الاثنين، 23 أبريل 2012

لا للعسكرة ولكن... هل نعم للمجزرة؟


 لا للعسكرة ولكن.... هل نعم للمجزرة !!!!؟
كثرت، في هذه الأيام ومنذ فترة، انتقادات يطرحها بعضٌ ممن يُقال عنهم ((رموز في المعارضة)) .. هذه الانتقادات توجه للثـوار ولكثير ممن يؤيدهم، وتدور حول ما يُطلقون عليه مصطلح ((عسكرة الثورة)).
جاءت هذه الانتقادات متزامنة مع ظهور الجيش السوري الحر كمشارك أساسي وفعال في الثورة، وكلما زاد حضوره كمّا ونوعًا، زادت حدة هذه الانتقادات، وراح أصحابها ينذرون بالويل والثبور، وعظائم الأمور، وأن الثورة مهددة بالقضاء عليها، نتيجة تعاظم وجود هذا الجيش الحر...
إن الجميع يعلم، أن الثورة منذ أول يوم لها، اختطت لنفسها منهج السلمية، وهذا ما شهدت به هتافات الثوار، وسلوكهم...حملوا أغصان الزيتون، ووزعوا قوارير الماء والطعام على ((حماة الديار))، ومع أنهم فوجئوا من الأيام الأولى للثورة بالرصاص الحي يُوجه إلى الصدور العارية البريئة.. وشيعوا في تلك الأيام العديد من الشهداء... لكن أكفهم بقيت بيضاء مثل بياض قلوبهم، وأصابعهم تشير إلى علامة النصر من غير أن تقبض تلك الأصابع على عصًا خشبية؛ فضلاً من أن تضغط زناد بندقية...
ولما كانت الثورة شعبية قام بها جميع مكونات الشعب السوري، وشاركت فيها معظم الأجهزة والمؤسسات المكونة للقطاعات الخدمية وغيرها في سوريا... فإن الذي لا يختلف عليه اثنان أن يشارك فيها أفراد الجيش، لأنهم جزء من هذا الشعب.. ولكل قطاع طريقته المناسبة في المشاركة، فكما أن الطبيب يشارك بإسعاف الجرحى، ومداواة المرضى، وكذلك التاجر يشارك بتأمين ما يحتاجه المتظاهرون وأسرُهم من مواد أساسية لمعاشهم اليومي، والمعلمون يشاركون في توعية الناس وتبيان الأهداف التي من أجلها قامت الثورة.. ويَكونون وسائل إعلامية صادقة أمام الرأي العام، هم وغيرهم ممن لديهم الكفاءة والخبرة في ذلك، كالإعلاميين من صحفيين وإذاعيين... فكذلك أفراد الجيش الذين أرادوا الانضمام إلى الثورة، وبنفس العلة المنطقية، عليهم أن يشاركوا بما يُجيدونه أو يُتقنونه... نظروا حولهم فوجدوا شعبًا مسالمًا يتظاهر، ليس معه إلا حنجرته التي يهتف بها، مطالبًا بحقوقه، أما يداه البريئتان فيلوح بهما بإشارت لها دلالات معينة... نظر الجنود المنشقون لهؤلاء المتظاهرين فرأوا، إلى جانب تلك الصورة المشرقة المعبرة عن سلمية الثورة، قناصة تعتلي الأسطحة، فتصطاد وتقنص كل من تختاره ممن وقع تحت عدسة بندقيتها... ورأوا زملاء لهم، كانوا معهم حتى الأمس القريب، وشهدوهم وهم يأمرون بقتل المتظاهرين.. وإن بعض هؤلاء الجنود (المنشقين) عاش بنفسه هذه التجربة المرة، والقاسية، والخسيسة.. فقد كان سبب انشقاقهم هو رفضهم لتنفيذ مثل تلك الأوامر... رأى هؤلاء الجنود ذلك كله.. وتفكروا في طريقة المشاركة الفعالة التي يتقنونها.. فلم يجدوا إلا طريقة واحدة تتناسب مع حالهم، وهي الدفاع عن الشعب الأعزل الذي يتظاهر سلميًا...ولو أنهم لم يروا ذلك لكُفوا المؤونة ولاختطوا لأنفسهم طريقًا آخر يشاركون في ثورة شعبهم... ولكن ومما يُؤسف له رأوا أكثر من ذلك بكثير؛ بدا ذلك جليًا حين استخدمت السلطة من وسائلها القمعية ما فاق تصور البشر، لمّا لجأت إلى قنص الأطفال؛ حتى الرضع منهم، وإلى خطف الفتيات وهن في عمر الورد ، وإلى اغتصابهن بطرق يندى لها الجبين، وإلى قتل الشيوخ والعجائز، وحرق البيوت، ونهب الأموال، والأرزاق والممتلكات... أقول حين تم ذلك كله تبلور أكثر فأكثر دور الجيش الحر في الدفاع عن هذا الشعب المظلوم...
في هذا الوقت علا صراخ أولئك المنتقدين محذرين من خطورة عسكرة الثورة، وأن في ذلك تهديدًا كبيرًا لوجودها... وأخذوا يُضخمون كل ما يقوم به الجيش الحر، ليلصقوا به صفات عدوانية وانتقامية، إضافة إلى تخريب المنشآت وغيرها... وحقيقة الأمر غير ذلك تمامًا... وأحسب والله أعلم أن بعضهم يعلم، حقيقةً، أن الأمر على الأرض مختلف تمامًا عما يروجون له... ولكن لحاجة في نفوسهم يقولون ما يقولون...
إن المتتبع لأحداث الحراك الثوري يجد أن سلميته هي الأخرى كانت تتبلور أكثر، وتتضح معالمها أكثر فأكثر بمرور الزمن.. ففي كل قرية أو بلدة أو مزرعة، يخرج الناس لا يحملون أي شيء يخدش في سلمية ثورتهم... وهم يعلنون ذلك جهارًا نهارًا...
أجل.. الناس أُخرجوا من ديارهم وبقوا يتظاهرون بسلمية... وقُتّلوا، وقُتل أعز الناس عندهم، وهم يعبرون عن استنكارهم ذلك سلميًا، وبوسائل، بعضها هو أقرب إلى الفكاهة منه إلى الاعتراض الجاد العنيف... وانتُهكت أعراضهم... فقالوا: إلا هذه... وغلت حمية الشرف والكرامة والرجولة في عروقهم... ومع ذلك كانوا أكثر انضباطًا مما يُتوقع حصوله من أمثالهم... أفتُمسُّ سلمية الثورة إذا انبرى هؤلاء، حاملين معهم ما توفر لديهم من أدوات ليمنعوا عرضهم من الانتهاك، وبناتهم من الاغتصاب، وأطفالهم من القتل والتمثيل، وشيوخهم وعجائزهم من الإذلال والتشرد والضياع...تُرى ماذا كان يصنعه هؤلاء المنتقدون والخائفون من عسكرة الثورة .. لو وقع جزء من هذا على أسرهم؟ هل يقفون متفرجين ؟ هل يقبلون من أي كان من الناس، أن يوجه إليهم أي تهمة فيما لوا هبوا مدافعين عن مقدساتهم كلها أيا كانت... ثم في مثل هذا الواقع المؤلم؛ ماذا يُنتظر من عناصر الجيش الحر أن يفعلوا وهم يرون أخواتهم أو أخوات أصدقاء لهم تُخطف أو تُغتصب...
إن دفاع الناس عن أعراضهم وأنفسهم ومقدساتهم ، وكذلك دفاع الجيش الحر عن ذلك كله، هو مظهر من مظاهر سلمية الثورة... السلمية الإيجابية .... وذلك ليتم الحفاظ عليها، وإلا لو أن مثل هذا الدفاع لم يتمكن الناس من توفيره سواء بأنفسهم أو عن طريق الجيش الحر،.. ولو أنهم لم يتحصلوا، على قدر يسير من الطمأنينة على ما يخشون مسه بسوء، لدفعتهم غرائز حب الغيرة على العرض والشرف، والحفاظ على المال إلى اختيار أخف الضررين، في نظرهم، وهو التوقف عن التظاهر، الذي، بظنهم، سوف يوقف العدوان الهمجي عليهم... ونقول لهؤلاء المنتقدين: عندئذ فقط تكون الثورة في خطر بل تنتهي فعلاً...فماذا يبقى منها إن أوقف الناس مظاهراتهم واحتجاجاتهم؟!!
 ثم إن للإنسان طاقة قصوى من التحمل والصبر، في مثل هذه الأحوال، وبعد ذلك إما أن يفجر كل ما لديه من طاقة، تفجيرًا عشوائيًا فوضويًا وتقع الكارثة... وإما أن يتراجع بأمل أن يتجنب المصائب التي أنزلها به الطاغوت بتجنب أسبابها المتجلية في التظاهر، وعندئذ تقع الكارثة أيضًا...فالخطر على الثورة يأتي من مصدرين: من تطرف جامح متمثل بالعسكرة الفوضوية، أو تراجع فاضح متمثل بإيقاف التظاهر...  
ويأتي وجود الجيش الحر بانضباطه، وتصرفاته الأخلاقية السامية، وبإحساسه بأنه هو صاحب الأرض الحقيقي، وبأنه هو الأم الحقيقية لهذا الوطن، وليس أولئك الذين يُهلكون الحرث والنسل في سبيل الحفاظ على ما نهبوا وسرقوا.. يأتي هذا الجيش بتلك الصفات ليحقق التوازن، ويضبط الموقف من أن يُجنح به إلى أي من التطرفين اللذين في كل منهما كارثة للثورة...
بعد هذا.. ترى من الذي يهدد الثورة؟  الذين يطالبون بإلغاء أي قوة ضابطة أو مُرَشّدة للحراك الثوري، وفي الوقت نفسه حامية للناس من سعار السلطة في الفتك والقتل، أم المتظاهرون من الشعب المدني المسالم أو من الجيش الحر المدافع والمحافظ على الحراك المتوازن العقلاني للثورة، بعيدًا عن المفهوم السلبي للعسكرة الذي لا يوجد إلا في خيالات أولئك المنتقدين.. والسؤال الذي يُطرح في نهاية هذا المقال:
هل لسان حال بعضهم يقول: لا للعسكرة.. ولكن نعم للمجزرة؟!!! الله أعلم.
الإثنين 2/جمادى الآخرة/1433 الموافق لـ 23/نيسان/2012 
محمد جميل جانودي.

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

في ذكرى يوم الجلاء


في ذكرى الجلاء...
الأربعاء 16 جمادى الأولى لسنة 1365 والموافق لـ 17 نيسان لسنة 1946
حين كنا صغارًا ويمر يوم ذكرى جلاء الاستعمار الفرنسي عن سوريا... كنا نحتفل بأدواتنا اليسيرة المتاحة، وقلوبنا تخفق فرحًا بهذا اليوم الشهير... وأذكر أنه في ذلك اليوم كان يُكرّم الأبطال الذين ما زالوا أحياءً وتشرفوا بالدفاع عن أرض الوطن، وبدحر المحتل عن ربوعه...
في ذلك اليوم كانت البسمة تعبر عنها شفاهُنا بأوضح صورة تُعبر عن حقيقتها وصدقها، كانت ترتسم على وجوهنا فتزيدها بهاءً على بهاء، ونضرة إلى نضرة... كنا نبدأ احتفالنا بإنشاد ((حماة الديار)) وقلوبنا تهفو إلى أولئكم الأبطال الذين آلوا على أنفسهم أن يُمضوا ليلهم سهرًا ويقظة بعيون مفتوحة، حماية للوطن، ودفاعًا عنه من أن تمتد إليه يد آثمة، أو تنظر إليه عين غادرة... نهفو إلى الأبطال من إخواننا وأبناء عمومتنا وأصدقائنا من شباب سوريا الذين هم في مرابضهم هناك على حدود فلسطين ... في جميع القطاعات، الشمالي والأوسط والجنوبي... هناك عند جسر بنات يعقوب وتل (أبو الندى) .. وفيق...كانت قلوبنا تهفو إليهم محيية إياهم بتحيات من نور، يحملها النسيم العطر بأزهار نيسان فتصلهم لتزيدهم ثباتًا وصلابة وإصرارًا... كانت أمهاتهم العجائز في القرية يبعثن إلي، وأنا صغير لم أبلغ العاشرة من عمري، ويطلبن مني أن أكتب لهن رسائل إلى أبنائهن...رسائل ذات معاني ودلالات كثيرة وسامية.. لكن القاسم المشترك لها تعبر عنه جملة واحدة تنطق بها كل واحدة منهن " يا بني أدعو لك من أعماق قلبي أن يحميك الله وينصرك ويبيض وجهي ببطولاتك هناك ضد العدو المغتصب... أراني الله وجهك ورأسُك مرفوع..".. نعم إنهن أميات، لا يقرأن ولا يكتبن.. ولكنهن تعلمن ذلك بالفطرة من آبائهن وأجدادهن...
 كان الذي يُنتدب من الطلاب للحديث عن ذلك اليوم، يقف أمام زملائه ومعلميه، رافعًا رأسه، فرحًا بهذه المناسبة الجليلة، والحبيبة على قلب كل سوري مخلص...ويقول مخاطبًا شهداء الثورة السورية ضد المستعمر الفرنسي: " يا شهداءنا الأبرار، ويا أبطالنا الميامين، نحن أبناؤكم، وأحفادكم، نقول لكم، طيبوا أنفسًا، وقروا أعينًا، فجهادكم أثمر، وتضحياتكم أينعت، وإننا الآن نعيش في وطن ترابه طاهر، لا تدنسه قدم مغتصب دخيل... وسماؤه صافية نقية، تسطع فيها شمس الحرية؛ التي بذلتم دماءكم رخيصة ثمنًا لسطوعها... قرّوا أعينا، فنحن نتنسم شذى نيسان الاستقلال، ونيسان الحرية ونيسان الكرامة... طيبوا أنفسًا فإن أبناءكم مرابطون هناك على الثغور ليكملوا الرسالة، ويؤدوا ما حمّلتموهم من أمانة... وهم ماضون على العهد...
كان هذا حالنا معك يا يوم نيسان الكبير... كنا نكبر وأنت تكبر في نفوسنا وعيوننا... أرخ لك المؤرخون أنك كنت في السابع عشر من نيسان... لكنّ عيونًا حاسدة حاقدة، أكل البغض والكره قلوب أصحابها.. نظرت إلينا ونحن نكبر وأنت تكبر في قلوبنا ونفوسنا... نظرت إلينا وقالت: يكفيكم سبع عشرة سنة فرحًا وابتهاجًا بيوم نصركم، وكنتم طيلة هذه المدة تشحنونني غيظًا وحنقًا... تكفيكم تلك السنون العجاف التي تحرقت فيها على أيام خلت  وأنا أستمتع فيها بحضن أمي الرؤوم التي كنت أحس بدفء حنانها، وطيب أنفاسها... فحرمتموني من ذلك الحضن، ومن الاستمتاع بعبق تلك الأنفاس... آن الأوان لأذيقكم المر.. ولكن بطريقتي الخاصة، التي سيكون لسذاجتكم، وطيب قلوبكم دورٌ في نجاحها... وستعلمون قريبًا ما سأفعل..
بدأ ذلك بعد انقضاء سبعة عشر ربيعًا على يوم النصر والجلاء... إلى أن وصل بنا قطار المذلة والعذاب والهزائم إلى هذا اليوم... السابع عشر من نيسان من العام الخمسين لظهور تلك العيون الوقحة...في هذا اليوم كنتُ شيخًا... وأخذت أنظر إلى الأطفال، وما هم فاعلون في ذكراك يا يوم الجلاء... ويا لهول ما رأيت... رأيت عيونًا باكية، وقلوبًا شاكية، ونفوسًا واهية... في ذكراك سمعت أحد الأطفال وهو ينادي جده المجاهد ... يا جدي ..هل ترى ما حل بي.. هل ترى ما صنعت بي ذراريُّ أولئك الذين كنتم تشرمون آذانهم للدلالة على خيانتهم لكم، والتجسس عليكم...إنهم قتلوا أبي...وأيموا أمي.. وانتهكوا عرضي... وهدموا بيتي... أتدري لماذا؟ لأني أردت أن أحتفل حقيقة باليوم الذي صنعته لي..وأول مظاهر هذا الاحتفال أن أكون حرًا؛ أذكرك فتطرب أذناي لنشيدك وقد علمني إياه أبي الذي تعلمه منك:
يا ظلام السجن خيّم.... إننا نهوى الظلاما.
ليس بعد السجن إلا.....فجر مجد يتسامى...
يا جدي أتدري ماذا حل بأبنائك وأبناء الذين هم أمثالك.. لقد أخرجوا من ديارهم، وتشردوا في أصقاع الأرض.. لا ذنب لهم إلا أنك أنجبتهم، وأرضعتهم حب الوطن وحرية أبنائه..
أصبحت شيخًا وتذكرت أولئك الجنود البواسل أيام طفولتي وهم على ظهور دباباتهم رافعين علم الاستقلال، ورابضين على حدود الوطن الغالي وهم يهتفون: نحن حماة الديار...نحن أمل الوطن... نحن أبناء يوسف العظمة والشيخ أحمد إدريس والشيخ يوسف السعدون وعمر البيطار وغيرهم من الأشاوس...
أجل تذكرتهم أنا الشيخ الذي وهن جسمي، ورق عظمي،  وغارت عيناي.. إلا ذاكرتي فما زالت في عنفوان شبابها والحمد لله... تذكرتكم وأنا أنظر إلى جيل لبس لباسكم، وتلقب بألقابكم، ونطق بلغتكم..ولكن سماته  غريبة  عن سمات وطنكم... جيل ينفث من الحقد والكراهية ما لو حُمّلتْه جبال الأرض لشكت من شدة وطأته وعظيم ثقله... جيل ركب دبابات اشتريتُها بعرق جبيني، ولقمة أولادي، وصحة نفسي لتكون درعًا لي ولكل أبناء الوطن؛ وإذ بهذا الجيل يمتطيها ليدك بها المدن الغالية، والقرى الحالمة، ليقتل بها الأمل في النفوس قبل النفوس نفسها... ليقتلع بها الأحلام الوردية التي كنت أزرعها وأنميها وأنا شاب في عقول تلامذتي بأن يحبوا هذا الوطن، فهو يحبهم، وأن يعطوه لأنه أعطاهم وسيعطيهم، وأن يحرروه من كل تبعية لأنه سيكون لهم حصنًا من أي رق أو استعباد... وإذ بهم يرون خلاف ذلك كله... لا لشيء إلا لأن الأبناء الحقيقيين كانوا كما أراد لهم الوطن أمناء أوفياء بعيدين عن ثقافة الغدر والخيانة ...
أجل.. أنا شيخ حين وجدت أن نشيد حماة الديار الذي كنا نلهج به في مدارسنا ونحن أطفال قد تحول إلى نشيد آخر على ألسنة أطفالنا... نشيد مملوءٍ بشكاواهم وتباريحهم يبثونها وهم في ساحات التظاهر تحت القنص والقصف:
حماةَ الديَّـارِ علَيْــــكُمْ مَلامْ        إذا مَا رَضِيْتُمْ بِذُلِّ الكِــــــــــــــــرَامْ
نُفُوسُ الشعُوبِ غَــدَت تُسْتَضَام        عَلَيْـــهَا تَنَزَّلَ مَوْتٌ زُؤَامْ
فهَـلاّ حَمَيتُم رُبـُـوعَ الأنَــامْ          وهَـلاّ صَدَدْتُمْ ذِئابَ الطّغَامْ
======
ربُـوعُ الشآم غَدَتْ تُسْتَـبَــــــاحْ        وأضْحَتْ لأهْلِ الفَسَادِ المَراحْ
ويُسْمَـعُ في كلّ شِـْـبر نُـوَاح ْ        ويَعْلو على الثائرين النُّبَـاحْ
فكَمْ من دِمَاءٍ وكَـمْ مِنْ جِـرَاحْ        فَهَلاّ هَـرَعْتُم لكَبْحِ الْجُمَـاحْ
======
حُمَـاةَ الدّيـارِ ألا مِـن مُجيْب        لِشَيْخٍ عَجُوْزٍ وطِفْــلٍ أَرِيْبْ
يُريـْدانِ أمْنـًا وعَيْشــًا يَطِيْبْ      فَلا ذو شُجُونٍ ولا مِـنْ كَئيْبْ
ولا مُسْـتبدٌّ فيُقْصــي القَريْبْ        ويُـدْني إليْـهِ البَعِيْدَ الغَريْــــبْ
======
حمَـاةَ الدّيـَـارِ عليْـكُم سـَــــــــلامْ        إذا ما انْتَفَضْتُمْ لِعِـزِّ الشَّـآمْ
أمِيْطُوا عَنِ البَاغِـي ذاكَ اللثَـامْ        لتـُكْشَفَ سـوأتُهُ بالتّـمَـامْ
 وإلا ستبْقَـونَ رهْـنَ المَــلامْ      مِنَ النّفس أو مِنْ جُمُوعِ الأَنَامْ
ولكني أبصر أيضًا في هذا اليوم..وأنا أحيي ذكراك يا يوم الجلاء؛ أبصرُ عيونًا تقدح شررًا متوعدةً كل خائن غادر، وأبصر شبابًا يتدافعون إلى الموت لنيل الحرية والكرامة، وأبصر – فيما أبصر- عزائم ماضية، لا تلين وهي تصر على حياة عزيزة، أو موتة شريفة، وأبصر جماهير هادرة في كل ربوع الوطن تهتف بصوت واحد ((الموت ولا المذلة))، وتهتف ((بالملايين...لجنة رايحين)).. وأبصرت أن تماضر بنت عمرو ليست هي خنساء العروبة الوحيدة؛ بل إن سوريا تزخر بالخنساوات وهن يدفعن بأبنائهن إلى ساحات الكرامة... وأبصرت وأبصرت.... وقريبًا، يا يوم الجلاء، سنعود لنبدأ نحيي ذكراك من غير انقطاع نكد... فما أبصرته سيحوِّل، بإذن الله، السنين العجاف من سني ذكراك إلى سنين خصبة بالنماء والرخاء والمجد... وما ذلك على الله بعزيز.
الثلاثاء 25/جمادى الأولى/1433 الموافق لـ 17/نيسان/2012
محمد جمبل جانودي.
   

الخميس، 12 أبريل 2012

حول المجلس الوطني (2)


بسم الله الرحمن الرحيم
حول المجلس الوطني(2)
منذ أن رأى المجلس الوطني السوري النور، وأخذتْ معالمه تتضح، وشجرته تمتد فروعها في الاتجاهات كافة، وبدأ العاملون المخلصون فيه بتشذيب هذه الغصون والفروع، والسعي على تعديل ما اعوج منها والصبر على هذا التعديل...
أقول: منذ ذلك الحين كانت هناك أشخاص يقفون على مسافات متباينة من المجلس، فمنهم القريب اللصيق، ومنهم ما دون ذلك ومنهم البعيد الجافي... وأخذ كل منهم  يدلي بآرائه حول المجلس أما الأول فناقد ناصح، وأما الثاني فناقد جامح، وأما الثالث فهادم فاضح...
الأول يُشكر على ما يعمل، وجزاه الله خيرًا، وهل تستقيم الأمور بغير النصح والنقد البنّاء والتوجيه السليم، وأما الثاني فمتبع هواه، ومتعب نفسَه ومرهقها، ومتلف لساعات عمره ومضيعها، وربما يستفيد منه قارئ عابر؛ لكنه هو نفسه لا يحظى من الفائدة التي يحظى بها غيره... وأما الثالث فجالب لنفسه المعرّة، ولغيره المضرة...
إلا أن الذي يثير التساؤل والدهشة هو ذلكم الصنف من الناس الذي يُخالف فعلُه قوله. فهو يصرح بلسانه أنه يريد الخير للمجلس، والنجاح والتوفيق له، ويزعم أن كل الذي يصدر منه - أيا كان - يصب في هذا الاتجاه.. لكنّ المراقب له يجده يسفّ في القول، ويبالغ في تضخيم العيب، وكثيرًا ما يلجأ إلى التخصيص حتى يُظن أن له ثأرًا شخصيًا بينه وبين ذاك المخصَّص (فردًا كان أو جماعة أو مجموعة)، ويقرأ في ثنايا كلماته وعباراته، ما يناقض تصريحه بإرادة الخير للمجلس..ولا يتعلم من درس مر به.. وإذا به ينشر ويفضح، ويذم ويقدح، كل ذلك في جزئية ما، تخص المجلس.. وبعد قليل يتبين له خطأ ما ذهب إليه، وجنوحه الكبير فيما أكد وقرر... فلا يتعظ بذلك، بل نجده يكرر الأمر في جزئية أخرى، فما يمضى على فعلته الأولى زمن يسير إلا ويعيد الكرة حول الثانية... وهكذا الأمر دواليك... وهذا العمل لا يليق ولا يجوز، وغني عن القول أنّه محظور، يجب على المؤمن أن يتحاشاه، وألا يزل في متاهاته... مع أنه ربما يكون لصاحبنا هذا في كثير من الأحيان فضل يُذكر، وسبق في الخير لا يُنكر... ولكن عمله ذاك يَحْلق ما قام به من فضائل... يحلق أجره عند الله، ويحلق ماله من سمعة طيبة عند الناس، ويحلق خيريته العامة ويحبطها..
وفي بعض الأحيان لا يُعمِل أحدهم عقله البتة، فيلقي بالتهمة جزافًا ولو فكر فيها لوجد أن وقوعها أقرب إلى الاستحالة..وأن أيًا من السامعين لا يصدقها؛ لبعدها عن الواقع، إنما قام بذلك بناءً على مواقف مسبقة من المجلس تحجب عنه إمكانية التمييز..فيسارع إلى ما زل فيه.
أخيرًا، الأمر الذي علينا أن ننتبه إليه جميعًا، هو أننا نعيش أحوالاً غير عادية، فعلى كل مخلص للثورة أن يضع قناعاته الشخصية جانبًا، ويختار أقل المواقف انعكاسًا على الثورة بالضرر، إن كان لا بد من اتخاذ موقف يُتوقع منه ضرر ما، ولا بد في هذه الحالة من الموازنة بين كون ضرره أكثرَ أم نفعه .. والأفضل أن يلتزم الصمت في حال كون الكلام غير مجد..
إن المجلس الوطني مجموعة من الناس، لا ريب أن فيهم من يخطئ، ويبتعد عن الموقع الذي ينبغي أن يظل فيه... ولا يحسن متابعته في كل صغيرة وكبيرة، وإثارة أمور غير متأكد منها، لما لذلك من آثار سلبية على أداء المجلس وعلى ثقة الناس به. وعلى العموم إن إشاعة السلبيات غير محبذة، فهي من الأمور الأمنية التي تخص المجلس، بطريقة ما، وإن التوجيه الرباني في ذلك هو أن يُرد أي تساؤل، أو أمر من هذا القبيل، إلى أصحاب الشأن، فقط، من غير إشاعة وفضح.. فهم – أي أصحاب الشأن – أقدر الناس على معالجته واستجلاب نفعه ودفع ضرره.
أمر آخر أرى من العدل الإشارة إليه، وهو أن المتتبع لأحوال المجلس وأدائه، تتبعًا موضوعيًا، يجده ينتقل - بفضل الله - من حسن إلى أحسن، وهذه الملحوظة جديرة أن تَضبط كل أقوالنا وأفعالنا حيال المجلس بما يعود عليه بالخير والفائدة.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.
محمد جميل جانودي.
الخميس في 20/جمادى الأولى/ 1433 الموافق لـ 12/نيسان/2012 

الاثنين، 9 أبريل 2012

من أسماء الثورة السورية


الثورة الأستاذة
الأستاذ هو المعلم والمربي... وكذلك الثورة السورية هي أستاذة الثورات...
أي والله...إنها علمت الناس كيف يتحررون من خوفهم الذي استولى على قلوبهم زمنًا طويلاً... كان ذلك من أول يوم لها... حين خرج الناس في دمشق هاتفين بالحرية في الوقت الذي كان أستاذ الجهل والجهالة يطمس ذلك حين قال: في العادة يكون سوق الحميدية مكتظًا برواده وقاصديه... أراد أن يسحر أعين الناس لترى رفع الأيدي الحرة وقسمات الوجوه المشرقة والهتاف للحرية، على غير حقيقتها وهي – في زعمه - ليست إلا أمورًا كان رواد سوق الحميدية يفعلونها يوميًا، تمامًا كما أراد أن يدلس على الناس، فيما بعد، بأن أهل الميدان في إحدى تظاهراتهم للحرية والكرامة في يوم جمعة ماطر... إنما فعلوا ذلك عادة ألفوها، حيث يخرجون ليشكروا الله على نزول المطر...
وكانت الثورة السورية أستاذة في تعليم حروف خاصة، وذات دلالات خاصة .. كان ذلك في درعا الأبية التي أطلقت الشرارة الأولى للثورة...يومها قالت للأطفال: اكتبوا بأيد غير مرتجفة، وبقامات منتصبة، أبجديات حروف الحرية والكرامة على الجدران، التي بنتها سواعد آبائكم، وهم يأملون أن تكون صفحات مشرقة في تاريخ درعا... وما كانوا قبل ذلك يجيدون هذا النوع من الكتابة؛ لأن أساتذة الجهالة حجبوا تلك الحروف المضيئة، والكلمات الساطعة، وراء جدر من الخوف والرعب، وأظهروا حروفًا لم يعرفها الإنسان الحر من قبل...حروف العبودية والذلة والمهانة...
وكانت أستاذة في تعليم التحدي والإباء؛ حين هب أهل درعا الحرة عن بكرة أبيهم؛ ليكتبوا كلمة ((لا)) للدناءة والقذارة التي فاه بهما أحد الرويبضة الذين تربوا في مدرسة الخسة والدونية، على مسامع آباء الأطفال وهم يطالبون بحرية أبنائهم، التي خطفها منهم ... أجل نقشوا ((لا)) في قلوبهم أولاً، ثم تحولت إلى صوت هادر أصم آذان الأوغاد... ولم تلبث حتى ملأت آفاق حوران كلها ومن ثم سوريا بأسرها... لكنْ لأنهم عرب أقحاح... أرادوها أن تكون جملة مفيدة جامعةً لكل أركانها، فأصبحت "الموت و لا المذلة"
وكانت الثورة أستاذة في تعليم النصرة والمؤازرة ... كان ذلك حين انتقلت بسرعة النور، لأنها تحمل كلمات نورانية، إلى كل بقعة في سوريا، وألقت في روع كل سوري حر شريف أن يهتف بعبارة ((يا درعا حِنّا معاك للموت))، وبلهجة درعا، المصدر الأم... فهدرت بها الحناجر... أليست هي كلمات من نور؟ والنور يحمل أكبر طاقة عرفتها الأرض... ثم أخذ التلامذة النجباء يعدّلون بهذه العبارة لتناسب الحالة التي هم فيها، فتصبح تارة (( يا حمص حِنّا معاك للموت))، وتارة أخرى ((يا إدلب حِنّا معاك للموت)) وهكذا.....
وكانت أستاذة في تعليم الناس الجود والكرم... وقد تجلّى أبهى وأوضح مظهر لهذا الجود في البذل السخي للأرواح مقابل ((الحرية)).. إنه أسمى وأرقى وأنقى حالات الجود...فقد علمت الثورة الناس وهي ترقى بهم يومًا بعد يوم .. أن يستجيبوا لنداء شجرة الحرية والكرامة، نداء كانت به تستغيث من شدة ظمئها وعطشها، لما يزيد عن أربعة عقود.. حتى تساقطت أوراقها، ويبست أغصانها، ولكن جذورها لم تُصَب بكثير من أذى؛ لأنها ضاربة في أعماق النفوس.. ولم تستطع فأس الظلم والتسلط أن تجتث تلك الجذور من تربتها النقية الغنية... جاءت الثورة وعلّمت الناس أن يجودوا بدمائهم ليرووا تلك الشجرة... وكانت المفاجأة الكبرى لهؤلاء الناس أن وجدوها سريعة الاستجابة لما منحوها من غذاء وشراب...فنمت وشبّت.. يرجع ذلك إلى أنها قد أُسعفت بدفقة من دماء آبائهم وأجدادهم من قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود، فاحتفظت بحيوية نضرة، وطاقة كامنة إلى أن أينعت من جديد... وعلمتهم الجود بالمال والطعام والشراب فكم هي قوافل المعونات التي انتقلت بين المدن، بالرغم من تلك السدود النارية التي أقامها الناريون لمنعها من الوصول... ولكن أنّى للنار أن تتغلب على النور... فالنور من الله... والنار من الشيطان..
وكانت أستاذة في الصبر والمصابرة... تجلّى ذلك في صمود الثوار البطولي لأكثر من عام وهم عزل، إلا من الإيمان الذي عمقته الثورة في نفوسهم.. صمدوا أمام جمار نار الغيظ، وحمم براكين الحقد، وقذائف لهب الغل والحسد.... وما زالوا صابرين صامدين، إلى أن يُطفئ النورُ النار، وينتصر الحب والتسامح على الكره والحقد، وتمحو شمس الحرية ظلام العبودية...
وكانت أستاذة في تنمية الفراسة لدى أبنائها، ومعرفة الرجال، من غير أن ينخدعوا بما أظهروا من قول بارع، أو عمل خادع... وعندئذ سموا الأمور بمسمياتها.. وتعلموا أن ما يُطلق عليه "مقاومة" هو مساومة، وما يُطلق عليه ""ممانعة" هو مخاتلة ومخادعة، إلى غير ذلك...  
وكانت أستاذة في تعليم أبنائها حسن التعامل حتى مع من وجهوا حرابها إليهم... وجعلتهم رحماء، لطفاء، وأعزاء كرماء، ظهر ذلك في صور عديدة.. في معاملتهم للأسرى، حتى مع مرتزقة التوجه الطائفي البغيض... ومع ذاك التبادل المشرف لهم، والمخزي لأعدائهم، حين بادلوا أحد جلاوزة القهر والظلم بجثث الثوار الذين أظهر تجار الحقد والقهر والفساد ذروة دناءتهم بحجز تلك الجثث وعدم السماح لذويها باستلامها ودفنها...
وكانت أستاذة في الوفاء والشهامة والمروءة.... فما عهد عن أبنائها وتلامذتها أن نقضوا عهدًا، أو أخلفوا وعدًا،  أو خفروا ذمة... ذلك لأنها قامت من أجل ترسيخ جميع القيم السامية بين الناس، بعد أن أُنْسوا حتى مفرداتها...
وكانت أستاذة في قوام كل مكرمة وخلق رفيع... حين شيدت عند آباء الشهداء وأمهاتهم جبالاً من الصبر، وجعلتهم مثالاً في الإصرار على تقديم المزيد من أبنائهم لإرواء شجرة الحرية والكرامة، وجعلتهم مثالاً في التحدي... فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا...
وكانت أستاذة في اتخاذ المواقف الصائبة في الحالات الحرجة... فما تردد أتباعها في موقف يحتاج إلى حزم، وما أصروا على المضي في درب رأوا الصواب في غيره، وما خضعوا لمساومات رخيصة كانت تأتيهم من هنا وهناك...
وكانت.. وكانت... أجل كانت أستاذة في كل خلق نبيل وكريم وجميل... ومن أجل هذا ستبقى ماضية لتحقق الغرض من تلك الأستاذية، فترى أبناءها النبلاء، وتلامذتها النجباء، قد أصبحوا منارات حق وعدل وهداية، وآفاق أمل كبير، في المجتمع السوري أولاً، وفي المجتمع العربي ثانيًا، وفي المجتمع البشري عامة... فطوبى لمن رضي أن يتتلمذ على يدي هذه الثورة العظيمة المباركة.
محمد جميل جانودي.
الإثنين 17/جمادى الثانية/1433 الموافق لـ 9/نيسان/2012

الجمعة، 6 أبريل 2012

يا تفتناز روتْ ثراكِ دماءُ



يا تفتناز رَوتْ ثراكِ دماء
شعر/محمد جميل جانودي
 يا تفْــــــــــتــــنــاز رَوَتْ ثـَـــــــراكِ دمــــاء        وأصـــاب أهــــلك محــــنَـــــةٌ وبـــلاءُ
 وغـــدا أديْـــمُ الأرض أحْـــــمرَ قــانيًا         بدمــائها قد جادت الشّهـــــــــــــــداءُ
 يفتـرّ ثغـر الأرض في نيســـانِــــــــها        عن بسمــةٍ تهفــو لها الخضـــراء
 تتـــــراقص الأطيــارُ في أجـوائــــــــــها        وتهيـمُ فــــــوق بساطهَـــا الميســـاءُ
 لكــنّ ثغْــــــــــــــــــرك يَـــــــا أُخيَّـــةُ واجــــــمٌ       حزنــًا على ما أفسد الجبنـــــــــــــــاءُ
 أعرفتِ من بالغـدر جاءك حامـــلاً         حــقـدًا وقـــد نـــاءت به الغبــــراءُ
 حقـــدًا توارَثــه على حِقــــــــبٍ مضت        وتــــــــكفَّــلتْ في نقْـلِه الأبْنـــــــــــــــــاءُ
 حقــدًا بـــــــــــــدا مذ أُخْــمـــــــــِدت نيرانهم        وتبــــددت في أرضكِ الظـلمــــاءُ
 حِـــقدًا على جِـــيل الصّحـابة والألى        ممن هم الأبـــطـــالُ والنّجَبـــــــــــاء
 هم باغتُــوك وأنْــــــت غافيــــةٌ عـــــلى       صــدر الربــــــيــع كأـنّــكِ الْحـــوراءُ
  قتَــــلوا الربيــع وروضـــه في نفْــثــــــــةٍ       قــد أطـــلقتْــــــهــا حـــيَّةٌ رقطـــــــــــــــــــاءُ
  وبها استحال الـــوردُ شـــوكًا داميــــًا         نـــثـرته في درب الورى اللّخنـاءُ
  ذرفَ الهــــلالُ على الورود دمــوعهُ      وبـــكت عليْـــــــــــــها القبّــة الزرقـــــاءُ
  وأدُوا جَـــــمــالَك يا صـــــــبيّــــةُ خِسَّـــــةً       ذرفــــــتْ دمًا من خوفها الْحسْـناءُ
  والطفل مذهـــولاً تســـــمّــر شاخصـــــًا       مـــن هــول ما قـــد نكّلوا وأســـاؤوا
  حُــــــزْنـــًا على أبَــــــــويــه لمّــا غُيّــــــــبَــــــــا       عــــن نَـــــــاظرَيــهِ وهــــدّه الإعْيــــاءُ
  مِــئةٌ تواروا تحْــــتَ أطبــــاق الثــــــــــرى       أجســـــادهم هي فَــحمـــةٌ ســــوداء
  وُضِعُـــوا بجانب بعضــهم في حُــفرةٍ        حـــبٌ يُـــــــؤلّـــف بينــــــهـم وإخـــــاءُ
  يا تَـــفْـــتنــــــاز عـــــــلا صُــــراخُكَ إنّمـــــــا       مَن تنــــــدبيـــنَ حجـــارةٌ صَمّــــــاءُ
  هل تحسبين بأن معتصمــــًا يُـــــــــــرى        قـــــــاد الجَحـــافل، كلهــم أُمَـنـــــاءُ
  ويُجـيْبُ صرْختَــــــــك التي أطلقْـــــتِــــها        ويكُــون منْــــــه شهـــامــــةٌ ووفـــــاءُ
  ما تَــحسبيْن أُخَـــيّـــــــتي وهْـــــــم بَـــــــــــدا        في أَلْسُــنٍ نطقت بـــــــه الغُرَمـاءُ
  قد يَسْتَجيْــــــــبُ إلَيـــك قــــــــــومٌ خُـلّصٌ       لكنّــمـــا هُـــــــم قِـــــــــــلّةٌ ضُعَــــــفـــــــــاءُ
  ما حكَّ جلْدَكِ مثلُ ظُفرِك فانظري       فيْـــــــما به قد قالت الحُكمــــــــــــاءُ
  تكفيك أحداق الشباب وقـد بــــــــدت        تعطيـــك عهـــدًا أنهـــم عُظــمــــــاءُ
  يمضــون في دحر العــدا بعزيمــــــةٍ        لا تنثنـــي، وسيـــوفُـــــهــم حــمــــراءُ
  لا يظلِــمُــون وثـــأرهم ممـن عـــــــــــــــدا       وقـــبيْــــــــــلِه، وسواهُــــــــــمُ بــُـــــــــــرءاءُ
  يا تفتنــــاز، تصـــبّري، لا تجـْـــزعي        عمّــا قريبٍ يـفـْــــرحُ الغــــربــــــــــــــاءُ
  ويعـــود من هجـــر الدّيــــارَ لساحـها         ويطيـــبُ فيهَـــــــا ضـمَّــةٌ ولــقـــاءُ
  ويَزولُ عـهدُ القُـــرمُطــــيُّ ويــنـْمَحي         ويزول عنـــــــــــكِ الشـــرُّ والأدواءُ
الجمعة 14/جمادى الآخرة/1433 الموافق لـ 6/نيسان/2012