الجمعة، 7 يونيو 2013

القصير...دروس وعبر(2)


القصير... دروس وعبر (2)

الذين يعرفون شكيمة أهل الشام، ومضاء عزائمهم، وإصرارهم على التمسك بالحق ونصرته، ولاسيما أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، ونفوسُهم يحدوها الأمل في أن يجعلهم أحق بها وأهلها.... الذين يعرفون ذلك... لا يتساءلون للحظة عن الآتي بعد التجربة الأولى لهم في القصير...

إن مما لا ريب فيه أن هؤلاء الأبطال يتذكرون تذكر المستفيد المسارع إلى التأسي والاقتداء.... يتذكرون مبادرة الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني لأحد،  مع نفر من أصحابه ممن حضروا أحدًا، دون سواهم، إلى تجهيز غزوة (حمراء الأسد) وما زالت جراحه وجراح أصحابه تنزف... وهدف من ذلك أن يبين لقريش وقادتها، أن ما جرى بالأمس لن يثنيهم عن المضي فيما هم قاتلوا من أجله، وأنهم ما زالوا أقوياء بإيمانهم وعدتهم وعددهم... وما جرى هو درس وتمحيص وابتلاء، وكل هذا في صالح المؤمنين... وكان لذلك أثر بالغ في بث الرعب في صفوف كفار قريش الذين سارعوا إلى الابتعاد نحو مكة حين بلغهم الخبر..

وإن مما لا ريب فيه كذلك أن أبطال القصير يتذكرون بيقظة وانتباه، ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة مؤتة، حين اختار أسامة بن زيد بن حارثة، أول من استشهد من قادة مؤتة، وجعله قائدًا لجيش جل أفراده ممن كانوا في مؤتة أو ممن قُتل آباؤهم وأقاربهم فيها، وفي الجيش كثير من أعيان الصحابة، كأبي بكر وعمر، رضوان الله عليهم أجمعين، ثم وجهه نحو الروم، وكأنه يقول لهم: إياكم أن تظنوا أن ما وقع في مؤتمة هو هزيمة لنا، فالهزيمة هي هزيمة النفس، والتخلي عن الهدف، والمبدأ، وها نحن سنظل نلاحقكم حتى نظفر بإحدى الحسنيين...

إن أبطال القصير، يعون ذلك جيدًا لأنهم تتلمذوا في مدرسة النبوة والسيرة العطرة أولًا، وثانيًا لأنهم أبناء الشام التي بارك الله فيها، وأثنى نبيه صلى الله عليه وسلم على أهلها...ومن ثمّ، فسيندبون منهم ورثة أبطال غزوة " حمراء الأسد"، بجراحهم، ومصابهم، ليشكلوا هاجسًا مرعبًا للغزاة والمرتزقة، ملوحين لهم أننا ما زلنا وسنبقى وراءكم، فلن ندعكم تنعمون بحياة... وسيندبون كذلك ورثة أسامة بن زيد وجيشه، بحداثة أسنانهم، ورجاحة عقولهم، وقوة شكيمتهم...ليلقنوا غزاة القصير، وخافري الذمم، وناكري المعروف، والمستجيبين لنصرة أخس ما عرفته البشرية من لؤم في الطبع، وانحطاط في القيم، وبعد عن أي معنى لمفهوم الإنسانية... ليلقنوهم درسًا يرونه في أحلامهم فيما بعد....

إن أبطال القصير ما تركوا الأمر في لبس أو غموض، أو يعتريه الدخن، بل، وحين كانت دماؤهم، التي تنزف منهم، حارة، أعلنوا أنهم ماضون في جهادهم، وأن القصير تأبى إلا أن يسكنها أبناؤها، فالعرين لا يمكن أن تأوي إليه الضباع... وإن تجرأت وفعلت؛ فسيكون قبرها على أعتابه، تدوسه الأسود بأرجلها، كلما دخلت إليه أو خرجت منه...

نعم هذا هو الدرس الثاني مما جرى في القصير... درس موجه إلى أولئك الذين سرعان ما فتحت نفوسهم ثغرةً لليأس كي يتسلل إليها، وانطلقت ألسنتهم، تعلن الهزيمة... هكذا ، مجردة من أي قرينة ترفع من معنويات الناس... درس يقول لهم: حنانيكم... وقليلًا من الحكمة والصبر... أما ترون كيف أن ضربات الأبطال مستمرة تصحبها صيحات ((الله أكبر)) تؤرق الغزاة، وتقض مضاجعهم... ودرس إلى الغزاة أنفسهم، أن ما أصابكم من حمّى الزهو والفرح بما تسمونه "نصرًا" وهو أبعد ما يكون عن هذه الكلمة ومدلولاتها.. ما أصابكم هذا؛ ليس إلا صورة مقلوبة لمصير أسود تستحقونه، وهو آتيكم لا محالة بأيديكم، وبأيدي المؤمنين...

محمد جميل جانودي

الجمعة 28/رجب/1434 الموافق 7 حزيران 2013.   

هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فيك ونسأل الله ان ينصر المجاهدين في الشام على حزب ايران وبشار ....... اللهم آمين

    ردحذف