السبت، 2 أكتوبر 2010

وقفة عند خبر(2)

وجعلنا الليل لِباسًا...والنهار معاشًا
الليل هو تلك الفترة من اليوم التي تغيب فيها الشمس عن الأرض،أي من غروبها مساءً إلى طلوعها صباحًا، وبعضهم قال: من غروبهَا مساءً إلى طلوع الفجر. ولما كانت الشمس هي مصدر الضوء الوحيد للأرض، ففترة الليل هي فترة ظلامٍ للأرض... وجعل الله سبحانه وتعالى فترة أوج الظلام من الليل (بين العشاء والفجر) فترة الخلود إلى النّوم، وهو وحده سبحانه يعلم الأصلح لعباده، وما يحتاجونه إليه:
 ﭧ ﭨ ﭽ                      الملك: ١٤
ولقد عبّر القرآن الكريم عن الليل بكلمات وأوصاف تتناسب تمامًا مع المهمة التي أوكلت إليه بالنسبة للإنسان..وهي (النوم)، والنوم هو الرقود، ويأتي بمعنى الموت..وهذا يعني التوقف عن العمل الذي كان يُمارَس نهارًا والخلود إلى الراحة...قال تعالى:
                   ﮤﮥ                  يونس: ٦٧     
  فكما أن الذي يعمل في الهاجرة، وتحت أشعة الشمس المحرقة، يأوي بين فترة وأخرى إلى ظلٍ يخيم عليه بسكينة وهدوء، حتى يلتقط أنفاسه ويعود إليه نشاطه، فيقفز إلى عمله ثانية بهمة عالية، ورغبة كبيرة..كذلك حين يُمضي الإنسان معظم نهاره في العمل الدؤوب.. فقد جعل الله له سكنًا آمنًا تتوفر فيه كل أسباب الراحة النفسية والجسدية، ليدخله ويتزود منه ما يجعله قادرًا على متابعة عمله في اليوم التالي بحيوية ونشاط...
وقد جعل الله سبحانه وتعالى ظلام الليل بيئة ملائمة ومناسبة لتحقيق تلك الراحة وشحن الإنسان (ماديّا ومعنويَا) ليغدو جاهزا للانطلاق في الغد إلى عمله... فإبصار النهار مناسب لما يكون فيه من عمل وجد... وظلام الليل مناسب لما يكون فيه من نوم وخلوة مع الخالق في بعض ساعاته... وبكلٍ من النوم والخلوة يشحن الإنسان نفسه ماديًا ومعنويًا..
وعليه فإبصار النهار، وإظلام الليل؛ ضروريان لاستمرار حياة نافعة وسوية على الأرض..فالأول لابتغاء فضل الله وإعمار الأرض بما ينفع الناس، والثاني لتعويض الإنسان ما يستهلكه من طاقة مادية أومعنوية ليستأنف مهمته من جديد..
قال تعالى:
                                               ﭡﭢ                                                        ﭸﭹ            ﭿ                                  القصص: ٧١ - ٧٣  
فالسمع والبصر معًا هما القوام الرئيس لأي نشاط للإنسان على الأرض. ويكون السمع على أوجه ويبلغ مداه في الليل؛ لتوفر الهدوء والسكون... والبصر يكون على أوجِه في النهار؛ لتوفر الضوء، وخروج المبصَراتِ من أماكن تواريها...وكأن الآيات الكريمة تنبه الناس إلى أن نجاح حياتهم في إعمار الأرض منوط بأسماعهم المرهفة وأبصارهم الحادة، وبهما، أي بالأسماع وبالأبصار، يحصل الإنسان على أعظم قدر من الاستفادة منهما بتعاقب الليل والنهار.. وهذا لا يتحقق بسرمدية أي منهما، ولقد عرف الإنسان منذ القدم أنه إذا أراد تحري مصدرٍ للسمع فيلجأ إلى الليل فإنه (أي الليل) في ذاك التحري خيرٌ من النهار، ونلاحظ في عصرنا؛ عصر التقنية الحديثة أن كثيرًا من الأجهزة التي تصلنا الأصوات بواسطتها يكون أداؤها ليلاً أفضل منه نهارًا...وكذلك الإبصار فهو في النهار أشمل وأوسع وأجدى... ومهما كانت المصابيح قوية وذات انتشار واسع فإنها لا يمكنها أن تحل محل ضوء النهار... هذا فضلاً عن أنّ لضوء الشمس مهامَّ أخرى مثل تمثيل غذاء النبات، واستخراج الطاقة من أشعة الشمس، والقضاء على العديد من الكائنات الضارة...
ولا يمكن أن ينوب ليل عن نهار، ولا نهار عن ليل في أداء المهام.... ومن ثمّ فيخطئ من يظن أنه يعوض عما فاته من نوم ليلاً بنوم في النهار.. ويُخطئ من يظن أنه يمكن أن يُنجز في الليل ما يلزم إنجازه في النهار..
هذا يدعونا إلى أن نقف عند الخبر الذي أورده موقع "الجزيرة" يوم الأحد في 17/10/ 1431هـ من أن عدم النوم في الليل، وإنجاز أعمال النهار فيه يسبب اضطرابًا في حياة الإنسان ويؤدي إلى ظهور أمراض خطيرة عنده:
جاء في الخبر: "كشفت دراسة طبية ألمانية عن وجود علاقة مؤكدة بين ارتفاع خطر إصابة النساء والرجال بمرضى سرطان الثدي والبروستاتا وعملهم ليلا أو تغييرهم نوبات دوامهم لفترة طويلة."
وأوضح المشرف على إعداد الدراسة رئيس مجموعة البحوث الطبية بجامعة كولونيا البروفيسور توماس أرين أن هرمون الميلاتونين لا يعمل إلا أثناء النوم في الظلام فقط، وله وظيفة طبيعية واحدة هي الاستفادة من الليل المظلم في تقوية الجهاز المناعي ووقاية الجسم من الأورام الخبيثة ومن بعض الأمراض.
وقال أرين للجزيرة نت: إن تجارب أجريت في إطار الدراسة على حيوانات تعرضت للضوء خلال الليل لفترة طويلة أظهرت وجود علاقة قوية بين النشاط الحركي في الضوء ليلا وتعطل هرمون الميلاتونين المعيق لنمو السرطان بالجسم.
نقف عند هذا الخبر ثم نسأل: من يدري، في قابل الأيام، بِما ستدفع إلينا المواقع والصحف والفضائيات من إضافات أخرى لأمراض وعلل ومشكلات تترتب على محاولة الإنسان لتغيير سنة الله فيما يخصه أو يخص الكون من حوله.. وهو ليس بقادر.. 
نقف عند هذا الخبر ونحن نتدبر قول الله تعالى:                       النبأ: ١٠ - ١١
واللباس هو ستر ووقاية لللابس وحماية له من الأخطار، واللابس هنا هو جميع المخلوقات التي يكتنفها الليل بأجنحته، ويُسدل عليها ظلامه...ومنها الإنسان.. وإذا كانت الثياب والريش تقي الإنسان من الحر والبرد، فإن لباس الليل يقيه من أمور كثيرة، قد يصل الإنسان إلى علم بعضها.. كما أشار الخبر.. فالليل بظلامه وحثه الفطري للإنسان على نوم بعضه يكون واقيًا من كثير من الأخطار التي تهدد الجسم..
وفي الليل خطا دفاع للجسم، فهو خط دفاع لكونه سكنًا (( وَحَعلَ اللّيلَ سَكَنًا)) الأنعام 96.  وهو خط دفاع آخر لكونه لباسًا.. فالذي يود الاستفادة من هذين الخطين عليه أن يستغل الليل كلّه من مبدئه إلى نهايته بما وجه الله تعالى من عمل فيه؛ كالنوم، وقيام الليل؛ بصلاةٍ أو دعاءٍ أو ذكْرِ أو تسبيحٍ أو عِْلمٍ أوجهادٍ.. وأما الذي يسخّر جزءًا من ليله في غير ما وجّه الله إليه فكأنّما هدم جدارًا من جُدُر سكنه، أو فتح ثغرة في الجدار فتدخل منها الأخطار التي تُحدق به...
وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: ((أطفئوا المصابيح إذا رقدتم ، و أغلقوا الأبواب ، و أوكئوا الأسقية ، و خمروا الطعام و الشراب ، ولو بعود تعرضه عليه )). صحيح الجامع .
وبإطفاء المصابيح إتاحةٌ لظلام الليل أن يخيم على النائم لتتحقق الفائدة المرجوة منه، بالإضافة إلى اتقاء شر حريق قد ينشب بسببها وغير ذلك.
فالحمد لله أولاً وأخيرًا على أن شرّفنا بالقرآن الكريم، ووجهنا فيه إلى ما فيه خيرنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة.     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق