الجمعة، 20 أغسطس 2010

الخاطرة الثالثة

بسم لله الرحمن الحيم
الغداء المبارك
بعض الناس يتهاون في تناول السحور في شهر رمضان... إما لأنهم قد ملؤوا بطونهم مما لذ وطاب في الليل، فأصبحوا لا يملكون الرغبة في الطعام ولو كان لقمة واحدة... وإما لغلبة النوم عليهم بسبب ما فاتهم من نوم قبل ذلك... وإما لأنهم لم يتعودوا الأكل في وقت السحر..
ولقد سمّى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجبة السحور بالغداء المبارك؛ فعن العِرْباض بن سارية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان فقال هلموا إلى الغداء المبارك.
والفعل"يدعو" يمكن أن نفهم منه الحث والحض والترغيب في تناول السحور، ويمكن أن نفهم منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الحاضرين من أصحابه ذات ليلة لتناول السحور عنده...
لكن الأمر سواء في المعنى الأول أو المعنى الثاني يدل على أفضلية وجبة السّحور وأهميتها.. لدرجة أن أطلق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم "الغداء المبارك".
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "تسحّروا فإنَّ في السحور بركة".
ومجيئ "بركة" (نكرة) ، يفيد التعميم.. بركة في كل شيء؛ بركة في الطعام ذاته، وبركة في نفعه للبدن، وبركة في الأجر الذي يناله المتسحر، وبركة للمتسحر..في نفسه وماله وأهله وعمله.. و...
والسحور غداء مُبارك لأن وقته مبارك.. فهو وقت امتدح الله عباده المستغفرين فيه " وبالأسحار هم يستغفرون" [الذاريات18] فالمستغفرون ممتدح فعلهم في أي وقت لكن للاستغفار وقت السحر نكهة خاصة ..ففيه تسمو الروح ويصفو الذهن فيكون صاحهما في حالة خاصة من التقرب لله والصلة به..
والسحور غداء مبارك أيضًا لأن وقته يدخل في ثلث الليل الأخير الذي ينزل الله تعالى فيه إلى السماء الدنيا ويعرض على عباده ميزات ذلك الوقت... يقول لهم: ألا من مستغفر فأغفر له؟ ألا من تائب فأتوب عليه؟ ألا من داع فأجيب دعاءه؟ ألا من ذي حاجة يسألني إياها فأقضيها له... ألا... ألا..
و السحور غداء مبارك لأن في وقته نجّى الله نبيه لوطًا ومن آمن معه من عذاب شديد ومهلك نزل في ساحة قوم لوط الذين كذبوه " كذّبت قومُ لوطٍ بالنّذر* إنّا أرْسلنا عليهم حاصِبًا إلاّ ألَ لوطٍ نجّيناهم بسَحَر" [ القمر 34].
وللأهمية التي بلغها السحور عند المسلمين كانوا يُطلقون عليه "الفلاح" فقد قال أبو ذر، رضي الله عنه، في حديث يروي فيه صيام الصحابة مع رسول لله صلى الله عليه وسلّم وقيام ليالي رمضان "...وصلى بنا في الثالثة ودعا أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح قلت له وما الفلاح قال السحور.." (وفي رواية: حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح)
وللتأكيد على فعله أوصى الرسول صلى الله عليه وسلّم ألا يدعه الصائم، وليفعلْه ولو بجرعة ماء فقد قال صلى الله عليه وسلم: " السحور أكله بركة ، فلا تدعوه و لو أن يجرع أحدكم جرعة ماء ، فإن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين"
فجدير بالمسلمين ألا يُضيعوا بركة السحور، والفوائد الجمة لهذا الغداء المبارك، وأن يستعدوا إليه بنفس راغبة لا يثبطها نعاس لا يُدفع سلطانه، ولا معدة ممتلئة، ولا أي شيء آخر..



الجمعة 10/رمضان/1431                                 محمد جميل جانودي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق