الجمعة، 14 يونيو 2013

حول مؤتمر اتحاد علماء المسلمين


 حول مؤتمر اتحاد علماء المسلمين
بالأمس، الخميس، شهدت القاهرة، مؤتمرًا كبيرا لاتحاد علماء المسلمين، من أجل نصرة الشعب السوري في مواجهة العدوان الخارجي المتمثل بإيران وأتباعها في المنطقة، وآخرين ... وتحدث الدعاة، والعلماء، وكانت كلماتهم طيبة، ودعوا فيها إلى الطيب من القول والعمل، وفي هذا المقام يحسن (والله أعلم) التذكير بالآتي:
1- أن يتذكر العلماء النهاية شبه البائسة لكثير من المؤتمرات التي عقدوها فيما مضى حول الشعب السوري أو الشعب الفلسطيني أو غيرهما من مآسي الشعوب الإسلامية الساخنة. وكيف أنها لم تُعط معشار أدنى ما كان يُرجى منها. الأمر الذي أدى إلى الشك في مصداقيتها لدى الشعوب عامة، إن لم نقل فقد تلك المصداقية.
2- ربما، ونظرًا للظروف الصعبة للوضع السوري، قد يجد السوريون في نفوسهم ما تبقى من أمل في مثل هذه المؤتمرات، ويعيدون الثقة بها، فحذار أن ينتهي إلى حيث انتهت مؤتمرات أخَر سابقة له، من إدراج المقررات فيما يُطلق عليه "الأرشيف"، والحفظ في الأدراج، ليُستعان بها، تاريخيًا، في قابل الأيام في كتابة (المنجزات العظيمة لهذه المؤتمرات". ومما يدفع السوريين إلى وجود مثل هذا الأمل هو ثقتهم بعلمائهم التي، كما يبدو، أنها حتى الآن كبيرة.
3- حتى لا تتحول قرارات المؤتمر إلى "الأرشيف" فتجب المحافظة على حيويته وحركيته، وهذه لا تتم إلا بالترجمة العملية لما اتخذوا من قرارات وتوصيات، وأن يكون ذلك قد بدأ، فعلاً، قبل انفضاض المؤتمرين، وذلك بإنشاء آليات عمل لكل مقترح، ويُناط ذلك بلجان مسؤولة... وإن لم تتم المبادرة حتى الآن... فالأمور لا تبشر بالمأمول...
4- على رجال المؤتمر، كي لا يُسقطوا أنفسهم، من عيون شعوبهم، أن يصارحوهم بكل ما يخص عملهم، ولاسيما بالعقبات التي تعترض تنفيذ قراراتهم، ومن هم الذين يضعون تلك العقبات، حتى لا يكونوا واجهة يختبئ وراءها المعيقون، وفي النهاية يتحمل العلماء، أعانهم الله، وزر ذلك.
5- في خطوات التنفيذ، من المفيد جدًا، بل ومن الضروري، انتقال العلماء إلى العمل الميداني بين الشعوب، والإصغاء إليهم، والاستماع إلى مقترحاتهم، وبالمقابل، العمل على توعيتهم، فالمعركة طويلة، وتحتاج إلى العمل في مختلف المجالات، فهي معركة مواجهة وصد لعدوان أولاً، ومعركة بناء ثانيًا، والبحر الذي ستتم السباحة فيه عميق، وأمواجه عاتية، فإن لم يتم التدريب الفعال لخوضه فقد يؤدي ذلك إلى الغرق، نعوذ بالله من ذلك.
6- من المهم جدا، وجود محطات تقويمية للعمل، في مواعيد محددة، وبطرق شرعية قانونية، ذات منهج علمي مدروس، تستند إلى معطيات ونتائج، ويُصار إلى تشجيع ما كان منها ناجحًا ومثمرًا والعمل على تطويره، وإبعاد ما كان فاشلاً وضارا وتلافي مسبباته.
7- أيها العلماء الأفاضل، الزموا غرز الانتقال الفوري إلى العمل في إثر القول، ويغض المرء طرفه حين يخاطبكم :لا تنسوا مغبة عدم العمل، والاكتفاء بالأقوال والبيانات والتصريحات، قال الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا، لِمَ تقولون ما لا تفعلون؟ كبُر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" ومن يمقته الله لا يوفقه، ولا ينصره، ويتركه يتخبط في تيه ما يحسب أنه صالح وهو غير ذلك.
اللهم أعن علماء المسلمين على العمل بما يقولون، وأعنهم على تذليل العقبات التي تعترضهم أنى كان مصدرها، واجعلهم قريبين من قلوب الناس، واجعل رفع المعاناة عن الناس، وردع من يظلمهم من أول اهتماماتهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
محمد جميل جانودي.
الجمعة 5 شعبان 1434 الموافق 14 حزيران 2013 

الخميس، 13 يونيو 2013

أبيت الضيم يا شبل الأسود


رثاء الشهيد : إبراهيم عبد المجيد جانودي

ابن أخي الحبيب إبراهيم... لم تمنعك وسامة وجهك، وبهاء طلعتك، ورغد عيشك من أن تلبي دعوة الحق للذود عنه، والموت في سبيله... الحق الذي هو قرين الحرية، وعدو الذل والعبودية ...فكنت واحدًا من أولئك الأبطال الذين لبوا داعي الكرامة للإنسان والوطن...وانطلقت من مسقط رأسك "الحسانية" أو "هتيا" إلى "سرمين"، مجاهدًا، ونرجو الله تعالى أن يكون قد علم منك صدق نيتك في طلب الشهادة، فاتخذك شهيدا، وارتقيت بروحك بعد أن تعطرت أرض "سرمين" و"بنّش" بدمك الزكي الطاهر ودماء إخوان لك ارتقوا معك ...

ابن أخي الحبيب، أهدي إلى روحك الطاهر هذه القصيدة...

أبيتَ الضّيم يا شِبل الأسود   
أبيتَ الضَّــــــيْــم يا شبْـــــــل الأســــــودِ        وأن تحْــــــــيــــا بِـــأسْــمـــــالِ العبـــــيـــــــــــــدِ
ولــــدتَ وحـــولك الأوبَــــــــاش تعــــلُـــو        عــلى الأحْــــرار فـــــي هذا الوجـــــودِ
نَـــظَـــــرتَ فَـــــلَـــــــم تجــــــــد إلا بُــــغـــاثًـا         يُـــزاحِــمُ في السّمـــــا صقر الجدودِ
وعنْــــــــدك من مَــــــــآثـــرَ ســـــــــالفــــاتٍ         عن الآبــاء في المـاضي التليـــــــــدِ
رضعتَ العـــــــــز منهــــــــمْ في أنــــاةٍ          عليهم عُــــــدت بالذكـــر الحمِــيــــــــدِ
فأمّــــك "كوكب" وأبـــــــــــوك بــــــــــــــــدرٌ          يسمى في الـــورى "عبد المجيد"
لقــــــــــــــد أبصـــرتهم يأبون عيـــــــشــــًا          كســـائـــــــمَـــــــة تـــُرَوّضُ بالقُـــــــيــــــــــودِ
فلم يحنُـــوا لحزب البعث رأســــــــــــًا          ولم يَــــرضــــوا بتســــــــويد البليــــــــــــــــد
فأمضى بعضهم في السجن ردحا        ومنهم صــار في المنفى البعيـــــدِ
وســــــيْـــــق ســراتُـــــهم قســـــرًا لجُـــــحـــــرٍ         لضـــربـــهم بأســـــواط الحـــــــــــديـــــــــــدِ
نَشأت وأنْـــــــــــــت تشهد ذا المـعـــالي         يُســـام الخسف من نـــــــذل لـــــــدودِ
فما طاقـــــــت لديـــــــك النّفـــس هــــــــذا         وجــــاشــت بالعــــواصف والرعـــــودِ
وصــاحت صيحة ظـــــــــلّـــت تـــــــدوي        مُـزمجـــرةً؛ ألا يـــــا نفسُ جُـــــــــودي
أ إبْـــــراهيمُ مَن يــَــــرْضــــــــــى هـــــوانـــــًا          مُحـالٌ، فهــــو من أصــــل نجيــدِ
أ إبراهيم مَـــــن يَــخْــــــــشى المَــــــنـــايــــا          مُحــالٌ وهو من أنقــى صعيــــــــدِ
وجاءت ثــــــــــــورة الأحـــرار تَــــــــــدعـــــو         كــرام النـاس للعيش السعيــــــــــــــــــدِ
وتــدعــــــو للوقـــــــــوف بوجـــــه عـــــــــلـــجٍ          تمـــدّد في البــــلاد بِــــــلا حـــــدودِ
وتدفع عن حيـــاض الشــــام شــــــــــــرّا          تمَــــــــــــــــثـَّــل بالقــــرامطـــــة القُـــــــرود
فلبــــــيت الـــــــــــــــنـــــِّـــدا وغـــدوت فيهــــــا          مثــــــــالًا للشجاعـــة والصّمــــــــــــــودِ
ضحكت إلى الردى إذ جاء يسـعى           ترى فيه الطريق إلى الخلودِ
ومن "سرمين" نـــــــــــــاداك المــــنَادي           ألا أقـــــبل، وأنجـــــــزْ للـــــوعــــــــــود
فجئــــــت مهرولاً والنــــــــــــــــفس تهفُــــو           بإخــــلاص إلى لقب الشهــــــيــــد
أريتَ اللهَ منك خصــــالَ خيــــــــــــــــــرٍ           فـــــكافــــأك العطـــــــيّة بالمــــزيــــــــــــدِ
مضيـــــــــــــــت إليه مبتســــــــمًا رضـــيًا           بما أعطـــالك من خيـــــر مــــديـدِ
ألا فـلتهنَـــئـــــــــــــي يا أرض (هتيـــــا)           ضممت إليك جُثمـــان العميــــــدِ
ضممتِ إليك من وفّى بعهـــــــــــــــــدٍ           إلـــــى لحــــدٍ تعــــــطّــــــر بالــــــــــورود
عمك: محمد جميل جانودي
الخميس 4 شعبان1434 الموافق 13حزيران 2013

 

 

 

الجمعة، 7 يونيو 2013

القصير...دروس وعبر(2)


القصير... دروس وعبر (2)

الذين يعرفون شكيمة أهل الشام، ومضاء عزائمهم، وإصرارهم على التمسك بالحق ونصرته، ولاسيما أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، ونفوسُهم يحدوها الأمل في أن يجعلهم أحق بها وأهلها.... الذين يعرفون ذلك... لا يتساءلون للحظة عن الآتي بعد التجربة الأولى لهم في القصير...

إن مما لا ريب فيه أن هؤلاء الأبطال يتذكرون تذكر المستفيد المسارع إلى التأسي والاقتداء.... يتذكرون مبادرة الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني لأحد،  مع نفر من أصحابه ممن حضروا أحدًا، دون سواهم، إلى تجهيز غزوة (حمراء الأسد) وما زالت جراحه وجراح أصحابه تنزف... وهدف من ذلك أن يبين لقريش وقادتها، أن ما جرى بالأمس لن يثنيهم عن المضي فيما هم قاتلوا من أجله، وأنهم ما زالوا أقوياء بإيمانهم وعدتهم وعددهم... وما جرى هو درس وتمحيص وابتلاء، وكل هذا في صالح المؤمنين... وكان لذلك أثر بالغ في بث الرعب في صفوف كفار قريش الذين سارعوا إلى الابتعاد نحو مكة حين بلغهم الخبر..

وإن مما لا ريب فيه كذلك أن أبطال القصير يتذكرون بيقظة وانتباه، ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة مؤتة، حين اختار أسامة بن زيد بن حارثة، أول من استشهد من قادة مؤتة، وجعله قائدًا لجيش جل أفراده ممن كانوا في مؤتة أو ممن قُتل آباؤهم وأقاربهم فيها، وفي الجيش كثير من أعيان الصحابة، كأبي بكر وعمر، رضوان الله عليهم أجمعين، ثم وجهه نحو الروم، وكأنه يقول لهم: إياكم أن تظنوا أن ما وقع في مؤتمة هو هزيمة لنا، فالهزيمة هي هزيمة النفس، والتخلي عن الهدف، والمبدأ، وها نحن سنظل نلاحقكم حتى نظفر بإحدى الحسنيين...

إن أبطال القصير، يعون ذلك جيدًا لأنهم تتلمذوا في مدرسة النبوة والسيرة العطرة أولًا، وثانيًا لأنهم أبناء الشام التي بارك الله فيها، وأثنى نبيه صلى الله عليه وسلم على أهلها...ومن ثمّ، فسيندبون منهم ورثة أبطال غزوة " حمراء الأسد"، بجراحهم، ومصابهم، ليشكلوا هاجسًا مرعبًا للغزاة والمرتزقة، ملوحين لهم أننا ما زلنا وسنبقى وراءكم، فلن ندعكم تنعمون بحياة... وسيندبون كذلك ورثة أسامة بن زيد وجيشه، بحداثة أسنانهم، ورجاحة عقولهم، وقوة شكيمتهم...ليلقنوا غزاة القصير، وخافري الذمم، وناكري المعروف، والمستجيبين لنصرة أخس ما عرفته البشرية من لؤم في الطبع، وانحطاط في القيم، وبعد عن أي معنى لمفهوم الإنسانية... ليلقنوهم درسًا يرونه في أحلامهم فيما بعد....

إن أبطال القصير ما تركوا الأمر في لبس أو غموض، أو يعتريه الدخن، بل، وحين كانت دماؤهم، التي تنزف منهم، حارة، أعلنوا أنهم ماضون في جهادهم، وأن القصير تأبى إلا أن يسكنها أبناؤها، فالعرين لا يمكن أن تأوي إليه الضباع... وإن تجرأت وفعلت؛ فسيكون قبرها على أعتابه، تدوسه الأسود بأرجلها، كلما دخلت إليه أو خرجت منه...

نعم هذا هو الدرس الثاني مما جرى في القصير... درس موجه إلى أولئك الذين سرعان ما فتحت نفوسهم ثغرةً لليأس كي يتسلل إليها، وانطلقت ألسنتهم، تعلن الهزيمة... هكذا ، مجردة من أي قرينة ترفع من معنويات الناس... درس يقول لهم: حنانيكم... وقليلًا من الحكمة والصبر... أما ترون كيف أن ضربات الأبطال مستمرة تصحبها صيحات ((الله أكبر)) تؤرق الغزاة، وتقض مضاجعهم... ودرس إلى الغزاة أنفسهم، أن ما أصابكم من حمّى الزهو والفرح بما تسمونه "نصرًا" وهو أبعد ما يكون عن هذه الكلمة ومدلولاتها.. ما أصابكم هذا؛ ليس إلا صورة مقلوبة لمصير أسود تستحقونه، وهو آتيكم لا محالة بأيديكم، وبأيدي المؤمنين...

محمد جميل جانودي

الجمعة 28/رجب/1434 الموافق 7 حزيران 2013.   

الأربعاء، 5 يونيو 2013

القصير....دروس وعبر (1)


القصير... دروس وعبر (1)

"لا تحسبوه شرا لكم"

صمد أبطال القصير، على قلة عددهم، وندرة عتادهم، وضعف قوتهم، مدة طويلة نسبيًا، في وجه غزاتهم، الأفضل عدة وسلاحًا، والأكثر عددًا، وثالثة ليست عند أبطال القصير، ما يُقارن بها، ألا وهي كمية الحقد الدفين الذي يحمله أولئك المعتدون، ويكرسونه، ويختزنونه إلى يومهم هذا، هذا الحقد الذي لا يمكن بأي حال أن يوجد، ولو بالنزر اليسير منه، عند أي مقاتل شريف، ذلك لأنه (الحقد الدفين) هو الذي يُعمي ويُصم، فتندفع الحيوانية والبهيمية في شتى صورها لتفعل ما يُثير التقزز والاشمئزاز لدى من عنده أدنى نصيب من الفطرة الإنسانية، ذلك أنهم، به، يقتلون الشيخ والطفل قبل الشاب والجلد، والمهادن قبل المقاتل، والمرأة قبل الرجل، ويمضون في غيهم ليهدموا ويحرقوا ويُهلكوا الحرث والنّسل...

وأمام هذا النوع من الوحشية القذرة؛ ماذا تملك أم الولد الحقيقية أن تفعل؟ وماذا يملك الذين ملأ الله قلوبهم بالرحمة والإنسانية، وحلاهم بقيم الشهامة والرجولة، ماذا يفعل هؤلاء سوى أن يلجؤوا إلى خيارهم الوحيد، فالأم تتنازل عن رضيعها مؤقتًا ليسلم من القتل والشقّ نصفين، والبررة يتنازلون، مؤقتًا، عن الطين والحجارة، وبقعة من الأرض، ظنَا منهم أنه ربما لهذا الصنيع أثر في درء القتل والفساد، عن أطفال رُضّع، وشيوخ رُكّع، وأنعام رُتع، وغرسات تُزرع... وهذا الذي صنعه أبطال القصير بعد صمودهم البطولي الأسطوري طيلة تلك المدة... فأحيوا بذلك ذكرى ثلاثة آلاف من أبطال الصحابة، حين واجهوا ما يقارب مئة وخمسين ألفًا من الروم، وإن كان الأمر مختلفًا، على الأقل في وجه واحد، فالروم يُظلمون إذا قلنا إنهم يحملون ما يحمل غزاة القصير من الحقد الذي تمت الإشارة إليه...

أجل لقد كانت القصير مؤتة العصر... وكان أبطالها تلامذة نجباء لزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب وخالد بن الوليد، رضي الله عنهم، وتجلت هذه التلمذة بأبهى صورها فيما فعله أولئك الأبطال بالانسحاب المقرون بنية تقليل الخسائر في صفوف الأهل والجيش الحر، وهو ما فعله خالد، رضي الله عنه، حين أنقذ الجيش بانسحابه الرائع من المعركة، الأمر الذي حدا بمحدودي النظرة من أطفال ونساء أهل المدينة أن يستقبلوا الجيش المنسحب بالحصى وهتاف: "يا فرار"، فصحح الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، معلم الناس الخير في كل شيء، وقال لهم: بل هم الكرار.... فأبشروا يا أبطال القصير الذين دفعتهم نخوتهم وحميتهم وإنسانيتهم وخلُقهم النبيل إلى أن يجتهدوا في الانسحاب اجتهادًا منهم في حماية؛ ما إنَّ حمايته هي الأَولى والمقدمة على أي شيء آخر، في جميع الأعراف، حتى ولو على نصر يقوم على الأشلاء والفظائع...

لذلك لا تحسبوا، أيها الأبطال، أن ما فعلتموه هو شر لكم بل هو خير، بل وخير كثير، فهل يُدرك ذلك محدودو النظر،  ويكفون عن إطلاق ما تزين لهم محدودية نظرهم من عبارات، كلها تنضوي تحت شعار "يا فرار" ليوسعوا أفق نظرهم ويهتفوا بأولئك الأبطال "يا كرار".

"بل هو خير لكم" خير في حرصكم على أرواح الناس ونفائسها، وخير لكم في إعادة ترتيب صفوفكم وشحذ هممكم، وخير لكم في كشف المزيد من بهيمية وقذارة الغزاة لأنهم، بحكم ما لديهم من حقد دفين، لن يكفوا عن التنكيل والقتل والإفساد لكل شيء...

"ولكل امرئ ما اكتسب من الإثم" أما الذين تقاعسوا عن نصرتكم، أيها الأبطال، وأطلقوا وعودهم في ذلك، ولم ينفذوها، وربما بعضهم كان يضحك من طرف خفي؛ وهو يرى ظاهر النتيجة، فلهؤلاء نصيب من تبعات الإثم الذي اقترفوه حيالكم، وسينالون جزاءهم قريبًا... أنى كانت هويتهم، وأنى كان موقعهم، وأنى كانت الصفة التي وصفوا بها أنفسهم بالنسبة لكم....!!

"والذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم" أما الكبار الذين كانوا يخططون بمكر ودهاء وخبث ليوقعوكم فيما، هم الآخرون، يحسبونه شرًا لكم، والقاضية عليكم، ويمنعون غيرهم من مد يد العون والنصرة لكم... أما هؤلاء فلهم عذاب عظيم... وهو آتيهم لا محالة... إنه وعد غير مكذوب...

ذاك هو الدرس الأول: لا تحسبوه شرًا، بل هو خير، والمخططون لإحباطكم وهزيمتكم سينالون جزاءهم الذي يستحقونه، وهو أولًا وأخيراً تكريس وتعميق لفضح الغزاة، وكشف نفاقهم، وكذبهم، وافترائهم في كل ما يدعونه ويعلنونه من معسول الكلام.   [يتبع]

محمد جميل جانودي.

الخميس 27 رجب 1434 الموافق 30 أيار 2013

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

رثاء الأستاذ سليم زنجير


رثاء الأستاذ سليم زنجير

(رحمه الله)

من ذا الذي يرثي الأحبّة بعده؟!

رفْــقــــــًا بنـــا يا نــــــــاعِـــي الأخـــيــــار        روّعتَــــنــــــا بمُـــنـــضـــــد الأشعــــــــــار
من ذا الذي يرثي الأحبّة بعــــدَه        أم مـــن ســـيُــــؤنسُ وحْشـــــــــــةً للــدارِ
رفقـــًا فَـــإنّــــا لم نَـكُـــــن في أُهبَـــــــــةٍ        فَـــــاجــــأتَنـــا في هَـــــــدأة الأسحـــــــار
لمــــــا رفَــــعــنَــــــا للكــــريْــــم أكفَّـــــــــــــنــا         ودمــوعُـــــنـــــا سالت كنهـــر جــــارِ
ندعوه أن يرعى "أبا الخـير" الذي      قد كان ضيفـــًا في حمى الغفار
فاجأتَـــــنا في نعْــــــــــيــــه وإذا بـــنَــــــا         ما بين مُنـــدهشِ وبين مُمَـــــــــــــارِ
كنّــا نُؤمّـــلُ أن نرى مَن جِئْتـــــــنا         تنعيــه يُبْـــهِــــجُ مُنْـــــتـــدى السّمّــــارِ
كنّــا نؤمّــل أن نــــراه وقـــد عـــلتْ         رايــاتُ نصـــر الفتيــة الأطهـــــــــارِ
فيقـــر عيــنــــًا بانـدحـــار عصــابةٍ         وحُثــــالة للبَــــــعـــثِ والأشــــــــــــــــــــــرارِ
ويقرّ عيــنًا حين يُبصـــر فجرنـــا         قد لاح يمحــــو ظلْمـــــة الفُـجّــــــار
ما بين أضلعه زكـــــت نفس لـــه        نعمــت بحب الواحــــد القهـــــــــــــــــارِ
كان المُقـــرّبَ عنْــــــــــد إخــوانٍ لــه        أنّى غَـــــدا في الحـــــلّ والأسفــــــــارِ
يا ناعي الأخيـــار مهـــلاَ واتّئِـــد         فيما تَــــقـــول، فَـــــلســتَ بالثـــرثـــــــارِ
مــهْـــلًا فــإنّ سليْـــمَ مُهجتُنا التي         كانَـــــتْ لنــــا مُســـتَـــــودعَ الأســــرار
مهـــــلًا فإنّ سليْـــمَ حادي ركبـــنا         نحـــو الْعُـــــــــلا في عــــزّةٍ وفَخـــــــــارِ
مهـــلًا فــإن سليـــمَ بلبـــل روضنا         يشـــدو على الأفنــــانِ والأزهـــــــارِ
يا عينُ، جــودي بالدّموعِ سَخيَّةً         لا تبخــلي فيها على الأحــــــــــرارِ
وابكي مآثــرَه التي من بعضــهــا         صبرٌ على البلـــوى بـــلا إنكـــــــارِ
وبشـــاشة مع بســــمةٍ لا تخْـتَـــفي         فــــي وجْـــــــــهِ إخْــــوانٍ لـــه أبـــــــــــرارِ
وشجـــاعة وشــــــــهــامة ومـــــروءة          ودمـــــاثة، ومَــــــهـــــابة بــوقـــــَـــــــــــــــارِ
يا آل زنْـــجــيــــــــرٍ كفـــاكُــــمْ رفعــــةً          فسليْــــــــمُ فيْــــــكم شـــعّ بالأنــــــــــــوار
وعـزاؤنا فـــي أن نرى غرســًا لهُ          جعلت منـــاقبَـــــــه هدى المحتار
هذا سليـــمٌ يا إلـــهي قــــــــد غَــــــــدا          بجـــواركم، أنعـــم بخـــيــــر جــــوارِ
أكْـــرمْـــه يا مولاي واجـعـــل داره          في جنّـــة المَـأوى مع الْمختـــــــارِ
محمد جميل جانودي
الثلاثاء  25 رجب 1434 الموافق 4 حزيران 2013