الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

الجيش السوري الحر

الجَيْشُ السُّورِيُّ الْحُرّ
شِعر/محمد جميل جانودي
خَـبّـأكَ اللـهُ وربّـاكا       وبـِـظِلّ عَدُوّكَ آواكَا
عَايَشْتَ الجَيْشَ وكُرْبَتَـهُ         لِتُـحَقِّقَ لِلشَّعْبِ مُناكا
وعَلَيهِ صَبَرْتَ عَلَى مَضَضٍ      فَـأذاقَكَ ضَيْمًا وَأرَاكَا
أمْضَيْتَ برِفْقَتِـِهِ عُمُرًا         وبـكلِّ شَنَــارٍ آذاكَا
عايَنْتَ عَلى مَهْـلٍ كَذِبًا        عَايَــشْت زنَيْمًا أفّاكَا
أبْصَرْتَ ضَلالاً مُنْتَشِرًا        ورَأيْــتَ ظلَومًا فتّاكَا
وسمِعْتَ الْكفْـرَ عَلانِيَةً        شهـدَتْ في ذلك أُذُنَاكَا
ورأيْتَ لُصُوصًا قَدْ نَهَبَتْ        مَـالاً للشَّعْبِ وأمْلاكَا
ورأيْتَ خُنُـوعًا لِعَـدُوٍ         شَهدَتْ في ذلكَ عَيْنَاكا
ورَأيْتَ الإفْـكَ يُدبّجُـهُ          دَجّـالٌ يَزْرَعُ أشْوَاكَا
شاهدْتَ رُوَيْبضـةً مَعَهُ       وتَخُوْضُ مَعَارِكَ وعِرَاكَا
ورَأيْتَ مُقاومةً زُعِمَتْ         كانَتْ تَضْليْـلاً وشِرَاكَا
شاهَـدْتَ مُمَـانَعَةً لَكِنْ        لِتُـمَـانعَِ لِلحَقِّ حِـرَاكَا
ورَأيْتَ صُمُودًا لَمْ يُعْـهدْ       مِـنْ قَبْـلُ لِيَقتُلَ نُسّاكا
ولَمَستَ مُمَـالأة كُبْـرَى       لِمَجُوسَ عِـدَانا وعِداكَا
عانيْـتَ المُـرَّ وقَسْوتَهُ       وكَتَـمْتَ عَلَيْنَا نَجْـوَاكَا
في نفْسِكَ أَمْرٌ هِئْتَ لهُ         في نُصْرةِ شَعْبٍ أعْطَاكَا
خبّـأكَ اللهُ إلَـى يـَومٍ        بالصّبـرِ حَبَاكَ وحَلاكَا
تَتَرَقَّبُ يَومـًا مَـرْجُوًّا         لِتُخفّفَ عِبْئًـا أضْنَـاكَا
فاجَأكَ اللـهُ بمِنْــحَتِهِ         بالثَّـوْرَةِ ربِّي وافَـاكَا
فوُلِدْتََ كبيْـرًا عِمْـلاقًا          بِالنّورِ يَشُّـعُّ مُحيّـاكَا
بـ"الجَيْشِ الحُرِّ"عُرِفْتَ ومَا      مِـنْ أحَدٍ غَيْرُكَ سَمّاكَا
أرْسَلكَ اللهُ عَـلَى قَــدَرٍ        لتُـؤَازِرَ شعْـبًا نَادَاكا
سوْرَِيَّا كنتَ لَهَا حِصْنًـا         لّبيْـتَ الشَّعْبَ ولبّـاكا
وذَهَبْتَ تُدافِعُ فِيْ صِدْقٍٍ       عَـنْ شَعْبٍ بالرُّوْحِ فَدَاكَا
عَنْ شعْبٍ يَطْلُبُ أنْ يَحْيَا        حُـرًّا لا يَِخْشَى السّفَاكَا
قـابَـلْتَ وفَـاءً بِوَفَـاءٍ       أحْسنْـتَ بُحُسْنَى مَوْلاكَا
ومَضَيْتَ تُدافِعُ عنْ شَيْخٍ        أو طفْـلٍ نَـادَى وعَنَاكَا
وتُدَافعُ عَنْ ثكْلى فُجِعَـتْ       جَاءَتْكَ وتَصْرَخُ"رُحْمَاكَا"
وتُنَاصرُ أعْرَاضًا هُتِكَتْ       والغَـاصِبُ كانَّ الْهَتّـاكَا
وتُعيدُ فتاةً قَدْ خُطِفَـتْ        لِذَوِيْـهَا، تنْـعَمُ بِحِمَـاكَا
يَا جَيْشَ دِمَشْقَ وإِخْوَتِهَا       في حِمْصَ ودَرْعَا وحِرَاكَا
فِي الرّسْتَنِ أَحْسَنْتَ بَلاءً       كَيْ تَحْمِـيَ أمَّكَ وأبَـاكَا
وبِدَيْرِ الزُّورِ وسَاحَتِـهَا        أدّبْـتَ الأفْعَى بِعَصَـاكَا
كبَّـرْتَ بِإِدْلِبَ فانْطَلَقَتْ        كالليْـثِ تُبَشِّـرُ بِلِقَـاكَا
نادتْكَ كِـرامُ سوَاحِلِـنَا       ومُنَاهُمْ يا حُـرُّ مُـنَـاكَا
وأقَرّوا عَيْنَـكَ بأسُـودٍ       يَرْعَـاهَا اللهُ ويَرْعَــاكَا
صدَحَـتْ بحَمَاةَ بَلابِلُهَا      حَيَّاهَــا اللــهُ وحيَّـاكَا
أمّا الشَّهْبَـاء فقدْ هتفَتْ       يا أمَلَ بِــلادِي أهْـواكَا
أنَا خَجْلَى منكَ وَمِنْ نَفْسِي     لا تَقْـسُ عَـلَيّ بِفَتْـوَاكَا
أرْجُـوْكَ تَفَهّمْ مَأْسَاتِيْ         قَـوَّانِـي اللـهُ وقَـوَّاكَا
وفِعَالي يَـوْمًا تُبْصِرُهَا         حبّــًا وفِـداءً لِعُـلاكَا
يا جَيْشًا حُرًا فِي بَلَدِي          أبْعَدْتَ عَن الشّامِ هَـلاكَا
تَـاريْخَ الأمّةِ تَصْنَعُهُ           كَتَبَتْـه بِعِــزٍّ يُمْنَـاكَا
أجيَالُ الثَّـوْرَةِ تقْـرؤُهُ         وتَقُـولُ وفَـاءً: بُشْراكا
جِئْنَـاكَ لِنَحْميَ ثَوْرَتَنَا          لا رَجْعَـةَ فيْما جِئْنَـاكَا
يَا جَيْشًا كُنْتَ لَنا ذُخْرًا           بُوْرِكْتَ وبُوْرِكَ مَسْعَاكَا
الأربعاء، 30 تشرين الثاني، 2011 الموافق لـ 5محرّم 1433

الخميس، 24 نوفمبر 2011

وصايا من تحت الطاولة


وصايَا مِنْ "تحت الطاولة"!!!
شعر/ محمد جميل جانودي
لا تُغْضِبُـوهُ وأمْهِـلُوْهْ       وهُــوَ المُدلّلُ دلّلُوْهْ
لا تعْزلُوهُ وتَهْجُــروهْ       عنْ أمّهِ لا تفْصِـلُوهْ
بِرًّا بِـوالِدهِ الصَّديـقْ        كُونُوا له أوْفَى رَفِيْقْ
أعْطُوهُ طَوقـًا للنجـاةْ       لا تتْركُوهُ بِلا حُمـاةْ
في ظاهِرِ الأمْرِ اشْتُمُوْهْ       فِي السّرِّ دَوْمًا قرّبوهْ
علنًا ألِِـدّوا لهُ العِـداء       ولَهُ أمِدّوا فِي الْخَفاءْ
حتّى يُؤيّـدَهُ الطّغَـامْ        ويُسلّمُونَ لِـهُ الزِّمَامْ
ويَرَونَ فيْهِ بِلا خِصَامْ         الفَارسَ الْبَطلَ الهُمَامْ
لا تُجْمِعُوا أمْرًا علَيْـهْ        وتَفَـرّقُوا زُلْفَى إَلَيْهْ
هَذا يُهـدّدُ بالوعِيْــدْ       هَذا لَـهُ عَوْنٌ مَـديدْ
في كلِّ يـومٍ طَمْئِنُـوهْ        وعنِ الْحقيقَةِ أخْبِرُوْهْ
في أنهُ الشَّخْصُ الوحيدْ      عمّـا أمَرْتُمْ لا يَحِيْـدْ
مَنْ غيرُه حَفِظَ الحُدودْ       دهْـرًا لأعْداءِ الْجُدودْ
مَنْ غَيْرُه سفَكَ الدّماءْ       في حُبّكم أعْطَى الْوَلاءْ
وتَظَاهَروا للثَّائِـرِيْنْ        بالحُبّ والنّصْرِ المبيْنْ
قولُوا لهُمْ حُلْوَ المقـالْ      وَعِدُوهُمُ خيْرَ الْفِعَـالْ
حتّى إذا حَمِيَ الوطِيْسْ     كونُوا إلى جَنْبِ الرَّئيْسْ
لا تَسْمَعُوا لِنِدا الضَّميرْ      فَسَمَـاعُهُ جدًا خَطيْـرْ
وانْسَوا صُراخًا للشّعُوبْ    لا تَسْتَجيبُـوا للقلُـوبْ
حَيْثُ المَصَالِحُ تُسْتباحْ       ويدُكُّها عَصْفُ الرّياحْ
وتفهّموا هَـذا الكَـلامْ       حتَّى تَعِيْشُوا فِي سَلامْ
جمعة الجيش الحر يحميني
29/12/1432 الموافق لـ 25/11/2011



الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

الثورة السورية..... وشهرها التاسع


الثورة... وشهرها التاسع!!!
مرت الثورة السورية حتى الآن في أطوار ثلاثة...
الأول: (يسمي العلماء الطور المقابل له في حياة البشر بعالم الذر) وهو الطور الذي كانت الثورة تتشكل رويدًا رويدًا في ضمير الأمة الذي ناب عنه ضمير الشعب السوري المتمثل في ضمير كل فرد من هذا الشعب العظيم... فقد نشأت أول ما نشأت في الضمير الحي اليقظ الذي رأى حوله انتكاسًا للفطرة البشرية يتضح في " الأسد للأبد" والله سبحانه وتعالى يقول ((وما جعلنا لبشرٍ منْ قبلكَ الخلدَ أفإنْ متَّ فهمُ الخالدون)) ويتضح في "سوريا الأسد" وما قط أضيف وطن بأكمله إلى شخص أيا كان مقام ذلك الشخص، ويتّضح كذلك في وصف الأسد بأنه "سيد الوطن" وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس خاطبوه بـ "سيدنا" قال لهم: ((عليكم بقولكم ولا يستهوينّكم الشيطانُ أنا محمد بن عبد الله , عبد الله ورسوله، واللهِ ما أحبُّ أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله _ عز وجل)) ويتضح ذلك الانتكاس في ذاك العدد الذي لا يُحصى من صور التقديس غير المسبوق لشخص بذاته.. من كونه "الملهم" و"المعلم" و"الأب القائد" و"القائد الرمز" و"الشخصية التاريخية" و"بطل التحرير" و"بطل تشرين" و"أسد الجولان" و"بطل الممانعة" و"بطل المقاومة" و"بطل الصمود" و"القائد الخالد" و"الأمين العام" و....
نعم رأى الضمير الحي اليقظ ذلك ورأى في الوقت ذاته مستوىً للتعليم يتدنّى، وبطالة تنتشر وتتفشى ، ونسبة كبيرة من الشعب تعيش تحت خط الفقر، ووطنًا يُحتل جزء منه، ويُعتدى عليه، وتُقتطع أرض منه، وأجواء له تُنتهك، وفي أرجائه فشو للرشوة والفساد .. ومتاجرة مبتذلة ورخيصة في قضايا هامة .. ونفاق جلي حين يُغطى ذلك كله بمساعدة جمة لفئة تكون في صالح الحاكم ويُقدمها على أنها للصالح العام... وقبل ذلك ظلم فاجر، وإذلال ظاهر، وضغط نفسي قاهر... رأى الضمير السوري ذلك كله فأخذت الثورة مكانًا لها في النفوس العطشى للخلاص والحرية...
الثاني: ( عالم الرّحم): وهو الطور الذي استقرت الثورة فيه في رحم الوطن... وبذلك انتقلت من كونها فكرة عملاقة في الضمير إلى كائن ينبض بالحياة، ويتحرك لهدف، معلنًا عن وجود مادي له .. وجود ظهرت أولى خلاياه يوم الخامس عشر من آذار من عام أحد عشر وألفين للميلاد... وأخذ الانقسام الخلوي يتسارع بطريقة مذهلة حتى شمل وجود هذا الكائن الرحم كله (أي الوطن كله) وإن كان يتكاثف في موضع أكثر منه في الآخر... وتجسد في آلاف من الكتل البشرية الحية وبضمائر حية، وبنفوس حية وبقلوب حية وبوعي حي ... تتحرك بدافع إنساني محض بعيدًا عن أي رمزية لسلوك غير إنساني... الأمر الذي جعل تحركها ذاك سلميًا؛ بل إن أكثر ما يُميزه هو كونه سلميًا... وأخذ لسان هذه الجموع تهتف للإصلاح والخلاص من الفساد.. لم يُخرجها الجوع بالرغم من أن كثيرًا منها جائع... ولم يُخرجها الحرمان المادي مع أن جلها يعاني من العوز والحرمان... خرجت لتصلح الفاسد، وتقوم المعوج، وتنصر المظلوم، وتأخذ على يد الظالم...وتكون مع الضعيف حتى تأخذ له الحق، وتصل الرحم،.. وأخذ هذا الجنين العجيب ينمو وتنمو معه حاجاته ومطالبه... ذلك لأن كل يوم يمر يزداد تعلقًا برحمه، تعلقًا عاطفيًا وشعوريًا ونفسيًا، وأخذت تتطور هذه العلاقة حتى وصلت إلى أسمى تعبير لها وهو التعلق المصيري.. حيث صار الوطن هو الثورة والثورة هي الوطن... وحين يأتي موعد ميلاد الثورة فهو نفسه موعد ميلاد الوطن!!! كيف لا يكون ذلك؟! وقد تغير لون تربة هذا الوطن من كثرة ما رُويت بدماء رجال الثورة ونسائها وشيوخها وأطفالها.. فكأن الوطن والثورة عضوان من كائن جسد واحد..هي تمده تربته بالدم الذي هو أشهى غذاء، وأعذب شراب..وما من وطن بلغ عزته وكرامته من غيرهما.. وهو يمدها بالثوار الأحرار..  وكلاهما يسيران ليصيرا سوريا الحرة الأبية... وإن هذا الانصهار التام بين الثورة والوطن غير رجعي... فلا رجوع إلى ثورة في الضمير ولا إلى وطن بلا ضمير يحرسه ويصونه ويحميه ويصلح كل خلل فيه... فالعملية كما يقول علماء الفيزياء الحرارية غير عكوسة... وإنما تسير باتجاه واحد...
الثالث: (عالم الشهود): والثورة السورية الآن وهي في شهرها التاسع تذكرنا بالأم الحامل حين تكون في شهرها التاسع أيضًا، ووجه الشبه فيهما أن المولود المنتظر في الحالين ((إنسان)) ... ففي حال المرأة؛ المولود المنتظر إنسان، يملك بالفطرة أعز ما يمكن أن يملكه مخلوق تميز بالعقل والإدراك والنفخة من روح الله.. يملك الحرية.. وأصدق تعبير لذلك قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب،رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا). وفي حال الثورة فإنها حين تولد إلى عالم الشهود تتمثل ولادتها بولادة الإنسان السوري الحر الكريم العزيز... الإنسان الذي استطاعت الثورة في المرحلة الرحمية أن تطلق نفسه من عقال الخوف، وأن تحرر عقله من نير التبعية والعبودية والإحساس بأن زيدًا من الناس فريد بين البشر، فريد بذكائه، وفريد بقدرته الفائقة، وفريد بجبلّته، وفريد بشجاعته، وفريد بإخلاصه، وفريد بقيمه... هذا الاعتقاد بالتفرد أوصل إلى القول بالعبارة ((إما فلان... أو الكارثة والطوفان!!))
نعم سيولد الإنسان الحر... الحر بإرادته، والحر بحركته، والحر باختياره، والحر بكل شيء تكون فيها حريته إيجابيةً معطاءً... حرية تبني ولا تهدم، توحد ولا تفرق، تعطي ولا تمنع، ترفع ولا تضع، تؤمن بكل جميل وسامٍ، وتكفر بكل قبيح ودنيء...
ووجه الشبه أيضًا في الحالين أنه حين يقترب موعد الولادة تشتد آلام المخاض... وتشتد المعاناة... ويشتد نزيف الدم... ولكن مع كل ذلك لا يُغادر الأملُ نفوس من ينتظر المولود... هذا الأمل هو الذي يزيد من صبر الوالدة ومن تَحَمُّلها... وهذا الأمل هو الذي يُضفي على وجهها إشراقة الرضا والتلهف لرؤية المولود كاملَ الأوصاف، وهو جاهز لأن يتهيأ لعالم البناء والعطاء..... هذا مشهود ومألوف لدى الأم العادية... ومألوف أيضًا لدى الثوار الأبطال الذين انتقلت على أيديهم الثورة من عالم الرحم إلى عالم الشهود... وستنتقل من عالم الشهود إلى عالم العطاء والبناء والتحرير الشامل والعام... ولكن متى يكون ذلك؟
إذا كان الجواب عن هذا السؤال سهلاً في حال ولادة الإنسان الفرد... وذلك بعد مضي تسعة أشهر على الحمل... فربما يكون الجواب ليس بهذه السهولة في حال ولادة الثورة، وانتقالها إلى عالم العطاء والبناء... ولكن هذا لا يحجر علينا أن نتفاءل بأن تتشابه الثورة مع الإنسان حتى بهذه الجزئية... والأمل بالله كبير...وإذا كانت كل خلية في جسد الأم تتحفز لتوجه طاقتها في خدمة الولادة... فجدير بكل شبر من الوطن العزيز أن يتحفز ويسخر طاقته للتعجيل في ولادة الثورة... فهل أدرك ذلك بعض الجهات النائمة أو الخاملة في جسد الوطن الكبير؟ نأمل ذلك... نقول هذا بعد أن نذكرها بأن العملية الثورية في سوريا ليست عكوسة، بمعنى أنها غير قابلة للتراجع...ولتحزم تلك الجهات أمرها، فالأمر جد وليس بالهزل... ومما يُطمئن أن بوادر تحركها ليلوح بالأفق.. فعليها أن تحث الخطا لأن بوادر ولادة الثورة هو الآخر قد أشرق نوره من وراء الأفق.. فلتسرع تلك الجهات قبل أن تسبقها الولادة، وتعاقب نفسها بالندم والحسرة..((والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون...))
الأربعاء، 27/ذو الحجة/ 1432 الموافق لـ 23 تشرين الثاني، 2011
محمد جميل جانودي

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

رسالة إلى ولدي....

لو كنتُ مكانك يا ولدي
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن بَـلَدٍ يُدْعى سوريّا       منْ زمنٍ يسْكنُ في كبدي
      فالسين سـلامٌ عشنـاهٌُ       والـواو ورود في الْجَددِ([1] )
       والرّاء رخـاءٌ وهنـاءٌ       واليـاء يمـانٌ في رغدِ
والألِفُ أساسٌ مِـن حُبٍ     وتـآلُفِ شعبٍ مُتَّـحِـدِ
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي      لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن أرض كانت مخصبةً     فغَـدتْ مجدبةً لم تــلدِ
بالأمسِ احتضنتْ أبطالاً      واليومَ نراها في نكَــدِ
بالأمْس أميُّـةُ شيّـدَها       بالعـلْم وبالنّـورِ الأبدي
واليومَ يعيث بهَـا قِـرْدٌ      ويُخَـرّبُ فيهـا عن عَمْدِ
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن دار جدودي إذ سُكنت    بكِـرامٍ مـنْ أمَـمٍ قـدد
وحّـدهمْ مسجدُ بلْدتِـهم      بالنُّـور وطـه والصّمـدِ     
لم يبقَ المسْجدُ مسجدَهـا     بل صار لأصنــامٍ جُدُدِ
وبساحِ الْمسـجدِ غلْمانٌ      تُرغـي بالكفْر وبالزّبـدِ
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
سلني عن جبلٍ يَحضُنها      وعليه استلقت من أمَــد
وإليْهَـا يَرنُــو بحنانٍ      كَحُنُــوِّ الْوالِـدِ للْولَـدِ
والْيَـومَ تُرشُّ بزخّـاتٍ      منْ أيْدٍ لَيْـست ذات يـدِ
عمَـدت للجبلِ تُدَنِّسُـهُ       في يَـومِ الْجُمـعةِ والأحَدِ
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن طفلٍ في عينيه أسًى      يشكو للـه من الرّمــد
عن طفلٍ عاش بلا أمَـلٍ     لا يَرْجو أبدَا يومَ غــدِ
عن طفلٍ شُـرّد مَرْميَـا     في الغربةِ منقطع المـددِ
بسْمتُه كانَـت مُشْرقَـةً      كبيَـاضِ الثَّلْجِ أو الْبَـرَدِ
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن عِلْمٍ كان له صيتٌ       في الشام وليس بمُنفَـقـدِ
ولَـه حَلقـاتٌ وافِـرةٌ       لا تُدْرَكُ حصْـرًا بالعَـددِ
العـزّ ويحيى سادتُـها       وتقيّ الدين وذو الرّشَــدِ
     واليوم الشّامُ مضيّعَـةٌ        مَا بيْـنَ سفـيـهٍ أو دَدِدِ([2] )
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن نفطٍ أيْـن موارده؟       دخلت في الجيب بلا سندِ
ذهبت آمالُ الشّعب سُدًى      كم حمَـل همومًا كاللُبَـدِ
عن زرعٍ فيم غدا يبسًـا     فتخلّى عنْـه ذوو العَضُدِ
عن عقْـد وئـام وإخاء      ما رُئِــيَ اليوم بِمُنْعقـد
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن جيشٍ قاتل مُعْتمدًا        في الحربِ على الله الأحدِ
عن جيشٍ سطّر تاريخًا       يبْـقى نبْــراسًا للأبـد
واليوم يُقتّـل في حمصٍ      عُزْلاً بالعُـدةِ والعُــدَدِ
ومدائنُ أخرى لَـم تسلمْ      من خطف حرائر أو وأدِ
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن أرضٍ سُلِبتْ من زمنٍ    كم مرَّ عليْها من مُــددِ!
واهتمّ النّـاس بقصتـها      ما بين شُيُـوخٍ أو مُـرْدِ
هل بِيْعتْ حقًا أم مُنِحَتْ      لُغْــزٌ محبُـوك كالزَّرد
من حاولَ كشف حقيقتها      رجمتْهُ عيونٌ من رصـدِ
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن شعبٍ طُوّقَ مقهورًا      بالقيـدِ وحَبلٍ مِـن مسدِ
في لقمة عيش مشغـولٌ      وينَـام ذليْـلاً في كمـدِ
لو حاول رفضًا لِهـوانٍ      نَـالتْـه هراواتُ الأسـدِ
يُرْمى في السجن لآمَـادٍ      لا يُسْأل عنه من أحــدِ!
لَو كنْتُ مكانكَ يا ولدي       لسألتُ مُلِحّـًا عن بلـدي
عن أمرٍ حـلّ مُفاجَـأةً      مـا دار بتَـاتًا فـي الخلدِ
     عن ثورة شعبٍ منتفضٍ      في وجه ظلومٍ ذي ضمدِ([3] )
      لم يعبَـأ بدمَـاءٍ سالت       أنهَـارًا منْ حُــرٍّ سدَدِ([4] )
 وتمادى في حنق يهذي        مَنْ غيري يحْكمُ ذا البَـلدِ؟
أعرفتَ أخيرًا يا ولـدي      سببًا لسؤالك عن بَـلدي؟
     كي تعرف أسرارًا كُتمت     عن سيْـل خزايا مُنفصدِ([5] )
 كي تعرف أنّـك مظلومٌ      والثّـورة جاءتْ بالقَـودِ!
جاءتْ لِتـرانا أحـرارًا      من قيدِ لَئيمٍ...من وتــدِ
فالزم أقـوالَ محَـرِّكِها      وانصرها دومًا يَـا ولدي
الثلاثاء 26/ذو الحجة/1432 الموافق لـ 22/11/2011




([1]) الطرقات
([2]) العابث اللاعب.
([3]) الضمد: الحقد
([4]) السدد: المستقيم
([5]) المنفصد: السائل الجاري

الأحد، 20 نوفمبر 2011

من أسماء الثورة السورية


بسم الله الرحمن الرحيم
من أسماء الثورة السورية العظيمة
أولاً: الفاضحة
باغتتْ الثورةُ السوريةُ الجميع بميلادها، وبسرعة نموها، وباستوائها باسقةً على سوقِها.. عميقةُ الجذور، سريعةُ الظهور، ممتدةٌ في عَنان السماء... أغصانها قويةٌ خضراء، تُظلل كلَّ بُقْعة من سورية، متعطشةٍ إلى الحرية، شملَتْها من أقصاها إلى أقصاها، ومن أدناها إلى أعْلاها.. فما من مَفْحصِ قطاةٍٍ من الأرض النّدية.. إلا وحبات ترابه تصرخُ: حرية....حرية....
باغتت الثورة السوريين أنفسهم، على تعدد مشاربهم، كبيرَهم وصغيرَهم... غنيهم وفقيرَهم... ظالمَهم ومظلومَهم... فظالمُهم كان يكابرُ مجاهرًا بأن سورية غيرُ سواها، ولن يُعشب الربيع العربيّ على رُباها.....ومظلومها كانت حاله مع الثورة وكأنه فاقد لشيء نفيس... انتهى إلى يد ظالم خسيس... فأنّى له إدراكا، وقد زاده ذاك الظالم إرهاقًا وإنهاكا... وما زال كذلك حتى فوجئ بأن ضالته بين يديه، وأنها قد آلت أخيرًا إليهْ...
وباغتت الشعوبَ الشقيقة والصديقة... وكشفت إلى شعوب العالم الحقيقة.... حتى إنها باغتت ملاحيها ورُبّانها..فكانت مذهلة لهم بنمائها وانتشارها، وتقدمها وازدهارها....
وباغتت العالم مرةً أُخرى بطريقة التعامل معها... التعامل معها ممّن جاءت لتُزيحه وتُبْعِدَه... أومن جهات زعمت أنها نصيرة ومؤيدة... فإذا بها عدُوة لدودة وحاقدة حسودة... أومن جهات أخرى كان لا يُشك في أنها ستكون لها سندًا وظهرًا، ومنبرًا حرا... وإذا بها تتخذ منها ساحة تدريب لنفاقِها سرًا وجهرا.. أو التعامل بها من قبل أحباء لها مخلصين... فجعلتهم حيالها محتارين... ذلك لأنها كانت أسرع منهم لِمبتغاها فتقدّمتهم، وخلّفتهم وراءها.
نعم لقد باغتت العدو والصديق، والبعيد واللصيق، والمرجف المرتجف، والنصير المحترف... باغتت (الممانع المقاوم) .. و(المستسلم) و(المسالم)... باغتت العالم النحرير... والجاهل الغر الغرير، ...
وباغتت.. وباغتت..وكانت لمن بغتتهم فاضحة... كانتْ لبعضهم فاضحةً لسوء وسوأة...ولخبيئة وخبأة.. وكانت لبعضهم الآخر فاضحةً لعجزٍ وتقصير، وقلةِ حيلة وتدبير...
أجل .. لقد فضحت عليمَ اللسان، منافق القلب والجَنان... وعرّته أمام كل إنسان...فصغر في عين الزمان وعين المكان...وخبا نورُه، وانطفأت ناره... فغدا مرميّا تحت رمادها، ودفنته تحت أقدامها، فازدراه معجب سابق، وصرف النظرَ عنه مغرمٌ وشائق...
أجل..فضحت عمائمَ وعمّات، لأصحابها هامات وقامات...فضحت ربطات عُنقٍ وبزّات... وكُتّابٍ وكاتبات... وصحفيين وصحفيات... كما فضحت (سماحاتٍ) و(آيات)....
نعم فضحت "الممانع المقاوم" أمام من هو مخدوع به وهائم.. حين قال أحد رموزه وصرّح، وعن حقيقة أمره بين وأفصح... فجعل أمنه وأمن عدوه المزعوم متلازمين، وبه يكونان سالمَين مُطْمَئنّيْن، تشهد بذلك أربعة عقود... في وفاء الوعود، وحفظ العهود، بحماية الحدود "للصديق الودود"!!!!  
نعم فضحت الثورة مُدّعيًا ودعيّا... طبّلَ وزمّر... ونهى وأمر وتأمّر... وجيّشَ وعسكر، وفي وجْهِ من لا يُجاريه كشّر وزمجر ...رُفعت له ألقاب وصور... وحين شبّت الثورةُ السوريةُ عن الطّوق، وتذوّق نكهتَها كل ذي إحساسٍ وذوق...جزع "سماحتُه" وخاف... وتبدلت في وجهه الأوصاف...حينئذٍ أبرزت فعله الحسن على أنه خضراء الدّمن...وعرّت ما قيل عنه أنه تحرير.. على أنه تلفيق وتزوير...
نعم فضَحَتْ الثورةُ (آيةً عُظمى) ادعَتْ أنها حاميةُ الحِمى، تذودُ عن "زينب" و"رُقيّة" و"سلمى"...فكشفت عنها القناع، وأظهرتْ فيها الكذب والخداع... فقتلت "زينبًا" وخطفت "رُقيّة"" وهتكت عرض "سلمى"...فبُهت الذي بها اغتر فخاب، بعد أن أزالت الثورة عن عينيه الحجاب!!  
أجل إن الثورة السورية فَضَحَتْ وعرّتْ....فأعْلنتْ حينًا وحينًا أسَرّت... فضحتْ النصيرَ المزعوم... فإذا به خذول مذموم...
كما أنها فضحت ضعفَ الصديق، وتراجعَ الرفيق، وفرقةَ الأحباب، وريبةَ المرتاب....
فلله درها من فاضحة... ولله درها من ثورة لجُماح عدوها كابحة... ولصديقِها أمينةٌ وناصحَة... وما كان لها أن تكون كذلك... لولا صبرُ أبنائها، وصدقُ شبابها، وعظمةُ قوادها .... وفي ذلك كلّه سر دوامها وبقائها...
محمد جميل جانودي     

الأحد، 6 نوفمبر 2011

الشعب السوري لا يخدع نفسه


بسم الله الرحمن الرحيم
الشعب السوري لا يخدع نفسه؟
نشرت مجلة (صدى) بتاريخ 3/تشرين الثاني/2011 مقالاً، لكاتب ألماني يُدعى "هايكو فيمن" تحت عنوان تحليلات متعلقة بسورية وتونس... لخص فيه الكاتب ما يتعلق بالحالة السورية إلى أنه لا يمكن تغيير النظام إلا بتدخل قوة عسكرية، وأن هذا مستبعدٌ جدًا، بناء على ما يسوقه من معطيات على الأرض؛ سواء فيما يتعلق بالموقف الأوروبي أو الأمريكي.. أو غيرهما من المواقف التي تدعي دعم الشعب السوري... ويصف الكاتب هذه الجهات بالمكر... ثم يقول: لا ينخدعن الشعب السوري بذلك... إنه متروك وحده في الساحة...وهذه عبارته كما وردت:
"النفاق الواضح للموقف الروسي-الصيني سمح لبعض البلدان التي أظهرت حماسة مستجدة في دعم الديمقراطية العربية، بأنّ تُقدّم نفسها بمكرٍ نوعًا ما، في دور المدافعة الشجاعة عن الجماهير العربية المظلومة، بيد أن الخطاب الوعظي والجهود الحثيثة لتنظيم المعارضة السورية في المنفى والتحضير للتغيير المنشود لا تستطيع أن تحجب واقع أن الخيارات المتاحة لتحقيق ذلك التغيير محدودة، لا نخدعنّ الشعب الشجاع في سوريا الذي يستبسل في النّضال والتّضحية بحياته أملاً في التّخلص من نير نظام البعث. إنهم متروكون وحدهم"

في الحقيقة إن المتتبع لمجريات الأحداث والمواقف؛ يجد أن ما قاله الكاتب صحيح بنسبة كبيرة جدًا... إلا أن الذي يراقب الثورة السورية المباركة من لحظة انطلاقها.. منذ ثمانية شهور؛ فإنه ربما يَختلف مع الكاتب في نظرة الشعب السوري إلى ما يمارسه بنفسه على أرض سوريا...
ليس فقط الشعب السوري، وإنما يكاد يُجمع كثير من المراقبين على أن المعطَيات التي كانت موجودة على الأرض قبل يوم انطلاقة الشعب السوري بثورته تشير، بحزم وتأكيد، على أنه من المستبعد جدًا أن تتحرك مجموعة من السوريين؛ لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين، في أحد شوارع دمشق، أو أي مدينة أخرى، هاتفة بما يدلُّ إلى أنها بدايةٌ لتظاهرة تطالب بحق، أو تستنكر أمرًا ما... ومما يدل على ذلك سؤال وزير الداخلية للذين انطلقوا بعفوية واضحة، قبل ذلك بأكثر من شهر، منتصرين لأحد شباب سوريا الذي أهانه أحد رجال الشرطة بكلمات نابية، ثم زاد على ذلك بضربه بالتعاون مع زملاء له، في منطقة الحريقة... يومها قال وزير الداخلية للمحتجين: (المهم ألا تكون هذه مظاهرة...) فنفوا ذلك... وبناءً على هذا فإن الشعب السوري؛ وهو الشعب المؤمن بالله تعالى إيمانًا لا يتزعزع، وأن الظلم، مهما طال، فإنه زائل، وهذا وعد الله في كتابه العزيز.. أقول إن هذا الشعب ، وبعد أن رأى أن الذي كان مستبعدًا وشبه مستحيل يوم الخامس عشر من آذار لسنة إحدى عشرة وألفين للميلاد.. حصل.. وصار حقيقة ... ليس فقط على مستوى مجموعة تخرج في أحد الشوارع وتهتف ببضع كلمات ثم تنتهي... وإنما صارهذا المستبعد ثورة؛ ملأ ذكرها الآفاق، وأصبح الحديث عنها يتصدّر النشرات الإخبارية في معظم الفضائيات ... وعمت أرجاء سورية قاطبة، من أقصاها إلى أقصاها، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة... تبدأ بالذروة في كل من حمص ودرعا وإدلب وريف دمشق وتتدرج إلى باقي المحافظات والمدن والقرى ... كلها استجابت لنداء الثورة الذي انطلق فعلاً من درعا وهذا ما عُبّر عنه بهذين البيتين:
لَمْ تبقَ في بلدي الْحبيبِ قُرَيّةٌ      أو بلدة أو خيـمة الأظعانِ
إلا استجابـت للنداء وآزرت      أخواتها بحميّـة الشّجعانِ
بعد أن رأى الشعب ذلك كله، بل إنّ الأمر أكثر من رؤية... إنه ممارسة ونشاط وتفاعل يقوم به الشعب نفسه... أقول بعد أن أحس الشعب بذلك كله... لم يكتفِ بما يراه من معطيات أخرى تنظر بكذا وكذا... لتكون ناظمًا يبني عليه حركته ونشاط ثورته... بل على العكس من ذلك؛ كان كلما صرخ هاتف من هنا، أو ناصح من هناك، يقدم للشعب السوري مرئياته؛ بناء على واقع محلي أو إقليمي أو دولي، فإنه سرعان ما تنقله ذاكرته الحادة إلى الخامس عشر من آذار ليعلم بأن إرادةً فوق المعطيات وفوق الأسباب وفوق تخمينات البشر وحساباتهم أرادت للثورة أن تنطلق، فهيأت جميع أسباب انطلاقها واستمراريتها، على صعيدين اثنين...
أولهما: التصرفات الخرقاء من قبل رجال النظام، وعدم اللجوء إلى الحكمة في حل الأمور، وتزايد مثل هذه التصرفات، على المستويات كافة، حتى إن المرء أصبح عاجزًا عن عدها أو حصرها في جهة دون أخرى...
وثانيهما: الرغبة الجامحة، والاندفاع منقطع النظير لدى الشعب ليحقق ما ظل حابسًا له في نفسه عقودًا؛ نتيجة الكبت والقهر والقمع والخوف.. فكسر حاجز الخوف.. وانطلق مارد التغيير كالإعصار، وأخذت قوته تتنامي من غير ركود أو توقف...
أيقن الشعب أن الذي قال لمعطيات يوم الانطلاقة أن قفي مكانك والزمي حدّك ولا تتجاوزيه.. فلا يمكن أن تقوم في سورية ثورة..هو نفسه الذي يعول عليه في كل يوم وفي كل لحظة من لحظات مسيرة الثورة... وهذا ما يُترجمه الثوار في مظاهراتهم وهتافاتهم التي تعبر عن ذلك أصدق تعبير مثل (( يا الله ما لنا غيرك)) و (( هي لله .. هي لله... لا للسلطة ولا للجاه..)) و جمعة ((الله معنا)) وجمعة ((لن نركع إلا لله)) و جمعة ((ماضون حتى إسقاط النظام)).. إضافة إلى ما يلاحظه أي متابع لما يجري على الساحة؛ من حب للشهادة بمعناها الإيماني الحقيقي... وحرص الآلاف على نيلها، وفرح الآباء والأمهات باستشهاد الأبناء والبنات... أيقن الشعب ذلك فصار ينطلق كل يوم بعزم وثبات، وإصرار على الوصول إلى الهدف، آخذًا بما يملك من أسباب لتحقيق ذلك.. وكأنه يرد على أصحاب النصح والتقويم والتنظير، مع احترامه لهم وتقديره لما يسدون إليه، بما قال أبو تمام:
السيف أصدق إنباءً من الكتب       في حده الحد بين الجد واللعب
وما أحسبه (أي الشعب) إلا أنه هو الآخر يقول:
بالعزم والإيمان والإصرار       سأحقق التغيير في الأمصار
سأقوم بالأسباب بعد تمسكي      في ثورتـي بالواحد القهار
أنا واثق بالنّصر حتى لو بدا      مُسْتبْعـدًا في أنقح الأفكار
نعم لقد قام الشعب السوري بالأسباب... فانتفض، وقدم الشهداء، واتصل بما حوله من المجتمعات الإقليمية والدولية، وشكل التنسيقيات، والهيئات، وعقد المؤتمرات، واتصل بمن يتوخى فيهم أن يكونوا مؤيدين لقضيته العادلة، ونشط أيما نشاط في المجال الإعلامي، والصحفي، والأدبي، والفني، وأعد كل ما يستطيع إعداده في ثورته السلمية ليحميها من أي خطر يتهددها... ولكنه قبل ذلك وبعده اعتمد على الله وحاشا لله أن يخيّب من اعتمد عليه وجعله وكيلاً ونصيرا...فإذا كان من أحد يمكن أن نطلق عليه قبل غيره أنه يخدع الشعب السوري فهو الشعب نفسه... ولكن الشعب لا يخدع نفسه ما دام يسير على بصيرة وهدى من الله تعالى... أما أولئك الذين عناهم الكاتب في أنهم، بمكر، يخدعون الشعب السوري... فإن الله لبالمرصاد لكل من يخادع أو يخاتل أو ينافق.. أما الشعب السوري نفسه فلا يَظن بمن يمد إليه يده إلا خيرًا.. ويكل السرائر إلى الله...
محمد جميل جانودي 

السبت، 5 نوفمبر 2011

عيد في الشام


عيد في الشام
شعر/ محمد جميل جانودي
 قالُـوا: تُعَيِّدُ والدِّماءُ تَسِيْـلُ      وبكلّ نَاحٍ صَرْخَـةٌ وعويلُ؟!
 قَالُوا: تُعَـيّدُ والبِـلادُ أسيرةٌ       والسّيْفُ فوقَ رِقَابِنَا مَسْلولُ؟!
 قالُوا: تُعيِّدُ والأيَامَى تَشْتَـكِي        مُرّ الْحَيَاةِ ولَيْلُهُـنَّ طَويْلُ؟!
 أَنّـى لِعِـيْدٍ أنْ يَحُـلَّ بِدَارِنا       والنَاسُ فيْهَـا هَارِبٌ وقتيْلُ؟
 أنّى لِعِـيْدٍ والفوَيْسِقُ جَاثِـمٌ         فَوْقَ الصُّدُوْرِ، وظِلّهُ لَثَقِيْلُ؟
 فِي الشّامِ أضْحَى آمِراً أوْ نَاهِيًا      ونَرَى الرَّعَاعَ لِمَا يُشيرُ تَمِيْلُ
 ضَحَّى الْخِيَارُ كِبَاشَهُمْ في قُرْبَةٍ      للـهِ، فيهِ رجَـاؤُهمْ مأْمُول
 وضحِيَّةُ الأَشْـرَارِ رهْطٌ فِيْهِمُ       خَيْرُ الشَّبَابِ ورُضَّعٌ وكُهُوْلُ
 فَعَلُوا عَجِيْبًـا مِنْ قَبِيْحِ جَرائمٍ      مَا قَطُّ كانَ لِمَـا أَتَوْهُ مثيْـلُ
 هُمْ يَقْـتُلُونَ الأَبْرِيَاءَ وبُوقُهُـمْ      يَشْـكُوْ بِأَنَّ الْقَـاتِلِيْنَ فُلُـوْلُ
 ظَنّـوْا بِأَنْفُسِـهِمْ ذكَاءً خَارِقًا       وسِـوَاهُمُ فِي عَقْلِهِ مَخْبُـوْلُ
 ونَسُوا بِأَنَّ اللهَ فَاضِحُ مَكْـرِهمْ     ولَنَــا بِذَلِكَ حُجَّـةٌ وَدَلِيْـلُ
 كَمْ مِنُ عُتُـلٍّ ظَـنَّ أنّ مَقَامَهُ      يُنْجِيْـهِ ثُـمَّ أَصَابَهُ التَّنْكِيْـلُ
 وثِقُـوْا بأصْحَابٍ لَهُمْ يَحْمُوْنَهُمْ      مِمَّـا يُـقَدِّرُ رَبُّنـَا ويَقُـوْلُ
فتفَرَّقُوا عَنْهُمْ وأَضْحَوا قِصَّةً        فيْهَا تَحَارُ جَهَـابِذٌ وعُقُـولُ
***** 
قالُوا: تُعَيِّدُ؛ قلتُ:لا، فَالْعِيْدُ فِي      حُرّيَّـتِيْ مُتَـعَلِّقٌ مَوْصُـوْلُ
 قالُـوا: إذَنْ هيَـا إليهَـا إنّهَا     فِيْ الشّامِ تُطْلَبُ والرّجَالُ فُحُولُ
 قالُوا: تُعَيّدُ؛ قلتُ:كيفَ وإنَّني      في حِمْصَ فِي أخَواتها مَشْغُولُ
 قالُوا:ولكِنْ حِمْصُ عَيَّـدَ أَهْلُهَا     حَـوْلَ الشّهيْـدِ وعِيْدُهمْ تهْليْلُ
 كمْ كبَّروا،كم هلّلوا،كم زغْرَدُوْا     وعَلَى الأَكُفِّ مُكَـرّمٌ مَحْمُولُ
 لَبِسُوا بَيَاضَ ثِيَابِهمْ في عِيْدِهمْ      حَمَلَتْهُمُ نَحْـوَ الْجِنـَانِ خُيُولُ
 لمّا عَلَوا صَهَـواتِهَا هتَفُوا بِهَا      طِيْـرِي بِنَا فَلَنَا هنَاكَ أُصُولُ
 نُظَراؤُهم في الشّامِ كانوا فِتْيةً      أثنى الإلـهُ عَلَيْـهِمُ ورَسُـولُ
 إنْ شِئْتَ عِيْدًا فالْتَمِسْه بِدَارِهِمْ      فَالعيْدُ فيْهِـمْ طَعْمُـهُ مَعْسُولُ
 عِيْدُ الشآمِ يَكونُ في تَحْرِيْرِهَا       من مارِقٍ فيها طَغَى ويَصُوْلُ
 ويَعُمُّ فيهِ العدْلُ كلَّ رُبُوعِهـا      ويكون فيْـها للظّـلامِ أُفُـولُ
   فأجَبْتُـهمْ: إنّي إذًا لَمُعَــيِّدٌ       سَتُدَقُّ في عُرسِ الشّهيْدِ طُبُولُ  
يوم عرفة من سنة 1432هـ الموافق لـ 5/11/2011م