الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

وقفة عند خبر(1)



محمد جميل جانودي
  دفع المصيبة أو السيئة (1)     
 مما يُؤسف له أنه في معظم بلدان العالم الإسلامي، يتعرض الطفل الذي يودعُه الله تعالى لدى الأسرة على الفطرة سليمًا معافى خَلْقيًّا ونفْسيّاً، يتعرض لأنواع عديدة من الضغوط والقهر النفسي من قِيَل مصادر عدة.. نتيجة البعد عن توجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية... فطريقة تربيته أسريّاً تكون خاطئة، وكثيرًا ما يلقى العُنف والضرب وهو لمّا يتمكن من النطق أو المشي.. ثم يأخذ طريقه إلى الحياة وتنمو معه وسائل الضغط تلك وتتوسع دائرة مصادرها لتشمل المجتمع الصغير من حوله ثم المدرسة ثم الجهات السلطوية على مختلف صورها وأشكالها... ويتعرض لأسباب قاهرة للانحراف في السلوك والفهم.. مثل الفقر والبطالة وعدم تكافؤ الفرص أمامه في التعلّم والتوظيف، والتمييز بين أفراد المجتمع بسبب الانتماء الطائفي أو الحزبي أو القبلي أو العائلي.. وبذلك يعاني أضعاف مضاعفة ما يلاقيه الطفل الغربي في المجالات المذكورة ، بل ربما يكون بعضها غير موجود في المجتمعات الغربية إلا بصورة هامشية..
فإذا تذكّرنا ذلك وتفحصْنا ما يرِد من أخبار شبه متواترة عن حالات القلق والاضطراب النفسي التي تكاد تودي بإنسانية الفرد في الغرب وتقوده إلى الانتحار، وليس آخر تلك الأخبار ما أورده موقع قناة الجزيرة يوم الأربعاء 29/9/2010 والذي يقول: ارتفعت معدلات الانتحار بين الأميركيين في منتصف العمر (الكهول) خاصة الرجال البيض منهم لأسباب تعود إلى النواحي الاقتصادية والتعليمية والصحية.
ثم تورد الجزيرة تفصيلاً لهذا الخبر بأن معدلات الانتحار آخذة بالتصاعد فبينما في عام 1979 كانت 21.8 من كل مائة ألف فقد وصلت إلى 25 من كل مائة ألف عام 2005 وأرجعت عالمتا الاجتماع جولي فيليبس من جامعة روتجرز في نيوجرسي وإلين إيدلر من جامعة إيموري في أتلانتا أن ذلك يعود إلى ارتفاع معدلات البطالة وحالات الإفلاس فضلا عن النواحي الصحية، وأظهرت دراسات أخرى أن خطر الانتحار لدى غير المتزوجين أكبر بكثير منه في أوساط المتزوجين، حيث بلغت المعدلات ثلاثة أضعاف ونصفًا.
وبالتدقيق في هذا الخبر وأرقامه يتساءل المرء عن قوة تلك المناعة والحصانة التي يتمتع بها المسلم والتي تحول بينه وبين الإصابة بأمراض القلق والاضطراب النفسي والإقدام على الانتحار...
ومما لا ريب فيه أن تلك الحصانة قد نشأت لدى الطفل من قبل الولادة... ومرد ذلك يعود إلى أنه في خضم ذلك الكم غير المستهان به من الأغلاط التربوية التي تُمارَسُ عليه.. فهو يتلقى -عفويّا- إلى جانب ذلك وفي محطات عديدة من شريط حياته جُرعات قوية من الإيمان بالقضاء والقدر، والصبر، ومواجهة العقبات، من غير أن يُشبع نفسه لومًا وتقريعًا على أنها هي وراء كل ما يصيبه.. فهو قد سمع أباه وأمه يتلوان قوله تعالى: "ما أصابَ منْ مُصيبَةٍ في الأرْضِ ولا في أَنْفُسِكُمْ إِلاّ في كتابٍ منْ قبلِ أنْ نبرَأَها، إنَّ ذلك على اللهِ يسير* لكَيْلا تأسَوا على ما فاتكُمْ، ولا تفْرحوا بما بما آتاكم والله لا يُحبّ كلّ مُختالٍ فخور". وأخذ يتفهم معناها ومدلولها رُوَيدًا رُويدًا...حتى يترسّخ عنده المدلول الصحيح للآية الكريمة فيتقبل برضى نفس كل ما يُلاقيه... وحتى لو فرضنا لم يسمع تلك الآية؛ فهو كثيرًا ما يَسمع عبارات الحمد والشكر على كل حال، والرضى بما قُدّر..يسمع ذلك كيفما اتجه وأنى حل.. في البيت وفي المدرسة وفي السوق وفي الوظيفة ... فتحفر تلك العبارات في أعماق نفسه أن كل شيءٍ بيد الله تعالى... وألا مَهرب له من ذلك إلا بما وضحه الله تعالى في القرآن وبينه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة، وأكثر من ذلك؛ يرى أمام عينيه كثيرًا من ذوي المصائب قد ارتسمت على محيا كل منهم ابتسامات الرضى، آملين أنهم بتلك المصائب إما أن يكون قد غُفرت لهم ذنوبهم وإما أن تكون تلك المصائب رفعًا لمرتبتهم عند الله.. ويكون المسلم بذلك قد بنى بينه وبين الانتحار جدارًا سميكًا لا يمكن للثاني أن يخترقه ليصل إلى نفس الأول.
وينبغي ألا يشطط التفكير عند قارئ هذه الكلمات إلى ما لم يكن المقصود منها.. ألا وهو الرضوخ والاستسلام للمصيبةِ، وعملِ السوء، أو قالةِ السوء، والتعامل مع ذلك كله بصورة سلبية.. فحاشا لله أن يريد من عباده ذلك.. قال تعالى: " إنّ الحسنات يُذْهِبْن السيئات" وقال " ادفع بالتي هي أحسن..) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم " .. وأتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها". فالقلق والاضطراب والمرض والظلم والقهر والفقر والجوع والجهل..كل ذلك من السيئات التي يتعرض إليها المرء.. فمن الخطأ الفادح الرضى بها والاستسلام لها... بل وجه القرآن الكريم إلى مدافعتها والخلاص منها... ولكل سيئة حسنة تناسبها وتدفعها وتقصيها.. وللمسلمِ أجر في التحري عن الحسنة ليدفع بها سيئة. وهذا ما يتضح جليّا في الحوار الذي جرى بين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وبين أمين الأمة أبي عبيد عامر بن الجراح حين انتشر وباء الطاعون في عمواس وكان أبو عبيدة هناك فطلب منه عمر أن يخرج منها فقال له أبو عبيدة: أأفرّ من قدَر الله يا أمير المؤمنين؟ فأجابه عمر؟ نفر من قدر الله إلى قدر الله يا أبا عبيدة... فالمكوث في أرض الطاعون مصيبة وسيئة (بغير معنى الذنب)، وتُدفع بحسنة تناسبها وهو الخروج... وهكذا شأن كل مصيبة..
ولما كان مما يقارب المستحيل - بحكم ما ألف المسلم من تربية - أن يبخع نفسه بما يحل به من مصائب وسيئات الأمر الذي يدفعه إلى البحث عن مهرب ولو بالانتحار؛ بل يلجأ إلى التماس حسناتٍ تدفع عنه تلك السيئات، وهو بهذا أمام أمرين:
فإما أن يلتمس تلك الحسنات الدافعة للمصائب والسيئات في مظانها الصحيحة وفق هدي من كتاب الله وسنة رسوله.. وبعد التسلح بالصبر والتأني، يعثر عليها،وعندئذٍ تفعل تلك الحسنات فعلها المرجو منها... وينجح في دفع ما أصابه..
وإما أن يتخبط في البحث عنها فيصبح كحاطب ليل، وغالبًا ما يقوده ذلك إلى مصيبة أكبر، وهذا ما يقع به بعض المسلمين حين يبتعدون عن المنهج القرآني، ويلجؤون إلى العنف بوجوهه المتعددة لدفع السيئات والمصائب التي حلّت بهم بدءًا من تربية الطفل وهو صغير إلى معالجة أكبر قضايا المجتمع....
فالحمد لله على نعمة الإسلام التي فيها راحة للنفس، وطُمأنينة للقلب، وهدي لما يحل مشكلاتنا، ومعضلاتنا؛ من غير جور يتمثل في الهروب منها بالانتحار المادي أو المعنوي، أو شطط يتمثل بالانحراف عن الحق في نشدان تلك الراحة والطمأنينة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق