الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

سلوا الخضراء عنه وعن سناه



 سلوا الخضراء عنه وعن سناه..

كلمة وقصيدة في رثاء الأستاذ محمد سعيد مبيض.

عرفته من غير مُعَرّف... عرفته رجلًا يدعو للمكارم والفضائل، حاملًا همَّ أمته وما تعاني... عرفته من قبل أن أعرف اسمه ومن يكون... فدفعتني معرفتي الأولى له إلى مزيد من التعرف عليه.. فقيل لي: إنه الأستاذ محمد سعيد مبيض...ولتأكيد التعريف ثنى عليّ من سألته بالقول: إنه صهر الأستاذ إبراهيم عاصي، الذي هو علم من أعلام مدينة جسر الشغور...فحق أن يُعرف بذي المحمدتين، بعد أيام قدر الله أن التقيته وعرقته جسديًا بعد معرفته روحيًا...

وفي صيف عام 1973 كان فكّر الأستاذ سعيد أن تقوم جمعية النهضة الخيرية بعمل دورات في الرياضيات لطلاب الصف الثالث الثانوي، يهدف بذلك أغراضًا إيجابية عدة، فاتصل بي لطالبًا مني أن أقوم بهذه الدورة للطالبات في حين كان قد نسق مع الأستاذ يونس قرط أن يقوم بها للطلاب، مع تأمين السكن والأثاث المناسبين، وأن يقوم هو بنفسه بالإشراف على سير عمل الدورتين...  وهكذا توثقت الصلة معه، فلمست فيه الرجل الصدوق الجدي، والعملي، والمتابع لعمله بإتقان، ومما زاد من توثيق عرى هذه الصلة أن كان المنزل المخصص لي هو جزء مستقل من منزله، ومن أول يوم سكنته وجدته وعائلته خير أهل وأكرم جيران...وبعد ذلك كنت أراه لمامًا حين آتي إلى إدلب لغرض ما...ثم فرقتنا الهجرة القسرية التي تعرض لها كثيرون من أبناء سورية، سنة 1980 وما بعدها... ومضت السنوات، ثقيلة حينًا، وحين نحمل لنا مراغمًا كثيرًا وسعة، فتخفف علينًا بعض المعاناة... وفي عام 1997 تم إنهاء عقدي في التدريس، وفي العام نفسه كنت في مكة للحج، وعلمت من بعض الأصدقاء أن الأستاذ سعيد يحج أيضًا، وأعطاني هذا الصديق رقمه، فاتصلت به، وزرته في مقر إقامته، فكانت فرحته بهذه الزيارة كبيرة، وأمضيت معه ما يزيد عن ساعتين، ثم أخبرته بإنهاء عقدي فأبدى استعداده لأن يدبر لي عقدًا للتدريس في قطر...وبعد سفره يسر الله لي البقاء في المملكة ففضلت ذلك بسبب مدارس الأولاد، ثم قدر الله لي أن نلتقي في الرياض لأكثر من مرة، وزارني في منزلي، وعرفني في أثنائها على صهره الأستاذ أمير صناع (أبي عبد الله) وهو مهندس مبدع في مجال الإلكترونيات، وله ولدان (حفيدا الأستاذ سعيد) هما الآخران مبدعان في المجال نفسه، وأهداني بعض مؤلفاته القيمة. ومن أهم ما لاحظته في الغربة أنه كان أكثر عملًا وحماسًا لخدمة العمل الدعوي الذي كان، من قبلُ، فارسه في مدينته إدلب، وكان يحمل هم الشعوب الإسلامية، وما تعانيه، وأطلعني على منهج وضعه لسير العمل الدعوي بنجاح في الظروف الصعبة التي يمر بها جل المسلمين.

في الحقيقة، فقدت سورية والأمة بموته علمًا من أعلام الدعوة العاملين بصمت وهدوء من غير ضجيج أو بروز إعلامي. أسأل الله العلي القدير أن يجزيه عنا الجزاء الأوفى، وأن يعوض الأمة خيرًا.

عزائي لأولاده الدكتور حسان وإخوته، راجيًا من الله تعالى أن يكونوا، ورثة حقيقية له بعلمه وأدبه وأخلاقه، وأن يثبتهم على ذلك وينفع الأمة بما ترك من أولاد صالحين، وعلم نافع.

رحم الله الأستاذ الشيخ محمد سعيد مبيض (أبا حسان) وجعل له مقعد صدق في عليين، وجعله من ورثة جنة النعيم. 

لساني قد تعثر عــــــن بياني===وأمســـــــك عن بُنيــات الجَنانِ

فقلت له: إلام الصمتُ قــــل لي===أيظمأ من ســـقاه المنــهـلان؟

أجاب وعينُــه بالدّمْـــــع مـلأى===أما تدري حبيبي ما اعترانـي

أما تدري بأنّ "سعيــد" أضحى===بــرمـــــــسٍ قد بكاه الفرقدان

يُعطّر دوحةً فــــيهــــــا توارى=== تحــوط به ورود الزعفـرانِ

غريبًا قد قضــى ولـــه أيـــــادٍ===قد انطلقت بخــيراتٍ حِســـانِ

يجود على القريب بغيْـــــر مَنٍّ===ويمنع مَنْ نأى جور الزمــانِ

سـلوا الخضراء عنه وعن سناه===تُجبكم بالفصــاحـــة والبيــان

تجيــــب بنفسهــا عمــا جنتْــه===من الخيرات منه بلا ارتـهــانِ

أبو حســـــانّ أعْــلى لي كيانًا=-==ونافس من بخير قـد أتـــــاني

صروح العلم شيــدها بساحي===-أقرُّ له بصــــــــدقٍ وامتنـــانِ

فعــلّمَ ثم أدّبَ ثــــــم أعــطى===نفائس ما لديْـــــــــه بلا تـــوانِ

وأسَّس في ربوعي دار مجــدٍ=== وتفسيــر وفــــهـــمٍ للمعـــاني

وطاف بأرض "سوريـا"محبًا===يُقابَل بالحـــــفــاوة ةالتهــــاني

رأى فيها غــرابًا جاء يسعى===لإفســـادٍ وهـــــــــــــدمٍ المباني

تسلل في هـــــدوء واحتـرازٍ===ويســتــره رداء الأفــــــعـــوانِ

فحــذّر ثم أنـــذر أهـل حِــلم===أولي قـــدر وجــاهٍ ثم شــــــــان

قلم يُعطوا لما قد قـال بـــالًا===وما انتبـــــــــهوا لمكر الثعْــلبانِ

رأى فيه الغــزاة نـذير شُؤم=== لــــه كادوا بمــــــكر في ثــوانِ

فهاجر في حمى الرحمن يرجو===بــــلادًا ذات أمنٍ أو أمـــــان

وحل بدوحـةٍ عنـــاء تهـــدي===مبــاهجـــــــــها لقاص قبـل دانِ

وأرسل جُـــبه يهدي ضيـــاءً===فطـمأن من يعيش بـــلا حنـــان

ويثّ عــلومـــه في كل ناحٍ===فأنقـــــذت الأسارى والعــــواني

قضى للناس حاجات عظامًا===بإخــلاصٍ، وعـزمٍ، في تــفـــانِ

مآثره سمت من غير حصـر===له في كل مــــــــــكرمة يَـــدانِ

ألا يا ربنا أكـــــــــــرم أخانا=== أبــا حسان في عالي الجنــــانِ

وعــوّض أمةً، فقـدتْه، خيرًا===لتــصبـــح حـــرة، وبلا هــوانِ

السبت 20/صفر/1444 و 17/9/2022

 

اليوم قد مات المعَطَّر ذكرُه

 


رثاء للشيخ يوسف القرضاوي، رحمه الله:

اليوم قد مات المُعَطّرُ ذكرُه

بكت النجوم وضجّــت الأقمـــــــــــــــار===في ذا الصباح وزاغت الأبصار

علمَتْ بأنا ســوف نسأل فانبــــــــــــــرى===ليلٌ يجيْــــــب وقد تـــــــــــــــــــــــــلاه نهـــــارُ

فالليلُ أظلم فــوق ظلمتــــــــــــــــــه بمـــــــــــا===وافــــــــــاه من خبرٍ لـــــــــــه إعصـــــــــــــارُ

أمّا النّهـــــار فشمسُه غــــــابــــــــــــــــــــــتْ ولم===تسطعْ لها، مما جـــــــــــــــــرى، أنــوارُ

قالا بأنّ اليــــــــــــومَ يــــــــــــومٌ أقــــــــــــفـــــــــرت===فيه المنــــــــــــــــــــــابرُ واختفى الـــزوّار

اليوم قــــــــــــــــد مات المعَــطّــرُ ذكـــــــــــــــــرُه===حـِلقُ العـــلوم بكتــُـــه والأخيــــــارُ

الشيخ يوسفُ قد قضـى في هجرة===في دوحـــــــة من حوله الأزهــــارُ

الشيخُ قرضاوي تــــــــــوارى تـــــــاركًا===عِلْمًا بــــــــــــــــــه تتـــزيَّـــن الأســـــــــــــــــفـــــارُ

مِنْ "أولوياتٍ "و"عــلمِ فرائض"===أو "فقــــــــــــــه واقع أمّـــة" تحــــــــــــتـــــارُ

أو منهجٍ لدعـــــــــــــــــاة كل فضـــــــــيــــلةٍ===في حلّهم أو حيثــــــــــما هم ســــــاروا

اليــــــوم يــــــومٌ للبكـــاء عــــــــــــلى الذي===نعمتْ بطيْبِ كلامــــه الأمـــصــارُ

لا تعجبــــــــوا يا قــــــــــارئين قصيدتي===للشيخ سيــــفٌ للعــــــــدا بتَّـــــــــــــــــــــــــــــــارُ

كم موقفٍ للشيخ كان ضيــــــــاؤه===عمّ الورى، للعــــــــــــــالمين مَنــــــــــــــــــــارُ

جمعيــــــــــــــــــةُ العُلَـــــــــماء كان رئيسَهـــا ===فهدى بها مَنْ أسرفوا أو جـاروا

كان المنــاصـــرَ للشعوب بثـــــــــورةٍ===ضــــــــدَّ الفسادِ، وصوتـــُـــــــــه هــــــــدّارُ

وربيع أمتــــــــنـــا ســـــــــــــــقـــاه عصـــارةً===مِن قلبه، منهــــا ارتــوى الأحـــــرارُ

فغدَوا أســـودًا لا يهابون الردى===لم يثـــــــْـــــــــــنِهــــــــــــــــــم ذو فــــريــــــــــــــــة مكَّارُ

يا شيخ يوسف لو أردنا حصر ما===قدّمتَــــــــــــــه تعبت بنَــــــــــــــــــــا الأفكــــارُ

أنقذتَ من بالزيغ مفتـــــونٌ وحا===ر بأمْـــره ممـــا يَــــــــــــرى ويُـــــــــــــــــــــــــــــثــَـــــــــــــارُ

وضمَمْتَه لحنـانِ صدرك هاديًا===وقد اهْتدى، شهدتْ له الأسْحارُ

كلا ولم يحرفْك عنْ وسـَـــــــــــــــطيّة===أظهرتَـــــــــــــــــــــها لك مبـــــــــــــدأً، أشــــــــرارُ

عضَّ الأنامل مبغضٌ بكَ جاهلٌ===للظـــالمين مُــــــــــــــــــــســوّقٌ سمســــــارُ

ما كان ردُّك غيــرَ نظْـــرةِ مُشفقٍ===تدعـو له بهــــدايةٍ، ويحوطُــــه الغفارُ

يا شيخَ يوسف، لم يفلّ العزمَ فيكَ منافقٌ أو مُبغِضٌ أو مُغْرضٌ ثرثارُ

إنّ الجنـائــــــــــــــــز حجــةٌ فليعلمُــــــــــــــوا===أنْ كان فــــــــــــي تشييـــعـــــك المليـــــارُ

أعلمْـــتِ يا أرض الكنانــَـــــــــةِ أنــــه===منـــــــــك المبَجَّلُ فــــــــــــــــاهنئي يــــا دارُ

كم عالم، ومجاهدٍ من فيْض جو===دك قد قضوا وتحفـهُـــم أســـــــــــرارُ

كُثــــــــــــرٌ سواكِ استأثروا بـــرفاتهم===هم صــــــــــفـــوة، هــم نخبة أطهــارُ

أحرى بـــأمٍّ أنْ تضــــــــمّ لحجـــرها===فلذاتــــِــــــها، ولصــرحها عُمّـــــــــــــارُ

لكنّ هجــرتهم وســامٌ خـصهـم===في جنــّـــــــــــــــة طابَــــــــــت بها الأثمـــارُ

هُنّئْـتِ يا قطَــرٌ بشيخ ضــــــــــــــــــــمّــه=== منكِ الثّرى، وتشوقتْ أقْطارُ

لك كان خيرًا في الحياة وميتٌ===طـــــــــــــوبى لشعب أهــله أنصـــــارُ

يا ربنا أكـــــــــــــــــرم أخـــانا يــوسفــــًا===في جنّـــــــــــــــة، من تحـــــــــــتــــها الأنهـــــارُ

الإثنين 29/صفر/1444 و 26/أيلول/2022 - إسطنبول