الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

وجهة نظر...ذات رصيد


بسم الله الرحمن الرحيم
وجهة نظر...ذات رصيد
المتتبع لسلوك السلطة في سوريا منذ ما قبل الثورة بكثير حتى الآن لا بد أنه يلاحظ الآتي:
1-      سلطة جميع جلّ تصرفاتها مع الدولة (السلطة غير الدولة) والمجتمع تُشير إلى أنها آيلة إلى الانهيار والسقوط.. وقد صرح بذلك نفر من المراقبين على اختلاف تخصصاتهم... فمنهم السياسي المحنك، ومنهم الاقتصادي اللامع، ومنهم عالم الاجتماع الفذ، ومنهم ... ومنهم....
2-      بعد قيام الثورة المباركة تجلت هذه التصرفات الداعية إلى السقوط والانهيار بوسيلة القمع الغريبة والفريدة من نوعها للشعب بجل انتماءاته  فآلة القتل والاعتقال والتعذيب والخطف والاغتصاب والتحقير والسخرية والاستفزاز بصوره كافة، لم تتوقف بل هي، في العموم، آخذة في الاطراد...
3-      المحاولات الصورية والظاهرية للإصلاح ورمي قوانينه (الإصلاح) بالجملة والمفرق، واستخدام الأبواق الإعلامية للتحدث عنها، وإبرازها مع اختلاف صور هذا الإبراز حسب المرحلة التي تُطلق فيها... فتارة تأخذ صورة الجزم بأن حزمة الإصلاحات جاهزة وتأخذ طريقها للتنفيذ في القريب العاجل، وتارة يُربط تأخرها بالأسباب المعيقة لظهورها وترجمتها إلى الواقع ... فالمظاهرات المستمرة، والعصابات المسلحة (في نظر السلطة).. والتجييش الخارجي .. كل ذلك له دور بارز في إتمام عملية الإصلاح من عدمه... هذا بالإضافة إلى عناوين إصلاحية براقة ربما يغتر بها بعضهم، والمدقق فيها لا يجد إلا سرابًا ...
4-      التصريحات المعتدلة في كثير من الأحيان، والقوية في أحيان قليلة من بعض الجهات الدولية بإدانة النظام، والتلويح له بالعقوبات المتفاوتة نوعًا وكمّا... والتي يقابلها لا مبالاة إلى حد الاستهتار من قبل السلطة..
5-      انقسام (أو تقاسم) المجتمع الدولي في موقفه من الحالة، فمن شاجب بقوة(كما يبدو) ومهدد بالعقوبات، أو فارض لها بصورة خجولة، إلى متفرج، وكأن شيئًا لا يحدث على أرض سوريا، إلى داعم للسلطة؛ ولاسيما فيما يتعلق باتخاذ القرارات الدولية التي يمكن أن يكون لها شأن يُذكر، وأثر ذو بال..
بعد كل ذلك، نجد سلطة غير آبهة بتهديد أو وعيد، ولا تقيم وزنًا لما تفعله على الأرض من كل ما سبقت الإشارة إليه، لا تكترث بتقريع خصم، ولا عتب صديق، ولا تساؤلات واندهاش مراقب... فإذا سلمنا أن السلطة ورجالها لم يتم الحجر عليهم عقليًا، وأنهم يتمتعون بكامل قواهم العقلية فهل يصدق أحد من أنها بمثل ما هي عليه تدير ظهرها لكل تهديد أو عتب أو تساؤل من غير أن تكون مستندة على واقع كبير وملموس من جهة ما، تؤيدها وتدعمها وتطمئنها على أنها باقية لن تؤثر بها أعاصير تهب من هنا وهناك... وكثيرًا ما نسمع ذلك من إعلاميي السلطة... أو من محللين سياسيين محايدين.. نسمع عبارة ((النظام قوي ولن يسقط))... هل فعلاً قوته الذاتية العضلية وفقط العضلية هي التي تضمن عدم سقوطه.. وتؤصل لهذه القناعة عنده، وعند مؤيديه وحتى بعض المراقبين المحايدين... أم إنه يستند إلى أكثر من ذلك..؟ومن ثم فهو يسمع ما يسمع، ويُمره على أذنيه ، بحيث يدخل من الأولى ويخرج من الثانية...
فإذا أضفنا إلى ردة فعل النظام الباردة تجاه ذلك كله، التذبذبات والتأرجحات في مواقف من يُظن أنهم في الصف الآخر منه، وافتعال إعطاء المدد الواحدة تلو الأخرى.... وانتشار تحليلات مضخّمة للحالة السورية ومُخَوّفة من أي غلط في التعامل معها، ومخاطر اللعب بالنار فيها... والتصريحات النارية ذات الطابع التهديدي التي تنطلق على لسان رجاله وأنصاره ... أقول إذا أخذنا ذلك كله بعين الاعتبار أفلا يجب علينا أن نتوقف قليلاً عند أي إجراء، وألا نتمادى في تكبير الأمل بالمساهمة الدولية الفعلية (التدخل العسكري) لحماية المدنيين وتأمين ملاذ آمن لهم، ولغيرهم، ممن يعتبرهم النظام أعداء ألداء له، تجب ملاحقتهم ومحاربتهم قبل أي عمل آخر...ونحن نرى أنّ ما هو أدنى من ذلك لم يُطبق، بوجه عام،  ألا يجب علينا أن نكون واقعيين بدرجة ما، حتى لا نصدم، ويُصدم معنا كل من يعول على ذلك... وعندئذ لا يتوقف الأمر عند حدوث ((الصدمة النفسية)) بل يترتب على ذلك عواقب ليست سهلة على الواقع العملي الميداني للثورة...
الذي أريد أن أخلص إليه، أن هذه الثورة المباركة قد بدأت من غير توقع جاد، واستمرت ما يزيد عن سبعة أشهر، وهي تعلو وتعلو وتتقدم وتسمو، وتقوى معنويات أبطالها يومًا بعد يوم، وحققت مكاسب مذهلة، ما كانت في الحسبان؛ على مختلف الأصعدة ؛ الميدانية، والمعنوية، وحتى العالمية، فكانت مثالاً رائعًا، ونموذجًا فذاً، وثورة أخلاقية يُضرب المثل بنقائها وصفائها وأصالة معدن شبابها.. وزرعت في النفوس أملاً حقيقيًا.. هذا الأمل يتجلّى في أن الله الذي أمدها بكل ذلك، وجعلها تتبوأ تلك المكانة المادية (على الأرض) والمعنوية في النفوس... وأنه يربط على قلوب أبنائها فيثبتهم، ويشحذ هممهم .. إن الله الذي  كان وراء ذلك، وهو أعلم بها، لن يتخلى عنها... فلنركز على هذا أولاً وأخيرًا... فلنركز على ذلك تركيزًا حقيقيًا لا كلاميًا، وأن على نفوس من تهمهم الثورة، ويتطلعون إلى انتصارها، على هؤلاء أن يتيقنوا من هذا النصر إن شاء الله، و(إن شاء الله) هذه التي يقولونها إنما يقولونها تحقيقًا؛ لا تعليقًا...
هذا الذي ينبغي تأصيله في النفوس،،، والذي يقول بهذا الرأي لا يقوله رجمًا بالغيب، ولا مولغًا في بحار (الميتافيزيقا) كما يقولون... وإنما ما أرانا الله، سبحانه، في الشهور السبعة المنصرمة.. لأكبر شهادة على ذلك.. فالانطلاقة، والاستمرار، وكسر حاجز الخوف، والتلاحم المنقطع النظير بين فئات الشعب السوري، وانتشار القيم الأخلاقية الإنسانية الرائعة بين الناس من حب وإيثار، وتعاون، وتناصر، وفداء، وصدق وأمانة، وغير ذلك، إضافة إلى هذا الإقبال العجيب على الاستشهاد من أجل الحق والعدل... وكذلك هذا النشاط الهائل المثير للإعجاب؛ من قبل الشباب في نصرة الثورة على المستوى الإعلامي والأدبي والشرعي والفني، وتحركهم في المجالات المحلية، والإقليمية، والعالمية.... كل ذلك شواهد جلية على أن هذا ما كان ليكون لولا وجود مدد وعون من الله سبحانه وتعالى، ويُضاف إلى ذلك كله التخبط والتردد، والإيغال في كل ما هو مرفوض إنسانيًا وإعلاميًا من قبل السلطة...(يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار).. كل ذلك مؤشرات واضحة المعالم على النصر.. بل هي من مظاهر النصر... فلنركز على هذا الدعم، ولنجعله في المرتبة الأولى حقيقةً لا كلامًا وادّعاءً...وحين نفعل ذلك نكون قد توافقنا مع مطالب شباب الثورة في ميادين تحركهم...أليسوا هم الذين يرفعون أصواتهم بعبارة ((مالنا غيرك يا الله) وما قاربها.. ولتمض الثورة على هذا الرصيد الهائل من الدعم...فدعم الله ليس له حدود، ولاسيما إذا جاء الناس بكل ما يستطيعونه، ويقدرون عليه...
ما تقدم ذكره لا يعني العزوف والزهد فيما يسعى المخلصون حثيثًا للحصول على أي معين ونصير رديف... أكان هذا السّعي من قبل المجلس الوطني، أو من أفراد أو جهات مخلصة غيره... بل لو حدث ذلك في الأطر الشرعية التي يؤطرها الناس الذين هم على دراية بالأمر .. لو حدث ذلك فنور على نور، وخير وبركة، .. ولكن علينا أن نتعامل مع تلك المحاولة من الناحية النفسية برفق وتُؤدة، ونسير معها هونًا هونًا.. حتى لا تقع الصدمة ومن ثم – لاقدر الله – الإحباط  والانكماش...
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا...
محمد جميل جانودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق