الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

مبارك لحركة النهضة...


بسم الله الرحمن الرحيم
ألم يأن لأولي النهى أن يتبعوا الحق ويعترفوا بالحقيقة
واضحة مثل وضوح الشمس في ضحى يوم صائف لا غيوم تلبد سماءه، كانت نتائج الانتخابات التشريعية في تونس الخضراء... في تشرين الأول لعام 2011... وهي أول انتخابات بعد ثورة شعب تونس على الطغيان والاستبداد...وفيها كسبت حركة النهضة (الإسلامية) ما يقارب خمسين بالمائة من أصوات الناخبين...
حركة النهضة لها تاريخ عريق وممتد في تاريخ تونس الحديث... وهذا التاريخ يظهر جليًا في خطين بارزين:
الخط الأول: نشاط الحركة، نشطت حركة النهضة على الأرض التونسية في مجالات عدة.. في مجال الدعوة إلى مبادئ الإسلام الحنيف الذي هو دين أهل تونس، فكان لها تميز خاص في قطاعات المجتمع، التعليمية، والعمالية، والصحية، والمهنية، والإعلامية...وغير ذلك، وتوفّر لها كوادر تعمل تحت لوائها في هذه المجالات كافة،  وتمكنت من التغلغل العميق والمرغوب في المجتمع، ملتزمة بالدعوة إلى وسطية الإسلام بعيدة عن أي مظهر عنفي أو خلافي، وكان لها ظهور في مجال الخدمات الإنسانية، والتكافل الاجتماعي، وبفضل ذلك تعدّى وجودها الحدود المحلية لتكون ذات صيت جيد، وسمعة حسنة لدى المجتمع الإقليمي وحتى الدولي.. ومما قوى هذا ودعمه اعتبارُها لنفسها فصيلاً دعويًا ضمن الكيان العالمي للحركة الإسلامية في العالم..
الخط الثاني: هو خط المعاناة التي تعرضت لها الحركة في أثناء مسيرتها الممتدة لقرابة أربعين سنة في تونس.. بصورتها الحالية، وإن كان لها جذور ذات امتداد أبعد بالمفهوم الدعوي... فقد تعرضت الحركة للمضايقات في كل من عهدي الرئيسين التونسيين ((بورقيبة) و"ابن علي)، وأُلْصقت بها تهم عديدة، لها صلة بالعنف، والتخريب، والتشدد، والتطرف، ونتج عن ذلك زج كثير من أعضائها في السجون والمعتقلات، وتهجير قسم كبير منهم إلى خارج تونس... ولم تكن بعض تلك الممارسات قاصرةً على المستوى الرسمي، من قبل الحكام المستبدين، وإنما ساهم في ذلك أفراد وتنظيمات تدَّعي الانتماء إلى المجتمع المدني التونسي، وحتى غير التونسي، ولكن مجال المعاناة في هذا المنحى كان فكريًا بصورة بارزة.. وصُوّرت الحركة على أنها غول مخيف، شأنها شأن الحركات الإسلامية الأخرى في أقطار عديدة من العالم الإسلامي.. وجُيش لذلك صحف وقنوات وكتاب ... لكن مع ذلك صمد مفكرو الحركة وعلماؤها وسائر أعضائها لهذه الهجمة، ولم ينجرُّوا إلى النزول إلى مهاترات فكرية من شأنها أن تشغلهم عن الهدف الأصيل الذي من أجله قامت حركتهم... وبقيت تسير على منهجها الوسطي، وهي تضع أسسًا وخططًا وبرامج لميدان عملها مراعية تطورات المجتمع وتحديثه داخل إطار الحدود الإسلامية التي هي بالأصل، في نظر الحركة، حدود مرنة تستوعب كل ما هو حديث وبناء.. ونجحت إلى حد كبير في هذا ، وتجلّى هذا النجاح بالنتيجة الباهرة التي حصلت عليها الحركة في أول عملية انتخابية نزيهة بنسبة عالية جدًا...
ولا ننكر وجود فوارق فردية وذاتية بين مختلف فصائل الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي لكنها تبقى في إطار عام ومحدد لا يُخرجها عن الخصائص العامة لهذه الحركات من وسطية في الطرح، وانفتاح منظم على كل جديد، وتفاهم مثمر وبنّاء مع الآخر من أجل تحقيق المصلحة العليا للوطن والمواطن...ثم للإنسان والإنسانية.
ومع ذلك فإنَّ الشيء المثير للعجب، هو ذاك الحشد الكثيف للأقلام والمقالات، والمحاضرات والندوات من قبل مثقفين في المجتمعات الإسلامية... الحشد المقصود والمتَعمّد لإبراز أمرين ملصقين بأي حركة إسلامية:
الأمر الأول: التقليل من شأن الحركة وتقزيم تأييدها، وأنها في أحسن الحالات لا تصل نسبة مؤيديها (10_15)% من المجتمع، ولست أدري  كيف يطرح أصحاب هذا الرأي ذلك وهم بنفس الوقت يدعون أنهم يحافظون على تمسكهم بالمنهج العلمي الرصين في حكمهم على الأمور... ولكنهم يكونون في حالة تستحق العطف والرثاء حين يفاجؤون بنتائج كتلك التي حصل عليها الإسلاميون ( وحسب مصطلح أولئك؛ "الإسلامويون"!!كما تُبدي أفواههم ذلك)  في أي معركة انتخابية جادة ونزيهة.. كما هو الحال في تركيا ومصر والأردن والجزائر سابقًا وتونس الآن.. وغير ذلك من المناطق..
الأمر الثاني: اتخاذ أولئك للحركة الإسلامية فزّاعة يُخوفون بها الخارج والداخل على حد سواء، لكن لكلٍّ ما يناسبه من ابتكار عوامل التخويف الوهمية والتي ليست موجودة إلا في مخيلة أصحابها، ومن يهيئون أنفسهم مسبقًا ليكونوا أنصارًا لهم..
ولكن الميدان الديمقراطي يقتلع هذين الأمرين من جسم الحركة ويعلن براءتها من كل ما يُلصق بها..
بعد هذا كله، أما آن لأحبتنا ممن ما زالوا يراهنون على مثل تلك المحاولات الفاشلة .. أما آن لهم أن يثوبوا إلى رشدهم، وهم راشدون بالغون عاقلون.. ولكن الرشد الذي ندعوهم للعودة إليه هو ذاك الذي يكون بعيدًا عن التأثر بأي هوىً لا يقيم وزنًا لأي حقيقة أو عقل أو منطق...
ومن المفيد أن نتذكر في هذا المجال قول الله تعالى: ((ألم يأنِ للذين آمنوا أنْ تخشع قُلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبُهم وكثير منهم فاسقون))
اللهم اهدنا سواء السبيل.
محمد جميل جانودي.

السبت، 22 أكتوبر 2011

رسالة من ليبيا


لَكِ يَـا أُخَيَّةُ كُلّنا خُدّامُ
شِعر/محمد جميل جانودي
سقَطَ الْعَقِيْدُ فَأَبْشِرِيْ يَا شَـامُ      وغدًا ستَسْقُطُ مِثْلَهُ الأصْنَـامُ
ستَرَيْنَ صاحِبَه الْفَريْقَ مُهَرْولاً     ورفاقُـهُ منْ حـولِهِ أَقْـزامُ
منَّـاهمُ مِثْلَ العقيدِ بمُتْعَــةٍ      وعْدُ الطُّغاةِ لِصَحْبِهمْ أحْـلامُ
قدْ أطْلقُوا للريْـحِ سيْـقَانَا لَهُمْ     ويَسُوقُهُمْ مِنْ خَلْفِهم ضِرْغَامُ
لَبَّتْكِ أُختُكِ مِنْ طَرَابُلْسَ الفِـدا     لكِ يَـا أخَـيَّةُ كلُّنـَا خُـدّامُ
كلُّ الطّغَاةِ ومَنْ يسيرُ بِرَكْبِهِمْ     ظَنّوْا الْخـلودَ وظَنّهُـمْ أوْهامُ
فاللـهُ يُمْهِلُهمْ، ويُرْخي حَبْلَهمْ     حتّـى يقُـولوا إنّـهُ إكْـرامُ
فَإِذَا أتَتْ آجَـالُهُمْ نَزلَـتْ بهِمْ     آيَاتُهُ، وَيَحلُّ فيهِمْ ذلّةٌ ورَغَامُ
لمْ يَقْـدِرُوا قدْرَ الإلهِ فأُهْلِكُوا     آيَـاتُ ربّي يَا شـآم عِظَـامُ
هي سُنةٌ للظَّالمِيْنَ وقَـدْ عَمُوا     عَنْهَا، وهُمْ عَنْ فَهْمِـها لَنِيَامُ
لمْ يَفْهَمُوا أنّ الشّعُوْبَ استَيْقَظَتْ    قالَتْ لهُمْ: مَهْ أيّهَـا الْحُـكّامُ
لمْ يَفْهَمُوا أنّ البُـذورَ ستَنْتَشِيْ    ولَهَا يَكُـوْنُ تَجَـذّرٌ وقَـوَامُ
والْجَمْرُ مِنْ تَحْتِ الرّمادِ مُحَفَّزٌ     فَإذا أُثـيْرَ فَجَـذْوَةٌ وضِرَامُ
والنّفسُ تَمْلِكُ طاقَةً فِيْ صَبْرِهَا     مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ثَوْرَةٌ وصِـدَامُ
حَسِـبُوا بِأنَّ سُلالَـةً ذهبيّـةً      قدْ أنْجَبَتْهُمْ والأنـَامُ طَغَـامُ
همْ هَكَـذا يا شـامُ لا تَتَردّدّي     بلْ ثَابِريْ فَالشَّعْبُ فِيْكِ هُمَامُ
هُمْ هَكذا كالطَّبْلِ يَمْلأُ صَوتُـهُ     ما حَوْلَهُ، ولِصَـوتِه إيْهَـامُ
لَكِنّهُ ذُو خِفّـةٍ هُـوَ أجْـوفٌ     لا خَيرَ فيه، يُثَارُ فِيْهِ خِصَامُ
سَتَرَيْنَهُمْ يَتَسَاقَطُوْنَ وحُـالُهُمْ       صَرْعَى وتَسْخَرُ مِنْهُمُ الأيَّامُ
لا تَأبَهِي لعَتادِهِمْ وجُنُـودِهِمْ       ما دامَ قائـدُهُمْ إلَيْـكِ غُلامُ
كمْ عَرْبَد الطّاغُوتُ فِي أرْجَائِنَا    مُسْتَكْـبِرًا وسُـلُوكُهُ الإجْرَامُ
كَمْ وَزَّعَ الألْقابَ مِنْ قامُوسـِهِ    عُمَلاءُ أوْ جُرْذانُ، أو أنْعَـامُ
فغَدا المُطارَدَ لمْ يجِدْ مَأوًى لَهُ     حتّـى أتَـاهُ الذّلُّ والإِعْـدامُ
يا شَامُ صَبرًا فَالظّلامُ سيَنْجَلِي      وصَلاةُ فَجْرِكِ عَاجِلاً سَتُقامُ
والمسْجِدُ الأُمَويُّ يفتحُ بَابَـهُ      ويلُـوذُ فـي جَنَبَـاتِه قَـوّامُ
يُلْقَى بَعِيْدًا عَنْهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ      وُمنَــافِقٌ مُتَمَـلِّقٌ نَمـَّـامُ
ويؤمُّ في مِحْـرابِهِ أهْلُ التّقى      مِنْهمْ كَـريمٌ راجِـحٌ وإمَـامُ
والنَّورُ يَضْحَكُ للعيُونِ تَنُوشُهُ      فِي نَظْرةٍ سُحِرَتْ بِهَا الأكْمَامُ
ستَرَيْنَ رَوضَكِ باسِمًا مُتألِّقـًا      والنّحْلُ فوقَ زهُـوْرِه حَوّامُ
يأتِي ويَلْثُـمُ ثَغْرَهـا مُسْتَمْتِعًا      بِرَحيـقِها، في لَـذّةٍ ويَنَـامُ
والشّمسَ تُرْسلُ فِي حَنَانٍ دفْأهَا     للعاشقينَ فهُـمْ بهِ قدْ هَامُوا
وسفوحَ طَوْدِكِ قاسِيُونَ وسادةً      للمُتْـعَبيْنَ ليهنَـؤوا ويَنامُوا
وترَيْن أسْرابَ السّنونُو فِي السَّما   من بَهْجَةٍ تحْلُو بها الأنغْـَـامُ
تَزْهُو بتَقْديْمِ العُروْض لِفتْـيَةٍ      بَذلُوا لأجْلِكِ أنْفُـسًا  يا شامُ 
السّبت 24/ذو القعدة/2011 الموافق لـ 22/تشرين الأول/2011

الخميس، 20 أكتوبر 2011

سقط الصنم


سقط الصّنم
بعد عصر يوم الخميس الثاني والعشرين من عام اثنين وثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة النّبوية... كانت نهاية طاغيَة ليبيا معمّر القذافي... كان يومًا مشهودًا... فقد جيّشت القنوات الإعلامية كوادرها لهذا الخبر المثير والكبير... أما أهل ليبيا نساءً ورجالاً.. شابّاتٍ وشُبّانًا، كبارًا وصغارًا، فقد كانوا في عُرْسٍ بهيج.. كيف لا؟ وجزّارُ سجن "البوسليم" أضحى صريعًا مضرّجًا بدمائه..كيف لا ونيرون بنغازي ومصراته وسرت وبني الوليد وطرابلس ومُدُنٍ أُخرى أضحى ممرّغًا بتراب ليبيا... ومرْميًا في إحدى حُفرها... كيف لا وملك ملوك أفريقيا.. أضحى أقل من أي أشعث أغبر  فيها... مكانًا ومكانةً...
إنها عاقبة الظلم.. فهي وخيمة، وعاقبة الغرور ... فهي مُذلّة ومهينة... وعاقبة العلُوّ والاستكبار... فهي حضيض وانحدار.. فهل من معتبر... وهل من مُدّكر... 
سقط الصّنم
شعر/محمد جميل جانودي
 يَا أمَّتِي بُشرَاكِ قَدْ سقَطَ الصَّنَمْ      حِصْنُ الطُّغاةِ عَلى رُبَاكِ قَدِ انْهَدَمْ
 يَا أُمّتِي، اَليَوْم يَومُكِ فَانْهَضِيْ      فَشَبَابُكِ الْميمونُ قَدْ أدّى الْقسَمْ
 قسَمًا سأمْضِي في طَرِيْقِيَ للْعُلا    مُتَحدّيًا أعْتَى الخُطُوبِ إذا احتدمْ
 قَسَمًا سَأُقْصِي كلَّ طَاغُوتٍ عَلا     فَوْقَ الْوَرَى، يَصْليْهِمُ شرَّ الْحِمَمْ
 يَا أيُّها اليَومُ الأغـرُّ صبَاحُهُ      كذابُ سِرتَ بِجُندِه اليَومَ انْهَزَمْ
 يا أيُّهَا الشّهْرُ المُحَرَّمُ صيْدُهُ        قدْ صِيْدَ فِيْكَ "مُعَمّرٌ" لمّا ظَلَمْ
 مَضَتِ السّنونُ عَلَيْهِ مُنْخدِعًا بِهَا     مَرَّتْ عَلَيْهِ كأنّهُ فِيْهَا احْتَـَلَمْ
 مَرَّتْ عَلَيْهِ ولَمْ يَذُقْ مُرًّا لَهَـا      إنّ المَرارَةَ ذَاقَهَا رَاعِي الذّمَمْ
 مرّتْ عليْهِ وكانَ يَنْفُشُ ريْشَهُ     ويَصِيْحُ إنّي خَيْرُ مَنْ فِيْكُمْ حَكَمْ
 هذا كِتَابِي كنْتُ قدْ أعْددتُـهُ        لِيَكُونَ سِفْرًا تَهْتَدِيْ فيهِ الأممْ 
 سقَطَ الذِي أرْغَى وأزْبَدَ دائِمًا        فِيْ أنّهُ مِنْ فيهِ تنتشرُ الْحِكَمْ
 سقطَ الذي قَتلَ الألوف لأنَّهُمْ       لمْ يَتْبَعُوْهُ، وخَالَفُوْهُ بِمَا حَـزَمْ 
  سقَطَ الذي لم يرْعَ سُنَّةَ أحْمَدٍ       يومًا ومَا في حُكْمها قطُّ الْتَزَمْ
 سقَطَ الذي نَاَل القُـرَانَ بِجَهْلِهِ      مُسْتغْنِيًا عنْهُ بأقْـوالٍ رمَـم
 ألْفَوه مُلْقًى صَاغِرًا في حُـفرةٍ     يرنُوْ بِعَيـْنٍ مِنْ زَمَانٍ لَمْ تَنَمْ
 لَمْ يَحْـمِهِ حُـرّاسُـهُ وعَتَادُهُ      أوْ قصْرُه وجُنُودُه، لا وَالخَدَمْ
  لمْ يُجْـدِه مالٌ جَنَـاه ناهبـًا    كنزَ الصّحارَى والبِحَارِ ومَا الْتَهَمْ
 أيْـنَ التَّجَـبُّر والتَّكَـبُّر والتّغَطْــرُسُ، والتّـبَـاهِي بِالحَشَـمْ؟
 أيْـنَ الْعَمَـامَةُ والْعَبَـاءَةُ والرِّيَــادةُ والتَّصَـدّرُ فِي الخِيَــمْ؟
 أيْـنَ الرِّئـاسةُ والوِصـايَةُ والبَلاغَـةُ والفَصَـاحَةُ والْقَـــلمْ؟
 يا أيُّهَا الْمَغْرُوْرُ في سُلطَـانهِ       هيّا أفِقْ مِنْ قَبْلِ أنْ تَلْقَى النّدَمْ

الخميس 22/ذو القعدة/1432 الموافق لـ 2(/تشرين الأول/2011

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

وجهة نظر...ذات رصيد


بسم الله الرحمن الرحيم
وجهة نظر...ذات رصيد
المتتبع لسلوك السلطة في سوريا منذ ما قبل الثورة بكثير حتى الآن لا بد أنه يلاحظ الآتي:
1-      سلطة جميع جلّ تصرفاتها مع الدولة (السلطة غير الدولة) والمجتمع تُشير إلى أنها آيلة إلى الانهيار والسقوط.. وقد صرح بذلك نفر من المراقبين على اختلاف تخصصاتهم... فمنهم السياسي المحنك، ومنهم الاقتصادي اللامع، ومنهم عالم الاجتماع الفذ، ومنهم ... ومنهم....
2-      بعد قيام الثورة المباركة تجلت هذه التصرفات الداعية إلى السقوط والانهيار بوسيلة القمع الغريبة والفريدة من نوعها للشعب بجل انتماءاته  فآلة القتل والاعتقال والتعذيب والخطف والاغتصاب والتحقير والسخرية والاستفزاز بصوره كافة، لم تتوقف بل هي، في العموم، آخذة في الاطراد...
3-      المحاولات الصورية والظاهرية للإصلاح ورمي قوانينه (الإصلاح) بالجملة والمفرق، واستخدام الأبواق الإعلامية للتحدث عنها، وإبرازها مع اختلاف صور هذا الإبراز حسب المرحلة التي تُطلق فيها... فتارة تأخذ صورة الجزم بأن حزمة الإصلاحات جاهزة وتأخذ طريقها للتنفيذ في القريب العاجل، وتارة يُربط تأخرها بالأسباب المعيقة لظهورها وترجمتها إلى الواقع ... فالمظاهرات المستمرة، والعصابات المسلحة (في نظر السلطة).. والتجييش الخارجي .. كل ذلك له دور بارز في إتمام عملية الإصلاح من عدمه... هذا بالإضافة إلى عناوين إصلاحية براقة ربما يغتر بها بعضهم، والمدقق فيها لا يجد إلا سرابًا ...
4-      التصريحات المعتدلة في كثير من الأحيان، والقوية في أحيان قليلة من بعض الجهات الدولية بإدانة النظام، والتلويح له بالعقوبات المتفاوتة نوعًا وكمّا... والتي يقابلها لا مبالاة إلى حد الاستهتار من قبل السلطة..
5-      انقسام (أو تقاسم) المجتمع الدولي في موقفه من الحالة، فمن شاجب بقوة(كما يبدو) ومهدد بالعقوبات، أو فارض لها بصورة خجولة، إلى متفرج، وكأن شيئًا لا يحدث على أرض سوريا، إلى داعم للسلطة؛ ولاسيما فيما يتعلق باتخاذ القرارات الدولية التي يمكن أن يكون لها شأن يُذكر، وأثر ذو بال..
بعد كل ذلك، نجد سلطة غير آبهة بتهديد أو وعيد، ولا تقيم وزنًا لما تفعله على الأرض من كل ما سبقت الإشارة إليه، لا تكترث بتقريع خصم، ولا عتب صديق، ولا تساؤلات واندهاش مراقب... فإذا سلمنا أن السلطة ورجالها لم يتم الحجر عليهم عقليًا، وأنهم يتمتعون بكامل قواهم العقلية فهل يصدق أحد من أنها بمثل ما هي عليه تدير ظهرها لكل تهديد أو عتب أو تساؤل من غير أن تكون مستندة على واقع كبير وملموس من جهة ما، تؤيدها وتدعمها وتطمئنها على أنها باقية لن تؤثر بها أعاصير تهب من هنا وهناك... وكثيرًا ما نسمع ذلك من إعلاميي السلطة... أو من محللين سياسيين محايدين.. نسمع عبارة ((النظام قوي ولن يسقط))... هل فعلاً قوته الذاتية العضلية وفقط العضلية هي التي تضمن عدم سقوطه.. وتؤصل لهذه القناعة عنده، وعند مؤيديه وحتى بعض المراقبين المحايدين... أم إنه يستند إلى أكثر من ذلك..؟ومن ثم فهو يسمع ما يسمع، ويُمره على أذنيه ، بحيث يدخل من الأولى ويخرج من الثانية...
فإذا أضفنا إلى ردة فعل النظام الباردة تجاه ذلك كله، التذبذبات والتأرجحات في مواقف من يُظن أنهم في الصف الآخر منه، وافتعال إعطاء المدد الواحدة تلو الأخرى.... وانتشار تحليلات مضخّمة للحالة السورية ومُخَوّفة من أي غلط في التعامل معها، ومخاطر اللعب بالنار فيها... والتصريحات النارية ذات الطابع التهديدي التي تنطلق على لسان رجاله وأنصاره ... أقول إذا أخذنا ذلك كله بعين الاعتبار أفلا يجب علينا أن نتوقف قليلاً عند أي إجراء، وألا نتمادى في تكبير الأمل بالمساهمة الدولية الفعلية (التدخل العسكري) لحماية المدنيين وتأمين ملاذ آمن لهم، ولغيرهم، ممن يعتبرهم النظام أعداء ألداء له، تجب ملاحقتهم ومحاربتهم قبل أي عمل آخر...ونحن نرى أنّ ما هو أدنى من ذلك لم يُطبق، بوجه عام،  ألا يجب علينا أن نكون واقعيين بدرجة ما، حتى لا نصدم، ويُصدم معنا كل من يعول على ذلك... وعندئذ لا يتوقف الأمر عند حدوث ((الصدمة النفسية)) بل يترتب على ذلك عواقب ليست سهلة على الواقع العملي الميداني للثورة...
الذي أريد أن أخلص إليه، أن هذه الثورة المباركة قد بدأت من غير توقع جاد، واستمرت ما يزيد عن سبعة أشهر، وهي تعلو وتعلو وتتقدم وتسمو، وتقوى معنويات أبطالها يومًا بعد يوم، وحققت مكاسب مذهلة، ما كانت في الحسبان؛ على مختلف الأصعدة ؛ الميدانية، والمعنوية، وحتى العالمية، فكانت مثالاً رائعًا، ونموذجًا فذاً، وثورة أخلاقية يُضرب المثل بنقائها وصفائها وأصالة معدن شبابها.. وزرعت في النفوس أملاً حقيقيًا.. هذا الأمل يتجلّى في أن الله الذي أمدها بكل ذلك، وجعلها تتبوأ تلك المكانة المادية (على الأرض) والمعنوية في النفوس... وأنه يربط على قلوب أبنائها فيثبتهم، ويشحذ هممهم .. إن الله الذي  كان وراء ذلك، وهو أعلم بها، لن يتخلى عنها... فلنركز على هذا أولاً وأخيرًا... فلنركز على ذلك تركيزًا حقيقيًا لا كلاميًا، وأن على نفوس من تهمهم الثورة، ويتطلعون إلى انتصارها، على هؤلاء أن يتيقنوا من هذا النصر إن شاء الله، و(إن شاء الله) هذه التي يقولونها إنما يقولونها تحقيقًا؛ لا تعليقًا...
هذا الذي ينبغي تأصيله في النفوس،،، والذي يقول بهذا الرأي لا يقوله رجمًا بالغيب، ولا مولغًا في بحار (الميتافيزيقا) كما يقولون... وإنما ما أرانا الله، سبحانه، في الشهور السبعة المنصرمة.. لأكبر شهادة على ذلك.. فالانطلاقة، والاستمرار، وكسر حاجز الخوف، والتلاحم المنقطع النظير بين فئات الشعب السوري، وانتشار القيم الأخلاقية الإنسانية الرائعة بين الناس من حب وإيثار، وتعاون، وتناصر، وفداء، وصدق وأمانة، وغير ذلك، إضافة إلى هذا الإقبال العجيب على الاستشهاد من أجل الحق والعدل... وكذلك هذا النشاط الهائل المثير للإعجاب؛ من قبل الشباب في نصرة الثورة على المستوى الإعلامي والأدبي والشرعي والفني، وتحركهم في المجالات المحلية، والإقليمية، والعالمية.... كل ذلك شواهد جلية على أن هذا ما كان ليكون لولا وجود مدد وعون من الله سبحانه وتعالى، ويُضاف إلى ذلك كله التخبط والتردد، والإيغال في كل ما هو مرفوض إنسانيًا وإعلاميًا من قبل السلطة...(يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار).. كل ذلك مؤشرات واضحة المعالم على النصر.. بل هي من مظاهر النصر... فلنركز على هذا الدعم، ولنجعله في المرتبة الأولى حقيقةً لا كلامًا وادّعاءً...وحين نفعل ذلك نكون قد توافقنا مع مطالب شباب الثورة في ميادين تحركهم...أليسوا هم الذين يرفعون أصواتهم بعبارة ((مالنا غيرك يا الله) وما قاربها.. ولتمض الثورة على هذا الرصيد الهائل من الدعم...فدعم الله ليس له حدود، ولاسيما إذا جاء الناس بكل ما يستطيعونه، ويقدرون عليه...
ما تقدم ذكره لا يعني العزوف والزهد فيما يسعى المخلصون حثيثًا للحصول على أي معين ونصير رديف... أكان هذا السّعي من قبل المجلس الوطني، أو من أفراد أو جهات مخلصة غيره... بل لو حدث ذلك في الأطر الشرعية التي يؤطرها الناس الذين هم على دراية بالأمر .. لو حدث ذلك فنور على نور، وخير وبركة، .. ولكن علينا أن نتعامل مع تلك المحاولة من الناحية النفسية برفق وتُؤدة، ونسير معها هونًا هونًا.. حتى لا تقع الصدمة ومن ثم – لاقدر الله – الإحباط  والانكماش...
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا...
محمد جميل جانودي

السبت، 15 أكتوبر 2011

والله سأرجع يا وطني...

واللهِ سأرْجِعُ يا وطني.....


سأعُود جـريحًا يَـا وطنـي           سأعُـــودُ فَخُـورًا بِأَنيْنـي

لَكـنَّ تُـرابَـكَ تِـرْيَـــــــاقي           وهواؤكً حـقّـًا يَشْفيْــــني

سأعُـودُ وَدَمْعـي مَسْـكوبٌ            فرَحـًا بالعَـوْدةِ لِعَـرينــي

سأعُـودُ لألعَـبَ في حقْـلي           وأشــمَّ عبيْــــر ريَـاحيْني

سَـأعُـودُ لأشْربَ منْ بردى         والعَـــاصي، كلٌّ يَرْويْنـي

وضِفَـافُ فراتـي تُقْتُ لَهـا          واشتقْـــتُ لرائِحَـةِ الطّيْـنِ

سأعُـود أعَـانِـقُ أتْـرابي            وأَشُـمُّ أرِيْــــــجَ بَسـاتيْـني

وسـآكُـلُ عِنَــبًا شامـِيّـًا              أتســلَّقُ أشْـجَـــــارَ التّيْـنِ

سأعُـودُ لأفْـتَـحَ مدرسـةً            جُعِــــــلَتْ مُعْـتقـلاً لِسجينِ

سـأَعُـودُ لأَدْعُـوَ وأُصَـلي           مِحْـرابِيْ أَصْبَـــح يَبْـكيني

سأعُـودُ لأكنِـسَ أوساخــًا          ألقَـتْـــــــها زُمْـرةُ فِرْعَـوْنِ

سَـأعُـود لأبْـني مُنْـهَدِمـًا            بفُـؤوس حَـــقــــودٍ ملْعُـونِ 

سأعُـودُ لأقْــرأ ملْحمَــةً             لمْ تُكْتَـــــــبْ قَبْـلاً بقُـرونِ 

ملْحَـمةً خُـطَّـتْ بِدِمَـائـي            ودمَــاءِ شــريفٍ وأميْــــنِ

سأهنّـئُ شعْـبيَ يَـا وطنِـي          بالنَّـصْرِ ودحْــــــرِ التّنيْـنِ 

سـأزورُ قُـبُـورَ أحبَّـائِـي            بحمَـاةَ وحِمْـصَ وعِربيــنِ

ولِدرعَـا أذهَـبُ في شـوقٍ           سَأُشـــدّ إليْــــهَا بحنيْنـــي

وأزورُ عَـروسَ سَواحِـلنَـا          وأوفّي شطْـرًا مِنْ دَيْـنـــي

وبإدلبَ ينْـبُـضُ لي قَـلْبٌ             بالشّــوق إليْـــهِ يُنَـــاديني

سأعُود لِجسريَ فـي شغَـفٍ         في الجِـسرِ عَرينٌ يُؤويني 

ولِبِـنِّشَ أَمْضِــي وأُحَـيـي            أحْــرارًا عُــــــدُّوا بمئيـنِ 

"كفْرَنبلَ" كانَـت مَـفْخَــرةً           بِبَـــــنـاتٍ قَـامَـتْ وبنيْــنِ


سأحُـطُّ الرَّحْـلِ بِساحَـتِـها           أسْتَــروِحُ ريْـحًا يُحييــني

وبـديرِ الزُّورِ سمِعْتُ صَـدًى         مِنْ حَلبَ يقــولُ أغِيْثونِي 

سأزورُ دمشْقَ وغُوطتَـــها          وسأرفَـعُ رأسيَ وجَبِيْنِـي 

سأزورُ شمَالَكَ يا وَطنِـــي           فَهنَـاكَ أشَـاوِسُ تَحْمِيني


كُرْدٌ أَحْـرارٌ لم يَرضَوا               ذلاً لِعُــــــتُلٍّ مَأْفُــــــوْنِِ 

وجَنـوبُكَ يبْـقَى ليْ تـاجـًا            أَحْمِـلُه فَخْــــــرًا بِيَمـيْنـي

سُـوْرِيّــــا إنّــي مشتَــاقٌ             لشذاكِ وزيْتِ الزَّيْتُـــون    

واللـهِ سأرْجِــعُ يا وطَـني           لنْ أحْنثَ أبَــدًا بيميـــني
محمد جميل جانودي

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

كنْ يا بُنَيّ نصيرَ مظلومٍ شكا...

كُنْ يا بُنيّ نَصِيْرَ مَظْلومٍ شَكَا
شِعْر/محمد جميل جانودي
يَا أرْدُغَانُ عَـلَيكَ ألْـفُ سَلامِ        حَيَّتْكَ فيْـها أُمّـةُِ الإسْـلامِ
مَمْزوجَةٌ بالْحُـزْنِ خيّمَ فَوْقهَـا      تبْـكِي كَـرِيمَـةَ هَـذِهِ الأيَّامِ  
 يا أرْدُغانُ أتَـاكَ نَعْيُ حَبِيْبَـةٍ         كانَتْ إليْـكَ كَمُرْشِـدٍ وإمَامِ
 قَدْ أطبَقَتْ جَفْنًا عَليكَ مِنَ الأذَى       عَاشتْ لأجْلكَ أحْلَكَ الأعْـوَامِ
 سَهِرَتْ عَلَيْكَ الّليلَ تَقْطَعُ طُولَه         بِالصَّبْر أو بتَـبَـتّلٍ وقِيَـامِ
 أوْصَتْكَ أنْ تَحْيَا كَريْمًا سيّـدًا        لا تَنْــحَنِي لِمنَـافِقٍ ظَـلاّمِ
 بِعْ يَا بُنَيَّ الْكعْكَ واحْذرْ أنْ تُرَى        غُمِسَتْ يداكَ بلَـوْثَةٍ وحَـرَامِ
  اعْمَلْ ولو تَعِبَتْ يَدَاكَ فإنّــهُ         خَيْـرٌ لَنـَا مِنْ أُعْطِيَاتِ لِئَامِ
  اعْمَلْ ولا تَمْـدُدْ يدَيْكَ تسَوّلاً         إنّ التّسَوّلَ مِهْـنَـةُ الأقْـزَامِ
  اعمَلْ ولا تنْظُرْ بِعَيْنَيْ حَـسْرَةٍ      إنَّ التّحَـسُّر مِثْلُ كأسِ رَغَـامِ
  كُنْ يَا بُنًَيَّ نَصِيْرَ مَظْلومٍ شكَا         مِنْ جَوْرِ عَاتٍ فَـاجِرٍ نَمّـامِ
  وامْددْ يَميْنك نَحْو مَنْ يَرْجُو الوصَا      لَ، ولا تبُؤْ بِقَطيعَةِ الأرْحَامِ
  ظلّتُ تَحُوْطُكَ بِالرِّعَايةَ والدُّعَا       حَتّى قَضَتْ في وطْأَةِ الأسْقَـامِ
      فَأدِمْ لَهَا عَمَلاً يكُوْنُ مُعِيْنَـها          يَـوْمَ الّلِقا وتَزاحُـمِ الأقْـدَامِ    
  يَا أرْدُغَانُ هِيَ الْحَيَاةُ كَمَا تَرَى       فَيْـضٌ مِنَ الأحْـزَانِ والآلامِ
  فتحُِيْـطُ بِالإنْسَانِ تَغْمُرُه وقَـدْ     هَجَمَتْ عَلَيْهِ كَهَجْمَةِ (تسُونَامِي)
 وتَلُوْحُ فِي الأُفُقِِ البَعِيْدِ سَعَادةٌ       فَنُحِسُّها ضَرْبـًا مِنَ الأحْـلامِ  
 حِيْنًا نُسَـرُّ بِبَسْمَـةٍ مَخْطُـوْفَةٍ     وَالنَّاسُ فِيْهَـا حَائِروا الأَفْهَـامِ
 يَتَساءَلُوْنَ وَجُلّهم فِـي دَهْشـَةٍ       ما لِلْـوَرَى تَغْتَـرُّ بِالأَوْهَامِ؟
  ما لِلْورَى مَاجُوا بِبَحـْرٍ هَائِـجٍ     مُتَـزاحِـمِ الأدْرَانِ والآثـَامِ؟
 مَا بَيْنَ بَاكٍ عَـنْ مَتَاعٍ فَاتَـهُ       فِيْمَـا مَضَى، أوْ ضَاحِكٍ بسّامِ
 وَعُيُونُهم تَرْنُوْ إليْكَ وحَالُـهُم       مَا بَيْـنَ رَاضٍ عَنْكَ أو لَـوّامِ
هذا يَرَى فيْكَ النَّزَاهَةَ والتُّـقَى     يُعْطيْكَ أعْلَى رُتْبَـةٍ ووِسَــامِ
 ويُؤمّلُ الْخَيرَ الجَـزِيْلَ لَدَيْكمُ      يَهْـفُوْ إلَيْـكَ كَـقَـائِمٍ صَـوّامِ
ويَرَى صَلاحَ الدينِ عَادَ إلى الوَرَى   فِي شَخْصِكُمْ كَالصَّقْرِ والضِّرْغَامِ
 فيْكمْ يَـرى بِيبَرْسَ مُنْقِـذَ أمَّةٍ       ويَـرَاكُمُ كَالفَـاتِـحِ الْمِقْـدَامِ
شهْمًا كَمُعْتَصِمٍ يَـَراكَ مُلَبّـيًا      صَرَخَاتِ شَعْبٍ غَارِقٍ بِظَـلامِ
لكـنَّ ذاكَ يَـرَاكمُ مُتـلَوّنـا      تُقْصي وتَهْجرُ أفْضل الأحْـكَامِ
وتُصَادِقُ الْخَصْمَ الّلدوْدِ لِشَعْبِهِ      وكأنَّـهُ مِـنْ خِيْـرَة الْحُـكَّامِ
تُبْدِيْ لَـهُ الأعْـذَارَ فيْ أفعَالِهِ     مَـعَ أَنّـهُ في لُجّـةِ الإجْـرَامِ
وتُصَدّقُ الأَقْوَالَ مِنْهُ إذا حَلَتْ      لَمّـا يَرُوْغُ بِخُـطْبَـةٍ وكَـلامِ
وَلَرُبَّمَـا يَلْقَى مُبَـرِّرَ قَـوْلَهِ      مِمّا يظُـنُّ لَديْـكَ منْ إحْجَـامِ
لـَمْ يَنْتَـبِهْ أنَّ السّيَاسةَ لُعْـبَةٌ      يَحْتَـارُ فيها نُخْبَـةُ الأعْـلامِ
أنَا لا أشُكُ بِـأنّ قلبَـكَ مُفْعَمٌ       بالنّـوْرِ والإيْمَـان والإلْهَـامِ
 أنَا لا أشُكُّ بِـأَنَّ هَمّك شامِلٌ        لمُعَذّبٍ في مِصْرَ أو فِي الشّامِ
أَو فِي العِرَاقِ و فِي رُبُوعِ جَزيْرَةٍ     في مَغْربٍ، في مَشْرقٍ مُتَـرَامِ
 أنّى لِشَـكٍّ أنْ يُرَاودَنِي وقَـدْ     رُبّيْتَ في حِضنِ الحَنُوْن السّامي
ورَضَعتَ من لَبَنِ الرَّؤم شهَامَةً     فبَلَغْـتَ أعْـلى ذِرْوَةٍ ومَقَـامِ
ونشأتَ بَيْـنَ أهِلّةٍ وكَواكِـبٍ      أدْنـاهُمُ فِـي رِفْعَـةٍ وتَسَـامِ
وعَلَى هُدَى الْقرآن سِرْتَ مُؤيَّدا     بِبَيـَـانِهِ، ومُفَصَّـلِ الأَحْكَامِ
منْ بَعدِ هَذا هَلْ سَتَسْكتُ مُعْرِضًا      عَـنْ جُرحٍ جَارٍ في فُؤَادٍ دَامِ
عَـنْ صَرْخةٍ قدْ أطْلَقَتْها حُرّةٌ        لتُجِيـرَها مِنْ مَـارِقٍ هـدّامِ
فَأخُو بَنِي العَبّاسِ أهْـرَقَ ماءَه      ما ذاقهُ وهُـو الصديُّ الظَّامِي
حتّى يُلبّـيَ صَرْخةً نادَتْ بها      عَرَبِيّةٌ ضُرِبَـتْ بسَوْطِ طَـغَامِ
وأقَـرّ عَيْنَ المؤمنين جَمِيْعِهِم       وَبِـهِ شَدَا فَخْـرًا أبُـوْ تَمّـامِ
الإثنين 12/ذو القعدة/1432 الموافق لـ 10/تشرين الأول/2011


السبت، 8 أكتوبر 2011

ياأيّها الدّبّ القمين....

يا أيُّهَا الدّبُّ الْقَمِيْنْ....
شعْرُ/محمد جميل جانودي
تبّـًا لِمَوقِفِكَ الْمُشِيْنْ     يا أيُّها الدُّبُّ القَمِـيْنْ
قابَلْتَ إِحْسَانَ الشَّـآمِ بِمَـا يُسِيء ومَا يُشيْـنْ
أيَّدْتَ قاتلَ شَعْبِـهَا      عَلّمْتَه قَطْـعَ الْوَتِـيْنْ
آزرْتَ طَاغِيَةً عَـلَى    شعْبٍ أبَى أنْ يَسْتكِيْنْ
ومدَدْتَـهُ بالقَاصِفَـاتِ الرّاجِــمَاتِ لآمِـنينْ
ونَصَـرْتَه فِـيْ مَجْلـسٍ ليُدِيْنَهُ فِيْ العَاْلَمِـيْنْ
وأعَانَ ظُلْمَك سَافِلٌ    فَغَدَا بِأسفَلَ سَافِــلينْ
وأطَلّ في قَرْنٍ يُحا    كي قَرْنَ دَجَّالٍ لَعِـيْنْ
سَاوَيْتَ بَيْنَ ضَحِيَّةٍ    والقاتِلِيْـنَ الذّابِحيْــنْ
يا وارثًا للظُّلـمِ جَهْـرًا عَنْ أكابِرَ مُجْرمِيْـنْ
هَا قدْ حَنَنْتَ إلى الدّمَاءِ حَنيْنَ صَادي الظّامِئيْنْ
فثَمِـلْتَ مِنْ كأسِ الْمَنُـونِ أذقتَــهُ لِلْوَادِعِيْنْ
ورَشَشْتَ فَـوْقَ قُبُورِهِمْ  مُهْلاً لِحَرْقِ الياسَمِيْنْ
بَخَّرْتَـهمْ بِشُوَاظِ حِقْدِكَ مِنْ زَفيْـرِ الْحَـاقِدِيْن
وزرَعْـتَ في أَرْجَائهِمْ شَـوْكًا فأدْمَى اليَافِعِيْنْ
وبَكَتْ حَمَاةُ وأختُهَـا حمْصٌ رِيَاضُ الصَّالِحِيْنْ
ودِمَشْقُ أَنَّتْ حُـرْقَـةً    منْ جَوْرِ سَفّاحٍ مَهِيْنْ
وغَدَا الأبـاةُ بشَامِنَـا    مِنْ جُنْـدِهِ مُسْتَهْدَفِيْنْ
وهِضَابُ حوْرانَ ارْتَوَتْ   سُقِيَتْ دِمَاءَ الطّاهِرينْ
وسُهُولُ إدْلبَ أَقْفَـرتْ   مِنْ غَيْرِ زيْتُونٍ وتينْ
أمّـا الْفُـرَاتُ فـإِنَّـهُ   يَا دُبُّ، منْ كمَدٍ حَزِيْنْ 
أَطْفَـالُنـا فِلْذاتُـنَـا    وُئِدُوا أمَامَ النّاظِرِيْنْ
أمّا حَرائِرُنَا فَسَـلْ   عَنْ عِرْضِهِنَّ وقَدْ أُهِيْنْ
عَنْ خَطْفِهِنَّ وقَتْلِهِنّ ووَصْمِهِـنَّ عَلَى الْجَبِيْنْ
حتَّى الْحَمِيْرُ فإنّهَـا    لَمْ تَنْجُ مِنْ حِقْدٍ دَفِيْنْ
برَصَاصِك الْمُهدَى لَهَا  أثرًا غَدَتْ مِنْ بَعْدِ عَيْن
يَا أيُّهَـا الدُّبُّ الّـذي   لمْ يَتَّعِظْ بِـالسَّابِقِيْنْ
شَعْبِيْ بسُـوريّا سَيَبْقى صَامِدًا، لا، لَنْ يَلِيْنْ
ولَسَوفَ يَذْكُر مَنْ أسَاءَ ومَنَ غَدَا فِيْ الْمُحْسِنينْ
سَتَكُونُ ثَوْرَتُهُ مَنَـارَ المُؤْمِنِيْنَ الثَّـائِرِيْـنْ
سَتَكُونُ نِبْـرَاسَ الشَّبَابِ المُهْتَدِيْنَ الطّامِحِيْنْ
وسَيَكْتُبُ التّـارِيْخُ عنْـهَا فِي سِجِلّ الخَالِديْنْ
السبت 10/ذو القعدة/1432 الموافق لـ 8/تشرين الأول/2011

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

رحم الله امرءًا عرف حده فوقف عنده


بسم الله الرحمن الرحيم
رحم الله امرءًا عرف حده فوقف عنده....
جاء أبو ذر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه الإمارة، فردّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ردّاً جميلاً، وشرح له ببلاغة وإيجاز سبب رده إياه... وبين له أنه ضعيف...مع أن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال عن أبي ذر: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر...([1] )  
وهذا يعني أن الرد لم يكن بسبب قدح في إيمان أبي ذر ولا في أخلاقه... وأن ضعفه لم يكن في إيمان ولا صلاة ولا طاعة .. وإنما ضعيف فيما يرتبط بالإمارة ومستلزماتها.. من حسن سياسة، وصبر، وروية، وتفهم لطبائع الناس، فلكل طبعه، وطريقةٌ للتعامل معه...وغير ذلك..
ذكرت ما سبق لأبين أن كثيرًا من الناس، وهم أصحاب سبق وفضل في العمل والدعوة وغير ذلك، تراهم يتدخلون بفرض آرائهم في كل صغيرة وكبيرة من شؤون المجتمع، ظانين أنفسهم أنهم فارس القضية المجلّى وأميرها المعنّى، فيما ندبوا أنفسهم إليه...ففي مجال الزراعة تجدهم مهندسي الزراعة المهرة، وفي مجال الطب تجدهم منظرين لأدواء وعلل، وفي مجال الفقه تجدهم يتحدثون فيه وكأن أحدهم أبو حنيفة أو الشافعي، وفي مجال العلوم العسكرية والحروب ينبرون وكأنهم صلاح الدين أو رومل، وقل الشيء نفسه في مجال السياسة...
وليس مجال الحديث عن ذلك هو التدخل في النيات، فإننا نفترض أنهم حسنو النيات، لكن؛ فلنأخذ كمثال على ذلك المجال السياسي، فمن شروط السياسي أن يكون ملمًا كثيرًا بالعلوم السياسية، وأن يكون مرنًا مع تعامله مع الآخرين (شعرة معاوية)، وأن يقرأ الخبر، وما وراء الخبر، بأكثر من عين.. (عينه مثلاً وعيون المجتمع...)، وأن يختار الكلمات المناسبة مع محاوره بحيث لا توقعه في تناقض، أو تكون عليه مستمسكًا يُحرج به، وأن يكون بعيدًا- بقدر ما يستطيع- عن التأثر الذاتي الشخصي العاطفي حين يتعامل مع الآخرين.. فلا يدفعه حب فئة إلى تصويب ما لديها وإن كان خطأ، ولا يدفعه بغض أخرى إلى تخطئة ما عندها وإن كان صوابًا... ولا يسارع في الحكم على الأمور بظواهرها... فينتقد ويفند ويتهم لمجرد صدور عبارات تحتمل وجوهًا عدة، فتراه يعمد إلى اختيار الاحتمال الذي يناسب توجهه..ولا يرى غيره... في حين أن قائلها ربما يقصد أمورًا أخرى لم يُدركها الأول... فلا يمكن التعامل مع السياسة كالتعامل مع عملية حسابية لها نتيجة واحدة فقط، ولا تؤوّل بأي شيء آخر ... هذا التعامل غير وارد في الأمور السياسية... ففي الغالب ليس في السياسة أبيض وأسود...وإنَّ الحكم بالصحة أو الخطأ على جزئية؛ بناء على كلمة انطلقت من هنا.. أو موقف اتّخِذ من هناك في إطار موضوع عام وواسع..هذا الحكم مخالف لأبجديات التعامل الشامل والكلي في السياسة... وغالبًا ما يفعل ذلك أولئك الصنف الذين أشير إليهم آنفًا... ولنعد-مثلاً- إلى أبي ذر رضي الله عنه، وهو مَن هو من بين الصحابة الأجلاء الذي يُعدّ في القمة منهم أمانة وإيمانًا وإسلامًا وصدقًا... لكن لديه صفة ((الضعف في شؤون الإمارة)) فهذه جعلت النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن الخوض فيها، وممارستها... لأن ضعفه ذاك ربما يؤدي به إلى أمور يعقبها حسرة وندامة يوم القيامة ، فأراد صلى الله عليه وسلم، بِحُبّه له، أن ينقذه من هذا الموقف العصيب...والتزم رضي الله عنه بذلك..
أقول هذا الكلام، والشعب السوري يخوض ثورته المباركة... في الداخل، وهو يقدّم التضحيات الجسام، فلنرحمه بألا نشتت الأفكار حوله... ولينظر كل واحد منا الجانب الذي يتقنه، وليخدم الثورة من هذا الجانب... وليدع الجوانب الأخرى لأصحابها.. وعندئذٍ يحصل التكامل البناء، الذي يخدم القضيّة بحق، ويخدم الشعب وهو يعمل من غير كلل ولا ملل.. فالفقيه المتبصر يخدم بفقهه فقط، والأديب الشاعر يخدم بأدبه وشعره، والخطيب المفوه الفصيح البليغ.. يخدم بخطبته وبث روح الحماس في النفوس، وليدع هؤلاء ما يتعلق بالسياسة للسياسيين المهرة المحنكين الذين صقلتهم التجارب، ويعرفون كيف يسوسون الأمور... وأرجو ألا يُفهم من كلامي أني أسد باب النصح وإبداء الرأي...معاذ الله، ولكن ليكن ذلك عبر قنوات من شأنها أن تعطي النصيحةُ أكلَها، لا أن تكون فضيحةً تثير بلبلةً، وتفرق كلمةً، وتُمزّق صفًا؛ حتى ولو كان صاحبها لا يقصد ذلك...
ولا يقولَنّ أحد، من باب التحدث بنعمة الله عليه، أنه يُتقن الفنون كلها، وأنه كما يُقال مثلُ النحاس؛ من أي جهة ضربته رنّ وصوّت... فقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك الادعاء... وأولى بأن يتصفوا بتلك الصفة... بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحقَّ بذلك من سائر البشر قاطبة، ولكنه أُثر عنه صلى الله عليه وسلم في قصة تأبير النخل أن قال: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)).. فلنتق الله في الثورة ورجالها، والعاملين لها أيا كان موقعهم، ولنتريث في التدخل فيما غيرنا يتقنه أكثرَ منا، ولنُمسك عن ذلك سواء كان الأمر تأييدًا ودعمًا أو تبكيتًا ونقدًا.. ولنترك الأمور إلى أصحاب الأمر والدراية فهم أجدر، ولاسيما إذا توافق جمع غفير على الشهادة لهم بذلك إلى جانب الأمانة والصدق...
قال تعالى: (( وإذا جاءهم أمرٌ من الأمنِ أو الخوفِ أذاعوا به، ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لَعلمه الّذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)) النساء83.
وأي أمر يهمنا الآن أجدر بأن يوصف بالوصف الذي ورد في الآية الكريمة (الأمن والخوف) من أمر يخص الثورة السورية، ومتعلقاتها جميعًا؟؟... فلْيُسنَد كل متعلّق بها إلى من يستطيع- بجدارة- أن يستنبط من ذلك المتعلق ما يعود بالفائدة والخير للثورة ورجالاتها.. وإلا فإنّه يُخشى على من لا يفعل ذلك أن يكون ممن اتبع الشيطان، وهو لا يدري، ومآل ذلك الخيبة والخسران والعياذ بالله.
وأمر آخر؛ أحسب والله أعلم، أن تقديم المفضول على الفاضل وارد هنا، ما دام المفضول يُتقن أمرًا ما، مُحددًا، أكثر من الفاضل، وفي السيرة كثير من الأحداث التي يُستأنس بها في هذا الشأن، كقيادة أسامة للجيش وفيه من هم أفضل منه... وأقول هنا (الفاضل والمفضول) فيما يبدو لنا نحن البشر، أما الأفضلية الحقيقية فلا يعلمها إلا الله تعالى.   
اللهم اجعلنا ممن يهتدون بكتابك، ويقتدون بنبيك، ويتخذون من سيرته مع أصحابه مدرسة لنا نتعلم منها جميع ما يحل مشكلاتنا، ويأخذنا إلى النجاح والتوفيق.
جمعة ((المجلس الوطني يُمثلنا) في 9/ذو القعدة/1432 الموافق لـ 7/تشرين الأول/2011
محمد جميل جانودي


([1]) عن أبي ذر: قلت : يا رسول الله ! ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي . ثم قال ( يا أبا ذر ! إنك ضعيف . وإنها أمانة . وإنها يوم القيامة ، خزي وندامة . إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها  .

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

تحية للمجلس الوطني عبر هذه الورقة


بسم الله الرحمن الرحيم
تحية إلى المجلس الوطني السوري الموقر من خلال هذه الورقة
تم في يوم الأحد 4/ذو القعدة/1432هـ الموافق لـ 2/10/2011 تشكيل المجلس الوطني السوري لتمثيل الشعب السوري في ثورته المباركة من أجل قيام دولة الحق والعدل والقانون بعد تنسم الحرية واسترداد الكرامة.
وهي خطوة جيدة وضرورية وملحة ليكتمل العمل التعاوني بين الداخل والخارج، ولا يسع كل سوري إلا أن يدعو لهذا المجلس بالتوفيق والنجاح في أداء مهماته، وأن يُجنبه العوائق الظاهرة والباطنة.
وبهذه المناسبة أردت أن أذكر ببعض النقاط التي ليست بغائبة عن المعنيين من الأفاضل أعضاء المجلس، وكثير غيرهم، ولكن ليقيني أن الذكرى تنفع المؤمنين.
النقطة الأولى: تحديد الهدف من تشكيل المجلس : إيجاد كيان عضوي حركي يتلاحم عناصره مع بعضهم، متعاونين بشغف واندفاع، ليمثلوا الشعب السوري بصورة عامة في العمل على تحقيق هدف ثورته المباركة التي انطلقت في منتصف آذار 2011 وما زالت مستمرة بصورتها السلمية المشرفة بالرغم من المعاناة التي تكابدها متمثلة بصور متعددة من صور القمع معدوم النظير في العالم قاطبة. هذا الهدف يتجه نحو إسقاط نظام الفساد السائد بكل ما تقتضيه هذه العبارة من مدلولات. والانتقال بسوريا إلى نظام الحق والعدل والقانون بعد نيل الشعب حريته واسترداد كرامته من خلال التفاعل الدائم مع حراك الثورة اليومي.
النقطة الثانية: تحديد وسائل تحقيق الهدف وأنواعها، ومنها:
الوسيلة الدعائية التعريفية: عن طريق توضيح مفصل للتعريف بالمجلس وبأعضائه، وبإعطاء لمحة موجزة عن سيرة كل منهم وتاريخه النضالي، وعن المجال الذي يمكن أن ينشط فيه.. فالشعب لا يمكن أن يقبل بممثلين له في هذه المرحلة وهم مجهولون بالنسبة لشريحة من شرائحه، أو أكثر، أو حتى بالنسبة لأفراد منه. وتشمل هذه الوسيلة أيضًا التعريف بالوسائل التي يُزمع المجلس اتخاذها للوصول إلى هدفه بصورة مجملة لا تفصيلية، وتشمل تعريف الشعب بالخطوات المتتابعة التي يقوم بها المجلس من غير تأخير.. وإن كانت هناك بعض الخطوات يتطلب فيها التكتم لدواع أمنية فكل شيء يُقدّر بقدره، وحين تكون النوايا صادقة فلا يمكن أن يُلجأ إلى تبرير ما يُخفى بأن إخفاءه ضروري وهو في الحقيقة نتيجة تباطؤ أو إهمال.. إلى أمور أخرى يكون من المفيد التعريف بها.
الوسيلة المالية: المال هو عصب الحياة، ومن باب أولى أن يكون عصب حياة المجلس وضمان بقائها شابة فتية، حتى يمكنه ممارسة مهامه. وهنا وفي الدرجة الأولى: على كل سوري يهمه نجاح المجلس أن يعتبر نفسه أحد منابع التمويل للمجلس، كل حسب طاقته، ولكن يجب ألا يحكم ذلك الفوضى.. وبعد ذلك يأتي ما يُتاح للمجلس من مصادر تمويل من خلال شركات أو مؤسسات سورية في المقام الأول، وبعدها لا ضير من أن تكون غير سورية على أن يكون الأمر مدروسًا بدقة وحذر حتى لا يتماشى مع ذلك فرض شروط غير مرغوبة أو تكون معيقة لعمل المجلس. ولا يقف الأمر عند جمع المال وتأمينه، بل يتعدى إلى كيفية إنفاقه، وتوزيعه بصور عادلة إلى جميع مناحي إنفاقه عبر لجان المجلس، ويجب أن يكون ذلك كله موثّقًا، ومُعلنًا للناس.
الوسيلة الإعلامية: بالتأكيد سيكون للمجلس لجنة إعلامية، تنشر عبر وسائل الإعلام، على اختلاف أنواعها، ما يُنجزه المجلس من مهام، فيفترض أن يكون نشاطها مواكبًا لمجريات الثورة وأحداثها.. والحذر من التأخر عنها.. كما يُفترض ألا تُغْفل كبيرة أو صغيرة من شأنها أن تعطي دفعًا معنويًا للمجلس أو لشباب الثورة ، بل تبرزها جلية في وسائل الإعلام بوقتها المناسب، وغني عن القول أن هذه الوسيلة تشمل الاهتمام بما يكتبه المثقفون والسياسيون والأدباء والشعراء والقانونيون وأقوال كل من يُدلي بما لديه في أمر الثورة وأمر المجلس، اللذين في حقيقة الأمر هما أمر واحد.. وعلى اللجنة الإعلامية أن لا تضيق ذرعًا بأناس يكتبون وينتقدون من منطلق مصلحة الثورة، وعليها أن تميز بينهم وبين من يدس في طيات ما يكتب أفكارًا ومعلومات، وبيانات مغلوطةً، من شأنها أن تعود إلى الثورة بالضرر. وتشمل هذه الوسيلة تسهيلَ الظهور على وسائل الإعلام لمن ينفع ظهوره، وتسهيل عقد الندوات والمقابلات السريعة زمنيًا أو العادية. ومؤازرة المشاركين بالأفكار الخاصة بالموضوع الذي سيُطرح. وتشمل كذلك إعداد صحيفة أو أكثر تتحدث باسم المجلس، أو مجلة، وبلغات متعددة ولاسيّما الحية منها.كما يحبذ إحداث فضائية إعلامية خاصة به، أو على الأقل تسخير مساحات واسعة من فضائيات النصرة للمجلس، ويحسن أن يكون للمجلس ناطقٌ إعلاميٌ باسمه.
الوسيلة الثقافية: تكون بنشر الوعي، بين الناس، والتحدث عن ما يُنجزه الثوار على الأرض من بطولات وقصص ونوادر، وما يُمارسه النظام القمعي، وكذلك تنشر آراء الناس والهيئات واقتراحاتهم، وانتقاداتهم، لتكون موضع دراسة من قبل اللجنة المختصة من لجان المجلس، الاستفادة من هذه الدراسة في عمل المجلس، كما يمكن أن يكون لها نشاط في تأليف كتب، متعددة العناوين، ذات صلة بالثورة.. (كتب توثيقية، قصص أدبية، دواوين شعر، كتب عن الشهداء، كتب عن المواقف المؤيدة والمواقف المضادة، كتب تتضمن حلقات إعلامية متجانسة ذات علاقة بالثورة؛ مثل كتاب عن حلقات الاتجاه المعاكس أو حديث الثورة أو بانوراما أو أحاديث الأساتذة المهتمين عبر القنوات الفضائية كالأستاذ زهير سالم، والدكتور برهان غليون، والدكتور رضوان زيادة والأستاذ هيثم المالح، وأحاديث الشيخ عدنان العرور وغيرهم وهم كثر وأثرياء فكريًا ونشاطًا ولله الحمد... كما تشمل بتجميع مناسب وموضوعي لأشرطة الفيديو التي أثرى نشطاء الثورة الساحة العامة بها.. ولكنها تحتاج إلى ترتيب ما، إما حسب الموضوعات أو حسب المحافظات أو حسب التاريخ.. كل ذلك يُدْرس...
الوسيلة الأمنية: تكون بالحذر والحيطة، واتخاذ تدابير الحماية والحفظ للمجلس على مستوى الأعضاء أو على مستوى الهدف أو الوسائل، فإن مجلسًا أنيطت به أهم عملية تغيير تشهدها المنطقة منذ أمد بعيد، لا يُمكن أن يتركه المتربصون به من غير أن يعملوا على إعاقة أعماله، وحرفها عن الاتجاه الصحيح، فسيعمدون إلى بلبلة الأفكار، وصرف النظر عن الهدف الرئيسي، وتشتيت الآراء، والتثبيط، والتيئيس وحتى ربما إثارة الشكوك حول الرموز المشهود لها بتاريخ من الجهاد والنضال من أجل الحرية والعدالة...فباليقظة التامة، والمراقبة الدقيقة، والمتابعة المستمرة، والتذكير الدائم، يمكن بكل ذلك تجاوز كثير من العقبات في هذا المجال.
الوسيلة الوقائية: وأعني بها محاولة تتبع ما يُثيره خصوم المجلس والمتربصون به من شُبه، ودعايات، ويسندون إليه من تهم وأقوال وأفعال، ويفسرون ما يكون قد صدر منه على غير المقصود، وذلك بندب جنود عمل من السوريين الذين هم في صف الثورة والتغيير، وممن لديهم الكفاءات العالية للقيام بهذه الوسيلة خير قيام، وليتهم لا يكتفون في هذه الحالة بالمواقف الدفاعية، وإنما يتخذون دور المهاجم ويتعاملون مع الطرف الآخر بمبدأ ( رمتني بدائها وانسلت) أو (ضربني وبكى وسبقني واشتكى) وإن كان الواقع قد تجاوز ذلك فما من أحد تقريبًا يُصدق تلك الافتراءات والتهم.
وسيلة الوجود القوي في الساحات: يجب أن يكون للمجلس وجود ما، يُمثله في كل مكان في العالم، وتتفاوت درجة قوة هذا التمثيل من مكان إلى آخر حسب الأهمية.. فيفترض، أنّى تحرك المرء العادي، أن يجد نشاطًا ملموسًا، ووجودًا فاعلاً للمجلس، يقوم بكل ما ذكر أعلاه لتحقيق الهدف الأساسي من تشكيله. ولا نعجب إذا قلنا أن هذا الوجود قد يكون بأسرة واحدة تعيش في مزرعة، فيكون الأبرز من أفرادها قائمًا بهذه المهمة ولو بأيسر صورها، وقِسْ على ذلك...وعلى هذه الوسيلة أن يظهر نشاطها في المدارس والمصانع ومناطق التجمع البشري، والأسواق، وداخل المؤسسات العامة، والشركات، وغير ذلك.
الوسيلة الرابطة بين الداخل والخارج: ربما تكون هذه الوسيلة من أصعب الوسائل، ولكنها هي بالتأكيد من أهمها، فيجب ألا تنقطع هذه الصلة، بل إن مرتكز نجاح المجلس في الوصول إلى هدفه هو نجاح تحقق هذه الصلة بكل ما تقتضيه من معنى... صلة تشاورية، صلة تكافلية، صلة روحية، صلة تكميلية (بمعنى تكامل الأراء والأفكار وتلاقحها)، صلة تنسيقية بحيث لا يوجد أي تضارب بين ما يصدر عن أحد جناحي المجلس مع ما يصدر عن جناحه الآخر.
الوسيلة الروحية: هذه الوسيلة بنظر كثيرين من أهم الوسائل إن لم تكن أهمها.. فإن الذي ما من شك فيه أن المجتمع السوري مجتمع مؤمن بالله سبحانه وتعالى، بغض النظر عن الدين الذي يتجلى من خلاله هذا الإيمان، وأن جميع الأديان في سوريا مجتمعة ومتفقة على مجموعة من القيم والمبادئ والتي لها ارتباط وثيق بهدف المجلس، مثل محاربة الظلم والفساد، والتمايز على غير أساس العمل الصالح، وهنا تبرز أهمية الطاقة الروحية لدى الناس جميعًا في تحفيز وجود فعال لهذه المبادئ... فتتفاعل القوى العاملة بعيدًا عن أي غش أو خداع أو غدر أو خيانة أو مواربة بدافع قوي من ذلك الإيمان المتأصل في النفس، وبذلك يختصر المجلس كثيرًا من الإجراءات ويوفر المال والجهد... في عمليات الرصد والمتابعة، أقول يوفر ولا أقول يُلغي .. فلا بد من وجود المراقبة المادية كما هو معلوم. فإن عددًا كبيرًا من الحراس ربما لا يستطيعون منع إنسان أن يسرق من مصنع، ولكن إحساسه برقابة الله له يردعه ويمتنع ذاتيًا عن ذلك. وتتمثل هذه الوسيلة أيضًا باستمرار التواصي بين أعضاء المجلس بالحق والتزامه، والصبر على صعوبة الطريق من أجل إظهاره على الباطل. وتتمثل كذلك بإشعار جميع السوريين على أن هناك رابطة من نوع خاص بين المجلس وبينهم، ويقوى هذا الإحساس بأن يبتعد أعضاء المجلس، أيا كانوا، عن أي صورة للأنانية، والتعالي، والتميز على الآخرين؛ سواء في نمط معيشتهم اليومي، أو من خلال أحاديثهم في وسائل الإعلام، فتكون العلاقة بينهم وبين الناس علاقة حب واحترام وتقدير.. لا تسمح للآخرين بأن يصطادوا من خلال تلك العلاقة صيدًا يصب في شباكهم... كما يحاول هؤلاء الآخرون إبراز ذلك في عبارات مثل: الحياة في فنادق خمس نجوم، والترفه على حساب الناس، والارتباط بمشروع أجنبي، وفي الحقيقة يمكننا أن نقول أن المجلس راعى ذلك إلى حد لا بأس به من خلال الصالة المتواضعة التي أعلن تشكله فيها...
النقطة الثالثة: دراسة الأداء والتقويم
لا بد لينجح أي عمل من أن تكون له محطات يتم فيها دراسة النتائج، ومعرفة نجاعة الوسائل المتبعة في الوصول إلى تلك النتائج، نجاحًا أو إخفاقًا، فيُصار إلى تطوير الوسائل ودعمها في حالة النجاح، وإحلال غيرها محلها في حالة الفشل أو تعديلها بما يُؤدي إلى الأفضل... ويجب أن يتم هذا على جميع محاور العمل؛ الدعائي، والإعلامي، والثقافي، والتحرك الميداني. وفي هذا المضمار يُسْتحسن؛ بل يجب على المجلس أن يُصدر بيانات عن كل محطة يُطلع فيها السوريين جميعًا بل وغيرهم من المهتمين بالشأن السوري، على معلومات تشير إلى أين وصل المجلس في طريقه إلى الهدف، وما المشجعات، وما المثبطات...وكل ما من شأنه أن يفيد اطلاع الناس عليه، ويجب أن تتجلى في هذه البيانات المصداقية، والصراحة.
وأخيرًا أسأل الله تعالى أن يأخذ بيد المجلس بمختلف لجانه وهيئاته إلى تحقيق الهدف الذي شُكّل من أجله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد جميل جانودي.