الاثنين، 20 سبتمبر 2010

الخاطرة السابعة

حقّ الطّريق...(1)
عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والجلوسَ في الطرقاتِ . قالوا : يا رسول الله ! مالنا بدٌ من مجالسنا . نتحدثُ فيها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا أبيتم إلا المجلسَ ، فأعْطوا الطريق حقهُ . قالوا : وما حقُّه ؟ قال : غضُّ البصر ، وكفُّ الأذى ، وردُّ السلام ، والأمرُ بالمعروف ، والنهيُ عن المنكر.
وزِيْدَ في روايةٍ أُخْرى: ((وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال)).
لا يمكن أن يستغني الناسُ عن استخدام الطريق؛ مرورًا أو جلوسًا، أو قضاءً لحاجاتٍ لهم كبيع أو شراء أو لقاء... ولقد حذَّر الرسولُ صلى الله عليه وسلم من الجلوس تحديدًا، لما يترتب عليه من ُمنكرات ومخالفات.. ومثل الجلوسِ كل ما يشبهه في الآثار المترتبة عليه..
وإن كان لا بد من ذلك فقد طلب إليهم أن يعطوا الطريق حقه...ومن حق الطريق:
أولاً: غضّ البصر؛ والغضّ هو الخفض والكفّ والكسر... ولا يقتضي أيّ منها المنعَ المطلق بالضرورة..ولما كان الطريق لا يخلو من مارة، أو واقفين لعَرَض ما، فعلى مستخدم هذا الطريق، أنى كانت صورة استخدامه له، أن لا يرفع بصره ويُحمْلق في الآخرين؛ مارين كانوا أم واقفين.. لأن ذلك يثير في نفوسهم تساؤلاتٍ وشكوكًا، وربما يوقعُهم في حرج.. هذا فضلاً عن كونِ المبْصَر في بعض الأحيان ممن يَحرم إدامة النظر إليه..
وقد يكون من بين مستخدمي الطريق مبتلًى كأن يكون أعرجَ أو مُقعدًا أو أعورَ أو غير ذلك، فإدامة النظر إليه تجعله يظن أنه موضعُ سخريةٍ أو ازدراءٍ أو تحقيرٍ، فتصغر نفسه في عينه، ويتألم.. وربما يتولد عنده كره أو حقد لِمُديمِ النظر إليه.. أو أن إدامة النظر إليه تجعله يظن أنه موضعُ استرحام واستعطاف.. وهذا أيضًا يؤذيه... وفي الحالين يحسُّ بأنه يبدو في وضعه نشازًا عن غيره.. وإن كانت تبدو على المنظور إليه سماتُ الغنى ورغدِ العيش كأن يركبُ سيارة فارهة، أو يلبسُ ثيابًا ثمينةً وأنيقةً، فربما يذهب الظنُّ عنده فيمن يطيل النظرَ إليه على أنه يحسده... أو أنه يريد التعرف عليه بدقة حتى يسرقَه، أو يُوقِع به أذًى من نوعٍ ما.
وأمرٌ آخر، فإن الذي يُشغل نفسَه بتحويل بصره إلى هذا وذاك، أو إلى هذه وتلك، فإنه ينصرف عن الغرض الذي من أجله جاء إلى مكانه الذي هو فيه.. فلو أنه كان ينتظر سيارة فربما تمر ولا يراها... وإن كان يتوقع نداءً لاسمه من أجل عملٍ ما فقد يُنادَى باسمه ولا يسمعُه، بسبب ذلك الانشغال...وهكذا..
وفُضُول إطلاقِ البصر يؤدي أحيانًا إلى ندمٍ وحسرةٍ.. فكم من مبصر شيئًا تمنى لو أنه لم يرهُ.. إما لبشاعةِ ما رأى، أو لأنه عاجز عن القيام بأمر ما حيال ما رأى، فيبقى يُقَرّع نفسه ندما على إطلاق بصره هنا وهناك من غير ضابط ...
وإنْ فَشَتْ هذه الخصلةُ (عدم غض البصر) في مجتمع ما؛ فإن من شأنها أن تولّد البغضاء والضغائنَ بين أفراده..و هنا تتجلّى عظمة التوجيه القرآني الكريم " قُلْ للمُؤْمنينَ يغُضّوا مِنْ أبْصَارهِم ويحفظوا فروجَهم، وقل للمُؤمنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصارِهِنَّ ويحََْفَظْن فروجَهن.." وإن كان السياق يدلُّ على دفعِ غائلةِ إثارةِ الشهوة الحرام..بعدم غضِّ البصر..فهو توجيهٌ يمكن تعميمُه ليشمل كل المحظوراتِ التي يمكن أن تنجمَ عنْ هذه النِّحْلة.
فالذي يغضُّ بصره عمَّن لا يعنيه يكون قد جلب لنفسه ولغيره فوائدَ جمةً، ومنافعَ كثيرةً وفي الوقت نفسه يكون قد دفع عن نفسه وعن غيره مضارَّ وشرورًا مُهلكةً.
أنا لا أرى مـا لا يُجيـزُ الله لي رُؤْيَـاهُ
في البيتِ أو في الدّرْبِ أو فيْ مَوْضِعٍ أغْشَاهُ
وعلينا أن نفرّق بين فُضُوليِّ البصر وبين البصير.. فالأخير يرى ما ينبغي رؤيتُه بقصد الإصلاح والتحسين أو العون والمساعدة.. فلا يجوز المرور في الطريق وإغماضُ العين عمن يحتاج إلى عون ومن ثم يفوتُه تقديم العون له، أو عمّن يؤذي الآخرين وعدم ردعه عن أذاه... أو عن شيء مؤذٍ كشوكة تدخل في رِجْلِ ماش، أو عن مسمار يمكن أن يخرِّب إطارَ سيارة، أو عن شيءٍ فاسدٍ يؤذي الناس برائحته أو شكله، فأمثالُ هذه الأشياءِ المؤذية وأمثالها يجب ألا يغفل عنها المؤمن لأن إماطتها من شُعَبِ الإيمان. والذي يُشيحُ ببصره عنها يُخشى أن يدخل في قوله تعالى " ولهم أعين لا يُبصرون بها"
كما وينبغي ألا يغفلَ المرء النظر بإمعانٍ إلى جميع اللوحات الإرشادية المثبتة في الطرقات، لأن في إغفالها إعاقة، وإضاعة للوقت، وربما ينجم عنه ضررٌ.. ولا عن تلك التي تشرح كيفية الحصول على أمر أو القيام بعمل أو الوصول إلى هدف عام..كتلك التي تكون موجودة في الدوائر والدواوين..
ويُلْحَقُ بالطريق الأماكنُ التي ينتظر فيها الناس، كمراكزِ انطلاق السيارات، والمطارات، وصالات الانتظار في المستشفيات، وفي الدوائر الرسمية لإنجاز المعاملات، ومراكز الأسواق، والملاعب والمنتزهات...
والخلاصة فالبصر حين يكون صاحبه فُضوليّا، ويؤدّي إلى ما ذُكر أعلاه هو بصر مسؤول عنه، ومُحاسَبٌ عليه " إنّ السّمع والبصرَ والفؤادَ كلُّ أُولئِكَ كانَ عنْه مَسْؤولًا" أما البصر الذي يقود إلى عون الآخرين، ودفع الأذى عنهم فهو بصر مأجور..(( عينان لا تمسّهما النار، عينٌ بكتْ منْ خشيةِ الله، وعين باتتْ تحرُسُ في سلب الله" وشتّان ما بين البصرين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق