الاثنين، 9 أبريل 2012

من أسماء الثورة السورية


الثورة الأستاذة
الأستاذ هو المعلم والمربي... وكذلك الثورة السورية هي أستاذة الثورات...
أي والله...إنها علمت الناس كيف يتحررون من خوفهم الذي استولى على قلوبهم زمنًا طويلاً... كان ذلك من أول يوم لها... حين خرج الناس في دمشق هاتفين بالحرية في الوقت الذي كان أستاذ الجهل والجهالة يطمس ذلك حين قال: في العادة يكون سوق الحميدية مكتظًا برواده وقاصديه... أراد أن يسحر أعين الناس لترى رفع الأيدي الحرة وقسمات الوجوه المشرقة والهتاف للحرية، على غير حقيقتها وهي – في زعمه - ليست إلا أمورًا كان رواد سوق الحميدية يفعلونها يوميًا، تمامًا كما أراد أن يدلس على الناس، فيما بعد، بأن أهل الميدان في إحدى تظاهراتهم للحرية والكرامة في يوم جمعة ماطر... إنما فعلوا ذلك عادة ألفوها، حيث يخرجون ليشكروا الله على نزول المطر...
وكانت الثورة السورية أستاذة في تعليم حروف خاصة، وذات دلالات خاصة .. كان ذلك في درعا الأبية التي أطلقت الشرارة الأولى للثورة...يومها قالت للأطفال: اكتبوا بأيد غير مرتجفة، وبقامات منتصبة، أبجديات حروف الحرية والكرامة على الجدران، التي بنتها سواعد آبائكم، وهم يأملون أن تكون صفحات مشرقة في تاريخ درعا... وما كانوا قبل ذلك يجيدون هذا النوع من الكتابة؛ لأن أساتذة الجهالة حجبوا تلك الحروف المضيئة، والكلمات الساطعة، وراء جدر من الخوف والرعب، وأظهروا حروفًا لم يعرفها الإنسان الحر من قبل...حروف العبودية والذلة والمهانة...
وكانت أستاذة في تعليم التحدي والإباء؛ حين هب أهل درعا الحرة عن بكرة أبيهم؛ ليكتبوا كلمة ((لا)) للدناءة والقذارة التي فاه بهما أحد الرويبضة الذين تربوا في مدرسة الخسة والدونية، على مسامع آباء الأطفال وهم يطالبون بحرية أبنائهم، التي خطفها منهم ... أجل نقشوا ((لا)) في قلوبهم أولاً، ثم تحولت إلى صوت هادر أصم آذان الأوغاد... ولم تلبث حتى ملأت آفاق حوران كلها ومن ثم سوريا بأسرها... لكنْ لأنهم عرب أقحاح... أرادوها أن تكون جملة مفيدة جامعةً لكل أركانها، فأصبحت "الموت و لا المذلة"
وكانت الثورة أستاذة في تعليم النصرة والمؤازرة ... كان ذلك حين انتقلت بسرعة النور، لأنها تحمل كلمات نورانية، إلى كل بقعة في سوريا، وألقت في روع كل سوري حر شريف أن يهتف بعبارة ((يا درعا حِنّا معاك للموت))، وبلهجة درعا، المصدر الأم... فهدرت بها الحناجر... أليست هي كلمات من نور؟ والنور يحمل أكبر طاقة عرفتها الأرض... ثم أخذ التلامذة النجباء يعدّلون بهذه العبارة لتناسب الحالة التي هم فيها، فتصبح تارة (( يا حمص حِنّا معاك للموت))، وتارة أخرى ((يا إدلب حِنّا معاك للموت)) وهكذا.....
وكانت أستاذة في تعليم الناس الجود والكرم... وقد تجلّى أبهى وأوضح مظهر لهذا الجود في البذل السخي للأرواح مقابل ((الحرية)).. إنه أسمى وأرقى وأنقى حالات الجود...فقد علمت الثورة الناس وهي ترقى بهم يومًا بعد يوم .. أن يستجيبوا لنداء شجرة الحرية والكرامة، نداء كانت به تستغيث من شدة ظمئها وعطشها، لما يزيد عن أربعة عقود.. حتى تساقطت أوراقها، ويبست أغصانها، ولكن جذورها لم تُصَب بكثير من أذى؛ لأنها ضاربة في أعماق النفوس.. ولم تستطع فأس الظلم والتسلط أن تجتث تلك الجذور من تربتها النقية الغنية... جاءت الثورة وعلّمت الناس أن يجودوا بدمائهم ليرووا تلك الشجرة... وكانت المفاجأة الكبرى لهؤلاء الناس أن وجدوها سريعة الاستجابة لما منحوها من غذاء وشراب...فنمت وشبّت.. يرجع ذلك إلى أنها قد أُسعفت بدفقة من دماء آبائهم وأجدادهم من قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود، فاحتفظت بحيوية نضرة، وطاقة كامنة إلى أن أينعت من جديد... وعلمتهم الجود بالمال والطعام والشراب فكم هي قوافل المعونات التي انتقلت بين المدن، بالرغم من تلك السدود النارية التي أقامها الناريون لمنعها من الوصول... ولكن أنّى للنار أن تتغلب على النور... فالنور من الله... والنار من الشيطان..
وكانت أستاذة في الصبر والمصابرة... تجلّى ذلك في صمود الثوار البطولي لأكثر من عام وهم عزل، إلا من الإيمان الذي عمقته الثورة في نفوسهم.. صمدوا أمام جمار نار الغيظ، وحمم براكين الحقد، وقذائف لهب الغل والحسد.... وما زالوا صابرين صامدين، إلى أن يُطفئ النورُ النار، وينتصر الحب والتسامح على الكره والحقد، وتمحو شمس الحرية ظلام العبودية...
وكانت أستاذة في تنمية الفراسة لدى أبنائها، ومعرفة الرجال، من غير أن ينخدعوا بما أظهروا من قول بارع، أو عمل خادع... وعندئذ سموا الأمور بمسمياتها.. وتعلموا أن ما يُطلق عليه "مقاومة" هو مساومة، وما يُطلق عليه ""ممانعة" هو مخاتلة ومخادعة، إلى غير ذلك...  
وكانت أستاذة في تعليم أبنائها حسن التعامل حتى مع من وجهوا حرابها إليهم... وجعلتهم رحماء، لطفاء، وأعزاء كرماء، ظهر ذلك في صور عديدة.. في معاملتهم للأسرى، حتى مع مرتزقة التوجه الطائفي البغيض... ومع ذاك التبادل المشرف لهم، والمخزي لأعدائهم، حين بادلوا أحد جلاوزة القهر والظلم بجثث الثوار الذين أظهر تجار الحقد والقهر والفساد ذروة دناءتهم بحجز تلك الجثث وعدم السماح لذويها باستلامها ودفنها...
وكانت أستاذة في الوفاء والشهامة والمروءة.... فما عهد عن أبنائها وتلامذتها أن نقضوا عهدًا، أو أخلفوا وعدًا،  أو خفروا ذمة... ذلك لأنها قامت من أجل ترسيخ جميع القيم السامية بين الناس، بعد أن أُنْسوا حتى مفرداتها...
وكانت أستاذة في قوام كل مكرمة وخلق رفيع... حين شيدت عند آباء الشهداء وأمهاتهم جبالاً من الصبر، وجعلتهم مثالاً في الإصرار على تقديم المزيد من أبنائهم لإرواء شجرة الحرية والكرامة، وجعلتهم مثالاً في التحدي... فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا...
وكانت أستاذة في اتخاذ المواقف الصائبة في الحالات الحرجة... فما تردد أتباعها في موقف يحتاج إلى حزم، وما أصروا على المضي في درب رأوا الصواب في غيره، وما خضعوا لمساومات رخيصة كانت تأتيهم من هنا وهناك...
وكانت.. وكانت... أجل كانت أستاذة في كل خلق نبيل وكريم وجميل... ومن أجل هذا ستبقى ماضية لتحقق الغرض من تلك الأستاذية، فترى أبناءها النبلاء، وتلامذتها النجباء، قد أصبحوا منارات حق وعدل وهداية، وآفاق أمل كبير، في المجتمع السوري أولاً، وفي المجتمع العربي ثانيًا، وفي المجتمع البشري عامة... فطوبى لمن رضي أن يتتلمذ على يدي هذه الثورة العظيمة المباركة.
محمد جميل جانودي.
الإثنين 17/جمادى الثانية/1433 الموافق لـ 9/نيسان/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق