الجمعة، 6 فبراير 2015

حين تتعطل البوصلة...

حين تتعطل البوصلة!!!
لو أن جماعة من الناس كانوا يقطعون مفازة كبيرة بهدف ما، وهم متنوعون في العلم والقدرة والعطاء... منهم العالم النحرير، والقاضي المتمرس، والقانوني الفذ، والجغرافي الحاذق، والمرشد الخبير، ومنهم الخدم والطباخون وغيرهم... ومعهم بوصلة يهتدون بها وهم يقطعون بهديها تلك المفازة، وفجأة، ولأمر ما تعطلت البوصلة، وهم في وسط المفازة... فماذا عليهم أن يفعلوا؟ هل من المفيد أن يتنطح الطباخ ليقوم بدور المرشد، والخادم ليقوم بدور الجغرافي، والحطاب أن يقوم بدور القاضي،؟! ولو أنهم فعلوا ذلك فما عاقبتهم؟
لا ريب أنهم، إن كانوا عقلاء، فيعمد كل صاحب علم واختصاص بفن ما أن يسخر ما لديه للتخلص من المأزق الذي هم فيه، ثم يتعاونون فيما بعدهم للنجاة من الضياع والهلاك. وإلا فهلاكهم محتوم، ولو قام جميعهم بأعمال كبيرة، لكنها فوضوية، بعيدة عن أي منهج سليم....

هذا حال المسلمين اليوم، لقد أضاعوا بوصلتهم، أو عطلوها وهي في قبضة أيديهم، وبوصلتهم تتمثل في عقل سليم، وخبرة طويلة، واتباع مستنير لهدي نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وفهم عميق لقرآنهم الكريم، تلك هي بوصلتهم، فألقوا بها جانبًا، وبدؤوا يتخبطون كحاطب ليا، في أي شأن يعترضون، وهم يَيعون جهدهم في صراعات حول جواز أمر ما وعدم جوازه، مبتعدين في الحكم على الجواز أو عدمه على هوى نفس،  ومصلحة قريبة... (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً). وهم في أغلب الأحيان، ينفذون ما يُخطط لهم عدوهم من إلهائهم به، في الوقت الذي يبيدهم، وينهب خيراتهم، ويهجرهم من ديارهم.... فإلى متى سنبقى منشغلين بدم البرغوث، ووسيلة الموت، بعيدين عمن يقتلنا، وفيم قتلنا؟! فمتى نعيد الأمور إلى نصابها، وأصولها؟ غير متأثرين بدعاية، مغرضة وإعلام ماكر؟ وإلى متى نخوض في الأمور بعيدين عن أصحاب الشأن فيها؟ ونطلق الأحكام بارتجال، بعيدين عن أي موضوعية أو منهج علمي في ذلك؟ وإلى متى سنبقى نقول للطاغية الفرعوني: نعم نحن نرى كما ترى، وما تراه هو الصواب، ونكون قطعانًا يقودها إلى حيث يشاء؟! فأي الرجال الراشدون الذي يكرسون ثقافة استقلالية الرأي، والجهر بالحق، والبعد عن "الإمعيّة" فنكون صدًى لما يردده أصحاب الأهواء المتنفذون من غير أي تفكير، وبوقًا لهم بنشر وترويج ما يُكرس طغيانهم وعدوانهم؟ فعن ابن مسعود أنه قال: (اغدُ عالمًا أو متعلِّمًا ولا تَكوننَّ إمَّعةً)، وقال أيضًا: (لا تكونوا إمعةً تقولونَ إنْ أحسنَ الناسُ أحسنَّا وإن ظلموا ظلمْنا ولكن وطِّنوا أنفسَكم إن أحسن الناسُ أن تُحسنوا وإن أساؤوا فلا تَظلموا). فالحديث يشير إلى أن اتباع الناس في كل ما يدعون إليه من غير تدبر وتحرٍّ هو ظلم، يورد صاحبه المذلة في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق