السبت، 7 يوليو 2012

من أسماء الثورة السورية.....(الودود الولود).


من أسماء الثورة السورية: الودود الولود
قبل الثورة، لا نكون مبالغين إذا قلنا: إن المجتمع السوري يوصف بجل الأوصاف التي تبعد أفراده وتجمعاته عن أي علاقة إيجابية بين بعضهم بعضًا، إلا القليل ممن استعصى على عملية إفساد ذات البين التي كانت رائجة على قدم وساق....
والمثالان التاليان يدللان على ذلك:
الأول: حادثة؛ من كثرة ما شاعت وتكررت كادت أن تكون متواترة بكل ما يعنيه هذا المصطلح. وملخصها أن أبا أي فتاة منتسبة لما كان يسمّى( اتحاد شبيبة الثورة) يحاول منعها من حضور الاجتماعات خارج وقت دوام المدرسة، أو يمنعها من أن تخرج حاسرة الرأس، وتشكوه ابنته إلى المسؤولين الحزبيين يأتي ردهم: لا تطيعيه، واخرجي كما ترغبين، وإن منعك فأخبرينا، ونحن نتصرف معه بطريقتنا!!
الثانية: شبيهة بالأولى من حيث صحتها، ومفادها أن أجهزة الأمن اشترطت على جميع أبناء المنفيين قسريًا، الذين شدهم الحنين والشوق لزيارة وطنهم سوريا في أوقات إجازاتهم، أو غيرها، عليهم أن يحصلوا على موافقة أمنية من فروع الأمن في المحافظات التابعين لها، وكان هؤلاء الأبناء يعانون كثيرًا في الحصول على تلك الموافقة، ولمّا سُئل أحد مسؤولي الأمن عما إذا كان من الممكن إنهاء هذه المشكلة للأبناء كان رده: أجل .. يمكن فيما إذا تبرأ الأولاد –خطيًا- من أبيهم وأفعاله، وهم يعلمون أنّ معظم هذه الأفعال نسب إليه زورًا وبهتانًا......
بهذا الأسلوب الدنيء؛ كانت السلطة تبث الكره والفرقة بين أبناء الأسرة الواحدة، وأبناء الحي الواحد، وبين الأقارب والأصدقاء، وإن الأمثلة تستعصي عن الحصر في هذا المجال... وهكذا عاش الشعب السوري طيلة ما يزيد عن أربعة عقود وكل فرد منه في حالة ذعر وهلع وترقب، خشيةً من أن يكون قد نطق لسانه بكلمةٍ أمام أحد (ربما يكون أخاه أو قريبه أو صديقه) فيهوي بها في قاع زنزانة مدة لا يعلم مداها إلا الله... ونتج عن ذلك أن تكرس الكره والبغض والحسد والأنانية في النفوس، وأصبح لسان حال أحدهم يقول: نفسي... نفسي...
وفجأة انطلقت الثورة على غير ميعاد... وتفجرت كالبركان الكظوم ... ومنذ بدايتها حصل الذي لم يكن يتوقعه الناس؛ حتى في المنام...
هذه الثورة المباركة جعلت الأيدي تتشابك، والقلوب تتصافح، والمناكب تتراص، والعيون تتبادل قيم الحب والوفاء.... جمعت الناس من بعد تفرق، وربطتهم بآصرة الحب والإيثار بعد أن كانت جدران البغض والأنانية تفصل بينهم بشواظ من نار... وجعلت واحدهم يتخلى عن أغلى ما لديه من أجل إخوانه..فهذا يلقي بنفسه أمام رصاص القنص، وقذائف الغدر، لينقذ أخًا له أصيب، أو ليأتي بطعام صار دم جالبه في كثير من الأحيان ثمنًا له....
ولما كلن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فإن الثورة ما كان لها أن تمنح ما منحت، وتثمر ما أثمرت لو لم تكن هي الأخرى ودودة وفية، بطريقة ربما تعجز العقول عن فهمها... لكننا نقول، بمنطوقنا، نحن البشر، أن الله علم أنها ذات هدف نبيل، يرنو إليه شعب أصيل، وأنها ذات نقاء وصفاء، وروعة وبهاء، طاهرة طهر الغيث الذي نزل لتوه من السماء، ربانية التوجه، إبراهيمية التأوّه، رأى الله فيها ذلك كله                                                                                                                  فأضفى عليها صفة مشتقة من صفاته، فكانت ((الثورة الودود))، وكلمة الودود صيغة مبالغة، وهذا يعني أن لديها فائضًا من الود...امتلكت به قوة جذب لعاشقيها.. فأصبح الثوار مثلها ودودين متحابين...
وهي أيضًا (ولود)... أي كثيرة الولادة... فهي تلد ثوارًا كثرًا....ذلك لأن نبل هدفها، وسلامة طريقها، ونقاء جبِلّتها يتطلب ثمنًا باهظًا، ومهرًا غاليًا، وأغلى ما لدى ساكني الأرض الدماء والأنفس والأرواح... وعلم الله ذلك.. فجعلها ولودا، تعوض ما تدفع، وتُنبت من أغصانها ما يُقطع...حتى تبقى ظلالها تخيم على الوطن كله مهما امتد واتسع...
أصبحت ولودًا حتى قيل فيها:
وإذا ارتقى منها فتًى أبصرتَها       ولادةً مئـــةً مــــــــــــــن الثــــوارِ
وتصيح فيهم يا بَنِيّ تقــــــــــدموا       إني ولــدتكمُ لِمَـــحو العــارِ
أجل... إنها ولود بكل شجاع مقدام، وعبقري همام، وألمعي لا يُبارى، وسباق للخير لا يُجارى... جادت بأمثال هؤلاء الجوامع، وبهم غصت الشوارع، وابتهجت بتكبيراتهم المسامع، وسالت- فرحًا بمآثرهم- المدامع...
منحت أبناءها نسبًا رفيعًا، وقلّدتهم وسامًا بديعا، قالت لهم أنتم أبنائي وأنا أمكم، أما أبوكم فهو الوطن، كلكم إخوة وها هو وسام الإيمان أنقشه على جبين كل منكم، ومن أضاعه فليس مني ولست منه...لأن من آمن بالله اطمأن قلبه، ووضح دربه، وصفت سريرته، وأشرقت علانيته...وبكل هذه الأوصاف تُنصرون، ولسلم المجد تصعدون، وعندئذٍ تُطلون من علٍ على المجرمين وهم في الحضيض يتعاوون...
فلله در الثورة السورية... لله درها من ودود ذات حنان دافق، وأريج عابق، ولله درها من ولود لأبطال ميامين، وأشاوس تشهد ببسالتهم الميادين.
محمد جميل جانودي
السبت 17/شعبان/1433 الموافق لـ 7/تموز/2012    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق