الأربعاء، 29 فبراير 2012

قتلوك يا ولدي وأنت بُريعم


هل نفهم بكاءكِ يا أختنا....؟؟!
في الغالب لم تَكُـنْ الْمُذيْعةُ (فوز الخمعلي) على شاشة الإخبارية السعودية[1] تدري أن إذاعتها لخبر مقتل الطفل فداء محمد الضياء من بلدة ((نوى)) على يد محترفي القتل من شبيحة السلطة في سوريا...ستكشف ما لديها من ضمير يقِظ، وقلبٍ حي، وعاطفة جياشة، صادقة ونبيلة... وربما لم تكن مستعدّة لرؤية الدم الطاهر وهو يتدفق من جسد فداء، ووالدُه إلى جانبه، يُحاول أن يحميه؛ فلم يستطع لأن رصاصة القاتل كانت أسرع في الوصول إلى ابنه من قدميه اللتين لم تقدرا على حمله بعد أن رأى فلذة كبده يهوي على الأرض وسط بركة من دمه الزكي...
ومن ثمّ فلم يكن غريبًا منها أن تبكي، وأن تجهش في البكاء...ذلك لأن المفاجأة مروعة في جميع الاتجاهات... هي مروعة للعين فتعلوها غشاوة كي لا ترى فظاعة الجريمة... وهي مروعة للقلب فتتسارع ضرباته معلنًا عن غضبه واشمئزازه مما وعى من تلك الجريمة... وهي مروعة للنفس وأحاسيسها فتحفز الدموع إلى أن تسيل مدرارًا لتخفف من ذهول ما أصابها.... وعندئذٍ ترتجف الأيدي... ويتهدج الصوت وتختنق الحناجر وتختفي الكلمات في سحابة الأسى والحزن التي تُخيم على الحواس والمشاعر... وهذا ما جرى للمذيعة الفاضلة... وقد حاولت أن تضبط عواطفها، وأن تسيطر على مشاعرها وأحاسيسها... ولكنها كانت ضعيفة أمام قوة الفعل... وهول الحدث... وفداحة الخطب... وحق لها ذلك...
 أجل... لأنها فهمت من جملة ما فهمت أن معنى قتل الطفولة هو قتل للبراءة والنقاء والصفاء في أعماق النفس البشرية... وهذا ليس بالأمر الهين ومن ثمّ يستحق البكاء... والإجهاش بالبكاء... وفهمت أن معنى قتل الطفولة هو قتل للأمل العريض والفسيح، الذي تتطلع إليه الأجيال وهي تبني نفسها وأمتها بادئ ذي بدء من مرحلة الطفولة... وإذ بالأمل يتلاشى...بتلك الطلقة القذرة بقذارة مطلقها...وهذا ليس بالأمر الهين أيضًا وهو يستحق البكاء ... والإجهاش بالبكاء.... وفهمت من جملة ما فهمت أن معنى قتل الطفولة هو الإعداد لمستقبل أسود، ومصير مجهول؛ لأمة كانت تتطلع إلى أطفالها على أنهم زهرات ذلك المستقبل، ونُوى ثمارها اليانعة... وهذا ليس بالأمر الهين وهو يستحق البكاء والإجهاش بالبكاء... وفهمتْ أيضًا أن معنى قتل الطفولة هو قتل للإنسانية جمعاء... لأن ذلك يعني إجهازًا على كل ما يضمن للإنسانية الاستمرار لتعمر الأرض بالصالح من العمل، والنافع من الجهد... وهذا والله لأمر جلل؛ يستحق البكاء والإجهاش بالبكاء.... فهل أدرك أولئك الذين يدافعون عن هذا القتل وهؤلاء القتلة عِظم الجريمة التي يرتكبونها بحق الإنسانية وآمالها ومستقبلها؟؟... ولن يفعل ذلك أحد عنده عقل راجح، وقلب واع، وبصيرة نافذة وإحساس مرهف... لأن من يملك كل أولئك لابد أن يفهم مثل ما فهمت هذه المذيعة الحرّة الكريمة، ذاتُ القلب الكبير، والفكرِ المستنير.. وهذا الفهم لا يأتي من فراغ.. وإنما نتيجة جهد مضن في تربية مستقيمة، ونشأة صالحة... وأنّى هذا لمن عمل مشرفو التربية عنده على نكس الفطرة، وحرفها عن طبيعتها التي جبلها الله سبحانه وتعالى عليها...
فتحية لك يا أختنا الفاضلة من أعماق قلب كل حر شريف... وتحية للمنبت الحسن، والمنشأ الصالح اللذين نشأت فيهما فَسَمَوَا بك إلى هذا المستوى من الرقي الإنساني الرفيع... وإن أمة ما زال في أبنائها ضمائر حية، وقلوب نابضة بالحق والكرامة لهي أمة جديرة بأن تتبوأ مكانًا مرموقًا وقياديا في المجتمع الإنساني... فلتصبر على وعورة الطريق، وغلاء الثمن... فكل كريم غالٍ ونفيس، وكل وضيع بَخْسٌ ورخيص...
أحييك يا أختنا الكريمة من خلال هذه القصيدة.. وأنا أعلم أن الكلمات لَتعجز عن التعبير بصدق عن سمو المعاني التي كلنا يرنو إليها، وعَبَّرت عنها ببُكائك العفوي الأصيل...     
قَتَـلوْكَ يا ولدي وأنتَ بُرَيْعِمٌ...
اِبْكِي الشَّهِيْدَ وردّدي معـنا الدّعاء    اِبْكِي الطّــفُـولةَ وهْيَ  تُـنْحَرُ في الْعَـرَاءْ
اِبْــــكـي "فـِـــــداءً" إنَّ قَلْبَــــــكِ شـَـــاهِدٌ    لَمْ يستَطِعْ صَمْتًا عَـلى طَــمْـسِ الضِّيَاءْ
اِبْـــــــكِي عَـلَــيْهِ فَـلَـنْ يَـلُوْمَكِ عَـاقِــــلٌ    إنّ الْــمَــلامَـــةَ هَــهُــــــــــنَا مَحْــضُ الْـغَــــبَـاءْ
جُـودِي بِــدَمْـعِـكِ واستَــزيدي سيــلَهُ    أَوَلَـــسْـــــتِ تَـبْكِـيْـــــنَ البـــَـــــراءة والنَّــقَـــــــاءْ؟!
اِبْكِــي عَـلَـيْـــــــهِ فَإنّ دَمْــعَـكِ مُـذْهِـــبٌ    دَرَن الْــــــقَــسَــــــــاوَةِ والبَــــــــلادَةِ والشَّــــقَـــاءْ
يا أُخْـــــتــــــــنَــا، اِبْـــــــكيْ ولا تَـــتَــــردَّدي    فالنَّــفْــسُ يَــهْـــــدأُ رَوْعُــــهَـا حِيْــنَ الْـبُـكَـاءْ
يَــا أُخْــتَـــــــنـــــا إنّ الْبُــــــــكاءَ لَـرَحْــــــمَــــةٌ    مِـــنْ رَبِّـــنَــا سَـكَــنَـــتْ قُـلُــوبَ الأتْـــقِــــيَـــاءْ
اِبْـــــــكِيْ ريَـاحِـــــيْـــنَ الشَّــآمِ وقدْ بــَـدَتْ     في قَـــبْـــضَـةِ الْجَـزَّارِ يـَـذبَــحُ مَا يَشَـــاءْ
اِبْكـــِي الْــورُوْدَ وقدْ غَــــَدَتْ مـدْفـونـةً     تَحـتَ الثَّـرَى، منْ غَــيْرِ مَاءٍ أوْ هَـوَاءْ
لَسْــــتِ الْوحِــيْـــــدةَ يا أُخَـــيَّـــــةُ فَاذْرِفـي   دمْعًا سَخِـيًّـا في الصّبَاحِ وفي الْمَسَاءْ
فَلأَنْـــــتِ نَـحْــــنُ ونَــحْـــــنُ أَنْـتِ وكلّنـَـا    يَـــا أُخْــتَــنَــا فيْمــا نُحِــــسُّ عَـــــلى سَــواءْ
اِبْـــــكِيْ عَلَى الطّـــفْــلِ الّذي أَبْــصَرْتِـه    في شَـاشَـــةِ الرّائِــــــيْ تَضَـــرّجَ بالــدّمَاءْ
مَــــا حَــــالُ والِـــــــــدِهِ الّـــــــذي بِـــجِــوَارِه    لَـمّـــــــا قَــضَـى فـي حُــجْــرِه، يا لَــــلْــبـــَـلاءْ
يَـــرْنُـــــو إلَــيْـــــهِ وقـَـدْ تَــــقَــــطَّعَ قَــــــلْـبُـــهُ    ولَــدِي حَبِــيْــبِــيْ قَـــــدْ رَضِيْــنَـا بالْقـَـضَـاءْ
قَــتَـــلُوكَ غَـــضـّـــًا يا بُــنَـــيَّ بحِقْـــدِهِـــمْ    تـَــبّــــًا لَــهُــــــمْ مِـنْ أَشقِـــيَـــــــــاءَ وأَغْـــــــبِـبَــاءْ
قَــتَـــــلُوكَ يَـا ولَــــــدِي وأنْـــــــــتَ بُــرَيْـــــعِمٌ    لا تَعْــرِفُ الحِقْــدَ الدّفِــيْنَ ولا العَـــدَاء!
قَــتَــــلُــوكَ في وضَــــحِ النّــهَـار لأنّـــهُم     قَـــدْ جُـــرّدوا مِــنْ كلّ خــيْــــرٍ أو حَـيَـاءْ
اِبْـــكِــيْ عَـليْــهِ فَــــــإنّ دمْــعَـــــكِ شــَــاهِـدٌ     يَـــــرْويْ إلى الأجيَــالِ لُــــؤْمَ الأَدْعِـــيَاءْ
اِبْــــــكـِيْ عَــــــلَــيْـــــــهِ بُــــــــكاءَ شــَــــوْقٍ إنَـــّهُ    قَـــــدْ طــار شَــوقـــــــًا لِلْجِـنَــان وللسّــمَاءْ
سَــبــقَــتْــــهُ أتْــــــــرابٌ لَـهُ زُغْـــــــبُ الْحَـــوَا    صِــــلِ طاهِـــــرينَ وأصْـفـِــيَـــاءَ وأبــرِيَـــاءْ
كمْ حَمْـزةٍ ؟ كَم ثَـامِرٍ؟ كمْ هَـاجَـرٍ؟    كم مِنْ (عُلا) أوْدَى بهِمْ أهْـلُ البِغَاء!
اِبْـكِـي علَــــيهِـــــمْ فَـــــالْـــــــبُـــكاءُ يُريْحُـــنـَـا      وبــهِ نَـــــرَى لِمُصَـابِــــنَا حُسْـنَ العَــزَاءْ
جمعة(عذرًا يا حماة......) 11/ربيع الأول/1433 الموافق لـ 3/شباط/2012
محمد جميل جانودي.
انظر الرابط


[1] كان ذلك يوم الأربعاء 1/شباط/ 2012 . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق