الأحد، 6 نوفمبر 2011

الشعب السوري لا يخدع نفسه


بسم الله الرحمن الرحيم
الشعب السوري لا يخدع نفسه؟
نشرت مجلة (صدى) بتاريخ 3/تشرين الثاني/2011 مقالاً، لكاتب ألماني يُدعى "هايكو فيمن" تحت عنوان تحليلات متعلقة بسورية وتونس... لخص فيه الكاتب ما يتعلق بالحالة السورية إلى أنه لا يمكن تغيير النظام إلا بتدخل قوة عسكرية، وأن هذا مستبعدٌ جدًا، بناء على ما يسوقه من معطيات على الأرض؛ سواء فيما يتعلق بالموقف الأوروبي أو الأمريكي.. أو غيرهما من المواقف التي تدعي دعم الشعب السوري... ويصف الكاتب هذه الجهات بالمكر... ثم يقول: لا ينخدعن الشعب السوري بذلك... إنه متروك وحده في الساحة...وهذه عبارته كما وردت:
"النفاق الواضح للموقف الروسي-الصيني سمح لبعض البلدان التي أظهرت حماسة مستجدة في دعم الديمقراطية العربية، بأنّ تُقدّم نفسها بمكرٍ نوعًا ما، في دور المدافعة الشجاعة عن الجماهير العربية المظلومة، بيد أن الخطاب الوعظي والجهود الحثيثة لتنظيم المعارضة السورية في المنفى والتحضير للتغيير المنشود لا تستطيع أن تحجب واقع أن الخيارات المتاحة لتحقيق ذلك التغيير محدودة، لا نخدعنّ الشعب الشجاع في سوريا الذي يستبسل في النّضال والتّضحية بحياته أملاً في التّخلص من نير نظام البعث. إنهم متروكون وحدهم"

في الحقيقة إن المتتبع لمجريات الأحداث والمواقف؛ يجد أن ما قاله الكاتب صحيح بنسبة كبيرة جدًا... إلا أن الذي يراقب الثورة السورية المباركة من لحظة انطلاقها.. منذ ثمانية شهور؛ فإنه ربما يَختلف مع الكاتب في نظرة الشعب السوري إلى ما يمارسه بنفسه على أرض سوريا...
ليس فقط الشعب السوري، وإنما يكاد يُجمع كثير من المراقبين على أن المعطَيات التي كانت موجودة على الأرض قبل يوم انطلاقة الشعب السوري بثورته تشير، بحزم وتأكيد، على أنه من المستبعد جدًا أن تتحرك مجموعة من السوريين؛ لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين، في أحد شوارع دمشق، أو أي مدينة أخرى، هاتفة بما يدلُّ إلى أنها بدايةٌ لتظاهرة تطالب بحق، أو تستنكر أمرًا ما... ومما يدل على ذلك سؤال وزير الداخلية للذين انطلقوا بعفوية واضحة، قبل ذلك بأكثر من شهر، منتصرين لأحد شباب سوريا الذي أهانه أحد رجال الشرطة بكلمات نابية، ثم زاد على ذلك بضربه بالتعاون مع زملاء له، في منطقة الحريقة... يومها قال وزير الداخلية للمحتجين: (المهم ألا تكون هذه مظاهرة...) فنفوا ذلك... وبناءً على هذا فإن الشعب السوري؛ وهو الشعب المؤمن بالله تعالى إيمانًا لا يتزعزع، وأن الظلم، مهما طال، فإنه زائل، وهذا وعد الله في كتابه العزيز.. أقول إن هذا الشعب ، وبعد أن رأى أن الذي كان مستبعدًا وشبه مستحيل يوم الخامس عشر من آذار لسنة إحدى عشرة وألفين للميلاد.. حصل.. وصار حقيقة ... ليس فقط على مستوى مجموعة تخرج في أحد الشوارع وتهتف ببضع كلمات ثم تنتهي... وإنما صارهذا المستبعد ثورة؛ ملأ ذكرها الآفاق، وأصبح الحديث عنها يتصدّر النشرات الإخبارية في معظم الفضائيات ... وعمت أرجاء سورية قاطبة، من أقصاها إلى أقصاها، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة... تبدأ بالذروة في كل من حمص ودرعا وإدلب وريف دمشق وتتدرج إلى باقي المحافظات والمدن والقرى ... كلها استجابت لنداء الثورة الذي انطلق فعلاً من درعا وهذا ما عُبّر عنه بهذين البيتين:
لَمْ تبقَ في بلدي الْحبيبِ قُرَيّةٌ      أو بلدة أو خيـمة الأظعانِ
إلا استجابـت للنداء وآزرت      أخواتها بحميّـة الشّجعانِ
بعد أن رأى الشعب ذلك كله، بل إنّ الأمر أكثر من رؤية... إنه ممارسة ونشاط وتفاعل يقوم به الشعب نفسه... أقول بعد أن أحس الشعب بذلك كله... لم يكتفِ بما يراه من معطيات أخرى تنظر بكذا وكذا... لتكون ناظمًا يبني عليه حركته ونشاط ثورته... بل على العكس من ذلك؛ كان كلما صرخ هاتف من هنا، أو ناصح من هناك، يقدم للشعب السوري مرئياته؛ بناء على واقع محلي أو إقليمي أو دولي، فإنه سرعان ما تنقله ذاكرته الحادة إلى الخامس عشر من آذار ليعلم بأن إرادةً فوق المعطيات وفوق الأسباب وفوق تخمينات البشر وحساباتهم أرادت للثورة أن تنطلق، فهيأت جميع أسباب انطلاقها واستمراريتها، على صعيدين اثنين...
أولهما: التصرفات الخرقاء من قبل رجال النظام، وعدم اللجوء إلى الحكمة في حل الأمور، وتزايد مثل هذه التصرفات، على المستويات كافة، حتى إن المرء أصبح عاجزًا عن عدها أو حصرها في جهة دون أخرى...
وثانيهما: الرغبة الجامحة، والاندفاع منقطع النظير لدى الشعب ليحقق ما ظل حابسًا له في نفسه عقودًا؛ نتيجة الكبت والقهر والقمع والخوف.. فكسر حاجز الخوف.. وانطلق مارد التغيير كالإعصار، وأخذت قوته تتنامي من غير ركود أو توقف...
أيقن الشعب أن الذي قال لمعطيات يوم الانطلاقة أن قفي مكانك والزمي حدّك ولا تتجاوزيه.. فلا يمكن أن تقوم في سورية ثورة..هو نفسه الذي يعول عليه في كل يوم وفي كل لحظة من لحظات مسيرة الثورة... وهذا ما يُترجمه الثوار في مظاهراتهم وهتافاتهم التي تعبر عن ذلك أصدق تعبير مثل (( يا الله ما لنا غيرك)) و (( هي لله .. هي لله... لا للسلطة ولا للجاه..)) و جمعة ((الله معنا)) وجمعة ((لن نركع إلا لله)) و جمعة ((ماضون حتى إسقاط النظام)).. إضافة إلى ما يلاحظه أي متابع لما يجري على الساحة؛ من حب للشهادة بمعناها الإيماني الحقيقي... وحرص الآلاف على نيلها، وفرح الآباء والأمهات باستشهاد الأبناء والبنات... أيقن الشعب ذلك فصار ينطلق كل يوم بعزم وثبات، وإصرار على الوصول إلى الهدف، آخذًا بما يملك من أسباب لتحقيق ذلك.. وكأنه يرد على أصحاب النصح والتقويم والتنظير، مع احترامه لهم وتقديره لما يسدون إليه، بما قال أبو تمام:
السيف أصدق إنباءً من الكتب       في حده الحد بين الجد واللعب
وما أحسبه (أي الشعب) إلا أنه هو الآخر يقول:
بالعزم والإيمان والإصرار       سأحقق التغيير في الأمصار
سأقوم بالأسباب بعد تمسكي      في ثورتـي بالواحد القهار
أنا واثق بالنّصر حتى لو بدا      مُسْتبْعـدًا في أنقح الأفكار
نعم لقد قام الشعب السوري بالأسباب... فانتفض، وقدم الشهداء، واتصل بما حوله من المجتمعات الإقليمية والدولية، وشكل التنسيقيات، والهيئات، وعقد المؤتمرات، واتصل بمن يتوخى فيهم أن يكونوا مؤيدين لقضيته العادلة، ونشط أيما نشاط في المجال الإعلامي، والصحفي، والأدبي، والفني، وأعد كل ما يستطيع إعداده في ثورته السلمية ليحميها من أي خطر يتهددها... ولكنه قبل ذلك وبعده اعتمد على الله وحاشا لله أن يخيّب من اعتمد عليه وجعله وكيلاً ونصيرا...فإذا كان من أحد يمكن أن نطلق عليه قبل غيره أنه يخدع الشعب السوري فهو الشعب نفسه... ولكن الشعب لا يخدع نفسه ما دام يسير على بصيرة وهدى من الله تعالى... أما أولئك الذين عناهم الكاتب في أنهم، بمكر، يخدعون الشعب السوري... فإن الله لبالمرصاد لكل من يخادع أو يخاتل أو ينافق.. أما الشعب السوري نفسه فلا يَظن بمن يمد إليه يده إلا خيرًا.. ويكل السرائر إلى الله...
محمد جميل جانودي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق