السبت، 1 أكتوبر 2011

هل هؤلاء هم أحفاد أولئك؟...


بسم الله الرحمن الرحيم
هل هؤلاء أحفاد أولئك؟!
كان الروم يمثلون واحدة من قوتين عظميين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تجلّى موقف المسلمين منهم من حيث النظرة العامة إليهم بثلاثة مواقف بارزة:
 الأول: في الآية الكريمة( ألم * غُلِبَتْ الرّومُ في أَدْنى الأرضِ وهم من بعدِ غلَبِهِم سيَغْلبونَ، في بِضْع سِنين، لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وهوَ الْعزيزُ الْحكيم). فقد كان المسلمون ينظرون إلى أن الروم قريبون منهم باعتبارهم أصحاب كتاب سماوي، وكانوا يتعاطفون معهم في علاقاتهم العامة.
الثاني: في قوله تعالى: (... ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى...) فهذه الآية حددت أن النصارى المتمثلين أكثر ما يمكن بالروم... هم على وجه العموم أقرب مودة للمسلمين من غيرهم لاعتبارات عديدة ذكرتها الآية الكريمة.. منها الإصغاء بشغف للقرآن، وتدبر آياته، وخشوعهم عند سماعها بعكس غيرهم الذين كانوا يُديرون ظهورهم للقرآن، ويتحاضون على عدم الاستماع إليه، واللغو فيه.
الثالث: في حديث الإمام مسلم عن المستورد القرشي الذي يحدث به عمرو بن العاص : تقوم الساعة والروم أكثر الناس . فقال له عمرو : أبصر ما تقول . قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك ، إن فيهم لخصالا أربعًا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة . وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة . وأوشكهم كرة بعد فرة . وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف . وخامسة حسنة وجميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك .
فهذا أحد رموز الإسلام العظام، عمرو بن العاص، الذي من ألقابه أرطبون العرب وداهيتهم ، يشرح لماذا بين رسول الناس كافة أن الروم يكونون أكثرَ أهل الأرض قبيل قيام الساعة...والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل ما يُقال أن المعروف عنهم أنهم هم الروم في مطلع القرن الواحد والعشرين هم أحفاد الروم في القرن السابع؟ هل هم الذين يكونون أحلم الناس عند فتنة... ؟ وهل إنهم أسرع الناس إفاقة بعد مصيبة؟ وهل هم خير الناس لمسكين ويتيم وضعيف؟ وهل هم أمنع الناس من ظلم الملوك؟
سألقي نظرة سريعة في إجابتي السؤالين الأخيرين لأنهما تعنيان ما أرمي إليه من هذا المقال!
أما بالنسبة للسؤال الأول... فيفترض أنهم -حسب الحديث- يلبون حاجات المسكين واليتيم والضعيف.. أما الخيرية المرتبطة بالأول والثاني (المسكين واليتيم) فتتمثل في تأمين الحاجات الضرورية للإنسان من مأكل ومطعم ومشرب وملبس وأمن وتعليم وحماية من الأمراض وغير ذلك...
وفي الحقيقة لو أننا أردنا أن نحصي المنظمات الإنسانية التي تولى إنشاءها الغرب عامة، والتي تُعنى بما ذكرنا من تلك الحاجات... لعجزنا عن ذلك الإحصاء لكثرتها وتنوعها وانتشارها... ولكن هل هذه المنظمات تؤدي - على الوجه المطلوب - المهام التي أُنشئت من أجلها؟
لا يمكن للمراقب والمتتبع لما يجري على الكرة الأرضية أن يُجيب بكلمة ((نعم)) وهو مطمئن إلى أن إجابته تلك صحيحة وعادلة... ولا أدَلّ على هذا القول من ذلك الكم الهائل من الذين يتضورون جوعًا، ولاسيما في إفريقيا، ويلفظون أنفاسهم بسبب ذلك.. ولدى العالم الغربي من الإمكانات الهائلة ليسد جوعهم ذاك، ولا أقول إنه لا يُحاول؛ إنما الواقع يشهد بمدى اقتراب تلك المحاولة من الجدية... والشيء نفسه يُقال بالنسبة للتعليم والأمراض.. وغيرها.. وحتى نكون منصفين لا يمكننا أن ننفي عنه بالمطلق العمل على تلبية تلك الحاجات، ولكن هل عمله ذاك يرقى إلى درجة أن ينجح في الاختبار السهل الممتنع الذي وضعهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكونوا (أكثر الناس)... والكثرة هنا لا تقف عند الكثرة العددية.. وإنما كثرة يراها الناس بعيونهم متمثلة في كل ما يعود بالنفع إليهم... كثرة في الاهتمام بالآخرين، وكثرة في الحدب والحنو عليهم، وكثرة في العطاء، وكثرة في دفع الأذى والضر عنهم...وكثرة في تحقيق إنسانية الإنسان..
أما بالنسبة لخيريتهم للصنف الثالث وهو الضعيف، فهنا يقف المرء وهو لا يملك إجابة شافية بحق، ولا حتى إجابة جزئية حقيقية عن تلك الخيرية، وكي تكون هذه الخيرية للضعيف حقيقية، يجب أن تكون غير مشروطة، ولا مقيدة، ولا مرتبطة بأي أمر يُعيق وجودها... فيجب ألا تكون مرتبطة بمصلحة، ولا تكون منحازة لضعيف دون آخر، ولا تكون مشروطة، ولا تكون بطيئة... وحاجة الضعيف تتمثل أكثر ما تتمثل فيه بالنصرة ليكون قويًا، ويدفع عنه تغول الظالم وتفحشه... فهل هذا موجود عند الغرب الذين نقول عنهم إنهم امتداد روم القرن السابع وأحفادهم...؟!!
لقد عمل الغرب كثيرًا في هذا المضمار... فأنشأ الأمم المتحدة، ومجلس الأمن فيها، ووضع مواد وبنودًا لنصرة الضعيف، وعدم السماح للقوي في أن يقضي عليه، أو يسلبه حقوقه...ولكن نرى تفاوتًا عند التطبيق... فنراهم ينفرون خفافًا وثقالاً  لمساعدة ضعف مزعوم عند جهة ما، هم بالأصل يريدون مساعدتها حتى ولو لم تستنصرهم، بينما يقومون متثاقلين حين يُستصرخون من جهة أخرى، وتراهم لزموا أمكنتهم وكأنهم غير معنيين بشيء ولا يهبون؛ حتى بأضعف أشكال النصرة الحقيقية، فيما يتعلق بحالة ثالثة... وإلا فماذا ينتظر الغرب ليقدموا خيريتهم في النصرة ودفع الظلم عن شعب ضعيف رزح تحت كل أشكال الظلم والقهر لعقود، وحين رفع رأسه، وصوته، (أقول صوته فقط) ليطالب بأبسط الحقوق سُلِّطتْ عليه أبشع أنواع الإبادة من ذبح، وقتل، واغتصاب، وسلب للأموال، واتهام في أعز ما يملك..من تخوين وتبعية... ومع ذلك نجد (روم هذا الزمان) يكتفون بفعل ما يظنون أنهم قاموا بما لا يجعلهم تحت المساءلة في أنهم يخالفون مبادئهم، وما صدر عنهم في مجال حقوق الإنسان...!!
يمكن تفهم موقف (روم هذا الزمان) عامة، لو أنهم لم يقروا بألسنتهم أن ما يجري في سوريا هو هتك صارخ لحقوق الإنسان... ولكنهم أقروا ... إلا أنهم لم يفعلوا ما يوقف قتلاً، ويُنهي ظلمًا، ويُؤمّن حقًا... وإذا كان ما يقوله بعض المحللين أن الغرب ينطلق من مصالحه الخاصة ليهب لنصرة الضعيف... فلا حاجة لأن نوضح أكثر مما ذكرنا لنعلن رسوب هذا الغرب(روم هذا الزمان) في الاختبار الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم... فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء بـ ((إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورًا)) وجاء بـ (( انصر أخاك ظالمًا أو مظلوماً))؛ تردعه عن الظلم في الأولى وتكف عنه الظلم في الثانية...
لقد حدد لهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معالم الكثرة التي وصفهم بها...وترك للزمن وللأفعال والمواقف أن تحدد اتضاح تلك المعالم وبروزها أو تلاشيها واختفاءها... وعلى ضوء ذلك يكون نجاح الروم فيما انتدبوا إليه أو رسوبهم فيه...
نعم يا روم اليوم... لم يُبق لكم الشعب السوري حجة في أن لا تكونوا معه، فعلاً لا قولاً، لتثبتوا لأنفسكم أنكم أحفاد روم الأمس الذين استحقوا هذا الوصف من خاتم الأنبياء والمرسلين... وعليكم حتى تنجحوا في الاختبار ألا تربطوا وقفتكم مع المظلوم بمصلحة آنية، ولا مصلحة جهة ما، أيا كانت تلك الجهة.... وإنما هبوا للنصرة لمجرد النصرة.. وأنتم أدرى -حين تصدق النوايا- كيف يتم ذلك..وإن لم تفعلوا فإن سنة الله ماضية في نصرة المظلوم...أولاً بثباته وإصراره.. وثانيًا باستبدال غيركم ممن يُبرزون معالم الكثرة المعنية في حديثه صلى الله عليه وسلم...أو بغير ذلك مما يشاء الله ويختار!!
إن خير الناس وخاتم النبيين قدم إليكم في هذه الدنيا وسامًا فلا تردوه، وبيّن لكم كيف تحصلون عليه... هذا الوسام هو أنكم ((أكثر الناس)) .. ولئن رددتموه أو تقاعستم في تبنيه شعارًا غير خالٍ من مضمونه ...فسيكون غيرُكم (أكثر الناس)، إن لم يكن بتغييركم كعرق أو جنس؛ فبجيل آخر، نشيط، يأتي محل جيل أريد له (الكثرة) فأبى...
السبت 3/ذو القعدة/1432 الموافق لـ 1/تشرين الأول/2011
محمد جميل جانودي.     

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم
    موضوع البحث الذي أثرته جدير بالاهتمام و لي ملاحظة حول طريقة التناول للحديث النبوي و فهمه
    فقد انطلقت من مراقبة التناقضات الموجودة على كوكب الكرة الأرضية بأجمعه كالفقر في الصومال و القتل في سورية الخ
    و الذي أراه صواباً هو أن الحديث ينطبق على حكمهم لشعبهم و لو بحثت تلك الخصال المذكورة لوجدتها منطبقة تماما في تلك الحال
    فهم أقل الشعوب ظلما(مقارنة بالشيوعية و الصين و العالم العربي)
    و همأكثر مساعدة للفقير في بلادهم و المساعدات الإنسانية و الضمان الاجتماعي و الصحي شيئ لا ينكر تصور في كندا يعطون إجازة للرجل الذي و لدت امرأته تسعة أشهر بما يعادل 70% من الراتب
    و هكذا تأمل الحديث من هذه الزاوية تراه صحيحا
    و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم
    (( و ما ينطق عن الهوى))

    ردحذف
  2. شكرًا أخي إياد،ملحوظتك قيمة وفي مكانها، وقد ركزت في موضع آخر على المواقف الرسمية لشعوب الروم تجاه غيرهم، ولم آخذ مواقفهم تجاه أنفسهم، فالحديث مطبق عندهم فيما يخص شعوبهم، لكن تطبيقه ليس كاملاً فيما يخص غيرهم. وربما والله أعلم نجد أن سياق الحديث يشير إلى الحالة الأولى لأن السياق يربط ذلك باستمرار وجودهم.. وتنامي هذا الوجود.. وهذا يخص المقومات الداخلية وعوامل الاستمرارية لديهم أكثر مما يخص سواهم. والسلام عليكم

    ردحذف