السبت، 9 أكتوبر 2010

الخاطرة العاشرة

حق الطريق...(4)
في الخواطر الثلاث السابقة تمّ عرض الحقوق الأول والثاني الثالث لمن يريد الجلوس في الطرقات وهي غض البصر،وكفّ الأذى، ورد السلام وهذه الخاطرة ستتناول الحق الرابع: 
رابعًا: الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المُنكر؛ والمعروف:هو في المقام الأول ما عرفه كل الناس معرفة فطرية، في كل زمان ومكان.. والمعروف مفعول فهو يحتاج إلى فاعل...أما المنكر فهو نقيضه؛ إنّه مجهول غير معلوم... ولما كان الإنسان بفطرته يألف المعروف وينبذ المجهول (الإنسان عدو ما يجهل)، ففطرته –إن لم تَشُبْها شائبة، ولم يحدث لها أي انتكاس- فإنها تسعى إلى المعروف حبًا وعملاً وتنأى عن المنكر بُغضًا وتركًا..
فالإيمان بالله معروف، والإيمان بالرسُل معروف، والإيمان بالكتب المنزلة من عند الله معروف، والإيمان بالقدر معروف، ..وعبادة الله معروف، كل هذا معروف لأن الفطرة الأصيلة تتوائم معه، وتدعو إليه.. والصدق معروف، والأمانة معروف، والوفاء معروف، وكسب الحلال معروف، والبر معروف، والإحسان معروف، والكرم معروف، والحياء معروف، وقول الحق معروف، والقول الحسن للناس معروف، والصدقة معروف، ونفع الناس معروف، وإلقاء السلام معروف، والرد عليه معروف، ونصرة المظلوم معروف، وردع الظالم معروف، وطاعة ولي الأمر بالمعروف معروف، والجهاد لنشر العدل معروف، والتراحم معروف، والتواضع معروف، والتناصح معروف، والتزاور معروف، والحكم بما أنزل الله معروف، وكل ما تتقبله الفطرة السليمة وتستسيغه معروف...
ونقيض ذلك هو المنكر...فالكفر بالله أو برسله أو بكتبه أو بملائكته أو بقدَره منكر، والاستنكاف عن عبادة الله منكر، والكذب منكر، والغشُّ منكر، والخيانة منكر، والسرقة منكر، والفجور منكر، والعقوق منكر، والبخل منكر، وعدم قول الحق منكر، وإخلاف الموعد منكر، وخِذلان المظلوم منكر، والتكبر منكر، والتقاطع منكر، والتدابر مُنكر، والتناجش منكر، والتحاسد منكر، والبغي منكر، والظلم منكر، والفحش في أي شيء منكر، والتبذير منكر، والتقتير منكر، والنظر إلى الحرام منكر، والغيبة منكر، والنميمة منكر، وطاعة الناس فيما يُغضب الله منكر، وكل ما تنفر منه الفطرة السليمة وتأباه مُنْكَر..
والطريق ميدان فسيح، يغدو فيه الناس، ويروحون، يقفون وينتظرون، يبيعون ويشترون، يتسلون بالأحاديث، ويتعاتبون ويتلاومون، أو يُثنون على بعضهم بعضًا ويشكرون.. وفي الطريق أصناف شتى من الناس ؛ فيهم الغني والفقير، وفيهم المتعلم والجاهل، وفيهم القوي والضعيف، وفيهم الصحيح السليم المعافى والمريض المُبْتلى.. وفيهم ذو الجاه والمنصب وفيهم الذي من "عامّة الناس"، وفيهم الحليم والسّفيه، وفيهم العجول والمهول، وفيهم الكريم والبخيل.... وعليه فالطريق أولى مكانًا من غيره لأداء هذا الحق.. " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، والأمر يكون أنواعًا فهو إما التماس وإما طلب وإما رجاء ودعاء... وعلى مُستخدم الطريق أن يكون لديه من الحكمة وحسن التصرف اللذين يجعلاه يختار أي نوع يمارس مع الآخرين...وأي معروف أولى بالأمر به، وأي مُنكر أولى بالنّهي عنه.. فهو يلتمس ممن يناظره ويعادله عملَ معروف، أو اجتناب مُنكر، أما إن كان أدنى منه منزلة، ولهذا الدنو وجهة شرعية؛ كالابن مع أبيه، أو الطالب مع معلّمه، أو الصغير مع الكبير، أو أحد الناس مع ولي الأمر...فعليه أن يتلطف معه حين يطلب منه القيام بمعروف أو اجتناب مُنكر.. وإن كان أعلى منه منزلة فعليه أن يُضمّن ما يأمره به رقة وعطفًا وحباً.. وإذا اقتضى الأمر اتباع الشدة في ذلك فيُراعى فيها ألا تؤدي إلى ما لا يُرضي الله من قول أو عمل...
وطاعةُ أمرٍ بمعروفٍ تكون سهلة على النفس.. لأنها تنفذ أمرًا تحبه بالفطرة وتميل إليه...تمامًا مثل أن يأمر إنسان إنسانًا آخر بأن يكون ثوبه نظيفًا أو بأن يأكل من طعام يُحبّه ويشتهيه، أو بأن يزور صديقًا يودّه ويألفه... وإذا ما لُوحظ أيُّ تلكؤٍ في تلك الطاعة فإن مرد ذلك يكون لعلّة في الآمر أو المأمور، ويُعالج ذلك حسب الحالة...
وحين يقتدي مجتمع ما بالمجتمع الذي يُخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم أفراده، فعندئذ يتعاون الجميع بتوزيع المهام فيما بينهم، كل حسب طاقته وخبرته وموقعه، لإنفاذ هذا الحق الكبير، من غير تعدّ أو تنازع، فلا تبقى ثغرة إلا وتُسد، كلُّ ذلك يتمّ عن تراض وتفاهم..   
فإذا حصل ذلك في الطريق بات الطريق آمنًا، وأحس من فيه بالفرحة والسعادة... ووصل كل واحد إلى مبتغاه من استخدام الطريق من غير حيف أو تعطيل... وحينئذٍ يكون الناس قد ساروا في طريق تكوين خير أمة على وجه الأرض " كنتم خيرَ أُمّة أُخْرِجَت للنّاس تأمُرون بالمعروف وتنْهَون عن المنكر وتؤمنون بالله.."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق