الخميس، 26 يوليو 2012

الثورة السورية...وما يُكاد لها...


الثورة السورية... وما يُكاد لها...
تعالت الثورة السورية من أن تكون جبلاً يتمخض عن فأر.... أو أن تكون سيلاً جادت به سحابة صيف، يحمل الزبد... ولن تكون كذلك في يوم من الأيام.... لقد ولدت الثورة عملاقة ، وأعلى جبل يريد أن يقترب منها اليوم، ما وصلت قمته إلى موضع قدميها... وبالتالي فإنها لن تلد فأرًا ، ... وولدت الثورة كبركان ثائر انطلق من موضع كمونه وهو يقول: سأحرق الباطل وأذنابه... وسيذوب في لابتي كل صدئٍ مهترئ
الثورة قامت بحبل من الله فقط... فما كان لأحد من أصحاب الأذى بالمن فضلٌ عليها، حتى تطأطئ رأسها لما يُؤذيها بإملاءاته...
الثورة قامت على أكتاف فتية جعلوا لها من أول يوم شعارًا واضحًا وضوح النهار، وساطعًا سطوع الشمس، ومشرقًا كإشراقتها (( هي لله...هي لله... لا للسلطة ولا للجاه))... فلن ينحنوا أما فتات يُلقى إليهم من هنا وهناك... كما أنهم لن يسمحوا أن يستثمرها أحد، أيا كان، ليعتلي منصبًا ينحرف به عن أهدافها العظيمة... فالمنصب في نظر أولئك الفتية موقع خدماتي، يعلو بصاحبه كلما زادت خدمته لها نصًا وروحًا...
وعلى كل من يبدي رأيًا، أو يقدم اقتراحًا، أو يُدلي بأمر ما، أن يكون على علمٍ حقيقي بالثورة، وعلى خبرة ودراية بها؛ قبل أن يفعل ذلك... وإلا فلن يلقى خيرًا... على الذي يندب نفسه لذلك أن يكون رأيه عملاقًا بمقدار ما هي عملاقة.. وإلا سيكون بين الجاهلين الحمقى، وسيُزدرى مع رأيه... كما أن عليه أن يقترح مقترحًا وجيهاً يتناسب مع وجاهة هذه الثورة وعلو قدرها ومنزلتها... وإلا سيكون في المنسيين هو ومقترحه...
من هنا كان على الذي يتصدر لمثل هذا الأمر أن يضع في فمه حصاة، ثم يلوكها مرات ومرات، وهو يقدح ذهنه، قبل أن ينطق ببنت شفة...
ألهذه الدرجة بلغت إساءة الظن بالثورة والثوار حين  يُقدم لها من يمثلها ويكون أمينًا على تحقيق أهدافها .. يُقدم لها مَن بضاعته في هذا الشأن مزجاة ، وليس لسفينته على بر الأمان مرساة، وهذا أقل ما يُوصف به... ألهذه الدرجة يُساء الظن بوعيها وبعد نظرها، فيظن بعضهم أنهم يضحكون عليها بأسماء لُمّعت في أروقة الزيف والباطل...ناسين أن ظنهم هذا سيرديهم ويجعلهم أسفل سافلين..
أجل ... الذين يفعلون ذلك هم الذين يضحكون على أنفسهم أولاً.... حين رضوا لأنفسهم أن يقوموا مقام لاحس المبرد الذي هو في الحقيقة يلحس دمه الذي يُسيله المبرد من لسانه...
لقد سميت الثورة السورية بأسماء كانت جديرة بها... سُميت الفاضحة... وهي بالفعل فضحت وستفضح مكر من يريد بها سوءًا أو مسها بسوء... وسُميت الكاشفة لكنوز الشعب,,, وبالفعل كشفت و ستكشف كنوزًا؛ هي الأجدر بأن تمثل الثورة بحق وحقيقة...وسُميت العصيّة... وفعلاً قد استعصت على كل محاولات الحرف والمكر، وزلقها إلى مواطن مقتلها.. وهي تملك القدرة على أن تكون عصية على أي تقزيم لها بوضع أقزام يمثلونها...وسميت الودود الولود فهي تملك في رحمها مخزونًا هائلاً من الأفذاذ الذين بهممهم العالية، سيصلون بسوريا إلى ما من أجله هيأ الله لهذه الثورة أن تقوم... وهي الودود لكل مخلص محب جاد... ولكنها كارهة لكل منتهز مقتنص صياد... وسميت الأستاذة... فلن يستطيع طالب كسول أن يسوس أعمالها ومنجزاتها... وسُميت... وسميت... وإنها لن تكون إلا تعبيرًا صادقًا لما سُميت به....
وهي أيضًا تمتلك من الكياسة واللباقة ما يجعلها تأخذ بالمبادرة حين تجد في ذلك المصلحة... فهي ليست أنانية، وليست منغلقة... بل على العكس من ذلك... ولكنها تأبى في أي حال أن تكون منفعلة أو في موقع المُمْلى عليه، أو المفعول به...فالحكمة ضالتها، تتلقاها، وتعمل بها من أي جهة صدرت... ولكن تلقي الفطن اليقظ الحذر... لا تلقي المستغفَل الأهبل... وهي لن تقبل وعيدًا أو تهديدًا، ولن ترضخ له... وإلا لما صمدت كل هذا الصمود، أمام أعتى وحشية عُرفت على مر الزمان....
فليوفر طيبو النية ومخطئو العمل الجهد والوقت فيما هم يسعون إليه...فلن يجدوا إلا سرابًا...أما غيرهم ممن لم تصدق نياتهم... فلا فائدة من التوجه إليهم، وإنما إن أصروا على استمرار مكرهم وكيدهم فليعلموا أن رب الثورة قال: (( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله))، وكأني بالأعشى يتحدث عن هؤلاء في قوله:
    كناطحٍ صخرة يومًا ليُوهنها       فما وهاها وأوهى قرنَه الوعــلُ
محمد جميل جانودي
الأربعاء 6/رمضان/1433 الموافق لـ 26 تموز 2012.   

السبت، 7 يوليو 2012

من أسماء الثورة السورية.....(الودود الولود).


من أسماء الثورة السورية: الودود الولود
قبل الثورة، لا نكون مبالغين إذا قلنا: إن المجتمع السوري يوصف بجل الأوصاف التي تبعد أفراده وتجمعاته عن أي علاقة إيجابية بين بعضهم بعضًا، إلا القليل ممن استعصى على عملية إفساد ذات البين التي كانت رائجة على قدم وساق....
والمثالان التاليان يدللان على ذلك:
الأول: حادثة؛ من كثرة ما شاعت وتكررت كادت أن تكون متواترة بكل ما يعنيه هذا المصطلح. وملخصها أن أبا أي فتاة منتسبة لما كان يسمّى( اتحاد شبيبة الثورة) يحاول منعها من حضور الاجتماعات خارج وقت دوام المدرسة، أو يمنعها من أن تخرج حاسرة الرأس، وتشكوه ابنته إلى المسؤولين الحزبيين يأتي ردهم: لا تطيعيه، واخرجي كما ترغبين، وإن منعك فأخبرينا، ونحن نتصرف معه بطريقتنا!!
الثانية: شبيهة بالأولى من حيث صحتها، ومفادها أن أجهزة الأمن اشترطت على جميع أبناء المنفيين قسريًا، الذين شدهم الحنين والشوق لزيارة وطنهم سوريا في أوقات إجازاتهم، أو غيرها، عليهم أن يحصلوا على موافقة أمنية من فروع الأمن في المحافظات التابعين لها، وكان هؤلاء الأبناء يعانون كثيرًا في الحصول على تلك الموافقة، ولمّا سُئل أحد مسؤولي الأمن عما إذا كان من الممكن إنهاء هذه المشكلة للأبناء كان رده: أجل .. يمكن فيما إذا تبرأ الأولاد –خطيًا- من أبيهم وأفعاله، وهم يعلمون أنّ معظم هذه الأفعال نسب إليه زورًا وبهتانًا......
بهذا الأسلوب الدنيء؛ كانت السلطة تبث الكره والفرقة بين أبناء الأسرة الواحدة، وأبناء الحي الواحد، وبين الأقارب والأصدقاء، وإن الأمثلة تستعصي عن الحصر في هذا المجال... وهكذا عاش الشعب السوري طيلة ما يزيد عن أربعة عقود وكل فرد منه في حالة ذعر وهلع وترقب، خشيةً من أن يكون قد نطق لسانه بكلمةٍ أمام أحد (ربما يكون أخاه أو قريبه أو صديقه) فيهوي بها في قاع زنزانة مدة لا يعلم مداها إلا الله... ونتج عن ذلك أن تكرس الكره والبغض والحسد والأنانية في النفوس، وأصبح لسان حال أحدهم يقول: نفسي... نفسي...
وفجأة انطلقت الثورة على غير ميعاد... وتفجرت كالبركان الكظوم ... ومنذ بدايتها حصل الذي لم يكن يتوقعه الناس؛ حتى في المنام...
هذه الثورة المباركة جعلت الأيدي تتشابك، والقلوب تتصافح، والمناكب تتراص، والعيون تتبادل قيم الحب والوفاء.... جمعت الناس من بعد تفرق، وربطتهم بآصرة الحب والإيثار بعد أن كانت جدران البغض والأنانية تفصل بينهم بشواظ من نار... وجعلت واحدهم يتخلى عن أغلى ما لديه من أجل إخوانه..فهذا يلقي بنفسه أمام رصاص القنص، وقذائف الغدر، لينقذ أخًا له أصيب، أو ليأتي بطعام صار دم جالبه في كثير من الأحيان ثمنًا له....
ولما كلن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فإن الثورة ما كان لها أن تمنح ما منحت، وتثمر ما أثمرت لو لم تكن هي الأخرى ودودة وفية، بطريقة ربما تعجز العقول عن فهمها... لكننا نقول، بمنطوقنا، نحن البشر، أن الله علم أنها ذات هدف نبيل، يرنو إليه شعب أصيل، وأنها ذات نقاء وصفاء، وروعة وبهاء، طاهرة طهر الغيث الذي نزل لتوه من السماء، ربانية التوجه، إبراهيمية التأوّه، رأى الله فيها ذلك كله                                                                                                                  فأضفى عليها صفة مشتقة من صفاته، فكانت ((الثورة الودود))، وكلمة الودود صيغة مبالغة، وهذا يعني أن لديها فائضًا من الود...امتلكت به قوة جذب لعاشقيها.. فأصبح الثوار مثلها ودودين متحابين...
وهي أيضًا (ولود)... أي كثيرة الولادة... فهي تلد ثوارًا كثرًا....ذلك لأن نبل هدفها، وسلامة طريقها، ونقاء جبِلّتها يتطلب ثمنًا باهظًا، ومهرًا غاليًا، وأغلى ما لدى ساكني الأرض الدماء والأنفس والأرواح... وعلم الله ذلك.. فجعلها ولودا، تعوض ما تدفع، وتُنبت من أغصانها ما يُقطع...حتى تبقى ظلالها تخيم على الوطن كله مهما امتد واتسع...
أصبحت ولودًا حتى قيل فيها:
وإذا ارتقى منها فتًى أبصرتَها       ولادةً مئـــةً مــــــــــــــن الثــــوارِ
وتصيح فيهم يا بَنِيّ تقــــــــــدموا       إني ولــدتكمُ لِمَـــحو العــارِ
أجل... إنها ولود بكل شجاع مقدام، وعبقري همام، وألمعي لا يُبارى، وسباق للخير لا يُجارى... جادت بأمثال هؤلاء الجوامع، وبهم غصت الشوارع، وابتهجت بتكبيراتهم المسامع، وسالت- فرحًا بمآثرهم- المدامع...
منحت أبناءها نسبًا رفيعًا، وقلّدتهم وسامًا بديعا، قالت لهم أنتم أبنائي وأنا أمكم، أما أبوكم فهو الوطن، كلكم إخوة وها هو وسام الإيمان أنقشه على جبين كل منكم، ومن أضاعه فليس مني ولست منه...لأن من آمن بالله اطمأن قلبه، ووضح دربه، وصفت سريرته، وأشرقت علانيته...وبكل هذه الأوصاف تُنصرون، ولسلم المجد تصعدون، وعندئذٍ تُطلون من علٍ على المجرمين وهم في الحضيض يتعاوون...
فلله در الثورة السورية... لله درها من ودود ذات حنان دافق، وأريج عابق، ولله درها من ولود لأبطال ميامين، وأشاوس تشهد ببسالتهم الميادين.
محمد جميل جانودي
السبت 17/شعبان/1433 الموافق لـ 7/تموز/2012    

الثلاثاء، 3 يوليو 2012

همسة عتاب للأستاذ عبد الباسط سيدا


همسة عتاب للأستاذ عبد الباسط سيدا...
محمد جميل جانودي
مع التحية للسيد عبد الباسط سيدا/ رئيس المجلس الوطني السوري
بنظرات ملؤها التفاؤل والأمل توجهنا إليك يا دكتور عبد الباسط حين أعلن عن أنك رئيس للمجلس الوطني، ومن المعلوم أن المجلس الوطني يضم أشخاصًا عديدين من مناطق مختلفة وذوي مشارب متعددة، فهذا إسلامي وهذا يساري وهذا يميني وهذا.. وهذا.. وحين عقدتم في القاهرة مؤتمرًا صحفيًا من أجل حمص والذي تزامن مع مؤتمر المعارضة السورية، كنت أتابع الكلمات القصيرة التي ألقيت على منصة ذلك المؤتمر، وممن شارك في إلقاء تلك الكلمات الأستاذ هيثم المالح والثائر خالد أبو صلاح، والأستاذ نجاتي طيارة وكذلك أنتم ... وكان مما جاء في كلمتك [... حمص... حمص أيقونة الثورة ... حمص عبد الباسط الصوفي وسامي الدروبي ورياض الترك... وخالد أبو صلاح..وحمص الوليد...] ومما لا شك فيه أن لكل هؤلاء موقعه في نفس كل مواطن بقدر ما قدم لهذا الوطن وشارك في بنائه ومحاربة الفساد فيه... والحقيقة تشهد أن للمناضل (رياض الترك) آثارًا جيدة في مقارعة طغاة سوريا المعاصرين، وكم لاقى وعانى في سجونهم...  ولا يغيب عن الذاكرة مواقف الأستاذ (نجاتي طيارة) في وجه دوائر القمع لدى النظام التسلطي.. والكلام نفسه عن الثائر الكبير (خالد أبو صلاح)...ولا يتسع المجال لذكر أفعاله ومواقفه الحميدة... ولما كانت مجالات خدمة الوطن عديدة فإن للسيد عبد الباسط الصوفي دوره من خلال ما أنتج من ترجمات جيدة وأمينة لأدباء عالميين والكلام نفسه عن سامي الدروبي من خلال مشاركاته الفلسفية والسياسية. والناظم الذي يجمع الجميع (عدا الأستاذ هيثم المالح والثائر خالد أبو صلاح) أنهم قريبون من بعضهم من حيث الاتجاه العام ....ولولا أن اثنين منهم قد انتقلا إلى رحمة الله تعالى، لما أثرتُ همسة العتاب هذه لأنها تتعلق بشخص هو الآخر في جوار ربه الآن..
عتابي هذا يتمثل في أنك أغفلت رمزًا كبيرًا وشخصية فذة من شخصيات حمص الحديثة والهامة ألا وهي الدكتور مصطفى السباعي، كنت متوقعًا منك أن تقول: وحمص مصطفى السباعي، آخذا بعين الاعتبار وجود مجموعة كبيرة من المجلس، تحب هذا الرجل وتقدره وله في نفوس أصحابها مكانة عظيمة... وليتك قلت وأنت تعدد أولئك الرموز عبارة (على سبيل المثال)...
من جهة أخرى حين قلت حمص الوليد بدأت أفكر في نفسي قائلاً: من هذا (الوليد)؟ فقلت: ربما شخصية لا أعرفها، أو أن الأستاذ عبد الباسط يقصد  الصحابي الجليل سيف الله (خالد ابن الوليد)... وحول هذه أرجوه أن يسمح لي بهمسة عتاب أخرى عنها... ألهذه الدرجة ننسى اسم القائد العظيم ولقبه سيف الله حتى نذكره باسم والده الذي لو قُدّر أن سُئل الصحابي الجليل خالد؛ هل ترضى بذلك لقال لا. لأن الوليد (أباه) نزل فيه قرآن يذمه ويتوعده... كم كانت جميلة منك يا أستاذ عبد الباسط أن تقول: وحمص سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه...
أستاذ عبد الباسط/ أرجو الله تعالى أن يُجري النجاح والتوفيق للمجلس الوطني على يديك، وأن يُلهمك ما فيه الخير والصلاح للمجلس ولسوريا في تحقيق النصر لثورتها العظيمة.