السبت، 11 سبتمبر 2010

الخاطرة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم 
العيـــد

العيد من العَوْد... وعَودُ الشيء إلى الإنسان مطلوب ومرغوب؛ حين يكون مُسعِدًا ومحمودا... وحين يكون نافعًا ومفيدا... وهو مكروه ومنبوذ حين يكون على غير ذلك.. وكثيرًا ما نسمع على لسان من فُرّج عنه كرب في يوم من الأيام، أو حُلت له مشكلة، أو تخلص من ضائقة مالية أو غيرها، أو وجد أحد إخوانه يقف بجانبه ليعينه في أمر ما؛ العبارة "هذا اليوم يوم عيد لي"



والعيد بالمعنى الأول حاجة ضرورية للنفس البشرية... لذلك سعت الأمم إلى اتخاذ عيد أو أكثر لها لتلبي تلك الحاجة... وبعضها اقترب أكثر من غيره في تحقيق الهدف من العيد..



والأمة الإسلامية واحدة من الأمم... لكن أعيادها لم تتخذها باجتهاد منها.. بل اتخذها لها ربّها لأنه أعلم بها من نفسها .. يعلم ما يُسعدها ويسرها.. وما ينفعها ويفيدها...(( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما : يوم الأضحى ، ويوم الفطر))



كما اتخذ لها يومًا كل أسبوع ليكون عيدًا أسبوعيًا لها... يُخفف عنها آلامها ومتاعبها التي عانت منها طيلة أيام الأسبوع.. ومن تخفيف آلام المرء ومتاعبه مشاركة الآخرين له بالشعور بما يحسه ويتألم منه... ومن تخفيف تلك الآلام والمتاعب التعرف على طرق إزالتها والتخلص منها... وهذا ما يتحقق يوم الجمعة... ففيه يتزاور الناس فيما بينهم، ليفضي بعضهم إلى بعض بما لديه.. فيسمع كلمة عزاء من هذا، وتطييب خاطر من هذا... ويلقى حثّا على الصبر، والتجمل به من ثالث... كما يسمع من يقترح الحلول والنصائح للخلاص من المعاناة..وفي أغلب الأحيان ينبثق عن القول والنصح والاقتراحات تطبيق عملي لمساعدة المتألمين والمصابين.. أما على المستوى الجماعي؛ فتأتي خطبة الجمعة لتبْسط أمام الناس ما يعانون من مشكلات، ويمضي الخطيب في طرح الحلول لها... ويحث الناس على العمل على إنفاذ تلك الحلول... وربما كان هذا أحد أسباب التحذير والوعيد لمن يكرر التخلف عن صلاة الجمعة .. لأنه إن كان هذا المتخلف في مشكلة؛ فقد تقوقع في بيته وحرم نفسه من معالجتها وحلها، حين يحضر الصلاة. وإن لم يكن ذا مشكلة؛ فيكون قد حرم غيره مما لديه من خير يقدمه لهم ...فالجمعة عيد...فيه دفع لشر وحل لمشكلات أو جلب لخير كثير، وفوائد جمة.



واتخذ الله للأمة الإسلامية عيدين آخرين في العام، وقّتَهما لها في ميقاتين يكون فيهما إمكانية العطاء للخير أو الدفع للضر في أوجها... عيد الفطر.. الذي يأتي عقب شهر قد شُحذت به الهمم، وصُقلت به النفوس، وتدربت على كل ما ينفع.. وفيه تكون أقدرَ ما تكون على بذل الخير، وحل مشكلات الأمة ...إنه عيد على المستوى الفردي للفقير والغني؛ فالفقير يستهله وقد كفاه الله في ذلك اليوم، عن طريق زكاة الفطر، همَّ التفكير في قوت ذلك اليوم له أو لعائلته.. وزكاة الفطر فريضة من الله لا منة فيها لغني.. أما الغني فربما يكون حظه منها أكثر من حظ آخذها الفقير.. فهي مكفّرة عن أخطائه، وزلاته، طيلة أيام رمضان.. وهو عيد على مستوى الأمة لأنها تعيش يومًا يغير ما تعودت عليه من قبل... تغيير يبدأ منذ شروق شمس ذلك اليوم، تغيير تشير إليه طريقة أداء الصلاة فيه.. فتكبيراتها تختلف، وفيها تقدّم الصلاة على الخطبة... تغيير تمثل بمظاهر الفرح والبهجة حين كان فيه الفتية الأحباش يرقصون ويلعبون، وتقف أم المؤمنين عائشة تنظر إليهم، وهي تقف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وتمثل في غناء الجاريتين في بيت عائشة والرسول صلى الله عليه وسلم موجود... وتمثل في ذهاب الكبار والصغار رجالاً ونساءً حتى الحُيّض منهنّ إلى موقع ذلك الحشد الفريد الكبير(المُصلّى) ليشهدوا الخير وليحسوا بالسعادة... إنه ليس يومًا كسائر الأيام.. وكأن لسان حال ذاك اليوم يقول للمسلمين.. أنا لا أكون عيدًا ما لم تميزوني بتغييرات في حياتكم ومظهرها الخارجي... ففي رمضان أمسكتم عن الطعام والشراب طاعة وتقربًا إلى الله.. والآن هيا كلوا واشربوا طاعة وتقربًا إلى الله... فهما هدية منه إليكم.. ولذلك لا يجوز الصيام في ذلك اليوم لأن صائم ذلك اليوم كأنه، بفعله ذاك، قد رفض هدية الرحمن... وفي رمضان كنتم تصومون وتقومون للوصول إلى التقوى التي هي الهدف من الصوم.. واليوم أظْهِروا هذا الهدف تعاونًا وتراحمًا وفيما بينكم، وتلمّسًا لمشكلات بعضكم بعضًا وسعياً لحلها حتى تجعلوا الفرحة جلية على وجوهكم ولو أنها نبتت من بين الآلام والأحزان...



والتغير مهم جدًا في حياة الناس "إنَّ اللهَ لا يُغيّر ما بِقومٍ حتى يُغيِّروا ما بِأَنْفُسِهم" وبالتغيير لا تتحكم فيهم عادة واحدة، يصبحون منقادين لها... والتدريب على التغيير هو منح الإنسان قدرةً على الانتقال من عادة إلى أخرى أو من حال إلى حال، وهذا ما يطلق عليه "القدرة على التكيف والتلاؤم" وهو خير حين يكون في فيه مصلحة..... والتغيير مهم في استمرار حيوية الأمة وبقائها... وبذلك يتمكن المسلم من تكييف واقعه ليتناسب مع كل ما يتطلبه واقع إخوانه المسلمين، فيصبح يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، وفيه تتغير النفس الشحيحة البخيلة، لتصبح معطاء كريمة.. وتتغير النفس الجبانة الخائرة، لتصبح مقدامة شجاعة.. وتتغير النفس الهلوعة الجزوعة، لتصبح صابرة محتسبة... وتتغير النفس الأنانية إلى نفس مُفْعمة بالإيثار والغيرية...



والعيد الآخر هو عيد الأضحى، الذي يأتي في ثنايا أيام كلها عبادة... أيام تقرب إلى الله... ونبذ لسلطان العواطف وحظوظ النفس... واجتماع أفراد الأمة قاطبة من كل أصقاع الأرض... فيه من المزايا ما يشحذ النفس البشرية، تنطلق من دائرتها الشخصية لتعبر الآفاق التي وفد منها الحجيج.. فيه تبتهج جزلة بتحقق الأخوة في الله. ... كما أن فيه يُتاح لخبرات جميع الحاضرين في هذا الملتقى العظيم أن يتم تبادلها فيما بينهم في هذا اليوم... وفي عيد الأضحى وما يسبقه من أيام وما يتلوه مظاهر عديدة للتغيير...فأي عيد يمكن أن يكون أنجع للأمة وأبهج لنفوس أفرادها من هذا اليوم...؟!



فأيام الأعياد يجب أن يعيشها المسلم في سعادة وطُمأنينة وبهجة؛ حتى ولو كانت تحف به المشكلات والمخاطر، لأنها فيها، أولاً وأخيرًا، يزول ما به من آلام، أو تُخفّف عنه.. تلك الأيام هي بحق أيام عيد له مهما كانت أحواله.. فلننظر هل يعيش الواحد منا تلك المعاني؟!
الجمعة يوم عيد افطر لعام 1431                                      محمد جميل جانودي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق