السبت، 22 نوفمبر 2014

من المدرسة النبوية في التربية

"إشراقة"
من المدرسة النبوية في التربية.
عن معاذ – رضي الله عنه --أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1)   أخذ بيده.
2)   وقال: يا معاذ، إني لأحبّك.
3)   أوصيك يا معاذ، لا تدعنّ في دُبُر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.

ما أعظمك يا رسول الله، معلما ومربيًا، وناصحاً! فهذا الحديث يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينصح معاذًا بنصيحة تنفعه في دنياه، وآخرته، وفي محياه ومماته، فلم يأمره بها بأسلوب جاف، وبصيغة أمرية فوقية، ولا بصيغة المتعالم، ولا بطريقة تجعل معاذًا يُحس أنه تلميذ صغير... بل قدم نصيحته مصحوبة بسلوك جذاب ومحبب. فقد أمسك بيده مسكة لرفق وحنان، مسكة يُحس بها معاذ أن دفقات من الحب تسري في جسده كله، وفي عروقه، وتلامس شغاف قلبه، فيستنفر كل خلية من جسده لتكون مستعدة لاستقبال ما سيجود به العطف النبوي الحاني... هنا كان أذنا معاذ متحفزتان لسماع ما يقوله له النبي الكريم، ومتلهف لأن يحظى بذلك التوجيه السامي... ولم يكن يتوقع أن هناك مفاجأة أخرى غير لمسة الحنان تلك، مفاجأة من شأنها أن يبسط  صفحات صدره لينقش فيها النبي سطورًا من نور...وهذا ما حصل... فقد غدا كل سلمي فيه، وكل عرق ينبض، يتغنى فرحًا وسعادة بتلك الكلمة التي فاجأه بها نبيه ومعلمه وناصحه وهاديه... (يا معاذ إني لأحبك)... ولنقف قليلًا عند ندائه الرخيم له باسمه: "يا معاذ" ، فقدمه كتعبير آخر عن الحب يسبق عبارة "إني أحبك"...وعلى المرء أن يتصور بحار الغبطة والسعادة التي كان يسبح فيه معاذ، وهو يسمع ترديد اسمه من قبل أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام...ثم إنه لم يقل له: إني لأعلمك أو إني لأنصحك ... بل قال له كلمة تحمل من قوة العبور والنفاذ ما يجعلها تصل بأسرع من لمح البصر إلى فؤاد معاذ ووجدانه... فيغدو أكثر جاهزية واستعدادًا للأخذ والتلقي.... فقد علم النبيّ الرسول، والمربي الأول، والأستاذ العظيم، أن للحب قوة وفاعلية لا تقاومها أي قوة أخرى.... قوة تصقل النفس وتزكيها، وتسمو بالروح وتحلق بها... هذه القوة تعشقها الآذان، وتتلهف لها القلوب، وينصاع المرء لمالكها طواعية برغبة وتشوق......قال له ذلك وما زالت يده الكريمة الحانية تداعب يد معاذ برقة، فتضافرت بذلك قوتا الجسد والروح... فأنى لمعاذ أن لا يستجيب لما يُطلب منه، أو يُنصح به... ولما علم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذلك انتقل إلى ما يريد من معاذ، فقال له بلغة الأخ الكبير الحاني، المحب المخلص، والمعلم الرؤوف: أوصيك يا معاذ...فراح يردد اسمه مرة أخرى، وهذا إشعار آخر له بأنه يحبه ، أوصيك... والوصية طلب برفق ورقة... ولننظر بدقة إلى ما قال له: لا تدعن في دبر كل صلة....و"لا تدعن" لها وظيفة تربوية رائعة... ولفتة يجدر أن ينتبه المربون إليها... فهي تُشعر المرء بأنه يقوم بالموصى به أحيانًا، أو أن لديه علمًا به، وكأنها تذكرة لا أكثر، ولا يُوصى من جهل عنده، أو إهمال، لكن (لا تدعنّ) تحثه على التمسك بفعله، وعدم تركه، أو الانقطاع عن قوله... وكأنه يقول له: يا معاذ، أنت تقوم بذلك أو بقريب منه، ولكن حافظ عليه ولا تدعه البتة...ثم يُوضح ويُفصل له ما يريد الحبيب من حبيبه فيقول له: لا تترك عقب كل صلاة أن تدعو الله طالبًا منه العون على ذكره وشكره وحسن عبادته. وهذه الخصال الثلاث يحتاج الوقوف عند طلب العون على أدائها إلى إشراقة أخرى فأسأل الله العون في ذلك. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق