الأحد، 26 فبراير 2012

مُناجاة أب وأم لابنهما الشهيد

مُنــاجاة أبوين لابنهما الشهيد
ما أحسب أنه كان يدور بخلد المعلم عليّ أنه سيكون أبًا لشهيد[1] وإن كان كل مؤمن يسأل الله الشهادة...وقد علم الله صدق توجهه في إقباله عليه في نفس تخلصت من شوائب الحياة وأدرانها... ثم أخذ يزكي تلك النفس حتى صفت وسمت...لتستعد إلى حياة أرقى وأفضل...عندئذٍ فرّ مُهاجِرًا بنفسه تلك من كونها ملتصقة بالطين والتراب ولعاعات الدنيا إلى فضاء أوسع وأرحب... فضاء تسبح فيه وهي تعايش الصِّدّيْقيْن والصالحين...وتصغي إلى قصصهم وابتلاءاتهم فتزداد سموًا وتحليقًا...ومن ثمّ فإنّ من كرم الله وفضله أن  خصّه – سبحانه - بمزيدٍ من الحفاوة به وبزوجه وأهله أجمعين، وتكريمهم أيما تكريم... وأي تكريم أعظم وأسمى من أن يكونوا أهلاً لشهيد قضى في سبيل تطهير أرض الشام من ذلك الرجس الذي ابتليت به لعقود...
ولأني قريبٌ من الأبوين، قرب بياض العين من سوادها، فقد كنت أعرفَ الناس بما يدور في نفس كل منهما... وبعضه سمعته منهما كفاحًا... ومن هذا وذاك كانت هذه القصيدة التي أهديها لهما ولكل من يُحس بإحساسهما...ولكل أبوين كُرّما بشهيدٍ مثلهما...
ألا يا ليتني لكَ كنتُ مُهْرا!!....
فراقُــــــكَ يا حَبِيْـــــــبِي كان مُـــــــــــــرّا     رحِـــيْــــلُـــك كان يَـــــــا ولَـــــــــــدي أمَــــــــرّا
فِــراقُــك كان يَعْنــي أنّ رُوحِـــــــــي      تُــــــــفَـــــــارقُ جِسْــمِيَ المـكْـلُـــومَ قـَــــهْـــرا
رحِــيْــلُك كانَ يَــعْني أنَّ بَعْــــضي      يُــغَــــــادِرُنِي فَــــــلا أسْــــــطيْـــع صَــبْــــــرا
حَــلَمْــتُ بأنْ أراكَ غَـدًا بِجَــنْـــــبِي      تـُـواسِيـْــــــــني، وأســـــــعَدُ فيْـــــــــكَ دَهْـــــرا
وفــِيْـــــــكَ رأيْــــــــــــتُ آمَـــالي كِـــبــَــارًا      تُــزاحِـمُـــــــني..أراهَـا وهْـــــــــيَ تَــتْــــرى!
وكِدْتُ أطِيْرُ من فرَحِي حَبيبي      لأنّـــكَ قَـــــــدْ كَـــبُرْتَ وصــــــِرْتَ حـُــرّا
بأنْ غادرْتَ[2] جَيْشَ الظُلْمِ نُبْلاً    لِجَيْشِ الشَّعْــــبِ قدْ أصْبَحْـتَ ذُخْرا
تقَـدّمْـــــــــتَ النّمُــــورَ وأنْــتَ لَيْـــــثٌ       تُـــــــكَــبّـــــــــرُ فــيْـــهِمُ ســِــــــــرًّا وجَــــــــهْــــــرا
بِــهِــــــمْ جـَــاوزْتَ يَــا ولَدي الثُـــريّــا      عَــلَوتَ كَـمَـــا عَــــــــلَوا مَـجْـــدًا وَقَـــــــدْرا
وفــِـي "تَــــلْـــبْــيسة"[3] الغـَــرّاءِ أعْـلى    لَـــكَ الـرّحْمَــــــنُ تَـكْـــريْــــــمــــــــًا وذِكْــــــــرا
وفيْــهَـــــــــا وردةٌ حَــمْــــراءُ تــاهَـــــــــــــتْ      على أتْــــرابِهَــا فِي الأرضِ فَــخْــــــرا
بِــــــــثَـــوبٍ أُرْجُـــوانِــــــيٍّ تَــبَـــاهَــــــــــــتْ      وما أبْـــقَـــتْ عَـلى الأسـْـــــــرار سِتْــــــرا
أنــَا و"أميْـــــــــن" كُــنّـــا في عِــــنـــاقٍ      يفُــــــوحُ عِنَــــــاقُـــــنَـــــا مِسْكًا وعِــــــطْــــــــرا
أنَـــــا مَــــــن رامَ شَــمَّـي ذات يَـــــــومٍ     فَــــــإنَّ دمَــــــــــــــــــــاءَه سَـــــــتـــكُوْنُ مَهـْــــــرا
أنــا مَــــــن رام تقبِـــيْــــلي وضَـــمِّـــــي     فـَــــــــإن عَـــــــــــلَـيْـــــــهِ للّـــــــــذَاتِ هَـــجْــــــــــرا
أنــَا أُدْعَــى "الشهَـادةَ" فاعْــرِفُوْنِي      لــقَـــــــدْ أُوْدِعْــــــــتُ يَـــــــــا عُــشّـــاقُ ســـرّا
بُنَــيَّ عَـرَفْـتُ فِــيْـــــــــكَ بِــهَا هِيَــــامًا     لــقَــــــدْ صَــارَحْــتَني فيْ ذاكَ عَـــشْـــــرا
سمِعْـتَ شــروْطَها فأتَــيْتَ تسْعَى      ونفسُكَ لَـمْ تُــطِـقْ مِنْ بَعْدُ  صبْـــــرا
فأسْـــــرَجْتَ الجَــوادَ وكنْــتَ دومــًا      تُـــــــــــــــدَرّبُ ظَــهْــرَه مُـــــــذْ كانَ مُـهْــــــــرا
لــقـَـــــدْ خَــاطَبْــتَـــــهُ يَــومَـــا بصــــدقٍ      وقُــلْـــــتَ لَــــه: ألا يَـــــا صـــاحِ عُــــــذْرَا
أمـا يَكْفِــــــيْـــــكَ رَعْـــيًا ثــمّ نــَوْمــًــا؟      وفي هَـــذيْــــــنِ قـــدْ أفْـــنَـــــــيْــتَ عُـــمْـــــرا
أمــا يَكْفِيْكَ ركْــضــًا في مُــروجٍ؟      وتــقْـــفِــــــــزُ هــهُـــــــنـَــا وهُـــــــــنَـــاكَ، غِـــــرّا
تُــغَــــــــازلُ هَـــــــــذِهِ حِيْــنًا وحِيــْـــــــنـــًا      صَـهِـْــــــيْـــلُك يَــــمْــلأ الآفَــــــاق هَــــــــــزْرا
وأرضُ الشــام تطلُبُنَـــا حَثِــــيْــــــثــًا       نَكُـــونُ لأهْـــلِهَــا سَــــــــنَـــدًا وظَـــهْــــــــــــــرا
لَـقَــــدْ عَــــاثَ الّــلئــــــــــامُ بهـــا فَسادًا     وإذلالاً ونَـــهْـــــــــــــــــبـــــًا ثُـــــــمّ نَـــــحْـــــــــــــــــرَا
فَـاَطْـــرَقَ ثُــمّ هَــمْهَــمَ في حَـــيـــــــاءٍ      وداعَــــــبِ مِنْــــــكَ ظـهْــرًا ثُــمَّ صـــَــــدْرا
وَأحْــنَـــــــى رأسَـــــهُ خَـــجَلاً وحُــــــبًــــــا      وذلّــــل يا "أمِــــيْـــــــنُ" إلَــــــــيْـــكَ ظَــــهْـــرا
ركبْـتَ عـليــْهِ ثم هَــتَـــفْــتَ هـيَّـــــــــا      فـإنّــي قــدْ وعَــــدتُ الْصَّــحْبَ ظُهْـــرا
ومِـلْتَ عَــلَى الأعَـــادي لا تُبَالِيْ      مَــــلأتَ قــلُــوبَــــهُــــم خَــــوفـــــًا وذُعْـــــــــرا
ولَــمَّا حَانَ وقْــتُ الظّهْر صُبَّــتْ      علَـيْــــكَ حِــــــرَابُـــهُــــــــم ورَمَـــوكَ غَـــــدْرا
سَقيْــــــــتَ الأرضَ شـَـلالاً غَـــزيْرًا       تـَـدفّــــــــــــقَ مِـــــنْ فُـــــــــؤَادِكَ واسْـــتَــــحَـــرّا
رَنــَوْتَ إلَى الْجَـــوادِ وكان يَـــبْكي       وسـالَ الدّمْــعُ مِن عَيْــــــنَـــيْــــــــه نَــهْــــرا
فقُـلْتَ لـَـهُ: ودَاعــًا يَا صـَــديْـــــــقي       وســامِـــــحْــنِي، ولا تَـــحْـــــزَنْ وشـُــــــكرًا
أشـَــارَ لِقَــــــلْبِهِ الْمَــرْمِيِّ حِقْــــــــــــدًا       وأطـــلَـــقَ زَفْــــــــــــرةً كبْـــــــــرَى وحَــــــــــــرّى
ونَــــــام مُــوسّــــــــدًا بِكَ مُسْتَريْحــــــــًا     ونِــــمْـــــتَ جِـــوَارَهُ[4]، وقَضَــيْــــــتَ بِــكْرا
لأنّــــــــكَ مُــــوْقِــــــــنٌ بـِــَزوَاجِ بــكْـــــــرٍ       مِـــــنَ الْحُورِ الْحِسَـاـنِ، فَفِضْتَ بِشْرا
هَـــــنِـــيْـــئــــَا للْجَــــوادِ بخَــيْــــر جـــــارٍ        ألا يَـــا لَــيْــــــتَــــــني لكَ كنْــــتُ مُهـْـــــــــرا
السبت 3/ربيع الآخر/1433 الموافق لـ 25/شباط/2012 – محمد جميل جانودي


[1] هو الملازم الأول المهندس أمين قرة علي.
[2] أعلن انشقاقه عن الجيش الأسدي يوم 16/كانون الثاني/2012
[3] مدينة تابعة لمُحافظة حمص.
[4] كان ذلك بعد صلاة الظهر من يوم السبت 12/ربيع الأول/1433 الموافق لـ 4/شباط/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق