ربّ احْمِنِي منْ نظرة الحُسّاد===عنْ فرحتي الكبرى بنصر بلادي
    هِيَ فرْحتي وبها قفزتُ بنشوةٍ===مــلأتْ عليَّ جوانـــحي وفؤادي
    لما علمْـتُ بأنّ أهلي قد نجَوا===من ربقـــــــةِ الأغلال والأصـفاد
    وعيون أطفالي رأيت بريقَهـا===قد شعَّ نــورًا هــــادي الأحفــــاد
    ورأيت آثار الحصار تبددتْ===بدنُـــوِّ موسم ســنبــلي وحصادِي 
    ورأيتُ من تحت الركام زنابقًا===أخـــذتْ تمـــيـس لرائح أو غادِ
    والفرحة الكبرى بدت في بسمة===من ثغـــــر طفل تاق للأجـداد
    في روضةِ الدنيا وسر ضيائها===من غـــــابـــر الأزمان والآمادِ
    حلب التي ألقت بفلذات لهـــا===مذ رامَ عفـتــها أبـــــو (القَـــوّاد)
    أوباشــه دخلت إليها عــــنـوة===عام الثمانيــن اكتـست بســـوادِ*
    ألقت بفلذات لهــا بوجوهــهم===برزوا لهم في الساح كالآســـــادِ
    كانوا قليلًا في العـديد وعــدّةٍ===لكنهــــم في العـــزم كالأطـــواد
    ما استسلموا لوعيـده ووعوده===ووعـــــوده كانت كذر رمــــادِ
    وأغاظه استشهادهم بكـــرامة===فغـدا كموتور يصيح يــــنــادي
    أولاء شـرذمـــــة قليل عـدهم===ما زاد جمعهـــمُ عـن الآحــــادِ
    ومضى يعربد منذرًا متوعّـدًا===ودعا لأجــلهم انعقـــــاد نــــواد
    ظنّ الوريثُ بأنه ورث الـبلا===د بأسرها، معهــا على ميــعـــاد
    ظنّ الوريثُ المِسْخُ أنّ حليفه===ووليّــــه يُغـــــنـــيــه بالإمـــدادِ
    ناسٍ بأنّ اللــه يغـــلبُ أمــره===وبــــأنـــه للظـــالمين مُعـــــــادِ
    وإذا بأهـل الشام أردوه الردى===وقفت له الشّهــباء بالمــرْصادِ
    حلب،وما أدراك ما حلب وقد===أضحت عشيــقة حاضر أو بادِ
    لما رأوها قد غدت مأســـورة===في قبضة المأفــون والجــــلاد
    شَدُّ الرحال إلى حماها قد غدا===فرضًا مع التحــرض والإعداد
    هَبّوا إليها كالأسود بغابـــــها===إن نــاشها بالغـــدر ذو أحقـــادِ
    فتحت ذراعيها ترحّب فيــهـم===وفؤادها لمعينـــهم هــو صـــادِ
    ذرفت دمـوعًا، إنما من فرحة===نادتْــهمُ: أهــلاً بكـــــم أولادي
    إني عرفتـــــكمُ بسيمــاكم وذا=== قلبي إليـكم مرشدي أو هـادي
    إني خُطفتُ وخاطفي يا مهجتي===وغْــد حقيـر متــقن الإفـساد
    جلبَ الأراذلَ كي يكونوا حصنه===من ثورة الأحـرار والرواد
    هم يعلمون بحالــها لكنـــــــهم===اصغـوا لهـا في لهفـــة ووداد
    قالوا لها: سنقرُّ عـينك أمَّنـــا===إنا بنـــو الفــــاروق والمقـــدادِ
    منْ إدلبٍ، من حمص من أمّ الفدا===من قلعةٍ للحصن أو أرواد
    ومن الفرات ودَيره وضفـــافه===جئنا إليك، وكــلّنـــا لكِ فادي
    بعثت إليك دمشق من فرسانها===من سلّ سيفًا فوق ظهر جواد
    وإذا بأوكار الوضيع تزلزلــت===وغدت قبور أراذل الأجنـــادِ
    نُثِروا على سطح الرمال فرحّبتْ===بلعتْـــهمُ في جوفـها المـيّاد
    من تاه عنها صار طعم كلابها===طُعـــمًا شهيًـا راوي الأكبــاد
    واستنشقتْ أختُ الخليلِ شذى الشهيد وعطـره في موكب الأشهادِ
    صوتُ المآذن قد علا بسمــائها===الله أكــبـرُ؛ هــذه أمجــــادي
    غـنّتْ براعمُها التي لم تُشف من===جـرحٍ لها بالدف والإنـشادِ 
    ومضت تفاخر أنها قد دونت==="حلب الإبا" بشهـــادة الميــلادِ
    يا فرحةً جـــاءتْ إليَّ هديّــةً===من فتــيـة، للحـــق خــير عماد
    حملوا إلي سُعــادَ بعد كآبـــة===أكرمْ بهمْ من حـاملين سعــادي
    بذلوا دماءهم ليسعدَ غـيرُهم===في الشام والوديـان والأنــجــادِ
    يا ربّ بلِّغْهم مراد نفوسهم===تحريرَ أرضك من أذى الأوغـادِ
    ---------------------------------------------------------
    * عام 1980 للميلاد، حين انتفضت حلب في وجه اللص الطاغية، وقدمت فلذات أكبادها...