويُتبع حسنةً في إثر سيئة، قال تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون )... ذكروا أن معهم من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأن معهم من لا يغيب عنه مثقال ذرة أو أقل، وذكروا أن معهم من يعلم ما يُبدون وما يكتمون، وأن معهم قادر وغافر، فيسارعون بذكرهم ذاك إلى ترك الفاحشة، ومغادرة موطنها وظروفها، والابتعاد عن محفزاتها والمغريات بها، ويُصممون على ألا يُصروا على البقاء في مستنقعها ومداومة الانغماس فيه...
والذكر هو الرفعة وعلو الشأن، فذكر الله، بهذا المعنى، هو تقديسه وتنزيهه وتسبيحه، والثناء عليه، والاعتراف بالعبودية له وحده، والخضوع له بكل ما أمر ونهى، قال تعالى: (وإنه لَذكر لك ولقومك) أي القرآن هو شرف ورفعة لكم.
تلك هي بعض الومضات عن ذكر الله، فأي أمر عظيم يكون عليه ذكر الله هذا؟!... ولا ريب في أنه يحتاج للتحلي به، والعمل بمدلولاته؛ أن يطلب المرء عونًا من الله تعالى على ذلك، وكأن طلب العون هذا يعني فيما يعنيه الدعاء: اللهم أعني على أن أقوم بأعمال تصبغني في نعيم حبك، حتى أذكرك ذكرًا يليق بجلالك وعظمتك، فأفوز بأن تجعلني من (الذاكرين).
وفي إشراقات قادمة إن شاء الله يكون الحديث عن الشكر، وحسن العبادة، وهما مع الذكر أعمدة الحياة الطيبة ودعائمها للمسلم.


السبت، 22 نوفمبر 2014

من المدرسة النبوية في التربية

"إشراقة"
من المدرسة النبوية في التربية.
عن معاذ – رضي الله عنه --أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1)   أخذ بيده.
2)   وقال: يا معاذ، إني لأحبّك.
3)   أوصيك يا معاذ، لا تدعنّ في دُبُر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.

ما أعظمك يا رسول الله، معلما ومربيًا، وناصحاً! فهذا الحديث يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينصح معاذًا بنصيحة تنفعه في دنياه، وآخرته، وفي محياه ومماته، فلم يأمره بها بأسلوب جاف، وبصيغة أمرية فوقية، ولا بصيغة المتعالم، ولا بطريقة تجعل معاذًا يُحس أنه تلميذ صغير... بل قدم نصيحته مصحوبة بسلوك جذاب ومحبب. فقد أمسك بيده مسكة لرفق وحنان، مسكة يُحس بها معاذ أن دفقات من الحب تسري في جسده كله، وفي عروقه، وتلامس شغاف قلبه، فيستنفر كل خلية من جسده لتكون مستعدة لاستقبال ما سيجود به العطف النبوي الحاني... هنا كان أذنا معاذ متحفزتان لسماع ما يقوله له النبي الكريم، ومتلهف لأن يحظى بذلك التوجيه السامي... ولم يكن يتوقع أن هناك مفاجأة أخرى غير لمسة الحنان تلك، مفاجأة من شأنها أن يبسط  صفحات صدره لينقش فيها النبي سطورًا من نور...وهذا ما حصل... فقد غدا كل سلمي فيه، وكل عرق ينبض، يتغنى فرحًا وسعادة بتلك الكلمة التي فاجأه بها نبيه ومعلمه وناصحه وهاديه... (يا معاذ إني لأحبك)... ولنقف قليلًا عند ندائه الرخيم له باسمه: "يا معاذ" ، فقدمه كتعبير آخر عن الحب يسبق عبارة "إني أحبك"...وعلى المرء أن يتصور بحار الغبطة والسعادة التي كان يسبح فيه معاذ، وهو يسمع ترديد اسمه من قبل أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام...ثم إنه لم يقل له: إني لأعلمك أو إني لأنصحك ... بل قال له كلمة تحمل من قوة العبور والنفاذ ما يجعلها تصل بأسرع من لمح البصر إلى فؤاد معاذ ووجدانه... فيغدو أكثر جاهزية واستعدادًا للأخذ والتلقي.... فقد علم النبيّ الرسول، والمربي الأول، والأستاذ العظيم، أن للحب قوة وفاعلية لا تقاومها أي قوة أخرى.... قوة تصقل النفس وتزكيها، وتسمو بالروح وتحلق بها... هذه القوة تعشقها الآذان، وتتلهف لها القلوب، وينصاع المرء لمالكها طواعية برغبة وتشوق......قال له ذلك وما زالت يده الكريمة الحانية تداعب يد معاذ برقة، فتضافرت بذلك قوتا الجسد والروح... فأنى لمعاذ أن لا يستجيب لما يُطلب منه، أو يُنصح به... ولما علم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذلك انتقل إلى ما يريد من معاذ، فقال له بلغة الأخ الكبير الحاني، المحب المخلص، والمعلم الرؤوف: أوصيك يا معاذ...فراح يردد اسمه مرة أخرى، وهذا إشعار آخر له بأنه يحبه ، أوصيك... والوصية طلب برفق ورقة... ولننظر بدقة إلى ما قال له: لا تدعن في دبر كل صلة....و"لا تدعن" لها وظيفة تربوية رائعة... ولفتة يجدر أن ينتبه المربون إليها... فهي تُشعر المرء بأنه يقوم بالموصى به أحيانًا، أو أن لديه علمًا به، وكأنها تذكرة لا أكثر، ولا يُوصى من جهل عنده، أو إهمال، لكن (لا تدعنّ) تحثه على التمسك بفعله، وعدم تركه، أو الانقطاع عن قوله... وكأنه يقول له: يا معاذ، أنت تقوم بذلك أو بقريب منه، ولكن حافظ عليه ولا تدعه البتة...ثم يُوضح ويُفصل له ما يريد الحبيب من حبيبه فيقول له: لا تترك عقب كل صلاة أن تدعو الله طالبًا منه العون على ذكره وشكره وحسن عبادته. وهذه الخصال الثلاث يحتاج الوقوف عند طلب العون على أدائها إلى إشراقة أخرى فأسأل الله العون في ذلك. 

السبت، 15 نوفمبر 2014

أول الناس دخولاً الجنة

أول الناس دخولًا الجنة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هل تدرُون أولَ مَن يدخلُ الجنةَ من خلْقِ اللهِ عز وجل ؟ قالُوا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال : الفقراءُ المهاجرون الذين تُسدُّ بهم الثغورُ ، وتُتَّقى بهمُ المكارِهُ ، ويموت أحدُهم وحاجتُه في صدرِه لا يستطيعُ لها قضاءً....
الفقراء المهاجرون....تحملوا في سبيل الله تعالى بلاءين عظيمين؛ بلاء الفقر، الذي ما ابتلي به امرؤ إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وتملك نفسه الحيرة، وركبتها الهموم، والمال ، كما يُقال، عصب الحياة، فمن فقده فقد الإحساس بالحياة... أما البلاء الثاني فهو هَجْر الدار والأهل والوطن والعشيرة، نصرةً لدين الله، أو فرارًا من أن يُفتنوا في دينهم، هؤلاء الذين لم يشغلهم التفكير في لقمة العيش، لهم أو لمن يعولون، لم يشغلهم عن المبادرة والسبق في الهجرة لنصرة الحق وتأييده، أو لإنقاذ أنفسهم من جحيم الكفر والفتنة والذل والهوان؛ بالبقاء في دار يسودها الظلم، ويتحكم في مفاصل الحياة فيها طغاة ظالمون، يستمرئون استعباد الناس وتسخيرهم لخدمة أهوائهم ومصالحهم.. فتحمل أولئك، بذلك، مشقة الفقر ومشقة الغربة وهجران الأهل والأحبة...ولذلك استحقوا من الله عز وجل تكريمًا على تكريم، تكريم في الدنيا إذ جعلهم في مقدمة من هم أهل لفضائل الأعمال، تلك الأعمال التي لها نفع كبير في حياة الناس جميعًا، وبها تُدفع أخطار عظام، يمكن أن تجر على الأمة كوارث لولا دفعها، فهم الذين تُسد بهم الثغور التي تُفتح في جسد الأمة، فيكون من جراء فتحها هدر لما لدى الأمة من طاقات في مختلف المجالات الحياتية، أو بفتحها تكون هدفًا ثمينًا للأعداء؛ لأن يتسللوا من تلك الثغور، فيخربون ويفتكون بقيم الأمة، ومبادئها، فضلًا عن الإفساد فيها وإهلاك الحرث والنسل!!! عندئذ يأتي هؤلاء الفقراء المهاجرون، وقد تدربوا نفسيًا، وجسديًا، على مواجهة الصعاب والشدائد، ويسدون تلك الثغرات، مهما كان نوعها، فيمنعون الطاقات من أن تُهدر، والدماء من أن تنزف، ويمنعون، أيضًا، العدو من أن ينفذ إلى كيان الأمة وينخر فيها حتى تتهاوى دعائم وجودها، واحدة تلو الأخرى .. فتغدو أثرًا بعد عين!!!
وثمة فضيلة أخرى لهم ، تتجلى في أن يكونوا دريئات، للمجتمع، تُتَّقى بهم المكاره على تنوعها وتباينها، ذلك لأنهم يمتلكون، بصبرهم وثباتهم، وسمو نفوسهم، مناعة تتكسر على جدرانها كل معاول الهدم التي تتعرض لها الأمة، والمتمثلة في مكاره شتى، كالجهل، والذلة والصغار من الفقر المدقع، وتفشي العصبية المقيتة، لعرق أو قبيلة، أو حزب، أو إقليم، وسلوك طرق ملتوية في الوصول لغاية ما، والخنوع للظلمة، وغير ذلك من المكاره، فيأتي هؤلاء الفقراء المهاجرون، ليكونوا قدوة في المجتمع ، يحفزون الناس على الصبر والثبات، ورفض الظلم، ومحاربة كل مفسدة، وبذلك يكونون حصونا تقي الناس من شرور تلك المكاره، ومقاومة إغراءات الشيطان بحب الدنيا والدار والأهل، هذا الحب الذي يُفضي إلى الركون والدعة، وإيثارهما على الهجرة لنصرة حق أو اتقاء فتنة،...
هؤلاء الفقراء المهاجرون يُقدمون ذلك كله للأمة، عن طيب نفس، ورغبة شديدة فيه،  لكنهم في الوقت نفسه، يسمون بأنفسهم عن قضاء حوائج خاصة لهم، فمن عفة نفوسهم، والإيثار الكبير الذي تتميز به تلك النفوس، يسارعون إلى قضاء حوائج الناس قبل قضاء حوائجهم، بل في كثير من الأحوال تظل حاجاتهم تمور في صدورهم، لا يقضونها، ولا يجدون لإطفاء ذلك الموران الملتهب غير قضاء حوائج غيرهم... فيشعرون، بما يفعلون، بسعادة تتضاءل أمامها جميع سعادات الدنيا...
من أجل ذلك كله نالوا ذلك الشرف العظيم من الله سبحانه وتعالى...
وأما التكريم الثاني فكونهم أول الناس دخولاً الجنة في صحبة خير البشر من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
وهؤلاء، والله أعلم، ليسوا مخصوصين بزمان معين أو مكان معين، فهم موجودون على مدار الزمان، وعلى تباين المكان، يستلهمون من أساتذتهم الأوَل، صحابة رسول الله  الكرام وآل بيته الطاهرين، ما يقومون بمهمتهم على أكمل وجه، وأفضل قيام.

فكم، نحن المسلمين، بحاجة إلى الوقوف مليًا عند هذا الصنف من الناس، لعلّ الذين يتسابقون، منا، إلى دخول الجنة، من غير أن يُدققوا في صحة أو جدوى ما اتخذوه سبيلًا لذلك، ليتهم يقفون ويتأملون صفات هؤلاء، فيتخذون من هجراتهم القسرية التي أرغموا عليها، ومن ضيق ذات اليد التي يعانون منها، وهم محاصرون في لقمة عيشهم، وجرعة دوائهم، وهُدمة ثوب يسترون به عوراتهم، ويتقون بها حر الهاجرة، وزمهرير الشتاء... ليتهم يُحولون معاناتهم تلك لتكون دِربة على صبر عظيم، وعمل كبير لنفع الناس ودرء المخاطر عنهم... ليتهم يفعلون ذلك، ونحسب أن بعضهم يفعله، ليضيفوا إلى صدق توجههم في طلب الدنيا، صواب عمل يرضى الله عنه، فيثيبهم أجرهم مرتين، ويزيدهم تكريمًا على تكريم...   

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

حسناء...ثمرة مباركة

حسناء....ثمرة مباركة
لله در الثورة السورية، كم أعطت وكم منعت، وكم جمعت وكم فرقت، وكم سترت وكم فضحت، وكم أذهلت وفاجأت، وكم صقلت وزكت، وكم جادت وكم أمسكت...
ثورة رسمت خارطة من نوع خاص لسورية...بجميع أصناف الخرائط وأنواعها... للأرض...وللناس.... خارطة تمازجت فيها الأعراف والعادات، وتعانقت فيها القيم والمبادئ... فغدت سوريا مشهدًا متكاملًا، وكتابًا مفتوحًا، لكل فضيلة وقيمة...
وكان من ثمار ذلك كله، تلاقي الأجساد والأبدان بعد تلاقي الأرواح...تلاق ميمون، تسعد به الأرض وتباركه السماء... تجلّى ذلك فيما نراه من انصهار عجيب في بوتقة الثورة...
وكانت ولادة الطفلة "حسناء الملحم" إحدى الروايات التي تجسد فيها ذلك الانصهار... فلنعش مع تلك الرواية التي ترد على لسان أمها الدّاريّة في هذه القصيدة...
بين أنقـاض وأشــــلاء ورُعــبِ****بـيــــن أنـــاتٍ وآهـــاتٍ وكــربِ
وعلى ضـــــــفّــة نهــرٍ مـن دمٍ****طاهر، قــانٍ لقــــد ناجَـيـت ربي
يا إلهي، إنّ "داريّــا" غـــــــدت****دار سجني، وأجـاجًا صار عذبي
وبكت فيــــها الأقـــاحي تشتكي****من جفـــافٍ قد غَـزاها دون ذنبِ
كلّ صُبـحٍ كان عـــــمي حامـلًا****في حنانٍ، واشتياقٍ مـــاء شــربِ
وأبي ما زال يحـــيـــــا ذكــــره****في فـــؤادي، ناطقًا آيــــات حبي
قــد تـــــلاشى كلّ هــذا فـجـــأةً****وغــزت أحــلامَــــنا أفلامُ رُعبِ
يا إلهي، جـاءنا وحـــش عــــدا****مُوقــدًا بالحـقــدِ نيــــرانًا لحــربِ
فاغــرًا فـــــاهُ عليـنـا غــاصـبـًا****كل شيءٍ، كلّ عرضٍ، كلّ قــلبِ
لسـتُ أدري والمنـــايا أصبحتْ****حاصـداتٍ أهـلَنا من غيـــر نـدبِ
فجــأةً ألفيت نفسي فــي حمــــى****من رجـوتُ أن أراه اليـوم جنبي
إنّــه مـن "بــابا عمـــرٍ" إنّــــــهُ****يعــربيٌ، مـسلمٌ، أضحى بقــربي
جمــــع المولى الكريـــمُ بينــنــا****في رضــاه قد سلكنـا خيـرَ دربِ
أنْعـــمَ المَـــولى عليــــنا بابـنـــةٍ****في ربُوعٍ حُرّرتْ من نـاب ذئبِ
سُمّيتْ حسنــاءَ من حُســن لـــها****ذات دلّ وحــــيـــاءٍ ذات جـــذْبِ
ولهــا عينــــان زادت سحـــرَها****شعـتـا نــوراً لشـرقٍ ثـمّ غـــربِ
زانَــهـا ثغــرٌ يحاكي بُـــرعُـــمًا****لورودٍ قد غفـت من فـوق عـشبِ
لا تسلْ عَـــن وجنتــــيها فهـمــا****وجنتـا تفاحــــةٍ  حمــراء خضبِ
ورثَـــتْ عَـــن أبـــويــــها أدبــًا****بَـــرّة كانــتْ لمـــا شــــاءا تلبـي
إنّ ربّــي مُبْــدعَ الأكــوانٍ قــــد****أبـدعهـا، ووقــاهــا شـرّ خطْــبِ

الإثنين 10/محرم/1436 الموافق 3/تشرين الثاني/2014