الأربعاء، 8 يناير 2014

بمقدورهم أن يوقفوا القتال..!!


بمقدورهم أن يوقفوا القتال..!!

جاء في صحيح مسلم، عن عامر بن سعد عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا".

يقول شراح الحديث: إن المسألتين اللتين أعطاهما الله، سبحانه وتعالى، لنبيه وحبيبه، هما غير مقدور عليهما من قبل المسلمين، وإنما هما فوق طاقتهم، فالسنة العامة وهي القحط والجدب والمجاعة أو انتشار وباء وغير ذلك، هذه الأمور لا يملكون لها دفعًا وإقصاءً فهي مرتبطة بسنن كونية كعدم نزول المطر أو حصول آفات عظمى تجتاح المواسم الزراعية وما شابه ذلك، وكذلك الغرق العام بسبب الطوفان أو ما شابهه... لكن الذي منعه عنهم فالخلاص منه بمَلك يمينهم، فهم يستطيعون ألا يتقاتلوا أو يتشاجروا، وذلك بمعرفة كل امرئ أو كل طائفة ما لها وما عليها، وتقف كل فئة عند حدودها... فلا يحصل اعتداء ولا اقتتال....ولو أنهم تذكروا أنهم إخوة في الله، وأنهم لا يمكن أن يكونوا أعداء لبعضهم، لما صار اقتتال، وأيضًا لو أنهم دققوا النظر فيمن يؤجج بينهم العداوة ويُؤلّب بعضهم على بعض، ويُوغر صدور بعضهم بعضًا، وأنعموا النظر في أحواله وصفاته، لوجدوا أنه عدو، يكيد لهم، ويريد أن يُضعفهم ليقضي عليهم جميعًا، فهناك أمور كثيرة يمكنهم أن يعملوها ليتجنبوا حالة الاقتتال فيما بينهم، وإن الله بعباده لغفور رحيم، ولو أنه علم منهم صدق التوجه في الأخذ بأسباب إنهاء أي خلاف أو احتراب بينهم، أنفسهم، لسهل لهم سبيل ذلك ولنجاهم من مغبة ذلك الاقتتال. وهذا الحديث يرد على تكفير طائفة لأخرى بسبب هذا الاقتتال أو ممهداته عندها، فالحديث يتحدث عن أمة الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم. فالجميع مسلمون. ولا يرد ذلك حديث آخر: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، فالمقصود هنا لا ترجعوا إلى ما كنتم عليه قبل الإسلام وقبل أن يمن عليكم الله بالهداية والإيمان، من قتل بعضكم بعضًا.

من جهة أخرى، إنه غني عن القول عدم جواز الاحتجاج بأن هذا الاقتتال هو قدر لا يمكن إيقافه أو إنهاؤه، فهذا فهم لا يستقيم، ذلك لأن الاقتتال بوجه عام هو قضاء وقدر من الله تعالى وهو مستمر في الأمة إذا بُدئ به يوما، لحديث (إذا وضع السيف في أمتي فلن يُرفع إلى يوم القيامة)، فهو كالموت المحكوم بأنه مقدر على البشر، فهل يجوز الاحتجاج به فيما إذا مرض شخص ما، بألا يلجأ إلى دفع المرض بالتداوي وغيره، بحجة أن الموت قادم لا محالة. فإذا أدركنا كل ما سبق نصل إلى ما يلي:

1-       في الأصل يحرم على المسلمين أن يرفعوا أسلحتهم في وجوه بعضهم بعضًا ويقع القتل فيهم بسبب ذلك.

2-      لو أن ذلك حصل، فإن كانوا صادقين، حقًا، في حبهم لنبيهم، وحرصهم على تحقيق ما يريد ويرغب، فعليهم أن يبادروا إلى دفع ذلك القتل، وإنهاء الاقتتال، وهم قادرون على هذا إذا كانوا صادقين في إيمانهم وإسلامهم، فرغبة الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يكون بأسهم بينهم، كما هو بيّن من سؤاله، صلى الله عليه وسلم، ربه ذلك.

3-      ومما يُسهل مهمتهم تلك عدم جواز إلصاق الكفر ببعضهم، فالحديث يبين أن ما يقع بينهم من اقتتال لا ينفي صفة الانتماء لأمة الإجابة له صلى الله عليه وسلم. وبالتالي يتذكرون أن بينهم أخوة وعهودًا تنبغي مراعاتها وعدم نقضها، فيسارعون إلى الصلح الذي يحقق رضوان الله تعالى.

4-      لا يجوز بأي حال الاحتجاج بالقدر في هذه المسألة، الأمر الذي يُفضي إلى القبول والرضى بـ (المقدر) حسب الفهم الذي لا يستقيم.

5-      على جميع المسلمين أن يتذكروا أن ما يحصل بينهم من عداوة وبغضاء هو من فعل الشيطان، وتلامذته من شياطين الإنس والجن (إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)، وعليهم أن يفوتوا الفرصة عليه في إزالة ما قام به من عدواة، وأن يُثبتوا كراهيتهم له، بأن يعودوا إخوة متحابين، يحلون ما ينشب بينهم من خلاف ونزاع بالحوار، والتحاكم إلى شرع الله.( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعي المسلمون جميعًا ذلك وأن يتوجهوا بقلوب صادقة لأن يفوتوا على الشيطان وجنوده ما يسعون لإيقاعه فيما بينهم. وأن يهدفوا إلى تحقيق رغبة نبيهم وإرضائه في هذا الشأن، وفي كل شأن.

(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).

محمد جميل جانودي

الخميس 8/ربيع الأول/1435 الموافق 9/كانون الثاني/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق