السبت، 31 مارس 2012

أيتها المعارضة... أيها المؤيدون...


بسم الله الرحمن الرحيم
أيتها المعارضة...أيها المؤيدون،
أما آن لكم أن تأخذوا الكتاب بقوة؟
كثيرون أولئك الذين يريدون للثورة السورية أن تنتصر، وتحقق أهدافها في الحرية والعدل والكرامة لجميع الذين يعيشون على تراب سوريا أيا كان انتماؤهم..
وكثيرون من هؤلاء من يُفعم الأملُ نفوسهم بأن هذه الثورة منتصرة لا محالة، ويدفعه إلى هذا ذلك الانبهار الكبير الذي تحس به نفوسهم وهم يرون تلك البطولات والتضحيات التي لا يمكن أن تصدق لولا أن دماءً بالفعل تسيل، وشهداء بالفعل يُدفنون، وبُيوتًا تقصف وتهدم، وأعراضًا تُنتهك... ثم يتساءلون في قرارة نفوسهم أيُعقل أن يترك الله ذلك يذهب سدًى...
وكثيرون آخرون يُريدون أن يكونوا أكثر واقعية،  وتدفعهم واقعيتهم تلك إلى تخوف وقلق على الثورة، وهم يجدون المجتمع الدولي حولهم؛ قد تخلّى عن تطبيق أبجديات مبادئه الإنسانية على الحالة السورية، فيوقف بكل حزم آلة القتل، ويفند بحجة دامغة تلك الافتراءات التي يدبجها بحذق ومهارة أعداء الثورة مستفيدين من الثغرات التي توجد في محاولات أولئك الأعداء وهي كثيرة  ... فترى هذا الصنف من الناس قد ضعف حراكه، وقل حماسه، تحت ضغوط تلك النظرة المتشبثة بالواقعية وهي أبعد ما تكون عن الواقعية..
وبين هؤلاء وأولئك، فئة ثالثة، عددها كثير،  أخذت بأحسن ما عند الفريقين، فكانت متفائلة ومراعية للواقعية في آن واحد، وكانت تنظر إلى تلك الدماء على أنها وقود فعال؛ وبه تبقى الثورة مندفعة اندفاعًا ذاتيًا، لا يُسهم في تقوية هذا الاندفاع تفاؤل خلبي، ولا واقعية مثبطة...
وإن حالة الثورة على الأرض تحدد مدى طغيان أحد الفريقين؛ الأول أو الثاني على الآخر... ويزيد من هذا الأثر حيوية أهل النصرة للثورة من شعوب ودول... فإن أخذوا الأمر بعزم وقوة وجدية؛ معتبرين أن القضية قضيتهم؛ لأنها خط الدفاع الأخير الذي إذا انهار فإن سيل الشعوبية والطائفية والمذهبية الضيقة سوف يجرف كل ما يُصادفه أمامه من إيجابيات، أو قيم، هي في الأصل من السمات البارزة والمميزة لشعب سوريا أولاً وللشعوب الأخرى ثانيًا تلك الشعوب التي تتطلع إلى يوم ترى فيه الثورة وقد علت رايتها خفاقة في سماء المنطقة كلها وليس في سوريا فقط...
أجل، إن حيوية أهل النصرة من شعوب ودول، يجب ألا تقل عن حيوية الأطراف الأخرى المؤيدة للنظام... عليهم أن يضعوا نصب أعينهم قول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد: إننا سعداء بالطريقة التي تعاملت بها الحكومة السورية مع الأزمة وإننا سنبقى ندعمها حتى النهاية!!! وكذلك يجب أن يضعوا نصب أعينهم كلمة الحليف الرئيسي للنظام، روسيا، على لسان وزير خارجيتها : إننا نبدي تخوفنا من أن يؤدي دعم الانتفاضة في سوريا إلى قيام دولة سنية!!!
وبعد أن يضعوا ذلك نصب أعينهم، ويُمعنوا النظر في القولين وغيرهما مما يُصرح به هذا المؤيد للنظام من هنا أو غيره من هناك.. أقول: بعد أن يفعلوا ذلك فليتوجهوا إلى أنفسهم بالأسئلة الآتية:
1-       هل نحن راضون عن الطريقة التي تتعامل بها الثورة مع النظام؟
2-       هل نحن بالفعل مستعدون لأن نبقى ندعم الثوار بما هم عليه من حراك حتى النهاية؟
3-       هل نحن أبدينا – ولو من باب المعاملة بالمثل – تخوفنا من وجود دولة قائمة بالفعل تعلن عن نفسها بأنها تلتزم بمذهب معين يتناغم مع النظام السوري ويؤيده؟
وأسئلة أخرى مماثلة تقابل تلك التي يجدون نظائرها في الصف الآخر....
في الحقيقة حين يصل مستوى التفاعل من قبل أنصار الثورة السورية (شعوبًا وحكومات) إلى هذا المستوى فإننا بالتأكيد نجد كثيري الفريق الأول أصبحوا أكثرية مطلقة، وأن الثورة واقعيًا قد أوشكت على تحقيق النصر المؤزر على خصومها.. وأن المسألة أصبحت مسألة وقت قصير لترتيب مراحل لا بد منها للوصول إلى النصر...
ولرب سائل يسأل: ما لكم أغفلتم دور الشعب السوري نفسه الثائر في هذا الشأن؟ والجواب أوضح من وضوح الشمس في سماء يوم صائف لا غيوم فيها..
 إن الشعب السوري الثائر قد أدّى ما عليه وزيادة، ودفع مقدما ثمن النصر الذي ينشده، من دمه الغالي، وماله الحلال، وعرضه المنتهك، وأسره المشردة، كل ذلك كان لقاء ثباته وإصراره على نيل هدفه مهما كان الثمن باهظًا ومهما كانت التضحيات جسيمة فلا يملك أي إنسان أن يربط أي نتيجة غير مرغوبة للثورة بهذا الشعب العظيم...
أما ((المعارضة)) فلها شأن آخر مع الموضوع ذاته، وبالرغم من أن مكوناتها كلها من مكونات هذا الشعب .. فإن أمورًا كثيرة، عندها، جعلتها تضعها تحت المسؤولية والمساءلة... ولتجلية الأمر فلنذهب إلى الأجنحة التي تؤيد النظام ولننظر في هذه الأسئلة:
1-       هل هي مختلفة في الوسيلة أو الطريقة التي تقدم بها دعمها للنظام ؟
2-       وهل أحدها طالب بمكسبٍ خاصٍ له؛ لا يتماشى مع رغبات الآخرين وأصر على تلبية هذا المطلب وإلا سيتخلّى عن تأييد النظام، والانسحاب من محور التأييد...؟!
3-       وهل اعترض أحدها على تصرفات ذات طابع فردي أو عقدي قام بها أحد الأجنحة وراح يثير البلبلة بين صفوفها فاضحًا وعائبًا وناقدًا بطريقة تشمئز منها الفطرة الإنسانية السليمة؟!!!
إن الذي قلناه عن أهل النصرة من مؤيدي الثورة حول إجابتها على أسئلة محددة ذكرت آنفًا؛  نؤكد عليه بالنسبة للمعارضة. إذ عليهم أن يتوجهوا بأسئلة تُشتق من نظائرها لدى أطراف محور تأييد النظام؛ مثل:
1-  هل نحن مختلفون في الطريقة أو الوسيلة التي ندعم بها الثورة؟ هل كلنا متفقون على تسليح الجيش الحر؟ هل كلنا متفقون على مفهوم "سقوط النظام" وهكذا....
2- هل يوجد فريق منا طالب بمطلب خاص له يميزه عن غيره؟ وهل اتفق الجميع على تلبية طلبه؟ وماذا كانت ردة فعله مقابل ذلك؟
3- هل قام مؤيد منا يعيب على آخر فعله أو طريقة تأييده للثورة؟ وهل كان نقده بنّاء أم إن لغة السباب والشتم والتخوين كانت هي السائدة فيما بيننا؟
 ولينظروا أين هم مما ينبغي أن يكونوا عليه بعد الإجابة الموضوعية والدقيقة عن تلك الأسئلة...
أما أنتِ أيتها الثورة المباركة، وأنت أيها الشعب السوري الثائر العظيم... فإن المتفحص لواقع مدّعي نصرتك (شعوبًا كانوا أم دولاً أم معارضة) ولاسيما بعد معرفة أجوبة تلك الأسئلة السابقة؛  ليجد نفسه مندهشًا وحائرًا  أمام سؤال كبير وعظيم بعظم هذا الشعب...
كيف استمرت الثورة بزخمها وقوتها وانتشارها على مدى أكثر من عام وحال مؤيديها والمعارضة التي تنتسب إليها لا يخفى على أحد من حيث الضعف والتفرق واختلاف الكلمة؟
لكن سرعان ما تزول دهشته، وتتلاشى حيرته، حين يفطن إلى القوة الذاتية لدى الشعب الثائر... هذه القوة هي التي جعلت المؤيدين للثورة والمعارضة المحسوبة عليها - بعد مرور أكثر من عام على قيامها – أن ينتبهوا إلى ضرورةِ أن يأخذوا الأمر بقوة، وبجدية، وللحق فقد بادروا لفعل ذلك، ويستفيدوا من إجاباتهم عن الأسئلة السابقة ولاسيما وهم على أعتاب انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في إصطنبول
إن المقدمات التي سبقت عقد هذا المؤتمر لتبشر بخير، ولكن ليس بالقدر الكافي؛ فعلى الجميع أن يعوا ذلك؛ وأن يكونوا على مستوى المسؤولية، ومستوى احترام وتقدير الدماء التي سالت سخية من أحرار هذا الشعب العظيم... وإن حكم الشارع فيهم لا يظلم ولا يكذب... والثورة ماضية أيا كانت المواقف.. فالشعب قال كلمته ولن يتراجع ، وسينتصر بإذن الله...وبالتالي فإن عين المحب لترجو من المؤتمرين أن يرتفعوا إلى مستوى ما عليهم من مسؤولية، وأن يُروا أحباءهم من أنفسهم خيرًا قبل فوات الأوان، وإن غدًا ليوم مشهود بأهميته، وشاهد على من يحضره، وفي إنجاحه فليتنافس المتنافسون.
محمد جميل جانودي- السبت 8/5/1433 الموافق لـ 31/3/2012  

الخميس، 22 مارس 2012

عيد الأم السورية

"عيد الأم السورية"
شعر/ محمد جميل جانودي
في بلادي عيــــــــــدُ أمي واجـــــمُ         ليس فيها ضــاحكٌ أو باســمُ
في بلادي أمهَـــــــــــاتٌ تَشتـــــهي        قولَ "أمي" فبنُـــوها اُعْـــدِمـُــــوا
في بِــــــلادي أمَّهــاتٌ لَــــــم تَــــــجد       مَن يُناديـــــــها ومَن يَسْترحـِـــــمُ
إنّ عــيــــدَ الأمّ فــيـــــــــنــــا يَشتكـــي       بــاكـــــــــيًا؛ يا قـــومُ إنـــي مَـــاتــَمُ
يا إلــهي مَن سِـــواكَ الْيَــومَ لـــي       ما لِطِفـــلٍ في رحــابي مَغْـنـَــمُ
يا نِســاء الأرض هيّا قُـــلنَ لـــي        هــل تَرينَ الطّفلَ منّي يُحْرَمُ؟
هل ترَيْــنَ الأمَّ يُـــــــرْمــى طفْـلُهَـــا        في لظًى منْها يَفرُّ الضَّيغَمُ؟
 يا نِســاءَ الأرضِ مهْـــــلاً إنـــــَّه        كلّ أمٍّ فـــــــي شــآمِـــــي تـــــــأْلَــــمُ
عيْــدُكنّ اليومَ يَـــــــــحْـــلو إنّمــــــــا        عـيْـــــــدُنــا مُــرٌ وفـــــــــيـــهِ الْعـــلْقمُ
عيدُكـنّ اليومَ يــزهُـــــــــو مُشْـــرقًا         في بـلادِ الشــامِ عـيـــــدٌ مُظْــلِمُ
يا نِساءَ الْعُربِ هل مِن صرخةٍ        تبْعَثُ المَوتى ويَصْحو النُّومُ
صرخــةٍ في وجــهِ عاتٍ غــاشمٍ        لا يُــراعي حُــرمـةً، لا يـَـفــهـــمُ
لا يُبالي كيف يَـــــــــرمي سـهمَــــهُ        مُسْـرفــًا في رمْــيِـــه، لا يَسْـــأَمُ
كلُّ أمّ فـــــــــي بـــلادي جـــاءهَـــــــــا       سهمُ غــــدّارٍ عـلَيْـــها يَــــنْـــــقُـــــــمُ
غاظـه منـــــــــها بنُــوهـا أنّــــــــــهــــمْ         لَم يَـــهــابوا بأْسَـــه، لم يُهْـــزموا
لم يَهــابوا منْ صـواريخِ الْعِـــــــدا       بل أعَـــــادوها إليْهِـــــــــــم تــــــرجـمُ
كيف تبْــــدو بسمةٌ من مُرضعٍ        لم تُـقَــــبّـلْ طفـْــــــلَها أو تَــــلْـــثُـــــمُ
أبعَـــدوه عُــــــــــــــنــوةً عن صـــدرها       ثـــمّ أخْــــفَـوه وقـــــالُــــوا: مُـــجـــرمُ
أيُّ عيــــــد يُستَــــــطابُ اليومَ في        شــامِنا والأمّ فِـــــيْـــــــهــــا تُكْـــلَـمُ؟
أي عــــــيـــدٍ فيه نحيَــــــــا ســــــعْــدَه        ونـرى فيه الأمـومةَ تُـــعْــــــــدَمُ؟
أينَ مَن يُعطي الأُمــومةَ حقَّها         أيْــــنَ مَن للأمِّ فـــــيــنا يُــــكْـــرمُ؟
الأربعـاء في 28/ربيع الآخر/ 1433 الموافق لـ 21/آذار/2012

الخميس، 15 مارس 2012

في ذكراها السنوية الأولى: الثورة السورية تتحدث إلى أبنائها...


في ذكراها السنوية الأولى: الثورة السورية تتحدث إلى أبنائها...
أبنائي الأعزاء... لا أريد أن أزيد من آلامكم في شرح ما عانيت منه، وأنا في مرحلة المخاض، داخل رحم صممت له جُدر من القهر والذل والألم ومحاولات للإجهاض... أربعون سنة؛ بل أكثر، وأنا أحاول أن أخرج إليكم، لأحمل أغلى هدية يمكن أن يقدمها حبيب لمحبوبيه...أقول "أغلى هدية" لأن شوقكم إليها أشد من شوق صاد ظمآن؛ لماء عذب في صحراء مقفرة، ليس فيها شجرة ولا ذو وبرة، شمسها تكاد تحرق كل شيء، فلا يبقى له ظل ولا فيء...... كانت هديتي لكم هي ((الحرية))...حفظتها بين ضلوعي، وتنطق بها خفقات قلبي.. أنا أعلم أنكم لم تعرفوا لها طعمًا من قبل... وإنما كان شوقكم لها ناجمًا مما تسمعونه عنها... عن سحرها في تحويل العبيد إلى سادة... وفي تحويل الناس من موقع التبعية إلى موقع الريادة والقيادة، بها يغدو الذليل عزيزا، واليائس متفائلاً، والمهان كريما، وبها يغدو الأصم الأبكم الأعمى فصيحًا وبليغًا؛ ومبصرًا وعليما.....وحين عزمت على الخروج بأي ثمن؛ حملتها على عاتقي، وطرت بها في سماء الوطن الحبيب فتجاذبتها نفوسكم وهي تكاد تطير من الفرح وهي بالمتاعب لا تبالي..فأحسستم بها روحًا يسري في عروقكم، وأيقنتم أنها أغلى الغوالي...
أبنائي الأعزاء قصة ميلادي طويلة ... فأول ما كنت أحتاجه هو هدم جدار أقامه أعداء الحرية، ليحول بيني وبين إيصال الهدية إليكم... جدار قوامه الرعب، ولبناته  رؤوس وأشلاء ، وملاطه طين شامي مجبول بدموع ودماء...أما طلاؤه فقد كان ذهبيًا نقشت عليه عبارة كانت بيت القصيد في إرجاء ولادتي، وتأخير وصول هديتي... كتبت عليه عبارة (( جدار المقاومة والممانعة)).. أجل إنه جدار ظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب... جدار ظاهره أمن وأمان، وعز وسلام، وباطنه خوف ورعب، وذل وقهر وحرمان... كنتُ كلما اقتربت من هذا الجدار لأزيحه من طريقي أفاجأ بأياد تصدني، وألسنة تحذرني، وإلى الوراء تدفعني، ومما كان يحز في نفسي أن كثيرًا من تلك الأيادي، والألسنة، كانت لأصدقاء أعزاء على نفسي، خُدعوا بما نقش على الطلاء... وضلت عيونهم عما في ذلك الجدار من شر وبلاء..ومضى على هذه الحال أكثر من أربعين سنة؛ كان فيها رحم سوريا، ينقبض وينبسط، ويرتفع وينخفض... يتأهب ليعلن بدء المخاض لولادتي أنا محدثتكم "الثورة السورية" ...حتى بلغ التعب أقصاه، واليأس من الولادة مداه... ودخل في روع الجميع أن سوريا  عقيمة، وأنه لا يمكن أن تولد فيها ثورة عظيمة... ولكن رحمة الله التي وسعت كل شيء مما بطن أو ظهر؛ تداركتني فجئتكم على قدَر... جئتكم في أول إطلالة للربيع أحمل زهرة الحرية لتستنشقوا عبيرها، وتصفو نفوسكم بأريجها... أما بقية القصة فأنتم تعلمونها شهرًا بشهر، ويومًا بيوم، وساعة بساعة، ودقيقة بدقيقة... وتعلمون كم قدم شعبكم العظيم من دماء وأشلاء، جادت بها رجال ونساء، وشيوخ أتقياء، وأطفال أبرياء.. وتعلمون مدى الجنون الذي تلبس به عدو الحرية اللدود، بما ينطوي عليه من قلب حجري حقود... فخرب ودمر، وبما لديه من قنابل ألقى وفجر، ومن صواريخ للمدن والقرى رمى وأمطر، وأنتم صامدون صابرون، لا يزيدكم ذلك إلا مضاءً وعزيمة، وشوقًا عارمًا إلى حياة حرة كريمة... وخرجوا في كل مدينة وبلدة وقرية، بي يحتفون، ولنصرتي يتسابقون،، يريدونني أن أزداد نموًا وقوة، ولو كان ذلك بإزهاق أرواحهم، وإهراق ودمائهم... وتحقق ما أرادوا، فأحسست أن عودي يشتد يومًا بعد يوم صلابة، وأن ظلالي أوشكت أن تغطي سهول وطني الغالي وجباله ووديانه وهضابه.....وها أنذا أقف اليوم أمامكم بعد أن صار عمري عامًا كاملاً... يتجاذبني نقيضان.. فرح عارم على ما صرت إليه من شدة وبأس، وعلى أن هديتي قد سمت بها كل روح وعلا بها منكم كل رأس... وبين حزن كبير كاد أن يُذهب نشوة ذلك الفرح...وهو ما تجلى مع مرور الأيام واتّضح... هذا الحزن ليس على ما دفعتم من شهداء، ولا على ما جادت به أرض سوريا من فلذات أكبادها الأصفياء... لا.. ليس حزني على هؤلاء... فهم مضوا إلى ربهم شهداء... أحياء مرزوقون.. وبنعيم الله يسرحون ويمرحون... لكنني حزينة على ما أراه كل يوم ، من دعاة لشق صفوفكم، وإذهاب ريحكم، وإفساد ذات بينكم... وفيكم سماعون لهم، يغترون ببريق شعارات يرفعونها، ومعسول عبارات يطلقونها... ينتقدون في كل وقت وحين، ويستخفون بأعمال العاملين، لا تكادون تجمعون على أمر إلا وينفضّون عنه بمساعيهم اللاحميدة، وبكل مكر ومكيدة... يتصيدون أي خطيئة أو هفوة...يفعلون ذلك مخدوعين بما يخطط العدو لهم من حيث لا يشعرون، وبما يوحيه إليهم عن طريق شياطينه من الإنس يأتمرون... وها أنا اليوم أخاطبهم فأقول: لا تفعلوا ما عجز العدو عن فعله... فكم حاول أن يجهضني، ويجهز علي ويحبطني، واستنفر وجمع وأعد، فاستعصيت عليه وكنت أخرج كل مرة أقوى وأشد... وكم حاول أن يحرفني عن هدفي وغايتي، فما وجد مني إلا إصرارًا عليهما بكل طاقتي وقوتي... أما أنتم؛ فإن لم تَصحُوا من غفلتكم، وتُنهوا فرقتكم وتشتتكم، فستكونون قاصمين لظهري، عاملين على خذلاني ووَتري......
 يا أبنائي، أنتم بشر، تخطئون وتصيبون، تنجحون وتخفقون، أفكلما ند من أحدكم خطأ قام بعضكم عليه بالعصا والسيف، وقذفه بالظلم والجور والحيف... فهلا صبروا عليه صبر الأخ على أخيه، وترفقوا به به ترفق الطبيب بالمريض الذي بين يديه... أقول لهم: كونوا عقلاء راشدين، ولا تكونوا حمقى مغفلين، ولا تقَدّموا لعدوكم هدية مجانية، فتندموا ندامة أبدية... واعلموا بأن هناك فَرقًا بين كلمة ناصحة، وتهمة فاضحة.. فالأولى تبني وتعمر، والثانية تهدم وتدمر... فعضوا على الأولى بالنواجذ، وسدوا أمام الثانية جميع الأبواب والنوافذ... واعلموا أن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار... وإياكم أن تجعلوا من حراككم حقول تجارب، تفسحون لها المجال لكل طالب وراغب، تضيعون بها أعماركم، وتبعثرون طاقاتكم، وتُفرحون عدوكم... بل اصبروا على ما وُفِّقتم إليه، ونمُّوا محاسنه، وأبعدوا مساوئه، وصونوا جيده، وانفوا رديئه وخبيثه...  
يا أبنائي إن ثماري متنوعة، وعلى أغصاني العديدة موزعة، ولكل منها وقت معلوم... فإذا حان قطاف بعضها أدنيته منكم فسارعوا إلى قطفه بهمة وإتقان، ولا تتأخروا عنه بعد فوات الأوان، وإياكم أن تتعجلوا في قطف ما لم يحن موعده، فترجعوا بالخيبة والخذلان، وحذار أن يتسلل بينكم من ليس منكم فيقطف ما أعددت لكم، ويسرق حقكم ورزقكم...
يا أبنائي أوصيكم بنفسي فلا تضيعوها بنزاع يشب بينكم، وأوصيكم بأنفسكم فلا تظلموها بتناحركم وتباغضكم... ابدؤوا العام الثاني من عمري وأنتم بارون بي، اعرفوا حبائل عدوكم ومصائده، وفوتوا عليه من أن يحصل عن طريقكم أي فائدة... اقتربوا من بعضكم بالحب والنصح والقول الحسن، واطردوا الشيطان من بينكم بعصيانه والبعد عما جمّل وزيّن...
يا أبنائي أطيعوا فيكم كل رجل حليم رشيد، ذي قول مفيد، ورأي سديد ، فهم قوم حنكتهم التجارب، وصقلتهم المحن، ولا يغتر أحد منكم بما أوتي من علم وعمل فيُقْصي، بغروره، عنه الحبيب، وعندئذٍ يدعو فلا يجد من ملبٍّ أو مجيب... واعلموا أنكم إذا أعددتم ما تستطيعون؛ كفاكم الله ما عنه تعجزون ولا تطيقون... وعلقوا أملكم بالله الذي بعثني إليكم في وقت لم يكن مجئيى عندكم بالحسبان... واعلموا أني على موعد معكم فيما ذكَّرتكم به فأروني منكم ما يسرني في كل زمان ومكان...
محمد جميل جانودي
الخميس 22 ربيع الآخر/1433 الموافق لـ 15/آذار/2012

الثلاثاء، 13 مارس 2012

قالها هادي مدوية بملء فيه...


قالها هادي مدويّـةً بملء فيه....
لن نترك حمص يا بشار*..... حمص لنا وليست لكم...هي عاصمة الثورة وستبقى ...قال ذلك هادي العبد الله وهو يتحدث بحرقة قلب، ويقظة ضمير.. تحدث بلسان الثوار جميعًا (وأهل حمص كلهم ثوار).. تدل على ذلك نبرات صوته، وأنفاسُه المتسارعة حزنًا على أهله وأحبابه الذين قتلتهم عصابة الخيانة والغدر... كانت نبراته وأنفاسه تبعثان برسالة صادقة إلى كل من يسمعها... ولكن هذه الرسالة تقع في آذان المتلقين بصور متباينة...
تقع في آذان أهل حمص  كلهم... شيوخهم، ونسائهم، وأطفالهم، وشبابهم، وشاباتهم... حاملة لهم العهد؛ على أننا لن نترككم وحدكم يا أهلنا، فأنتم منا ونحن منكم... الدم الدم.... فلن تموتوا قبْلنا... ولن تموت حمصُ؛ لأن فيها سيف الله وشهداء أجلاء من الصحابة... وشهداء أتوا من بعدهم... فحمص مدينة معطاء... تجود بكل شيء يرفع الإنسان ويكرمه.. حمص لن تموت لأن فيها هؤلاء النخبة الأخيار... والشهداء لا يموتون.. إنهم أحياء عند ربهم يرزقون... لن تموت حمص لأنه مازال في عنقها أمانةٌ يجب أن تؤديها، ورسالةٌ يجب أن تبلغها.. وعلى عاتقها مسؤوليةٌ يجب أن تقوم بواجبها... أما الأمانة فهي إنجاز ما عاهدت عليه أخواتها من مدن سوريا على قطع دابر الظلم والفساد من الأرض المباركة... من بلاد الشام الطاهرة... وتطيح بسدنته، وأربابه... وأما الرسالة فهي إلى جميع المقهورين والمظلومين في العالم... أن انظروا إليَّ يا أيها المستضعفون، فقد خرجت، بصبري وجهادي، وإصراري، وتضحيتي، منتصرة على الطغاة... انظروا إليهم؛ كيف يتخبطون، وبأيديهم ينتحرون... وسترونهم غدًا تحت أقدام الأحرار...فحذار من أن تتأخروا عن رفع أصواتكم عاليًا، فأنتم على الحق وظالموكم على باطل... ولن ينتصر باطل على حق... وأما المسؤولية فهي البناء... أجل البناء... ستضع أياديها بأيادي أخواتها دمشق، وحلب، وحماة، ودرعا، واللاذقية، وإدلب، والحسكة، والرقة، ودير الزور، وأيادي كل قرية وقريّة، لتبني سوريا الحرية والكرامة... سوريا الأمل والغد المشرق... سوريا العزة والإباء... سوريا العدل والإخاء والمحبة... سوريا القدوة والمثل الصالح... فكيف يموت من تنتظره هذه المهام لعظام...؟
وتقع صرخة هادي في آذان السوريين عامة لتقول لهم، لا يا إخوتي... لا تحزنوا فنحن بخير... واطمئنوا؛ فلن تخلو حمص من أبطالها... إن ماتوا ففي ثراها الطاهر يُدفنون، وإن عاشوا فمن هوائها الصافي للحرية يتنسمون ، وعلى روابيها وذراها لرايات العدل والكرامة يرفعون.... وهم في حصن حصين، يحميهم ويحميها ... لحمة هذا الحصن وسداته ذلك العشق القديم بين الأرض الطيبة والإنسان الوفي... فليست هي بمنفكة عنه، ولا هو منفك عنها... وهكذا حال حمص مع أهلها.. تبقى معهم إلى  يوم العرض على الله ليبارك سبحانه وتعالى لهم ذلك الحب الصادق..والرباط المتين..
وتقع صرخة هادي في آذان أهل النصرة والنخوة في العالم... لتقول لهم: بارك الله فيكم.. فقد تبوأتم مكانة عالية بمواقفكم النبيلة، ونصرتكم الجليّة... حتى ولو بالكلمة الصادقة، والنظرة الحانية..  لا كما يفعل الأدعياء؛ الذين قلوبهم قلوب ذئاب وجلودهم جلود حملان!!!
 وتقع صرخةُ هادي في آذان المتفرجين في العالم كله... تقع في آذانهم لتقول لهم... أنتم تتفرجون على مصائركم السوداء...التي تحفرون هوَّتها السحيقة بفؤوسكم المريبة... لن تضرونا بشيء.. وإنما تضرون ذواتكم... فأنتم تسلخون عن نفوسكم وسام التكريم الإلهي لبني آدم، هذا التكريم الذي يتجلى بسمو النفس حتى يصل بها هذا السمو إلى أن تستنكر الظلم، وتشجبه، وتأخذ على أيدي فاعليه، وتنصر المظلوم، وتقف إلى جانبه، وتُعيد الحق إليه...التكريم الذي يتجلى بأن تصرخ في وجه القاتل صرخة ترتعد منها فرائصه، وتجفف الدماء في عروقه، وتقول له: قف.. أيها القاتل...شلّت يداك... التكريم الذي يجعل الإنسان يميز بين القاتل السفاح وبين المدافع عن نفسه وعن عرضه وماله وكرامته.. فلا يخلط الأوراق بخبث.. مُسْتغفلاً الآخرين.....
وتقع صرخة هادي في آذان الطاغية وأعوانه...تقع في آذانهم وتخترقها لتصل إلى قلوبهم الغلف... لتقول لهم: لا تفرحوا .. فلن نخرج من حمص...لسببين: أولهما؛ لأن ما يربطنا بحمص أقوى من صواريخكم، وأرسخ من دباباتكم، وأمتن من قيودكم، فلن تستطيعوا قطعه لأنه روح، وأنى للحديد والطين أن ينال من الروح... وأما ثاني السببين فلأن حمص تكرهكم... هي نظيفة وتكره القذارة... وهي أمينة وتكره الخيانة... وهي كريمة وتكره المذلة والهوان... وهي بريئة نقية طاهرة وتكره الإجرام والتلوث والخبَث...افعلوا ما شئتم من جرائم.. أثخنوا في القتل... اهتكوا العرض.. انهبوا واسرقوا، اكذبوا ولفقوا...كل هذا لن يثنينا عن حبنا لحمص وحب حمص لنا...ستذهبون غير مأسوف عليكم كما ذهب غيركم... وتبقى حمص شامخة بالرغم من جراحها... وسينطبق عليكم قول الحق تبارك وتعالى: ((فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا مُنْظرين)).
محمد جميل جانودي
الثلاثاء 20/ربيع الآخر/1433 الموافق لـ 13/آذار/2012   
*جاء ذلك بحديثه لقناة الجزيرة يوم الثلاثاء 13/آذار/2012  

ذكراكِ يا جسر الشغور أليمة...

ذكْــراكِ يا جسْـر الشغور أليمةْ
شِعر/محمد جميل جانودي
حبيبتي جسر الشغور... مرت ثنتان وثلاثون سنة على العدوان الوحشي الذي استهدفك وأنت آمنة وادعة على ضفاف نهر العاصي... شأنك شأن أخواتك الأخريات من مدن سوريا العزيزة... وهو العدد نفسه من السنوات التي أُبْعدْتها  عنك يا غاليتي... ومِنْ رحِمِ هذه السنوات العجاف ولدتْ هذه القصيدة التي أهديها لك شعبًا وأرضًا وسماءً...
ذكراكِ يا جسرَ الشغور أليْــــــــمةْ       في كل نَــــفْــــــــــــــس حُــــــرَّةٍ وعظيْـــــمـةْ
ذكْراكِ تُحْيي في النُّفوس شمائلاً      وتشُــــــــــدُّ فيْـــــــهَـــــا همَّــــــــــةً وعزيْـــــــمـــةْ
عـاداكِ وَغْـــدٌ لَـمْ يَــكنْ في عُـرفِه       لِكَـــرامَــــــــةِ الإِنْـســـانِ أيّـــــــــةُ قِــــــــيْــــــمَـةْ
فاقَـــــــتْ جــرائِمُــهُ جَــــــرائِمَ غَـــيْـــــــرِهِ       وجَــريْـــــــمــــةٌ تَـــــأتــي بِــإِثْــــــر جَــريمــــةْ
مَبْنى البريْدِ غـدًا سيشهـدُ فاضحًا       ما كانَ منْــه، جـديـْــــــدَهُ وقَــــــــديْـــــمَـــهْ
ويُــمِيْــطُ عَنْ وجْــهِ الخـؤونِ قِنــاعَهُ      لِنـَــــــراهُ قــــــد مـــــلأ البـــلادَ سُــمُــــومَــــهْ
وأحَــالَهَــا نـَــــــــارًا يُسَـــعِّـــــــــرُ جَــمرَهـــا      حِـــــــقْــــــدٌ بِــــنَــفـــسٍ مُــــــــــرّةٍ وسقــــــيْــــمـــةْ
يا جِــسْرُ، جَفني قد أقضّ منامَه       قلقي عليْــكِ، فمــا تــَــــذوَّقَ نــومَـــــــــــهْ
يا جِسْـــرُ صَــبرًا، إنّ خَــلْفَــكِ أُمّـــةٌ      مَـــرْمُـــوقةٌ بَـــــيْـــــــنَ الورى، وكريْـــــمــةْ
بَـــــكْـــريَّــةٌ، عُـمَـــــريَّـــــــــــةٌ، عَـــلَـــــويَّـــــــــةٌ      أُمَـــويَّــةٌ، فــــي دِيْــنِــــــــهــا معْصُــــومـــةْ
عــــــربيّـــةٌ، عجَــمِــــيّـــــــةٌ، أمَــــــمِـــــيَــــةً       هـــي أُمّــــةٌ، مِــــنْ ربّـــهـــا مَـرْحُـــــومـــة
إنّ المــروءةَ تقتضي منّـــا الوفـــــا        ستَـــــريْـــــنَ مِــــــنّــا نُصْــــــرَةً وشـــكيْـــمـــة
لا تحزني، إنَّ الأشاوسَ أقْسمُوا         أن يُـــبْعِــدوا عَنْــكِ الأسى وكُلُـــومَــهْ
وتنَــفَّـــسي الصُّعـَــدَاءَ هَذي ثــــورةٌ        عــــن وَجْــهِ سوريـــا تُــــزيْــلُ غُيُـــومَـــهْ
آذارُ أقــبَــلَ غيـــرَ آذارٍ مَضَــــــــى        للحَــــــــق يُــــــنْشِـــدُ بيْنــــنَـــا ترنِـــــــيـــمَـــــــــة
آذارُ أَقْــبَــــــل حــــــــامــلاً حُـــــــــريّــــــــــةً       وكَــرامةً ، بِـــــربــــــيْـــعِــهِ مَــــوْسُــــــــومَـــــــةْ
لَو كان جُــرْحُكِ غــائــــرًا فشفـــاؤه        فــي نسْــمَةٍ مِــــن قاسِيُــــــون رخــيْــمـةْ
أو كان قــلْبُكِ مُثْــقلاً بهُـــمُـــومِــــــهِ         أحـرارُ حِمْـص تُــزيْـــحُ عنهُ همومَهْ
أو كنْتِ تشكين السَّآمة فاعْلمِي        في قـــلْـعة الشّــهْباءِ حِضْـــنُ أُمُومَـةْ
وبَنُـــوكِ حِينَ تغَـــرّبُوا عن دارهــمْ        رَحِـــمًا بِمَـــــــهْجَــرِهم رأوا وعُـــمـُــــومـــةْ
يا جِـسْرُ، نَفسي قد أثار هِـيَامَها        نَسَـــماتُ فـَـــــجْـــرِكِ، رِقّـــــةً ونُعُــــومــَـةْ
يا جِسْـرُ، قلبُكِ كان محْـرابي الذي      فيــهِ اعتــكَـفْــــــــتُ لأسْـــتَـمِـــدَّ عُــلُومَــــهْ
كمْ فَارسٍ أنْجَـــبـْتِــــــه فـي غُــربتــــــي       أهْــفـــــــــو إلَــيْــــــهِ وأسْتــحِـــــثُّ قُـــدومَــــهْ
يا جِسْرُ، صبرًا،إنَّ خصْمَكِ فاجرٌ     لكِـــنَّــــهُ سيَــــــنــــــالُ شـَــــــــــــــرَّ هــــــزيْـمَــــةْ
يأوي إلى رُكْــنٍ ضعـــــيفٍ خـــائـرٍ      ولَـــــــــــــهُ قـــوائـــــمُ هشّــــةٌ مَـــهـْــــدومَــــــــــةْ
لكِـــنَّ رُكْـــنَــكِ يا أُخَـــيَّــــــةُ صـــامِــــدٌ      مِــــن ربّـــه أركـــانُــــــــــهُ مــــــدْعُـــــومَـــــــــــةْ
إنَّ الْحَـــنينَ إليكِ أصبَـــح دَيْـــدَني     لي كُـــــنْـــــــــتِ أمّــــــا بـَـــــــــــرّةً ورحيْـــمَــــة
يا لَـيْـتَ صدْرَك مفْرشي ووسادتي     أغْــفو عَــليهِ وقـــد لثَـــــــــمــتُ أَدِيْــمَـــــهْ
السبت 18/ربيع الآخر/1433 الموافق لـ 10/آذار/2012

الأحد، 11 مارس 2012

في ذكرى مجزرة جسر الشغور(1)


في ذكرى مجزرة جسر الشغور
العاشر من آذار لسنة 1980
لست أدري كيف أبدأ حديثي عنك، يا حبيبتي، يا جسر الشغور... بعد مرور اثنتين وثلاثين سنة، على ذلك العدوان الوحشي؛ وهو العدد نفسه من السنوات الذي أبعدته عنك ظُلمًا وعدوانًا...ذلك العدوان الذي تعرضتِ له يوم الاثنين، العاشر من آذار لسنة ثمانين وتسعمائة وألف... هل أتحدث عنكِ وأنت حالمة مستلقية على بساط أخضر  تَمدد على ضفتي العاصي...تتنسمين هواءه العليل، وتنشقين عطر رياحين الأزاهير المنثورة على ذلك البساط فجعلته يبدو كأنه قطعة من الجنة... هل أتحدث عن وداعة أهلك، وسماحة نفوسهم، وأصالة منبتهم... عن كرمهم الفطري، ونخوتهم العظيمة، وشهامتهم المشهودة، وشجاعتهم الباسلة، ووفائهم المرموق... هل أتحدث عن غيرتك الشديدة، وحمِيَّتك العتيدة...
سأتحدث عن كل ذلك... لأن ما حصل لك في ذلك اليوم هو خير شاهد عليه.
في ذلك اليوم كان مرجل يغلي بين جنبيك؛ وأنت تنظرين إلى أخوات لك في سوريا، تُسام سوء العذاب والقهر... انتُهكت حرماتُها، وامتُهنت كرامتُها، ونيشت حرائُرها، وذُل رجالُها... كنت تختلسين النظر إليها خوفًا من حراب الغدر، ولصوص الفجر، تنظرين إليها وقد استبسل أبطالُها غضبًا لما حلَّ بها... ولو أن ما صدر عن أولئك الأبطال كان في أي بقعة أخرى من العالم؛ لزينت صدورهم بأوسمة على تلك البطولات، ولسُطرت ذكراهم  في سجل الخالدين والخالدات... ولكن شيئًا من هذا لم يحصل؛ بل حصل نقيضه تمامًا... ذلك لأن الذين قدّر الله أن تكوني، أنت وأخواتك، في قبضتهم، لم يكونوا يمتون إلى البشرية بنسب، ولا إلى الإنسانية بحسب... وما يربطهم بهما سوى صور آدمية تنطوي على قلوب قذِرة؛ طَمَست قذارتُها كل هوية..
أجل في ذلك اليوم كان مرجل يغلي بين جنبيك، يا جسر الشغور، ويا جبلاً تحط على ذراه النسور... وكانت زفراتٌ من الأسى والألم والحزن تنبعث من أعماق صدرك... وشرر من نار يتطاير من محاجر أحداقك... كان الناس يتهامسون فيما بينهم متسائلين: إلى متى نصبر على ما يحل بأهلينا...؟ وحتام ننظر إلى المنايا تُحمل بأبشع صورها إلى كرام الناس في ربوع سوريا الجريحة... كانوا يعلمون أن كل هذا الخسف والجور... كان بسبب الوقوف في وجه لص سطا على البلاد، وأذل العباد... بسبب كذاب أشر، تمسكن حتى تمكن!! وما كان له ذلك لولا ما تنطوي عليه نفوس الناس من طيبة ونقاء، وأصالةٍ وصفاء....كان بسبب ثلّة من أحرار النفوس، وقفوا في المقدمة، رافعي الرؤوس، وصرخوا بملء أفواههم: لا للطغيان... لا للبهتان... لا لتحكم رعديد جبان...
كان هذا كله يختلج بين جوانحك في ذلك اليوم يا موئل الأخيار، ومنبت الأحرار، ومعقل الثوّار، وكانت عيونُك الساهرةُ ترقبه، وآذانك الصاغية تسمعه، وقلبك الكبير يتفطر له..وصبرت؛ ونفد لديك الصبر...بعد أن طفح عندهم الكيل... فانتفضتِ انتفاضةً مضرية تعبرين بها عن غضبك مما يحدث، وعن نصرتك لأخواتك المبتليات... فخرج رجالك الأشاوس، وجميع طلبة المدارس، في تظاهرة عصماء، يهتف رجالها؛ مستنكرين على الظالم فعلته، وعلى اللص سرقته، وعلى الجبان غدرته... وطافت بشوارعك الحزينة، مرسلة برسالة جلية، وإشارة للباغي قوية... بأن للصبر حدًا ينتهي عنده، وأن على العاقل أن يحسب ألف حساب لما بعده...
فلم يرُقْ ذلك للطاغوت وأعوانه، فدس أزلامه ليخربوا، وأذنابه لينهبوا، ليتخذ من ذلك ذريعةً يتهم بها الأطهار، ويلوّث سمعة الأبرار، ويصب عليهم جام غضبه من قتل ودمار... وهذا ما قد وقع وصار!!!
في صبيحة اليوم التالي كانت أكثر من خمس وعشرين طائرة حوامة تغطي سماء البلدة الآمنة، إلى أن حطت في ساحة معمل السكر، وأفرغت حمولتَها من أسلحة وعتاد وذخيرة، ونزل منها جنود ومرتزقة كثيرة، ثم توجه أكابر مجرميهم إلى بناء البريد فاحتلوه، وأبعدوا عنه كل من له عمل فيه وأقصوه... أقاموا فيه "محكمة ميدانية" والأصح أن يطلق عليها ((مجزرة وحشية)).. ثمَّ انتشر الأزلام في شوارع البلدة كالأفاعي المثارة، تنفث سمومها في كل حي وحارة، وتبعث بفحيحها في كل اتجاه، وتلدغ من وجدت في طريقها ولو كان يحثُّ الخطا إلى مأواه، حتى إذا ما أسدل الليل أستاره، وألبس الكونَ رداءه وإزاره، وخيّم عليه بهدوئه وسكونه، استقر الناس في بيوتهم، ظنًا منهم أنهم ابتعدوا عن الصل وعيونه... حين ذاك أظهر حقده الدفين، وأسفر عن وجهه المشين... فبعث جلاوزته إلى البيوت فاقتحموها، وإلى الحرمات فانتهكوها...وساقوا الشباب إلى محكمتهم المزعومة، ولجنتهم المشؤومة... فما يمضي على الداخل إليها سوى ثوان معدودة، حتى يُخرج من باب آخر ليظهرَ على عتبته جثةً ممدودة... واستمر الحال على ذلك طيلة الليل الحزين، وتجاوز عددُ من قُتلوا في تلك المجزرة الثمانين ... جلهم من الطلاب اليافعين، وبعضهم من شرفاء المدينة المرموقين... وإن أسماءهم معروفة، وأحوالهم بكل خير موصوفة... ولم يكتف الأوغاد بذلك بل اقتادوا قومًا آخرين إلى مراكز الرعب في إدلب، مقيدي الأيدي، ومعصوبي الأعين... فلاقوا هناك ما لا يتصوره عقل، ولم يُسمع به في جبل أو واد أو سهل... وقد روى شهود أخبارًا موثقة أكيدة، عن جرائم في نوعها فريدة،  عن دفْن أشخاص في حفرة كانت لهم مقبرة جماعية، وبعضهم أحياء كانت أجسامهم في تلك الحفرة مرمية.....
ولبست جسرُ الشغور منذ ذلك اليوم ثوبَ الحداد... وحكى الأجداد القصة للأبناء والأحفاد... فلم تندرس بمرور الزمان، وما أتى عليها ضياع أو نسيان... حتى بزغت شمس الخامس عشر من آذار، بعد إحدى وثلاثين سنة على ذلك الفتك والدمار... فهبت سوريا من أقصاها إلى أقصاها، بشيبها وشبابها، ورجالها ونسائها، وانتفضت  لتقول مرة أخرى للصائل ألف لا... ولكن هذه المرة كانت أشد وأقوى، وأكثر مضاء وأعتى... وعلا صوت يهدر من جسر الشغور يقول: أنا لها... أنا لها... ومد الأبطال أيديَهم إلى الراية التي سلمهم إليها الآباء والأجداد فرفعوها عاليًا وهم يهتفون: الله أكبر ... الله أكبر.... حي على الجهاد... حي على الجهاد...
السبت 18/ربيع الآخر/1433 الموافق لـ 10/آذار/2012
 محمد جميل جانودي.

الخميس، 8 مارس 2012

رسالة إلى المجلس الوطني


بسم الله الحمن الرحيم
الإخوة أعضاء المجلس الوطني السوري.... حفظكم الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إخوتي الأعزاء، لست في رسالتي هذه في معرض أن أتدخل في شؤون أعمالكم فإن مما لا ريب فيه أن كل واحد يعرف تمامًا ماذا عليه أن يعمل ويسعى إلى القيام به لتحققوا جميعًا عملاً متكاملاً يخدم القضية الأساسية التي من أجلها تم إنشاء مجلسكم المحترم. ولست في معرض أن أضع نفسي واعظًا أو مرشدًا أو ... فأنا أجزم بأنكم جميعًا تفوقونني في هذا المضمار وما لديكم ليس بالقليل، ففيكم العالم الجليل والمربي الفاضل، والقاضي الكبير، والمحامي الحاذق، والفيلسوف المحنك، والكاتب الأديب، والمهندس المبدع، والطبيب الماهر و غير ذلك من المهارات... ولكني أردت من رسالتي هذه أن تكون تذكيرًا..وأود أن أخبركم بأني إذ أخاطبكم بما أخاطبكم به فإنني لا أنأى بنفسي عن أن أخاطبها هي الأخرى بمثله؛ فيما توجب عليها وهو في مقدورها واستطاعتها...
إخوتي الأعزاء، أنتم تعلمون كيف تناديتم لتشكيل مجلسكم، وتعلمون الصعوبات التي واجهتكم في صدد ذلك، وتعلمون الزمن الطويل الذي استغرقتموه حتى حصلتم على ما يمكن أن يكون نواةً للهدف الذي تنشدون.... وعندئذٍ هتف الشعب السوري كله فرِحًا سعيدًا بتلك النواة، وهو يتطلع بشوق ولهفة إلى أن يكسو هذه النواةَ جسم؛ جميع خلاياه حية، تنبض بما تنبض به قلوب الثوار، وتكون جهاز تلقٍ أمين لكل ما يصدر عنهم (عن الثوار)، تلقي تنفيذ وتطبيق لا مجرد تلقي علم واطلاع...
وقمتم مشكورين بالمباشرة بالإعداد لكل ما يخدم هدف الثوار... فشكلتم اللجان والهيئات، والمجالس الفرعية،  وانطلقتم (حسب المتاح) في أصقاع الأرض، تُبلغون وتشرحون... وتدْعون وتطالبون... واكتشفتم في تحرككم هذا؛ كم كانت المهمة التي أردتم القيام بها صعبة، وشاقة؟ وكم هي كثيرة وكبيرة وكؤود تلك العقبات التي كانت تقف في طريقكم بوجه طبيعي أو تُوضع في طريقكم عمدًا...؟ ورُبما لا أكون مجانبًا للصواب إذا قلت أنكم في تحرككم ذاك اكتشفتم أن كثيرًا منكم يسبح في بحر هائج تثير أمواجَه عواصفُ من اتجاهات شتى، وهو لا يُتقن السباحة، وليس ذلك عيبًا فيه وإنما نتيجة أكثر من أربعة عقود من الشلل الذي فُرض على الشعب بوجه عام...  كما أن السفينة التي أعددتموها لهذا الإبحار لم تكن حائزة على أدنى المطلوب...أيضًا لأسباب جلها خارج عن إرادتكم!
إخوتي الأعزاء... إذا كان لا يُقبل من غيركم أن يرجع بأقل من درجة الامتياز في عمل موكل إليه في مجال ما!... فإنه يُكتفى منكم أن تصلوا بالسفينة إلى بر الأمان لأن العمل الذي تصديتم له كبير جدًا؛ كبيرٌ بكِبَر الثمن الذي يدفعه الشعب دمًا مهراقًا على أرض سوريا الحبيبة... حتى إنّ بعضكم ربما لم يكن في حسبانه أن هذا العمل كبير بهذا القدر فرضي – جزاه الله خيرًا – أن يعمل خوفًا من أن يبوء بإثم التهرب من العمل..
إخوتي الأعزاء... قلت ذلك كله لأقول لكم ما بعده... وهذا القول سأجعله أسئلة تُطرح عليكم بصفتكم مجلسًا وطنيًا سوريا (أو كأفراد) شُكل للتحدث باسم الثورة ودعمها والأخذ بها قُدماً:
1-                  هل سأل كل واحد منكم نفسه حين يأوي إلى فراشه... ماذا أنجزت اليوم للثورة؟ فإن كان جوابه إيجابياً فليحمد الله ويسأله المزيد وإلا فليعاهد ربه على تعويض ما فرّط..
2-                  هل سأل كل واحد منكم نفسه... هل بدر مني اليوم تقصير حيال الثورة وأنه كان بمقدوري أن أعمل (كذا..) ولم أعمله، ثم سارع إلى تداركه؟
3-                  بما أن أعضاء المجلس من البشر فهم معرضون للخطأ العفوي والخطأ العمد؛ فهل تنادى مجلسكم الموقر لاجتماع كي يقول للمخطئ: أنت أخطأت، ومن ثم يُصار جديًا إلى تصحيح هذا الخطأ وقطع دابر ما نتج عنه؟.
4-                  قد يحتاج القيام بعمل ما لصالح الثورة، أو المجلس، أن يخدش حظًا من حظوظ النفس فهل ألقيتم هذا الحظ جانبًا مقابل إنجاح ذلك العمل؟
5-                  هل كانت لجانكم المختصة بأمر ما، تقوم بهذا الأمر أمام الهيئات الدولية بوضوح وجلاء من غير تمويه أو تنازلات، محاباة لتلك الهيئات؟ وبعبارة أخرى : هل أخذتم ما أسند إليكم فعله بقوة؟
6-                  هل تناوبتم على مدى الأربع وعشرين ساعة من أجل متابعة ما يجري على الساحة السورية ميدانيًا، وانطلقتم في إثر تلك المتابعة إلى اتّخاذ ما هو لازم إزاء ما يجري على المستويات كافة : إعلاميًا، وإغاثيًا، ونصرة، وعزاءً، وشحذًا للهمم، ... فعلى سبيل المثال: لنفرض أن شهيدًا أو أكثر ارتقى إلى ربه في منطقة ما؛ فكم هو جميل أن  يبادر ممثلو تلك المنطقة في المجلس (أو من المجلس كله) ما يُشعر بأنهم أحسوا بذلك، وعرفوا عن حيثياته الكبيرة والصغيرة، ويكون لذلك أثر طيب في النفوس فضلاً عن كون هذه المبادرة تعبيرًا عن وجود صلة روحية وعضوية بين المجلس والشعب،وإن ظهور مثل هذه المبادرة غير متعذر، وليس صعبًا، فيمكن أن يكون- على الأقل- على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الفضائيات أو في موقعكم الإلكتروني.. أو بأي طريقة..
7-                  إن كثيرًا من التساؤلات تنطلق على ألسنة محبيكم، ومؤملي الخير فيكم، حول أمور لم يرتاحوا إلى ما آلت إليه، أو إنهم لم يقتنعوا بما تناقلته وسائل الإعلام بشتى أنواعها، من تفاسير وشروح؛ أو حتى ما يُشاع بين الناس عنها، فهل صارحتم هؤلاء الناس بالحقيقة، وأطفأتم ما في صدورهم من شوق الوصول إليها.
8-                  هل تداعيتم إلى إنشاء صندوق خاص بأعضاء المجلس( غير صندوق المجلس العام لقضاياه) يُزوَّد من جيوبكم كنسبة مفروضة ولو كانت قليلة (كل حسب طاقته)، أو تُجبى له تبرعات ممن تعرفون من أهل الخير، وذلك للحالات الطارئة والحرجة، والتي لا ريب أنكم مررتم بها، ولمرات!!!
9-                  هل جربتم أن تجبُّوا الغيبة عن أنفسكم بالردود المنطقية والمعقولة وكذلك في حدود معينة؛ فليس المطلوب الرد على كل كبيرة وصغيرة؛ وحين تدرؤون الغيبة عن أنفسكم فأنتم بذلك تؤدون عدة خدمات: منها تُثْلِجون صدور محبيكم، وتهدون الحائر في أمركم، وتفوتون الفرص على المغرضين الظانين بكم ظن السّوء.
10-              إن في دروب العمل فرصًا، ربما لا تأتي مرة أخرى... فهل أعددتم العدة لاقتناصها، وعدم السماح لها أن تفوتكم، وذلك في مختلف المجالات الإعلامية والسياسية والاجتماعية والمالية وغيرها..؟
إخوتي الأعزاء، الذي أريد أن أذكّرَ به كل واحد منكم هو أن يعلم أنه مسؤول أمام الله يوم القيامة عن أداء الأمانة التي حملها... وأن سؤال الدنيا (وإن كان سيتم) سهل ويسير أمام سؤال يوم الدين... ومسؤوليتكم ليست صغيرة؛ كما أن أجر من يقوم بها على الوجه الذي يُرضي به الله تعالى ليس قليلاً... فأرجو أن تتدبروا ما طرحت عليكم من أسئلة، وغيرُها كثير، وما أوردتُه كان على سبيل المثال لا الحصر، وإن الأمر لجد وليس بالهزل، وليفكر كل واحد منكم في أنه واقف بين يدي الله عز وجل؛ وهو يُسأل عن هذه الأمانة... عن نصرة شعب مظلوم، دماؤه تسيل كالأنهار، وأعراضه تنتهك، وأمواله تُنهب، و... ويُسأل كذلك عن عدم إحباطه لمكر يُمكر، وخططٍ توضع، وأفخاخ تُنصب، وجيوشٍ تُجيش، لطمس الحقيقة، وتزويرها، وهذا كله حرب أخرى... فهل أنتم مستعدون لأن تجيبوا عما تصرفتم حيالها، وعن مدى التزامكم بمقولة عمر رضي الله عنه: لست بالخبّ ولا الخبُّ يخدعني... وهل وضعتم أمام أعينكم مقولة  قِيْلت في خالد بن الوليد – رضي الله عنه - وهو يخوض معركة الإيمان وتحرير الناس من كل عبودية لغير الله: ((كان لا ينام ولا يُنيم)).
إخوتي، والله إننا لندعو لكم جميعًا من أعماق قلوبنا أن يأخذ الله بأيديكم، ويصلح أعمالكم.. ولكن، كما تعلمون، إن الله سبحانه وتعالى ربط التغيير بمبادرة الإنسان للسير في طريقه، فبادروا أنتم بالتغيير، واعقدوا العزم، وانفوا الخبَث، وأروا الله ثم الثوار منكم ما يكون في مرضاته، وفي الوقت نفسه تطيب نفوس الثوار به.. فوالله إنهم ليستحقون الكثير..وأقل ما يجب أداؤه لهم ألا يُحسّوا أنهم أُتُوا منْ قِبَلكم... وإنكم لتعلمون أن قدرَكم، يا أعضاء المجلس الأعزاء، أن يكون أدنى مهامكم مواكبة الثورة، وهي – كما ترونها – فتية شابة ولله الحمد، فشمّروا عن سواعد الجد، وكونوا (على الأقل) بمحاذاتها لا خلفها.
أرجو منكم أن تسامحوني فيما إذا كنت قد أخطأت بحقكم في رسالتي هذه، فما هي إلا اجتهاد اجتهدته؛ فإن كنت مصيبًا فمن الله، وإن كنت مخطئًا فألتمس العفو منه أولاً ثم ممن أخطأت في حقه ثانيًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم/ محمد جميل جانودي.
الأربعاء 14/ربيع الآخر/1433 الموافق لـ 7/آذار/2012.


الثلاثاء، 6 مارس 2012

قليل أن يمجد فيك شعري

قليلٌ أن يُمجّدَ فيك شعري
مُهْــداة إلى حي (بابَ عمرو)
شعر/محمد جميل جانودي
قَـــــليْـــلٌ أن يُمَــجِّد فِـــيْــكَ شِعْــري        ولَنْ يَــرْقَى لِـقَـــدْركَ بَــابَ عَــــمْـرِو
فَـــــأنّى لِــلْحُـــروفِ وإن تَــدَاعَـــتْ       لِنُـــصْرَةِ بَـــعْـــضِهَـــا سَطْــرًا بِـــسَطْرِ
بِأنْ تقْـوى عَـــلَى وصْـفٍ بَليْـغٍ        لأمْــــجَادٍ وتَـــــــأْلِـــــــيْـــــــــفٍ لِـــسِـــــــــفْـــــــرِ
وَأنّــى لِـلْحُـــروف وإن تَـــــعَـــــنّـــتْ        تُجِــيْـــــدُ الْــقَــولَ فِــــــي كَـــــــــرٍّ وفـــــــــرِّ
وَأنّـى لــلْــقَــــــــوافِـــــي أنْ تُـــــــدَانِـــــــي       مَــلاحِــمَ سُــطّـــــــرتْ بـــدَمٍ كَــنَــــهْــــــــرِ
مَــلاحِـــمَ بَـــــيْـــــــنَ شَيْـــطانٍ مَــــريدٍ       وبَــيْــــــنَ مُســـالِمٍ يَــــــــدْعُــو لِخَـــــــــيْـــــرِ
مـَـلاحِـــــــمَ لـَمْ تَــكُـــــنْ إلاّ دفـــاعـــًا        عن الْـــحقِ المُهـــانِ بسَــوطِ قـهْـــرِ
مَلاحمَ خَـاضَهَــا شعْــبٌ أبـــــــيٌّ         يَـصُـونُ الْعِــرضَ فيْها ضـدّ عُهْرِ
وينتَــزعُ الْــكَــرامةَ من لُـصُـــوصٍ        عَـــــلى جَـــبَــهــاتِــــهم شَــــاراتُ غـــدْرِ
ويُقْــصيْ عَــــــــنْ مــراعِــيهِ ذئَـــابــًا        رمَــــت أقـْــــــــذارَهــا في كلِّ شـــبْــــــــرِ
ويَــغْـــرسُ في مَـــرابِــــــــــعِــهِ ورُودًا        تَـــفُــوحُ عَــلى الأَنَـــامِ أرِيْــجَ عِطْـــــرِ
مُحَــالٌ لِــلْـــــيَـــــــــــراعِ وفَــــــاءَ حَــــقٍ         لِــبَــــــاذل نفــسِــهِ في "باب عَـــمْرِو"
بِرُوْحِيْ عِشْتُ حيْـنًـا في سَـمَاهُ        وهذا "الحِيْنُ" يَـــعْــــدلُ ألفَ شـــهْرِ
فَعَــايَشْتُ الْبُطُــوْلَةَ وهْي تَــــروِيْ       حِــكايَـــــــاتٍ لِصَـــقْـــرٍ إثْـــرَ صَـــقْــــــرِ
وإيــْــــثَـــــــــــارًا يعِــــــــــزُّ لـــه نَـــــظـــــيْــــــرٌ       سوى ما كان في الأصْحَابِ يَجري
وعــايَشْتُ الصّــمودَ بــوجْـهِ عَاتٍ       رمَــى الأحْـــرارَ جـــمْرًا بعْـــد جمـْــرِ
وأبْصَـــرْتُ الأشَــاوسَ في سِبـــَاقٍ       لِــــــنــيْــــــلِ شهَـــادةٍ وشِـــفــَــــاء صــــدْرِ
تـصَـــــدّوا للأعـَــادي في مَضــــاءٍ       وبسْمَــــــتُـــهُــــــم تُزيِّــــــــنُ كلّ ثَـــغْــــــــــــرِ
رَضُـــوا بقَـــضـــاءِ مَوْلاهُم فَعَــادوا       بِــــراحَـــةِ أنْـــفُـــــــــــسٍ وســـَـــــــدادِ أمْـــــرِ
وإخْـــوانٌ لــهُــــــم لَــــــــــبَّـــوا نِــــــــدَاهُــــمْ       أتَـــوهُـم نَـــجْـــدةً من جَـــيْشِ حُــــــــــــرِّ
فأبْـــلَـــوا في قِــــتــالِ الشـرّ حـَــتّـــى        تـَــضَــــوّع ذِكْــــرُهُم في كلّ مِـــصْـــر
وحَــاولَ فِــيْهـــمُ الأعْـــداء مَـــكْــــرًا        فَـــــأُحبـــطَ مَكْـــرُهم بِعَـــــظــيْـمِ مــكْـــــرِ
هُـــدُوا لِطــريْقــةٍ فِــــــــــيْــــــــهَـــا نجـــاةٌ        لَهُــم ولأهْــــــلِــــهِمْ من كَــــيْـــــــدِ كُــــفْـــرِ
تـَـــنَـــحّــوا جَـــانِــبـــًا حَــــتَّى تَـــــــوارَوا        وخَابَ عـدُوُّهــــم ومَـــضَى بِخُـسْـــرِ
وعَـضَّ عَلَى الأنَامِلِ مِنْ سُعارِ       ومــنّى نَــــفْـــسهُ، كَــــــذِبًا، بِنَــــصْـــرِ!
السبت 10/ربيع الآخر/1433 الموافق لـ 3/آذار/2012