الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

مبارك لحركة النهضة...


بسم الله الرحمن الرحيم
ألم يأن لأولي النهى أن يتبعوا الحق ويعترفوا بالحقيقة
واضحة مثل وضوح الشمس في ضحى يوم صائف لا غيوم تلبد سماءه، كانت نتائج الانتخابات التشريعية في تونس الخضراء... في تشرين الأول لعام 2011... وهي أول انتخابات بعد ثورة شعب تونس على الطغيان والاستبداد...وفيها كسبت حركة النهضة (الإسلامية) ما يقارب خمسين بالمائة من أصوات الناخبين...
حركة النهضة لها تاريخ عريق وممتد في تاريخ تونس الحديث... وهذا التاريخ يظهر جليًا في خطين بارزين:
الخط الأول: نشاط الحركة، نشطت حركة النهضة على الأرض التونسية في مجالات عدة.. في مجال الدعوة إلى مبادئ الإسلام الحنيف الذي هو دين أهل تونس، فكان لها تميز خاص في قطاعات المجتمع، التعليمية، والعمالية، والصحية، والمهنية، والإعلامية...وغير ذلك، وتوفّر لها كوادر تعمل تحت لوائها في هذه المجالات كافة،  وتمكنت من التغلغل العميق والمرغوب في المجتمع، ملتزمة بالدعوة إلى وسطية الإسلام بعيدة عن أي مظهر عنفي أو خلافي، وكان لها ظهور في مجال الخدمات الإنسانية، والتكافل الاجتماعي، وبفضل ذلك تعدّى وجودها الحدود المحلية لتكون ذات صيت جيد، وسمعة حسنة لدى المجتمع الإقليمي وحتى الدولي.. ومما قوى هذا ودعمه اعتبارُها لنفسها فصيلاً دعويًا ضمن الكيان العالمي للحركة الإسلامية في العالم..
الخط الثاني: هو خط المعاناة التي تعرضت لها الحركة في أثناء مسيرتها الممتدة لقرابة أربعين سنة في تونس.. بصورتها الحالية، وإن كان لها جذور ذات امتداد أبعد بالمفهوم الدعوي... فقد تعرضت الحركة للمضايقات في كل من عهدي الرئيسين التونسيين ((بورقيبة) و"ابن علي)، وأُلْصقت بها تهم عديدة، لها صلة بالعنف، والتخريب، والتشدد، والتطرف، ونتج عن ذلك زج كثير من أعضائها في السجون والمعتقلات، وتهجير قسم كبير منهم إلى خارج تونس... ولم تكن بعض تلك الممارسات قاصرةً على المستوى الرسمي، من قبل الحكام المستبدين، وإنما ساهم في ذلك أفراد وتنظيمات تدَّعي الانتماء إلى المجتمع المدني التونسي، وحتى غير التونسي، ولكن مجال المعاناة في هذا المنحى كان فكريًا بصورة بارزة.. وصُوّرت الحركة على أنها غول مخيف، شأنها شأن الحركات الإسلامية الأخرى في أقطار عديدة من العالم الإسلامي.. وجُيش لذلك صحف وقنوات وكتاب ... لكن مع ذلك صمد مفكرو الحركة وعلماؤها وسائر أعضائها لهذه الهجمة، ولم ينجرُّوا إلى النزول إلى مهاترات فكرية من شأنها أن تشغلهم عن الهدف الأصيل الذي من أجله قامت حركتهم... وبقيت تسير على منهجها الوسطي، وهي تضع أسسًا وخططًا وبرامج لميدان عملها مراعية تطورات المجتمع وتحديثه داخل إطار الحدود الإسلامية التي هي بالأصل، في نظر الحركة، حدود مرنة تستوعب كل ما هو حديث وبناء.. ونجحت إلى حد كبير في هذا ، وتجلّى هذا النجاح بالنتيجة الباهرة التي حصلت عليها الحركة في أول عملية انتخابية نزيهة بنسبة عالية جدًا...
ولا ننكر وجود فوارق فردية وذاتية بين مختلف فصائل الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي لكنها تبقى في إطار عام ومحدد لا يُخرجها عن الخصائص العامة لهذه الحركات من وسطية في الطرح، وانفتاح منظم على كل جديد، وتفاهم مثمر وبنّاء مع الآخر من أجل تحقيق المصلحة العليا للوطن والمواطن...ثم للإنسان والإنسانية.
ومع ذلك فإنَّ الشيء المثير للعجب، هو ذاك الحشد الكثيف للأقلام والمقالات، والمحاضرات والندوات من قبل مثقفين في المجتمعات الإسلامية... الحشد المقصود والمتَعمّد لإبراز أمرين ملصقين بأي حركة إسلامية:
الأمر الأول: التقليل من شأن الحركة وتقزيم تأييدها، وأنها في أحسن الحالات لا تصل نسبة مؤيديها (10_15)% من المجتمع، ولست أدري  كيف يطرح أصحاب هذا الرأي ذلك وهم بنفس الوقت يدعون أنهم يحافظون على تمسكهم بالمنهج العلمي الرصين في حكمهم على الأمور... ولكنهم يكونون في حالة تستحق العطف والرثاء حين يفاجؤون بنتائج كتلك التي حصل عليها الإسلاميون ( وحسب مصطلح أولئك؛ "الإسلامويون"!!كما تُبدي أفواههم ذلك)  في أي معركة انتخابية جادة ونزيهة.. كما هو الحال في تركيا ومصر والأردن والجزائر سابقًا وتونس الآن.. وغير ذلك من المناطق..
الأمر الثاني: اتخاذ أولئك للحركة الإسلامية فزّاعة يُخوفون بها الخارج والداخل على حد سواء، لكن لكلٍّ ما يناسبه من ابتكار عوامل التخويف الوهمية والتي ليست موجودة إلا في مخيلة أصحابها، ومن يهيئون أنفسهم مسبقًا ليكونوا أنصارًا لهم..
ولكن الميدان الديمقراطي يقتلع هذين الأمرين من جسم الحركة ويعلن براءتها من كل ما يُلصق بها..
بعد هذا كله، أما آن لأحبتنا ممن ما زالوا يراهنون على مثل تلك المحاولات الفاشلة .. أما آن لهم أن يثوبوا إلى رشدهم، وهم راشدون بالغون عاقلون.. ولكن الرشد الذي ندعوهم للعودة إليه هو ذاك الذي يكون بعيدًا عن التأثر بأي هوىً لا يقيم وزنًا لأي حقيقة أو عقل أو منطق...
ومن المفيد أن نتذكر في هذا المجال قول الله تعالى: ((ألم يأنِ للذين آمنوا أنْ تخشع قُلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبُهم وكثير منهم فاسقون))
اللهم اهدنا سواء السبيل.
محمد جميل جانودي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق