الاثنين، 23 أبريل 2012

لا للعسكرة ولكن... هل نعم للمجزرة؟


 لا للعسكرة ولكن.... هل نعم للمجزرة !!!!؟
كثرت، في هذه الأيام ومنذ فترة، انتقادات يطرحها بعضٌ ممن يُقال عنهم ((رموز في المعارضة)) .. هذه الانتقادات توجه للثـوار ولكثير ممن يؤيدهم، وتدور حول ما يُطلقون عليه مصطلح ((عسكرة الثورة)).
جاءت هذه الانتقادات متزامنة مع ظهور الجيش السوري الحر كمشارك أساسي وفعال في الثورة، وكلما زاد حضوره كمّا ونوعًا، زادت حدة هذه الانتقادات، وراح أصحابها ينذرون بالويل والثبور، وعظائم الأمور، وأن الثورة مهددة بالقضاء عليها، نتيجة تعاظم وجود هذا الجيش الحر...
إن الجميع يعلم، أن الثورة منذ أول يوم لها، اختطت لنفسها منهج السلمية، وهذا ما شهدت به هتافات الثوار، وسلوكهم...حملوا أغصان الزيتون، ووزعوا قوارير الماء والطعام على ((حماة الديار))، ومع أنهم فوجئوا من الأيام الأولى للثورة بالرصاص الحي يُوجه إلى الصدور العارية البريئة.. وشيعوا في تلك الأيام العديد من الشهداء... لكن أكفهم بقيت بيضاء مثل بياض قلوبهم، وأصابعهم تشير إلى علامة النصر من غير أن تقبض تلك الأصابع على عصًا خشبية؛ فضلاً من أن تضغط زناد بندقية...
ولما كانت الثورة شعبية قام بها جميع مكونات الشعب السوري، وشاركت فيها معظم الأجهزة والمؤسسات المكونة للقطاعات الخدمية وغيرها في سوريا... فإن الذي لا يختلف عليه اثنان أن يشارك فيها أفراد الجيش، لأنهم جزء من هذا الشعب.. ولكل قطاع طريقته المناسبة في المشاركة، فكما أن الطبيب يشارك بإسعاف الجرحى، ومداواة المرضى، وكذلك التاجر يشارك بتأمين ما يحتاجه المتظاهرون وأسرُهم من مواد أساسية لمعاشهم اليومي، والمعلمون يشاركون في توعية الناس وتبيان الأهداف التي من أجلها قامت الثورة.. ويَكونون وسائل إعلامية صادقة أمام الرأي العام، هم وغيرهم ممن لديهم الكفاءة والخبرة في ذلك، كالإعلاميين من صحفيين وإذاعيين... فكذلك أفراد الجيش الذين أرادوا الانضمام إلى الثورة، وبنفس العلة المنطقية، عليهم أن يشاركوا بما يُجيدونه أو يُتقنونه... نظروا حولهم فوجدوا شعبًا مسالمًا يتظاهر، ليس معه إلا حنجرته التي يهتف بها، مطالبًا بحقوقه، أما يداه البريئتان فيلوح بهما بإشارت لها دلالات معينة... نظر الجنود المنشقون لهؤلاء المتظاهرين فرأوا، إلى جانب تلك الصورة المشرقة المعبرة عن سلمية الثورة، قناصة تعتلي الأسطحة، فتصطاد وتقنص كل من تختاره ممن وقع تحت عدسة بندقيتها... ورأوا زملاء لهم، كانوا معهم حتى الأمس القريب، وشهدوهم وهم يأمرون بقتل المتظاهرين.. وإن بعض هؤلاء الجنود (المنشقين) عاش بنفسه هذه التجربة المرة، والقاسية، والخسيسة.. فقد كان سبب انشقاقهم هو رفضهم لتنفيذ مثل تلك الأوامر... رأى هؤلاء الجنود ذلك كله.. وتفكروا في طريقة المشاركة الفعالة التي يتقنونها.. فلم يجدوا إلا طريقة واحدة تتناسب مع حالهم، وهي الدفاع عن الشعب الأعزل الذي يتظاهر سلميًا...ولو أنهم لم يروا ذلك لكُفوا المؤونة ولاختطوا لأنفسهم طريقًا آخر يشاركون في ثورة شعبهم... ولكن ومما يُؤسف له رأوا أكثر من ذلك بكثير؛ بدا ذلك جليًا حين استخدمت السلطة من وسائلها القمعية ما فاق تصور البشر، لمّا لجأت إلى قنص الأطفال؛ حتى الرضع منهم، وإلى خطف الفتيات وهن في عمر الورد ، وإلى اغتصابهن بطرق يندى لها الجبين، وإلى قتل الشيوخ والعجائز، وحرق البيوت، ونهب الأموال، والأرزاق والممتلكات... أقول حين تم ذلك كله تبلور أكثر فأكثر دور الجيش الحر في الدفاع عن هذا الشعب المظلوم...
في هذا الوقت علا صراخ أولئك المنتقدين محذرين من خطورة عسكرة الثورة، وأن في ذلك تهديدًا كبيرًا لوجودها... وأخذوا يُضخمون كل ما يقوم به الجيش الحر، ليلصقوا به صفات عدوانية وانتقامية، إضافة إلى تخريب المنشآت وغيرها... وحقيقة الأمر غير ذلك تمامًا... وأحسب والله أعلم أن بعضهم يعلم، حقيقةً، أن الأمر على الأرض مختلف تمامًا عما يروجون له... ولكن لحاجة في نفوسهم يقولون ما يقولون...
إن المتتبع لأحداث الحراك الثوري يجد أن سلميته هي الأخرى كانت تتبلور أكثر، وتتضح معالمها أكثر فأكثر بمرور الزمن.. ففي كل قرية أو بلدة أو مزرعة، يخرج الناس لا يحملون أي شيء يخدش في سلمية ثورتهم... وهم يعلنون ذلك جهارًا نهارًا...
أجل.. الناس أُخرجوا من ديارهم وبقوا يتظاهرون بسلمية... وقُتّلوا، وقُتل أعز الناس عندهم، وهم يعبرون عن استنكارهم ذلك سلميًا، وبوسائل، بعضها هو أقرب إلى الفكاهة منه إلى الاعتراض الجاد العنيف... وانتُهكت أعراضهم... فقالوا: إلا هذه... وغلت حمية الشرف والكرامة والرجولة في عروقهم... ومع ذلك كانوا أكثر انضباطًا مما يُتوقع حصوله من أمثالهم... أفتُمسُّ سلمية الثورة إذا انبرى هؤلاء، حاملين معهم ما توفر لديهم من أدوات ليمنعوا عرضهم من الانتهاك، وبناتهم من الاغتصاب، وأطفالهم من القتل والتمثيل، وشيوخهم وعجائزهم من الإذلال والتشرد والضياع...تُرى ماذا كان يصنعه هؤلاء المنتقدون والخائفون من عسكرة الثورة .. لو وقع جزء من هذا على أسرهم؟ هل يقفون متفرجين ؟ هل يقبلون من أي كان من الناس، أن يوجه إليهم أي تهمة فيما لوا هبوا مدافعين عن مقدساتهم كلها أيا كانت... ثم في مثل هذا الواقع المؤلم؛ ماذا يُنتظر من عناصر الجيش الحر أن يفعلوا وهم يرون أخواتهم أو أخوات أصدقاء لهم تُخطف أو تُغتصب...
إن دفاع الناس عن أعراضهم وأنفسهم ومقدساتهم ، وكذلك دفاع الجيش الحر عن ذلك كله، هو مظهر من مظاهر سلمية الثورة... السلمية الإيجابية .... وذلك ليتم الحفاظ عليها، وإلا لو أن مثل هذا الدفاع لم يتمكن الناس من توفيره سواء بأنفسهم أو عن طريق الجيش الحر،.. ولو أنهم لم يتحصلوا، على قدر يسير من الطمأنينة على ما يخشون مسه بسوء، لدفعتهم غرائز حب الغيرة على العرض والشرف، والحفاظ على المال إلى اختيار أخف الضررين، في نظرهم، وهو التوقف عن التظاهر، الذي، بظنهم، سوف يوقف العدوان الهمجي عليهم... ونقول لهؤلاء المنتقدين: عندئذ فقط تكون الثورة في خطر بل تنتهي فعلاً...فماذا يبقى منها إن أوقف الناس مظاهراتهم واحتجاجاتهم؟!!
 ثم إن للإنسان طاقة قصوى من التحمل والصبر، في مثل هذه الأحوال، وبعد ذلك إما أن يفجر كل ما لديه من طاقة، تفجيرًا عشوائيًا فوضويًا وتقع الكارثة... وإما أن يتراجع بأمل أن يتجنب المصائب التي أنزلها به الطاغوت بتجنب أسبابها المتجلية في التظاهر، وعندئذ تقع الكارثة أيضًا...فالخطر على الثورة يأتي من مصدرين: من تطرف جامح متمثل بالعسكرة الفوضوية، أو تراجع فاضح متمثل بإيقاف التظاهر...  
ويأتي وجود الجيش الحر بانضباطه، وتصرفاته الأخلاقية السامية، وبإحساسه بأنه هو صاحب الأرض الحقيقي، وبأنه هو الأم الحقيقية لهذا الوطن، وليس أولئك الذين يُهلكون الحرث والنسل في سبيل الحفاظ على ما نهبوا وسرقوا.. يأتي هذا الجيش بتلك الصفات ليحقق التوازن، ويضبط الموقف من أن يُجنح به إلى أي من التطرفين اللذين في كل منهما كارثة للثورة...
بعد هذا.. ترى من الذي يهدد الثورة؟  الذين يطالبون بإلغاء أي قوة ضابطة أو مُرَشّدة للحراك الثوري، وفي الوقت نفسه حامية للناس من سعار السلطة في الفتك والقتل، أم المتظاهرون من الشعب المدني المسالم أو من الجيش الحر المدافع والمحافظ على الحراك المتوازن العقلاني للثورة، بعيدًا عن المفهوم السلبي للعسكرة الذي لا يوجد إلا في خيالات أولئك المنتقدين.. والسؤال الذي يُطرح في نهاية هذا المقال:
هل لسان حال بعضهم يقول: لا للعسكرة.. ولكن نعم للمجزرة؟!!! الله أعلم.
الإثنين 2/جمادى الآخرة/1433 الموافق لـ 23/نيسان/2012 
محمد جميل جانودي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق