الجمعة، 1 أكتوبر 2010

الخاطرة التاسعة

حق الطريق ... ( 3 )
في الخاطرتين السابقتين تم عرض حقي الطريق الأول والثاني ، لمن يريد الجلوس في الطرقات ، وهما : غض البصر ، وكف الأذى ، وهذه الخاطرة ستتناول الحق الثالث : 
ثالثا: رد السلام؛ السلام هو التسليم ، والسلام من السلم والسلامة ... وهي البراءة من العيب والنقص ... والنجاة من كل آفة .. والسلام اسم من أسماء الله الحسنى .. والسلام هو أيضا تحية أهل الجنة ورضيه الله لعباده المؤمنين ؛ تحية لهم في الدنيا .. ومن حق الطريق رد السلام ... ورده يقتضي وجود من يلقيه أولا ... وكأن السلام متفش في عموم الطريق .. يلقيه كل من فيه على كل من يلقاه ... وبذلك يصبح كل من يعبره أو يقف فيه أو يجلس فيه لحاجة ، في سلام دائم .. والمكان الذي يغمره السلام ، يحيا كل شيء فيه آمنا مطمئنا ... فمن حق الطريق أن يكون آمنا لا يروع من فيه ؛ عابرا كان أم واقفا أم جالسا ....
وفي أغلب الأحيان لا يعكر صفو الأمن والسلامة إلا زمرة من البشر ، ممن انحرفوا عن السليمة الفطرة ، وانقادوا الشيطان لوساوس ، فحين يبدأ الناس بعضهم بتحية السلام فهم يطمئنون من يسلمون عليهم بأنهم ليسوا من تلك الزمرة .. وأنهم يريدون استخدام الطريق معهم بجو مفعم بالسلامة والأمن ... فعلى المسلم عليهم أن يبادلوهم التحية بمثلها أو أحسن منها أيضا ، ويفهموهم أنهم مثلهم ينشدون السلامة لكل مستخدم للطريق ...
إلقاء السلام في الطريق والرد عليه يمثلان عقدا مبرما بين الطرفين على استخدام الطريق على الوجه الذي يجعله آمنا .. وكأن أحد الطرفين يقول للآخر : أعاهدك على ألا أدع شيئا يجعلك تحس بالخوف وأنت تستخدم الطري ... فكل ما يؤذي سأنحيه وأبعده ... وكل مصدر للقلق على النفس والجسد والمال لن يكون موجودا في الطريق ... وفي الوقت نفسه يرد عليه الآخر قائلا : وأنا أعاهدك على مثل ذلك وزيادة ...
وللسلام والرد عليه صور عديدة .. فعند التقابل يكون بطلاقة الوجه والابتسامة الحية والمصافحة المصحوبة بعبارات السلام المعروفة ... وإن كان عن بعد فيعبر عنه بإشارة باليد توحي بالتسليم على الآخر ومثلها حين الرد مع ابتسامة مشرقة تبدو على ثغري الطرفين .. وأحيانا يكون بإطلاق نغمة لطيفة خاصة لمنبه السيارة ، ويرد عليها بمثلها ... وأعرف رجالا حين يمرون في الطريق من أمام بيت صديق لهم ، أو له مكتب ، أو محل تجاري فيه يعمل ، وهم على عجلة أمرهم من ، فإنهم يلقون السلام على ذلك الصديق .. ويمضون .. آملين من الله أن يسخر من يرد عليهم لفظا أو معنى ....
ورد السلام يحمل في طياته الشكر لمن ألقاه ... فكأن الذي يرد يشكر صاحبه على البدء والمبادرة بتطمينه على سلامة الطريق وأمنه ... ولذلك كان الرد من الحق الواجب أداؤه لملقي السلام ..
ولنتأمل كم هو حجم السعادة التي تغمر قلب مستخدم الطريق حين يجتازه وهو آمن من أنه لن تأتي سيارة تجاوزت حدود السرعة فتصدمه .. ولن يجد من يعترض عليه طريقه ليسلبه ماله ومتاعه .. ولن يجد من يسبه أو يشتمه ... وهكذا ... لأن الأصل في كل مستخدم أن يكون قد سلم سلاما عاما أو خاصا على كل من في الطريق ..
ولأهمية أن يشمل الأمن والسلامة الطريق ؛ فقد جعله الله نعمة امتن بها على عباده : "وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة ، وقدرنا السير فيها ، سيروا فيها ليالي وأياما آمنين" ولقد طمأن الله نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ومن معه أن الطريق الذي سيهيئه لهم في البحر هو طريق آمن لا خوف يمكن أن يأتيهم من لحاق فرعون بهم وإدراكه لهم ، أو الخوف من الغرق في البحر .. "ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف فيه دركا ولا تخشى"
وتأكيدا لضرورة أن يكون عابر الطريق في أمن وسلام فقد جعل الله أحد مصارف الزكاة لابن السبيل حتى لا يبقى قلقا على تأمين حاجاته الضرورية وهو في طريقه إلى أهله ، كي يصل إليهم سالما معافى .
فأمن الطريق وسلامة مستخدميه مطلب هام وحيوي ، وهو يتحقق بادئ ذي بدء بتفشي السلام بين الموجودين فيه إلقاء وردا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق