الاثنين، 13 يناير 2014

عفوًا رسولَ اللهِ هذي حيلتي....

عفْوًا رسول الله هذي حيلتي....
ماذا أقُــــــــول لحُــجّـــــةِ الرحمـــن****وحبيـــــــبه، ومُـــــــبــــــــــلّغ القــــــــــــرآنِ
ماذا أقول لحامل النّور الذي****أقصى الظلام بحكمـــةٍ وبيــــانِ
حمل الكــتابَ ومثـــــــــله لبـــــريّـــة****غرقت ببحر الجهل والبهتـــانِ
قَــــاد السفينة نحـــوهــــــــم بمهـــــارةٍ**** يدعــــوهمُ في رقـــــةٍ وحنــــــــــانِ
إنــي أتَــــــيْـــــــتُكــــمُ بحَــــبـــــل مــــودّةٍ****وهِــــــدايةٍ من مُــــــبـــدع الأكوانِ
إني أتـــــيـــــتُـــــــــكم لأنـــقــــــــذكم بــــه**** من ربقـــــــة الحيتان والغيلان
وسفينتي ترســـــــو بكم محفوفـــة****في سيـــرها بعنــــــــاية الرحمـــــنِ
وأتى على أممٍ تقادم عهـــــــدها****بــــالجـــور والإفســــاد والطغيــانِ
عاشت معــــبّدةً لمن أزرى بها****رضخَت له بحبائل الشيطـــانِ
أوحــى لها أن لا حيـاة بغيــــره****وإذا أبَــــــــت فهَــــــــلاكُـــــها بثـــــوانِ
واليأس صيّر أهلهــــا كطريدة****ما بين فكّــــي كاســــرٍ جـــوعـــانِ
حتى إذا نور النبُوّة جــــــــاءهـــا****مُـــتـــــجـــــــليًا بمحمـــــد العَـــــدنــانِي
نظـرت إليــه بلهْـــفـة وبــدا لهــــا****كالغيث في الصحراء للظمآنِ
نظرت إليـه تشـوُّقًا ودموعــهـــا****تجري، يُخضِّبُها دمُ  الحرمانِ
يا سيّـــدي، إنّ القيـــود ثقـــيـــــلةٌ****مفتــاحهـــا في قبضـــة السَّجّـــانِ
يا سيدي،والسجن أُوصِدَ بابُه****من فوقنـا بيد الزّنــــيـــــم الـــــزاني
يا سيدي، إنّا إلـــــيــــكَ بحـــاجةٍ****قُصـوى فمَنْ للمبْتلى والعـــــاني
وافيتنا والأرض ظمأى للهدى****ظمأ الوليد لدفءِ صدرٍ حانِ
فأتيتَها، يُمنـــاك تحمل مشعلًا**** ليُضيــــــــئها بالعـــــلمِ والعـرفــــانِ
وشفيتَ بالقـرآن جــُرحـــًا غائـــرًا****بصــــدورنا من غابر الأزمـــانِ
وبه كسرت قيودنا فتحـــطمـت****وإذا بِـــــــنـــا فــــي راحــــــة وأمــــــانِ
والسّجن صار حديقةً تشدو بها****أطيارُنا، وبـــــأعْــــذب الألحانِ
أمّا الأسير فقد غـــدا متــــحـــــرّرًا****فــــــرحَـــــان منــتشيًا بلا أحــــزانِ
ماذا أقول لمن أتــــانا مُنْــــقــــذا****من آفــــة التــــمـــزيْـــق والْخـســـرانِ
ماذا أقــول لِمن أتــــــــانا هـــاديًا**** في فتنــــة هَــــوجـــــاء كالبركـــانِ
إني هممتُ بأن أقص حكايةً****عمّا جــرى في الشام أو لبْنانِ
عن خطّة قد دُبّرت لتنال من****أهل التقى في سائر الأوطانِ
عن خطّة نُسِجت خيوطُ شباكها****خلفَ البحار بمنتهى الإتقانِ
لكنّ ما بي من حيــاءٍ صــدّني****عمّا هممتُ وصرتُ كالحيران
إني لأخشى إن أتيتُ لأشتكي****غدر المجوس وعابد الأوثانِ
ووقفتُ في أدبٍ أخاطب سيدي****أشكو إليه تقاعس الخــــلان
أخشى عتابًا منه يسأل غاضبًا****عن فتنةٍ عمياء في البلدانِ
عن فــــتــنة وتصــارعٍ وتحـارب****في الشام بين الأهل والإخوانِ
رفعوا السيوف وأشهروها عاليًا****فانهـــد ما قد شيدَ من بنيـــــانِ
عـــفوًا رسول الله هـــذي حيـلتـي****أرجو بها التثقيل في ميزاني
عـــفوًا رســــــول الله إني ذاهِـــــب****لأقــول قـــولة ناصـــحٍ مُتفــــــــانِ
يا قـــومَــــــنا كفّـــوا ولا تــــــتــــــقاتلوا**** فيصيبكم غضبٌ من الدّيّانِ
يا قـــومنـــا هـــلّا تحاكمْــــــتم إلى****ما تقــــتَـــــــضيه أخـــوَّة الإيمـــــانِ
يا قــومنا لا تُدخـلوا بصراعكم****فرحًا إلى قلب العـدو الجــــاني
يا قـــومنــا لا تُحبطوا بنــزاعكم****أعْـــــمــــالكم، فَـــــــتُـــباد بالنــــــيــــرانِ
يا قـــومنا ثـــوبوا لهــدي نــــبيكم****واسعــــوا لصـــلحٍ كامل الأركان
يا قـــومنـــا لا تسمعُــــوا لمؤجــجٍ****نـــــارَ العــــداوة بيـــــــنَــــكم، فتّـــــانِ
لا يخدعــــنّـــكمُ الكلام مذهّــــــــــبًا****قد جـــاء من ذي مريةٍ خــــوّانِ
نقُوا الصـفـوف من الخبيث فإنّه****ليثير فيكم جمرة الأضغــــانِ
أقصوا الجهول عن القرار فـإنهُ****يمضي بقاربكم إلى القيـعان
أرضـــــــوا نبــــــــــيّكمُ وإخـــوانًا لـــكم****بالصــلحِ حتى تظفروا بجِنانِ
محمد جميل جانودي
الإثنين 12/ربيع الأول/1435 الموافق 13/كانون الثاني/2014
 
 
 
 

الأربعاء، 8 يناير 2014

بمقدورهم أن يوقفوا القتال..!!


بمقدورهم أن يوقفوا القتال..!!

جاء في صحيح مسلم، عن عامر بن سعد عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا".

يقول شراح الحديث: إن المسألتين اللتين أعطاهما الله، سبحانه وتعالى، لنبيه وحبيبه، هما غير مقدور عليهما من قبل المسلمين، وإنما هما فوق طاقتهم، فالسنة العامة وهي القحط والجدب والمجاعة أو انتشار وباء وغير ذلك، هذه الأمور لا يملكون لها دفعًا وإقصاءً فهي مرتبطة بسنن كونية كعدم نزول المطر أو حصول آفات عظمى تجتاح المواسم الزراعية وما شابه ذلك، وكذلك الغرق العام بسبب الطوفان أو ما شابهه... لكن الذي منعه عنهم فالخلاص منه بمَلك يمينهم، فهم يستطيعون ألا يتقاتلوا أو يتشاجروا، وذلك بمعرفة كل امرئ أو كل طائفة ما لها وما عليها، وتقف كل فئة عند حدودها... فلا يحصل اعتداء ولا اقتتال....ولو أنهم تذكروا أنهم إخوة في الله، وأنهم لا يمكن أن يكونوا أعداء لبعضهم، لما صار اقتتال، وأيضًا لو أنهم دققوا النظر فيمن يؤجج بينهم العداوة ويُؤلّب بعضهم على بعض، ويُوغر صدور بعضهم بعضًا، وأنعموا النظر في أحواله وصفاته، لوجدوا أنه عدو، يكيد لهم، ويريد أن يُضعفهم ليقضي عليهم جميعًا، فهناك أمور كثيرة يمكنهم أن يعملوها ليتجنبوا حالة الاقتتال فيما بينهم، وإن الله بعباده لغفور رحيم، ولو أنه علم منهم صدق التوجه في الأخذ بأسباب إنهاء أي خلاف أو احتراب بينهم، أنفسهم، لسهل لهم سبيل ذلك ولنجاهم من مغبة ذلك الاقتتال. وهذا الحديث يرد على تكفير طائفة لأخرى بسبب هذا الاقتتال أو ممهداته عندها، فالحديث يتحدث عن أمة الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم. فالجميع مسلمون. ولا يرد ذلك حديث آخر: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، فالمقصود هنا لا ترجعوا إلى ما كنتم عليه قبل الإسلام وقبل أن يمن عليكم الله بالهداية والإيمان، من قتل بعضكم بعضًا.

من جهة أخرى، إنه غني عن القول عدم جواز الاحتجاج بأن هذا الاقتتال هو قدر لا يمكن إيقافه أو إنهاؤه، فهذا فهم لا يستقيم، ذلك لأن الاقتتال بوجه عام هو قضاء وقدر من الله تعالى وهو مستمر في الأمة إذا بُدئ به يوما، لحديث (إذا وضع السيف في أمتي فلن يُرفع إلى يوم القيامة)، فهو كالموت المحكوم بأنه مقدر على البشر، فهل يجوز الاحتجاج به فيما إذا مرض شخص ما، بألا يلجأ إلى دفع المرض بالتداوي وغيره، بحجة أن الموت قادم لا محالة. فإذا أدركنا كل ما سبق نصل إلى ما يلي:

1-       في الأصل يحرم على المسلمين أن يرفعوا أسلحتهم في وجوه بعضهم بعضًا ويقع القتل فيهم بسبب ذلك.

2-      لو أن ذلك حصل، فإن كانوا صادقين، حقًا، في حبهم لنبيهم، وحرصهم على تحقيق ما يريد ويرغب، فعليهم أن يبادروا إلى دفع ذلك القتل، وإنهاء الاقتتال، وهم قادرون على هذا إذا كانوا صادقين في إيمانهم وإسلامهم، فرغبة الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يكون بأسهم بينهم، كما هو بيّن من سؤاله، صلى الله عليه وسلم، ربه ذلك.

3-      ومما يُسهل مهمتهم تلك عدم جواز إلصاق الكفر ببعضهم، فالحديث يبين أن ما يقع بينهم من اقتتال لا ينفي صفة الانتماء لأمة الإجابة له صلى الله عليه وسلم. وبالتالي يتذكرون أن بينهم أخوة وعهودًا تنبغي مراعاتها وعدم نقضها، فيسارعون إلى الصلح الذي يحقق رضوان الله تعالى.

4-      لا يجوز بأي حال الاحتجاج بالقدر في هذه المسألة، الأمر الذي يُفضي إلى القبول والرضى بـ (المقدر) حسب الفهم الذي لا يستقيم.

5-      على جميع المسلمين أن يتذكروا أن ما يحصل بينهم من عداوة وبغضاء هو من فعل الشيطان، وتلامذته من شياطين الإنس والجن (إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)، وعليهم أن يفوتوا الفرصة عليه في إزالة ما قام به من عدواة، وأن يُثبتوا كراهيتهم له، بأن يعودوا إخوة متحابين، يحلون ما ينشب بينهم من خلاف ونزاع بالحوار، والتحاكم إلى شرع الله.( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعي المسلمون جميعًا ذلك وأن يتوجهوا بقلوب صادقة لأن يفوتوا على الشيطان وجنوده ما يسعون لإيقاعه فيما بينهم. وأن يهدفوا إلى تحقيق رغبة نبيهم وإرضائه في هذا الشأن، وفي كل شأن.

(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).

محمد جميل جانودي

الخميس 8/ربيع الأول/1435 الموافق 9/كانون الثاني/2014