الأحد، 31 أغسطس 2014

الجهاد وميدان المعركة...

الجهاد وميدان المعركة...
ميدان المعركة اليوم ليس فقط تلك التي تُثير أقدامُ المجاهدين غُبارَها، وتدقها سنابك خيولهم فترتج منها، لو قصرنا الأمر على هذا لضيقنا واسعًا، ولجانبنا مدلول الآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم).
إن ميدان المعركة اليوم أوسع وأشمل من ذلك، فكما أنه لا يجوز لمن يقود الطائرة في كبد السماء بمهمة ما (قتالية أو غيرها) أن يقول لمن يجلس في غرفة على الأرض وراء أجهزة الحاسوب، يدير ويوجه الطائرة، ويحدد لها الهدف، وإلى جانبه في الغرفة نفسها، زميل آخر يرصد الجو وما فيه من تقلبات ليحذر قائد الطائرة من مغبة عدم الانتباه إلى تلك التقلبات وما يأتيه من تعليمات بشأنها، و... و... فلا يجوز لمن في الطائرة أن يعيبوا على الآخرين كونهم في الأرض، قائلين لهم: جهادكم هنا في الجو، وفي داخل الطائرة وهي تعلو وتهبط، تتابع مواقع العدو لتدكها...وليس في الأرض حيث الأمن والأمان، والكراسي المريحة، والمكيفات المنعشة.
 كذلك أيضًا لا ينبغي أن نقصر عمل العاملين، وجهاد المجاهدين، فقط على أولئك الأبطال الذين هم في ميدان المعركة، يستنشقون غبارها، ويروون بدمائهم ثراها، وإنما من ورائهم جيش كامل من علماء التخطيط والإعداد، والحاسوبات، والاقتصاد، والحرب النفسية والمعنوية، وثقافة الحرب والسلم، وأساليب الكر والفر، وهم في غرف محصنة... وربما تفصل بين هؤلاء وأولئك مسافات شاسعة، فجميع هؤلاء مجاهدون، وهم جميعًا في ميدان المعركة... لكن ثمة أمران لا بد من التنبيه إليهما:
الأول: يجب ألا يطغى مجال على مجال، بل يجب أن يتحقق التكامل، وعليه فينبغي وجود إدارة تتولى اختيار الرجل المناسب للمهمة المناسبة، وهنا يكون للحس الإيماني عند الشخص دور كبير في هذا.

الثاني: موضوع التفاضل، يرجع إلى الله فهو الذي يعلم ويميز الأفضل من المفضول، وإن كان لطبيعة العمل وأهميته دور في ذلك أيضًا.

السبت، 30 أغسطس 2014

هُنّئْــتِ غزة إن نصرك حـــاسم

هُنّئْــتِ غزة إن نصرك حـــاسم
قصيدة مُهـداةٌ إلى أبطال غزة الميامين، الذين أبطلوا بشجاعتهم مقولة الجيش الأسطورة الذي لا يُقهر، فحققوا، في معركة العصف المأكول، النصر المبين، وإلى شعبها الصابر الصامد الذي لم يلن، على الرغم من قسوة ما ارتكبه بحقه المجرمون، وقدم ثمن هذا النصر دماء زكية ستبقى في الأرض نورًا يُضيئ درب المستضعفين، ونارًا تحرق الطغاة المستكبرين....

هُنّئْــتِ غزة إن نصرك حـــاسم****لقلوبــنــــا هو راحــة هـو بلسمُ
هُنّئـتِ غـــزة فالأحبــــة أقبـــلوا****بكتائـــــبِ القسّامِ جـاءتْ تُـقسمُ
لا لن نقيـــلَ ونستقـــيــلَ وإنــنـَا****ماضون، في دربِ العلا، نتقدّمُ
والأرضُ زيّنــها الربيــــعُ بحلّـةٍ****يرنُو إليـــــهـــا عاشِـقًا يتـــرنّـمُ
يتــلو كتابَ الله فـــــــوقَ أديْــمها****وأديمُها قـد زاد نُضـــرتَـــه دمُ
دمُ فتـــيـــةٍ مثل الورودِ تفَــتَّحتْ****حــورُ الجِنــان أتت إليـها تلثــمُ
لم تعرف الدّنيا سوى ما كان من****ضرب القنا أو مصحَفٍ تتعـلّمُ
نظرتْ فألفتْ شعْـــــبَـها في ذلّـة****ويسومُـهُ، خسفًا، عـدوٌ مُجْــرمُ
وديـــارُهـــا مُحتـــلّةٌ ويحوطُهــا****من كل نـاحيَـةٍ حصــارٌ  مُحكَمُ
ورأتْ على مـرّ الزّمان قوافـــلًا****شُهـداءَ في وجْه الرَّدى تتــبسمُ
لم ينْحَــنــوا للنائبات تـــؤزُّهـــمْ****لمْ يُغْرِهمْ عَرْضٌ، ولم يستسلموا
بــذلوا نفــوسهــمُ لعـــزة أهْــلهم****ذُلّ النّفـــوس لديْهــــمُ لَمُـــــحرّمُ
بئس الحياةُ إذا النّفـوسُ تمرّغتْ****بالذلّ، بَــل إنّ الحيــــاةَ جهنّـــمُ
مِنْ حولهــم إخــوانُهم في محْــنةٍ****ويُرى السَّفيْهُ، بجهله، يَــتحـكّمُ
والعــرْبُ شتّى، جلّهم في غَـفـلةٍ****وعــلى أسِـرّتهمْ، بِـعُمْقٍ، نُــوّمُ
وإذا صحَوا يومًا علتْ صرخاتهم****فــي حِدّةٍ، وعـداؤهمْ مُستحكِمُ
يتـــلاومون عَــلى أمُـورٍ رثـــــةٍ****عنْ أُمّهاتِ أُمُورهم قد أحْجَموا
شُــغِــلوا بِـمــا يلْهـو به أطفـالُهمْ****وتَفرّقوا،وتنازعوا، وتخاصموا
لمّـا رأى فتــيانُ غـــزة مـا رأوا****من واقعٍ مـرٍ، وحــــقٍّ يُهضَــمُ
ورأوا وجوهــًا أنكروا سحناتِـها****أخذت تُحِـــلّ بأرضهم وتُحــرّمُ
للغــاصبين يُشــــادُ قصرٌ شامخٌ****وبيوتُ غــزة بالقنـــابل تُهــــدمُ
ورأوا قضيّتهم تُبـاعُ وتُشْــتَـرى****وذوو القرابةِ في التجـارة يُسهمُ
نظروا فما ألفَوا سوى نهج التقى****نهـــجًا إذا اتبعــوه لن يتــندموا
ورأوا جماعــتَـه بحـقٍ جــاهدت****ولنصـرهم أجنــادُها قد أقسموا
فغـــدت منارتَهم، ونورَ طريقهم****وعلى مرابعها، أنـاخوا، خيّموا
وعــلى التـوسّط نــشَّـأتهمْ دائمًا****من نبعها الصافي استقَوا وتعلَّموا
حتّى غدوا فُرسان حقٍ وامتَطوا****لجيادهم،خاضوا الوغى وتقدّموا
قد حيّروا بالحرب أرباب النّهى****وعــدوهم منْــهم غـــدا يتبــــرّمُ
وقضوا على أُسطُورة الجيش الذي****قد قيْل عنه بأنّـــه لا يُهــزمُ!
أنفــاقُـــــهمْ كانَــتْ متَــــاهاتٍ له****ورأى بأنّ المَـوتَ فيهــــا لازمُ
وسقوه من كأس الهــزيمة شَربةً****فمضى يُولولُ، هاذيًا، ويُهَـمهِمُ
فــي غـــزةٍ ألفـــى سيوفًا للردى****بتّـــارةً، وبحـــدّهـــا لا تـــرحمُ
قــد سلّها الفرسان من أغمــادها****رجعوا بها، مُحْمَــرّةً، تــتـــكلّـمُ
عن جُبْنِه، عنْ غدْرهِ،عنْ حُمقه****عن كل ناقــــصةٍ لديه تُــترجِــمُ
لم يُجْـــده استنجـــاده بعـــبـيـــده****وقضى لياليــــَه حزيْــــنًا يــأْلــمُ
هُنّئـتِ غـــزةَ إنّ نصـرك غـائظ****لمُنـــافقٍ ومثــــبّـــطٍ لا يفْـهـــــمُ
هُنّـئتِ غـــزةً إن نصرك هاتـفٌ****(دحْر الطّغــاة مُحققٌ، هو قادمُ)
الأربعاء 1/ذو القعدة/1435 الموافق 27/آب/2014





الجمعة، 29 أغسطس 2014

ذلكم الرباط

 ذلكم الرباط
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله.
قال : إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ". رواه مسلم .
في اللغة: ربطه: أوثقه وشده، ورابط الجيشُ: لازم تخوم العدو، وربط الله على قلبه: قوّاه وصبّره، ورابط الأمر: واظب عليه.
ما أحوجنا، ونحن نعيش أحداث الثورة السورية، بكل ما فيها من صعود وهبوط، وسلبيات وإيجابيات، وتقدم وتأخر، أن نقف بتأمل عند هذا الحديث العظيم، ثم نتعاهد على العمل بما جاء فيه.
ما من مخلص للثورة إلا وقلبه يهفو إلى ذلك اليوم الذي فيه تنتصر، وتحقق هدفها الأساسي. وإن قومًا يتسربلون بالخطايا، وتغمرهم الذنوب، ويسبحون في بحر المعاصي على اختلافها، إن قومًا، تلك حالهم، لا يُمكن، حسب سنن الله أن يحققوا هدفًا نبيلًا، ما لم تُحطّ عنهم تلك الذنوب، وتُمحَ من سجلاتهم الخطايا، وبعد ذلك يَسْمون، بأرواحهم، إلى أقصى درجات الكمال الذي به يستحقون أن يتبوَّؤوا مقعد الصدق في الدنيا والآخرة.
والرسول، صلى الله عليه وسلم، يبين لنا سبيل ذلك، والوصول إليه، ويلخصه في الآتي:
1-   إسباغ الوضوء على المكاره، والإسباغ هو الإكمال، والتحسين، والإكثار. فلا يتثاقلن امرؤ يريد أن يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى عن تطهير بدنه ونفسه على أتم وجه، يطهرها بدنيًا بإحسان الوضوء، ولو في طريق ذلك مكاره وعقبات، كبرد، أو شح ماء، أو بعده، أو خوف من عدو، أو غير ذلك من المكاره...ويُطهرها، روحيًا، بصدق النية وحسن التوجه إليه سبحانه، فمن يفعل ذلك يكن في دورة تدريبية على الإصرار والمثابرة على تحمل المشاق والمتاعب في سبيل الوصول إلى الهدف. وهذه لا بد من أن تتحقق في الثوار الحقيقيين ليبلغوا مرادهم ويُحققوا أهدافهم.
2-   كثرة الخطا إلى المساجد، والمسجد بيت العلم، وبيت إظهار العبودية لله وحده، وبيت التلاقي والتعارف والتآلف مع الآخريبن، وبيت يتعرف المرتاد له على مشكلات إخوانه، ويسعى في حلها، وبيت يُحِسّ فيه المصلون وهم يقفون إلى جانب بعضهم بعضًا متراصين، في اعتدال تام، من غير أن يتقدم واحد على الآخر أو يتأخر، أقول يُحس فيه المسلمون بنوع من الصلة فيما بينهم تسري فيهم جميعًا في لحظة واحدة وفي مكان واحد وفي ظرف واحد... فيتعمق في نفوسهم أنهم جسد واحد، يتعاونون على جلب كل خير، ودفع كل ضرر. وهذا الإحساس ضروري وجوده عند الثوار؛ حتى يتحقق المعنى الفعلي لما تدل عليه الآية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعًا)، وهذا الإحساس ضروري أيضًا لتنتفي عن كيانهم دواعي الفرقة والتنازع، التي حذرت منها الآية الكريمة (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
3-   انتظار الصلاة بعد الصلاة: فالصلة غذاء الروح، ومصدر الطاقة النفسية للمؤمن، فعليه أن يبقى متشوقًا إليها، يترقب حلولها؛ ليعوض ما استهلكه من طاقة، وما صرف من وقود، حتى يبقى عنده مخزون احتياطي، وهو يقوم برحلة هدم الباطل والفساد والظلم، وبناء صرح الحق والصلاح والعدل. والانتظار يمكن أن يكون بدنيًا أو روحيًا أو بالاثنين معًا. وهذا ضروري للثوار، وعليهم أن يحرصوا عليه قبل حرصهم على تأمين الوقود المادي من عتاد وسلاح، فهذا يمكن أن يُحجَب عنهم، وتعترضه عقبات أما الأول فلا، سوى تثبيط الشيطان لهم، وهذا بمقدورهم دفعه حين تقوى الإرادة عندهم.
تلك هي الأمور التي بينها نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، ومعلم الناس الخير، وقائدهم في الحرب والسلم، الأمور التي بها يتحقق الهدف، وتُبلَغ الغاية، وقد أطلق، عليه الصلاة والسلام، على ذلك كلمة "الرباط". فإذا رجعنا إلى ما تقدم من المعنى اللغوي للرباط، نجد أن هذه الأمور هي التي توثق الصلة مع الله تعالى، وتوثقها مع المؤمنين أنفسهم، وهي التي تمثل الوجود الحقيقي الفعال لجند الحق على تخوم العدو لمناجزته، ومنعه من الاقتراب من ساحة المؤمنين، والنيل منهم، وهي التي تقوي العزيمة والصبر، وعدم التخاذل والتقهقر أو التراجع عن السير في طريق الحق حتى بلوغ الهدف المنشود.
أجل: ذلكم الرباط أيها الثوار، ومن لم يفعل ذلك فكأنه يعبث، لأنه لا يرابط، ومن لا يرابط لا ينتصر على عدو... فلنعِ ذلك جيدًا. اللهم اجعلنا من المرابطين في سبيلك، حتى نستحق نصرك الذي وعدته لعبادك المؤمنين.  

السبت، 23 أغسطس 2014

في ذكرى مجزرة السارين

في ذكرى مجزرة "السارين".
عام يمرّ على الجريمةْ
والناس أسدلتِ الستارَ على تفَاصيلِ الجَريمَةْ!!
إلا الذين لهم ضمائر حيةٌ..
تأبى الخنوعَ أو الهزيمةْ
عام مضى ....
والغوطة الشرقيةُ الثكلى تصيح بملء فيها، تشتكي
في ساحتي وقعت جريمةْ....
نحروا الطفولة، في دياري، غضةً
 صنعت "حضارتُهم" وليمة!!!
ودعَوا إليها من تعطشَ للدماء ويرْتوي
مَن يشتهي، لفطوره، لحمًا ولم تُذبح لشهوته ولودٌ أو عقيمة
فدم الضحية لم يُرق
دمُها تجمّدَ في العروق، بل اخْتنق...
والمَوتُ حطّ رِحالهُ مُتألّمـــا!!!
ما كان لُغزًا، إنما...
"سارين" قرمط, قد سرى، فجرًا، ويبحث عن غنيمة!!!
قد شمّ رائحةَ الضحية والغنيمة
في جوبرٍ...في عين ترما، ثم عربين الكليمة....
ومع الصّبا، متسللًا، ألفى الضحايا شُرّعـــا
في طفلة ترنو لوالدة لها كي ترضعا...
نادت مرارًا، وارْتمتْ في حُضنها...
والأمُّ شاخصةٌ، قضَتْ... لن تسمعا!! 
كل الضحايا جاهزة
وفظائع السارين فيها مُنْجزة
في غادةٍ، حلمت لتسكن في قصور للأمومة
أو في فتًى غضّ الإهابِ وتحته نفس عظيمة!!!
أو في شيوخٍ رُكّعٍ صلوا الغداة تشوّقًا وبهم عزيمة
بثت ذئاب العصر فيهم سمها
فغدوا عراجينًا قديمة!!
وذوو الضمائر في ذهولٍ من بشاعة ما رأوا
لكن غيرهم بدا مستمتعًا...
وجدوا بساحات الجريمة مرتعا...
منّاهُمُ، في فعلهم، فيضٌ لأحقاد قديمة
لم يعرفوا لبراءة الأطفال قيمة...
لم يعرفوا لوقار شيخ قد تقوس ظهره قطميرَ قيمة...
لم يعرفوا لحنان أمّ قد تفطّر قلبها مثقالَ قيمة...
والساقطون من الأنامِ نسوا الجريمةْ
ونسوا بشاعات الجريمة...
ونسوا أياديَ لُطخت بدماء أطفال كريمةْ
*******
يا شامُ صبرًا.... إنها أقدارُ ربك في الأممْ
فغدًا يزول الكربُ عنك وينمحي ليل الظُلَمْ
وغـــدًا تريْن المجرمين وذيلهم تحت القدمْ

لا تجزعي، فالنصر آت لا محالةَ...أنت من أهل العزيمة...
لا تجزعي...أنتِ الأصيلةُ والعظيمة.
إنّ الربيع لقادمٌ.... وستقطعين يدًا أثيمةْ.
الخميس 25 شوال/1435 الموافق 21/آب/2014


الجمعة، 22 أغسطس 2014

مع الشهداء القادة.....


مع الشهداء القادة...
كان شهداء غزة الثلاثة، يوم الأربعاء المنصرم، على موعد مع عرس كبير، يُقام لأجلهم، في موكب عظيم، جمهوره كرام بررة، يحملون ورودًا نضرة، ذات روائح عطرة، أما عرائسه، فهي قبسات نيرات، وومضات ساطعات، من نور رباني، تطوف، في سماء المكان، وتسابق الزمان، تتنافس مع الحور العين، أيها يسبق ليكون وسامًا يزين صدر كل شهيد...
كان لسان حالهم يقول:
سبحنا في بحار النور نــــرنو****لمَــــــولانا، وقـــــــاربُـــــنا يسيــرُ
نسينا ظُلمة الدنيا وصِـــــــــرنا****إلى فـــردوس بارئـــنـــــا نطيرُ
في الحقيقة لم يكونوا ثلاثة... كانوا شعبًا حرًا أبيًا، يتسابق جميع أبنائه لمثل هذا الزفاف، يمتطون بُراق الشهادة، ليصلوا بلمح البصر إلى المقام الندي، والظل الوارف، والجوار الكريم...وقبل ذلك كله؛ لتحلق أرواحهم في عليين بعد أن نعمت برضوان خالقها العظيم.
نبَـتنا في ثـــــــرى أرض طهور****وربّـــانــــــــا عبــــــاقـــرة صقــــــورُ
بحـــــــبل الله لُذنا واعتصـــمْـنــا****فما غزت النفوسَ لنا كُدورُ
نشأنا إخـوةً في اللـــه نمضي****وما عاقت مسيرتنا القشورُ
ليس ما سبق كلماتٍ منمقةً، ولا سطورَ عن أساطير، يسبح فيها خيال أديبٍ، فيزيَّن له أن يقول ما يحلو له أن يقول...
لا ، بل هي حقائق، بأسماء وكنًى، بلحم ودم، قضوا شهداء في أرض ولدتهم، فاحتضنتهم كما تحتضن الأم فلذة كبدها بعد أن قرت عينًا ببرهم ووفائهم...
أجل... هو ذاك؛ فالأم أرض غزة، والعرس لأبناء لها، محمّدَين ورائد، محمد أبو شمالة، ومحمد برهوم، ورائد العطار...خيار من خيار..حقائق بيّنات ظهرت على لسان صادقات، مؤمنات عفيفات، تعطرت جباههن برذاذ دماء هؤلاء الشهداء...كُنّ لهم أزواجًا أو أمهات... وأرحامًا قريبات ... كانت ألسنتهن تنطق بكلام واحد، كأنهن تواصوا به...أو كأنهن اغترفـنه من إناء واحد، فيه درر حسان من بديع العبارات، وأنصع الكلمات...لقد قلن ببيان ساحر، وجلاء مُبهر( ألا لا يفرحَنَّ العدو بأنه قتل القادة... فقد استشهد من قبل قادَة أُوَل: أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، ونزار ريان، ويحيى عياش...وغيرهم كثير...واستمر الجهاد... فالأرض ولود، والمدرسة التي تربى فيها السابقون هي نفسها التي نشَّأت هؤلاء، وهي هي التي ستجود بقادة المستقبل وفرسانه... النبع ثر، والأرحام طاهرة نقية، والأرض معطاء...فإمّا أن نموت شهداء أو نعيش بكرامة وإباء...) هذا ما قالته الأمهات والزوجات... قلن ذلك وعيونهن تتراقص فرحًا بمشهد هذا العرس، وشرف هذا الوسام الذي زينهن جميعًا...
يَقـــــول الجاهلون مقـــــــال ســوءٍ****بأنّ القتــــــل يجعـــــلنا نخـــــورُ
فهل مَن كان في الظلماء ميتًا****كم هو قلبــــــُه حيٌ مــــــنــــيرُ
سنورث غـــــــــزة الغــــرّاء صِـــيْدًا****ذوي جـلّدٍ، وليس لهم نظيرُ
ويرجف منهــــــمُ الأعـــداء ذعـــرًا****بأيديهم لقـــد حُفـــرت قبــــــورُ
سنورث قـــــــــــادةً أقوى مضــاءً****بهم يُهدى لنا النصر الكبيرُ

 

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

يا طالبًا للنصر من أعدائه

يا طــالبًا للـــنّصْرِ من أعْــدائهِ....
هل جـــــاءك الإيحــــاءُ والإلهـــــامُ****أم إنهــــــا يــــــا صاحبي أحــــــلام
يا طــالبًا للـــنصـــرِ من أعْــدائـــــهِ****أقْصـــرْ، فأنْتَ لِما طلبْتَ مُلامُ
ها قد طلبتَ النّصْـر من قـومٍ أبوا****عَوناً لنا، وكأنّهُـــــــــــم أخْصــــامُ
أنسيتَ كم مِنْ مستغـــــيث أمّــهُـــم****لم يسمَـــــــعـــــوه ، وزادت الآلامُ
كم مَـــــرّةٍ قَـــــد نَـــــــاشدوهم نجْـــــــدة****فـتــــــبـــرّموا، وتَــــــحَّــيــــرت أفهَـــــــامُ
ومَضى كبيـــــــــــرُهم يُـــقـــدّم عــــذرَهُ****أعْــــذاره، فيما بَـــــدَتْ، أوهَــــــــامُ
لَم يلتفتْ لبكـــاء طفـــلٍ بــــاحـــــــثٍ****عن أمِّــــه، والدمْــع منْـه سجــامُ
وأصمّ آذانا على أنّـــات شيـــــــــــــ****خ مُبتلًى، نـــــــــادى به الإعـــــلامُ
كلا ولَــــم يعْــــــبــــا بآلاف قضــتْ****وبمـــوتِها قَـــــــد ماتَــــت الأحــلامُ
ما حـركتْ فيه الضـحـايا شعـــرةً****وضمِـــيـــرُه عَـــــمّـــا جَـــــرى نَـــــوّامُ
ناشدْتَهُ فــي أن يـــــدكَّ مَــــواقــعـــــًا****لرفـــاقِ دربٍ، بعضُــهُــــم ظُـلّامُ
أضمِـــــنْــــت ألا يقْــــصفَـــــنَّ أحِـبـــَّةً****أعمــالُهم، في عُــرفـِــــهِ، إجـــرامُ
لكنّهم، بـذلوا النّـــفُــــوس رخيصةً****والنّاسُ،فــــيـما جـــاهدوا قـد هامُوا
أتُراهُ يقصف مجْــــرمًا لا يَرعــــــوي****شهِدت على إجْــــرامه الأيّــــامُ؟
أتُــــــراه يقصف جُنـــــده وعَـــــتـــــادهُ****وقصــــوره، أم إنّ ذا لَمنـــــــــــامُ؟
أو إنـــه يُقصـــيــه عَـــــــن ضرباتــــهِ****فــأذى الربِــيـب معَـــــرّة وحــرامُ!
كم جـــرّبُــــــــوه فمـــا رأوه مُنـــاصـــــرًا****ووعــوده قـــــــد لفّهـــــا الإبْــــهــامُ
أيُغيثُ ذئــــبٌ نعجـــــــةً لاذتْ بــــــه****وهــــي التــي زادٌ لـــه وطعـــــام؟
يا مُستجــيْـرًا بالمُجـــرَّب لن تــــــرى****فيه المُـــرادَ، فــــما لديْـــه كــــلامُ
ويـــــروغ منْــك كثَــعْـــلبٍ مُتحـايــــلٍ****يثنيهِ عن عون الورى إحجـــامُ
يا صـاحبي، قالوا قديْــــــمًا حكمـةً****وضّاءةً، تُشفى بهَــا الأسْقــــــامُ
دعْ كل ما جـــرّبْــــــتــــَــه وخَــــبــــرتَــــه****إنّ المُجرّبَ ليس فيــــه مــــــرامُ
واتْـركْهُ، لا تَــــنــدم على هُجـْــرانــــــهِ****هجْــــرُ المجـرّبِ نعمةٌ وســلامُ
يا شـــامُ عـــــــودي للإلـــه وأيْقــــنـــي****ألا انتِـــــصــــار بغيــــره يــــا شامُ
الثلاثاء 25/شوال/1435 الموافق 21/آب/2014


الأحد، 17 أغسطس 2014

تأويله خلط وسُقم


تأويله خلط وسُقم!!
ما بين فترة وأخرى، يخرج شريطٌ أو مقالٌ، صادرٌ عمَّنْ هو موغلٌ في الغلوِّ والتنطع، والتشدد، وانغلاق العقل، والفكر، فيسارع في التكفير، والتخوين، والتفسيق، والاتهام بالردة لهذا الشخص أو ذاك، أو لهذه المجموعة أو تلك... غيرَ آبهٍ بمن يُطلق عليهم ذلك، ولا بأعمالهم، وتاريخهم، و... مُضخّمًا من أخطائهم حتى يراها من أكبر الكبائر، بل أكثر من ذلك!!!

ولا يتردد في إيراد نصوص، ويُسقطها جورًا وتعسفًا على من يتهمهم، من غير تمحيص وتدقيق فيما ترمي إليه تلك النصوص، وفيم نزلت، وكيف نزلت؟

وفي هذا الشأن قلت:

طوبى لِمَـــن قد كفَّــــرهْ****متــــنَــــــــطِّـــعٌ، ســفَّــــــــاكُ دمْ
متحدّثٌ باســـمِ الذيـــــــــــ****ـنَ كلامُهم قـــذفٌ وشتــــمْ
ويَــــــقــولُ قــــــــولـــةَ كارهٍ****للمــــؤمنــــــــيــــــن بشــــــــــــرِّ ذمّ
ما بينَ مُرتـدٍّ وآخرَ فا****ســقٍ أو تـابعٍ لِرجَـالِ قُـــمْ
أو خـائنٍ للـــه أو لِرسولهِ****في فعــــله للـــدينِ هـدْمْ
ساق الدّليـــلَ من الكتــا****بِ ومـــا لـهُ حَـــظٌّ وفهــــمْ
في رأيــــــــــهِ زيْــــــــغٌ وفــــي****تأويــــــــــــــلِه خــــلطٌ وسُقــــمْ

الأربعاء، 13 أغسطس 2014

نــــــورٌ أضــــــاء لِــتُــــــرْكيَّـــــا مسيــــــرتَــــها

نــــــورٌ أضــــــاء لِــتُــــــرْكيَّـــــا مسيـــــــرتَــــــــــها
فيض من النور فـــي باكـــورة السحَـــر****قَد شع بالبشر مهْــــديّـًا إلـــى البشــرِ
يسري مـــــع الفجــــر بالآمــــال يحملُهــا****والنّفـسُ في بهجةٍ تسمو مع الخبرِ
نــــــورٌ أضــــــاء لِــتُــــــرْكيَّـــــا مسيــــــرتَــــها****من بعـدٍ لـــيلٍ شكا منْ غَيبـةِ القمـرِ
عُرسٌ أقـــــيـــْم عــــلى أحضـــان رابِــيـــــةٍ****أو بطن وادٍ وفي بـــدْوٍ وفي حضـر
عُـــرسٌ أقيم وفيــــه الرّوضُ ذو عبــــقٍ****فيه الورود زهَـــــــت كالمخـمَل النّضـرِ
عـــرسٌ تربّـــــــــــــع فوق العرش صاحبُهُ****وكان يَعـــــلوه أعْــــــمى فاقِـد البصـــر
أنّـــــى يُوجـَّـــــــــــه لا جــــــدوى لِوِجْـــــهَتِـــهِ****يُلقـــــيـــه قــائــده في أْعمـــــقِ الْحفـــــرِ
عُــــــــرسٌ يفـــــــوح بعطـــــرٍ كان مبعثَـــهُ****أنفاسُ طيبـــــةَ تُحيــي كل منْـــــكــــدرِ
فيه المــــــآذنُ غَـــــنّـــتْ خـــير أُغْــــنيـــــةٍ****لَــم تشدُ مُـــمْســكةً بالنّــاي والـــــوتــَـــــرِ
بل كان حَـــــبلٌ من الرحمن لُحمتَهــــــا****أمّـــا سُــــــــداهـــا فآيــــاتٌ مِــــــن الزُّمـــرِ
"الله أكـــــبر" دوّتْ فـــــــي مــــرابعِــــــهـــــا****فعَـــزّ ذو وبـــرٍ في الأرض أو مـــدَرِ
يا حــامِـــلَ الهـــمّ ألْـــــــقِ الهمّ وارمِ بــــهِ****ما زلـــــتَ تحمــــلُهُ ردْحــــًا من العُمُــــرِ
لمّــا هــَـــوتْ خيْــــــمـــةُ الإســــلام باكيــــةً****وذلّ من بعدِهـــا الآســادُ من مُضـرِ
والصِّيْدُ في الأرضِ لا مأوى يضمُّـهُـمُ****ما بـين مُعتقَــلٍ فـــــيها ومُحْـــتَــضــــرِ
شـــعــوبُــــنـــا ابــــْتُــــلِيَـتْ بفَـــــــاسِقٍ خَـــرِقٍ****في عــقْلــهِ خَـــــــبَــــلٌ للحـــــلْمِ مُفتــــــقِرِ
أو جـــاهِــــلٍ حَمِقٍ، في حُكمـــــــهِ نــزِقٌ****إن لم يكن أصــلُه مــن منبِـــتٍ قــذِرِ
في كفّـــــــــــهِ خِنـــــجَـــــرٌ بالسّـــمّ طعّـــمَــه****في جــوفِــــه حــمَــمٌ بالحقـــدِ مُستَـعِـــرِ
آن الأوانُ لِــــــكَـــــي نَـــْنسى مآســــــــيـَـهُ ****قــــد دكّ "طيِّـــبُـنا" معــــاقـــــلَ الخطـــرِ
أصنـــــامُهــــا سقطتْ في قعــر مزبــــلةٍ****فأصبَــــحت عِبـــرًا لكـــــــل معْـــــتَــــبــــِــرِ
عبدَ الحميدِ ألا فانْـــظر بعين رضًـــى****هـــذا حفيــــدُك يُحْـــيي ســــيْــرة العُمَــــرِ
وقَـــــــــــرّ عيــــنـــًا بمَـــــــا أهــــدى لأمتنـــا****مقتبِــــسًا هـــديَــه مِـــــن غُـــــرر السّـــوَرِ
مُحــــمَّــدٌ، إن غـدا في فتـــحــــه بطلًا****لمّـــا بــهِ بشّــــرتْ أعَـاظِــمُ السّـــيَـــرِ(1)
فَـــــــإنّ في رجَــــــــبٍ وجُـــــــلِّ إخــــوتِـــــهِ****مفْـــــتــَــــاحَ نهضتنـــــا لكلّ ذي نَــظـــــرِ
وإنّ في قـــلبــــِهِ نـــورًا يســــــــيـــــــــرُ بــــهِ****فجـــرًا وعصـــرًا وفيــــه لـــــذَةُ السّحَــــــــرِ
ما كانَ في صـــدرهِ حـــقدٌ عـــلى أحـدٍ****مـــدّتْ يـــــداهُ لِـــمَــــــن وافــــاه بـالــــنّــــذُرِ
لَــــــــم يَــــبْـــــــقَ ذو عَـــوزٍ إلا وأكْـــرمــــه****فارتــاح من سأمٍ يُضنيــه أو ضجــــرِ
وهَـــبّ مُـــــــــنْــــــتَــــصـــرًا لمــن بــــهِ ألـــــمٌ****من أجـــلِه، واقفًا، قـد بات في سهـــرِ
آواهُ يُسْـــــعِـــــفُــــــهُ والأمْــــــــنَ يمْـــنَحــــُـــهُ****باللّطــف يحمـــلُه في المسلَـكِ الـــوعِـرِ
والشّـــــــامُ مهجتُه ومِــــصــــــرُ هاجسُــهُ****وغَـــــزّة عِــــــــنده فِــــــــي مقلـــة البصــــــرِ
قـــــد عـــاد شَـــانِــــئُـه بالــذُّلِّ مُـــتَّشِحـــــًا****وبـــاءَ في خيـــبَةٍ، وصـــار في خــــوَرِ
(1): هو محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية.
الإثنين 15/شوال/1435 الموافق 11/آب/2014
في مدرسة لضيوف تركبا من اللاجئين السوريين

الجمعة، 8 أغسطس 2014

اهدنا الصراط المستقيم

()()()***اهدنا الصراط المستقيم*** ()()()
الصراط المستقيم العام هو الإسلام، والله سبحانه وتعالى قد هدانا إليه، وبينه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم... فكيف نفهم هذا الدعاء إذا كانت الهداية قد تحققت في الأصل؟
***يمكن أن يُفهم بأن المسلم يسأل الله تعالى أن يعينه على السير في الطريق الذي هداه إليه فالهداية لا تكتمل إلا بمعرفة الطريق أولًا والسير عليه ثانيًا وبلوغ الهدف ثالثًا. أما المعرفة فقد تحققت بالقرآن والسنة، وأما السير والاستمرار فيه فهما جهدان بشريان يتمان بمعونة الله للعبد وتهيئة الفرص والوسائل المناسية لتنفيذهما. وهذا هو مفهوم (اهدنا الصراط المستقيم). والله أغلم.
***أو يمكن (والله أعلم) أن يكون المفهوم مبنيًا على التفكر فيما هو مطلوب من المسلم القيام به وهو أن يتوجه إلى الله بهذا الدعاء، في اليوم، سبع عشرة مرة، على الأقل، وهي موزعة على خمسة أوقات. فإذا عُلم أن عمل المرء الفعلي موزع ما بين هذه الأوقات (من الفجر إلى العشاء)، وأن المرء في عمله معرض لأن يُخطئ ويصيب، فكأن الله، سبحانه، يقول لنا: بعد أن هديتكم على الطريق العام الكبير الذي إن سلكتموه فزتم فوزًا عامًا، فاطلبوا مني أن أدلكم على الطريق المستقيم، الخاص بكل عمل من أعمالكم اليومية، الذي إن سلكتموه يكن عملكم صائبًا، وتحققوا النجاح في الدنيا والآخرة، فلو قام المرء بعدة أعمال في اليوم، كتجارة، أو زراعة، أو سياسة، أو سفر، أو زواج، أو طلب علم، أو ابتغاء رزق، أو جهاد لنصرة حق ودفع باطل، أو... فإن لكل عمل من هذه الأعمال صراطه المستقيم الخاص به... لكن جميع هذه الصراطات واقعة في دائرة الصراط المستقيم العام (الإسلام).

اللهم أعنا على السير في طريق الهداية العام، واهدنا الصراط المستقيم لكل عمل نقوم به حتى ننجح في عملنا وننفع أمتنا، ونفوز برضوانك.

حمزة بين لائين!!!... "لا بواكي له" و "لا نظائر له"!!!


حمزة بين لائين!!!... "لا بواكي له" و "لا نظائر له"!!!
أما "الّلا" الأولى فقالها الرسول صلى الله عليه وسلم : (لكن حمزة لا بواكي له) قال ذلك في عقب غزوة أحد، حين مر على نساء بني عبد الأشهل يبكين قتلاهن، ولم يجد من يبكي حمزة...
فماذا عن "الّلا" الثانية؟؟....
عرض النبي صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة الإسلام مرات، ولكن أبا عمارة (حمزة) كان منكفئًا على لهوه وصيده، وهو الفتى الشاب المشار إليه بالبنان، والمشهور في مكة وما جاورها....وقد جاوز صيته ذلك... وفي يوم من أيام صيده وبعده عن مكة.. استطاع أبو جهل أن ينفرد بالنبي صلى الله عليه وسلم، عند الصفا، فحثته عداوته المريرة إلى أن ينال من النبي، فآذاه وشتمه، وضربه بحجر، فشج رأسه، والنبي صلى الله عليه وسلم صابر، لا يرد عليه، وكان عن مسافة قريبة منهما جارية لابن أبي جدعان( لم تكن مسلمة)) ترقب وترى ...
بعد ذلك انطلق أبو جهل إلى المسجد وفيه صناديد قريش، يحدثهم، وهو فرح، بما صنع بعدوهم اللدود ، بينما انطلقت تلك الجارية، تترصد حمزة وهو قافل من صيده فلما رأته؛ سارعت إلى إخباره بما جرى لابن أخيه، وما أن سمع منها ذلك، حتى غلت دماء العصبية القبلية والقرابة في عروقه، وانطلق لا يلوي على شيء، حتى دخل المسجد، باحثًا عن أبي جهل، فلما رآه رفع قوس صيده وضربه بها، وقال له: أتضربه وأنا على دينه...قال ذلك حمية ودفاعًا عن ابن أخيه، ثم أخذ يوبخ أبا جهل ويؤنبه، ويتوعد كل من يحاول إيذاء ابن أخيه...   غادر حمزة المسجد متجهًا إلى بيته، وفي الطريق، أخذ يفكر، بروية فيما صنع... وربما رأى نفسه أنه قد تعجل في اتخاذ قرار؛ لطالما تردد وامتنع عن اتخاذه من قبل حين كان يُعرض عليه ... فذهب إلى ابن أخيه، واستقبله صاحب القلب الكبير، وأخذ بأسلوبه الرائع يعرض عليه الإسلام، ويرغبه فيه، ويذكر له محاسنه حتى وقع ذلك في نفسه موقع الاقتناع والرضى والقبول فأسلم، وكان من أمره، فيما بعد ما كان، إلى أن نال لقب "سيد الشهداء" رضي الله عنه وأرضاه...
واليوم وأتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والذابون عن دينه، يتعرضون لأعتى هجمة شرسة من قِبل أتباع أبي جهل...هجمة تصل إلى حد القتل وسفك دماء الذراري والنساء، وتهديم البيوت، والعيث فسادًا في الديار، وكثيرون أولئك الذين يُحْسَبون أنهم ذوو صلة بالمظلومين والمعتدى عليهم، صلة العروبة، أو الجوار، أو الدين، أو.... ولكنهم صامتون، لا ينبسون ببنت شفة، نصرةً لأولئك المعتدى عليهم، وإن فعلوا؛ فما يتجاوز فعلهم إلا أن يكون ذرّا للرماد في العيون، فلا يضربون بأقواس صيدهم، ولا حتى بأسياف رتبهم ورقصاتهم، ولو أعيا المرء نفسه بحثًا لعله يجد من يفعل فعل أبي عمارة (حمزة) لما طابت نفسُه بالعثور على ما يبحث، اللهم إلا ما جرى في أعماق التاريخ من حوادث معدودة، كما فعل المعتصم بتلبيته للهاشمية المأسورة عند الروم في زبطرة، ففتح عمورية وأنقذها، وغير ذلك من القصص القليلة والضاربة في قرون من الزمان خلت وانصرمت...
ولو أعيا المرء مرة أخرى نفسه باحثًا عمن يفعل ما فعلته تلك الجارية التي غضبت لما رأت، فما ارتاحت إلا بعد أن أخبرت حمزة بالأمر راجية الانتصار لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهي على غير دينه، فالنفس الآدمية التي لم تتشوه الفطرة فيها تحس بالظلم أنى كان مذهبها أو اعتقادها، وإن كان ذلك أوضح وأجلى عند المسلمة، أقول لو أعيا المرء نفسه في البحث عن مثل هذه الجارية لما طابت نفسه بالعثور على ما يبحث..
تلك هي قصة "الّلا" الثانية ... لا نظائر لحمزة اليوم....

فاليوم لا بواكي لحمزة...... ولا نظائر لحمزة....إلا ما رحم الله... وهم قليل، وقليل جدًا.   

الخميس، 7 أغسطس 2014

سعادة تقتحم الأحزان

سعادة تقتحم الأحزان ...
حل عيد الفطر، لعام ألف وأربعمائة وخمسة وثلاثين، علينا والأحزان تحيط بنا من كل جانب!! فغزة تُقصف بلا هوادة، والقتلى بمختلف أنواعهم ولاسيما الأطفال والنساء يتصدرون المشهد المؤلم، وبراميل الموت والدمار تنزل متتابعة على جل مدن سوريا، وما أدراك ما هذه البراميل؟! إنها سلاح الرعديد الجبان... وهو يعلم أنها قاتلة أو مدمرة، أو مرعبة...  يرسلها إلى العزل من النساء والشيوخ والأطفال والشباب، وأينما كانت إصابتها فهي محققة للغرض لدى مرسلها... وليست سائر بلاد المسلمين بمنجاة مما أصاب الشام...هذا على المستوى العام؛ أما الهموم الخاصة، فلها شأن آخر، ووقع مختلف... وإن كان النوعان يصبان في إرهاق النفس إلى أبعد مدى...
كنا كذلك، ولكن الله أرحم بعباده... حين قدر زيارة أحبة خُلّص، قريبين من الروح والقلب، بعيدين عن الجسد والمقام... منهم من لا نعرف، لطول الفترة، ومنهم من تقطعت القلوب لرؤياهم... اقتحموا علينا أسوار أحزاننا تلك.. وإذ بالنفوس تستروح نسماتهم، والقلوب تردد مع وجيبها أصوات حداءاتهم، والعيون تتهيأ بعد صوم طويل لتفطر على نضارة وجوههم... إنها أختي من الرضاعة، لطفية وابنها "بدوي" أختي أم إبراهيم، التي أحبتني وأحببتها مذ كنا نتسابق على نهل اللبن الصافي الحر السائغ من أمنا فاطمة، رحمها الله، وابنها بدوي الذي ما شهدت مولده ولا نشأته ولا دراسته، ولكن روحه كانت تسري في عروقي، أحسست بذلك حين خاطبني عن بعد...وأخذت الذكريات تتدفق بسرعة، تتسابق فيما بينها، أيها سيأخذ مكان الصدارة... ومن أيها سيبدأ الحديث وهو يخرج من ثغر باسم، وقلب صدوق... واختلطت أشجان الذكريات بأفراح اللقاء... ومن هذه وتلك ولدت هذه القصيدة:   
أتتنا أم إبراهيم تسعى
تــنـــفّس صبحنـــا، أهدى عبيرا****بيوم العيـــــد صافحـــنا الزهــــورا
بيــــــوم العيـــد كان لنـــــــا لقــــاءٌ****بأحبـــــــابٍ، فـــلَـــم نَـرهم دهـــــورا
أتـــانا العيــــد والآهـــاتُ تعـــــــلو****وتصعَــــــد من حناجِـــرنا زفِـــيــرا
ففــــــــــي سوريّـــــــة الثكلى أنيـــنٌ****وغــــــــــزةُ تُستبـــــــــاح ولا مجيــــرا
وفي أرض العراق تشبّ نـــــارٌ****فكانـــــــت فيــــــه شـــرًا مُستطــيرا
أتانــــــا العيــد والأكبـــاد حـــــــرّى****إلى الأحبـاب تطمح أن تطيــرا
وبينا نحْــــــن فــــي غَــــــمٍّ وهـــــمٍّ****وأفْـــئــدةٌ لنـــا انفـــطرت فطــــــــورا
وفوق صدورنا جثَــــمت جبالٌ****من الأرزاء، زادتْـــــها ســـــعِـــــــيرا
أتـــتــــــنا أم إبـــــــــراهيم تســــعـــى****ببسمَــــتها، لتمْــــــنَـــحنـــــــا ســـرورا
أتت، معهــــا ورود من ديـاري****لِـــنَــــنشق من أيَــــاديــــها العَــــبِــيرا
مُحـــمّــلةً بفــــــيض من حنـــــانٍ****وأشــــواقٍ، مُضمّـــــــخــــةٍ عطـــورا
صبا "هتيا" مع الأحباب حيــا****مرابعنـــا، فمــار الصـــدر مَـــــورا
أتَـــــت "لُطفيّةٌ" واللطف دومــــًا****لهـــا خُـــلُــــــقٌ وسل عـــــنها خبيرا
أتت أختي ونـــور العين منــــي****فكانت في الدّجـــى بــــدرًا ونـــورا
إذا صمَـــتَـــتْ يُزيّــــنُــــــهــــا وقَـار****ولست تـــــــرى لمنطقهــــا نظـــيرا
لهــــا ثغــــرٌ يجــــــــود بكل خــيرٍ****ولم تَـــنْــــــــطق تفَــــاهَـــــاتٍ وزورا
جلسنا حــولها نُصغي إليْــــهـــــا****وقـــــــــد ملأت مجـــــالسَنا حُبـــورا
لها ذهْــــــــن تـــوقــــد مثـــل نجــمٍ****وذاكــــــــرة مُحـــــــــــالٌ أن تحـــــــورا
أزاحت عن كواهِـــــــــلنــــا جبـــالًا****من الأحــــزان أعيتْـــــــنــــا كثيْــــــرا
وأقصت عن حنايــــــانا همــومًا****يـــــكاد المرء مِــــنْهــا أن يخــــــورا
ألا يا ربّ فاحفظهــــا وصُنْـــــها****وأبعـــــد عن محبــــــيهــــا الشرورا
الجمعة  5 شوال/1435 الموافق 1/آب/2014