السبت، 15 نوفمبر 2014

أول الناس دخولاً الجنة

أول الناس دخولًا الجنة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هل تدرُون أولَ مَن يدخلُ الجنةَ من خلْقِ اللهِ عز وجل ؟ قالُوا اللهُ ورسولُه أعلمُ قال : الفقراءُ المهاجرون الذين تُسدُّ بهم الثغورُ ، وتُتَّقى بهمُ المكارِهُ ، ويموت أحدُهم وحاجتُه في صدرِه لا يستطيعُ لها قضاءً....
الفقراء المهاجرون....تحملوا في سبيل الله تعالى بلاءين عظيمين؛ بلاء الفقر، الذي ما ابتلي به امرؤ إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وتملك نفسه الحيرة، وركبتها الهموم، والمال ، كما يُقال، عصب الحياة، فمن فقده فقد الإحساس بالحياة... أما البلاء الثاني فهو هَجْر الدار والأهل والوطن والعشيرة، نصرةً لدين الله، أو فرارًا من أن يُفتنوا في دينهم، هؤلاء الذين لم يشغلهم التفكير في لقمة العيش، لهم أو لمن يعولون، لم يشغلهم عن المبادرة والسبق في الهجرة لنصرة الحق وتأييده، أو لإنقاذ أنفسهم من جحيم الكفر والفتنة والذل والهوان؛ بالبقاء في دار يسودها الظلم، ويتحكم في مفاصل الحياة فيها طغاة ظالمون، يستمرئون استعباد الناس وتسخيرهم لخدمة أهوائهم ومصالحهم.. فتحمل أولئك، بذلك، مشقة الفقر ومشقة الغربة وهجران الأهل والأحبة...ولذلك استحقوا من الله عز وجل تكريمًا على تكريم، تكريم في الدنيا إذ جعلهم في مقدمة من هم أهل لفضائل الأعمال، تلك الأعمال التي لها نفع كبير في حياة الناس جميعًا، وبها تُدفع أخطار عظام، يمكن أن تجر على الأمة كوارث لولا دفعها، فهم الذين تُسد بهم الثغور التي تُفتح في جسد الأمة، فيكون من جراء فتحها هدر لما لدى الأمة من طاقات في مختلف المجالات الحياتية، أو بفتحها تكون هدفًا ثمينًا للأعداء؛ لأن يتسللوا من تلك الثغور، فيخربون ويفتكون بقيم الأمة، ومبادئها، فضلًا عن الإفساد فيها وإهلاك الحرث والنسل!!! عندئذ يأتي هؤلاء الفقراء المهاجرون، وقد تدربوا نفسيًا، وجسديًا، على مواجهة الصعاب والشدائد، ويسدون تلك الثغرات، مهما كان نوعها، فيمنعون الطاقات من أن تُهدر، والدماء من أن تنزف، ويمنعون، أيضًا، العدو من أن ينفذ إلى كيان الأمة وينخر فيها حتى تتهاوى دعائم وجودها، واحدة تلو الأخرى .. فتغدو أثرًا بعد عين!!!
وثمة فضيلة أخرى لهم ، تتجلى في أن يكونوا دريئات، للمجتمع، تُتَّقى بهم المكاره على تنوعها وتباينها، ذلك لأنهم يمتلكون، بصبرهم وثباتهم، وسمو نفوسهم، مناعة تتكسر على جدرانها كل معاول الهدم التي تتعرض لها الأمة، والمتمثلة في مكاره شتى، كالجهل، والذلة والصغار من الفقر المدقع، وتفشي العصبية المقيتة، لعرق أو قبيلة، أو حزب، أو إقليم، وسلوك طرق ملتوية في الوصول لغاية ما، والخنوع للظلمة، وغير ذلك من المكاره، فيأتي هؤلاء الفقراء المهاجرون، ليكونوا قدوة في المجتمع ، يحفزون الناس على الصبر والثبات، ورفض الظلم، ومحاربة كل مفسدة، وبذلك يكونون حصونا تقي الناس من شرور تلك المكاره، ومقاومة إغراءات الشيطان بحب الدنيا والدار والأهل، هذا الحب الذي يُفضي إلى الركون والدعة، وإيثارهما على الهجرة لنصرة حق أو اتقاء فتنة،...
هؤلاء الفقراء المهاجرون يُقدمون ذلك كله للأمة، عن طيب نفس، ورغبة شديدة فيه،  لكنهم في الوقت نفسه، يسمون بأنفسهم عن قضاء حوائج خاصة لهم، فمن عفة نفوسهم، والإيثار الكبير الذي تتميز به تلك النفوس، يسارعون إلى قضاء حوائج الناس قبل قضاء حوائجهم، بل في كثير من الأحوال تظل حاجاتهم تمور في صدورهم، لا يقضونها، ولا يجدون لإطفاء ذلك الموران الملتهب غير قضاء حوائج غيرهم... فيشعرون، بما يفعلون، بسعادة تتضاءل أمامها جميع سعادات الدنيا...
من أجل ذلك كله نالوا ذلك الشرف العظيم من الله سبحانه وتعالى...
وأما التكريم الثاني فكونهم أول الناس دخولاً الجنة في صحبة خير البشر من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
وهؤلاء، والله أعلم، ليسوا مخصوصين بزمان معين أو مكان معين، فهم موجودون على مدار الزمان، وعلى تباين المكان، يستلهمون من أساتذتهم الأوَل، صحابة رسول الله  الكرام وآل بيته الطاهرين، ما يقومون بمهمتهم على أكمل وجه، وأفضل قيام.

فكم، نحن المسلمين، بحاجة إلى الوقوف مليًا عند هذا الصنف من الناس، لعلّ الذين يتسابقون، منا، إلى دخول الجنة، من غير أن يُدققوا في صحة أو جدوى ما اتخذوه سبيلًا لذلك، ليتهم يقفون ويتأملون صفات هؤلاء، فيتخذون من هجراتهم القسرية التي أرغموا عليها، ومن ضيق ذات اليد التي يعانون منها، وهم محاصرون في لقمة عيشهم، وجرعة دوائهم، وهُدمة ثوب يسترون به عوراتهم، ويتقون بها حر الهاجرة، وزمهرير الشتاء... ليتهم يُحولون معاناتهم تلك لتكون دِربة على صبر عظيم، وعمل كبير لنفع الناس ودرء المخاطر عنهم... ليتهم يفعلون ذلك، ونحسب أن بعضهم يفعله، ليضيفوا إلى صدق توجههم في طلب الدنيا، صواب عمل يرضى الله عنه، فيثيبهم أجرهم مرتين، ويزيدهم تكريمًا على تكريم...   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق