الخميس، 12 أغسطس 2010

الخاطرة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم
موقف خاطئ في الأزمات
حين يعاني بعض الناس من مشكلة ما، يعمدون في كثيرٍ من الأحيان إلى القيام بأعمال تزيدهم معاناةً فإذا ما نبّههم ناصح إلى ذلك تراهم يسارعون إلى طرح السؤال :"ماذا سيحصل أشدّ مما نحنُ فيه؟" وينطلق على لسانهم المثَل الدارج" أكثر من القرد ما مسخ الله". فمثلاً لو أن بعض الناس إذا أوشكت نقود أحدهم على النفاد.. وليس أمامه في الأفق المنظور ما يزيدها فتراه يسارع في إنفاقها بغية الهروب من مأزق الإحساس بقلة ماله.. وكذلك المريض بمرض شديد، ولاسيّما المتقدم في العمر، تراه يزهد في التداوي لشعوره بأن أيامه معدودة في الحياة.. والطالب الذي يكون قد تقدّم لاختبار عدة مواد وأُعلِنت نتائجها وكان راسبًا فيها كلّها أو في مُعظمها.. فتراه يتهاون في تقديم اختبار الباقي من المواد.. بدلاً من أن يتولّد عنده حافز الجد لتعويض ما فاته..

وفي حقيقة الأمر إن هذا خطأ كبير وذلك لأمرين:

الأول: العاقل يتجه في تصرفاته إلى الخروج من المأزق الذي هو فيه وليس على تكريسه.

الثاني: سؤالهم المتقدم الذكر يدل على ضيق نظر عندهم! فكيف عرفوا أنه لا توجد مشكلة أكبر من التي هم فيها، أو ربما يدل على يأس كبير قد استولى على نفوسهم.

والحق ؛عليهم أن يتذكروا قول الله سبحانه وتعالى:"إنّ مع العُسر يُسْرا* إنَّ مع الْيُسر يُسرا" وعليه فلن يغلبَ عسرٌ يُسرَين.

وإذا ما استقر ذلك في أعماق نفوسهم فإن ذلك يدفعهم إلى الاتجاه في طريق حل المشكلة، وإزالة العقبات التي تكرسها.

من جهة أخرى؛ لا توجد مصيبة إلا ويوجد ما هو أعظم منها على كل من صعيدَي المالِ والنّفْسِ وغَيْرهما.. فالذي لا يملك درهمًا واحدًا هو في حالٍ أفضل من المَدِين، والمَدِيْنُ بدرهم أفضل حالاً من المدين بدرهمين.. وكذلك من فقد إحدى عينيه هو أفضل حالاً من الأعمى وهكذا.. فلا يليق لمن خسر إحدى عينيه أن يأتي بما يهدد العين الأخرى.

ثم لو أننا قبلنا أن هناك حدًا أدنى للخسارة المادية أو البدنية.. فلا ينبغي لمن وصل إلى ذاك الحد أن لا يقوم بما يُعْلي مستوى ذاك الحد الأدنى باتجاه إيجابي، وإن لم يفعل فيكون قد ناقض الفطرة السليمة التي فطر الله عباده عليها.

والحل يكمن بفهم سنن الله في الابتلاءات والنوائب، وأن الفرج يأتي مع الصبر، وأن "من يتق الله يجعل له مِخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب". وأن الله قال: " لا تدْري لعلّ الله يُحدثُ بعد ذلك أمْرًا". وأن على المرء أن يأتي بالأسباب المقدور عليها والمشروعة للخلاص من معاناته.

وما أجمل بعض العبارات التي ينطق بها العقلاء من الناس في مثل هذه المواقف كقولهم لمن تعرّض لحادث سير مثلاً " الحمد لله جاءت في الأموال وليست في الأبدان" وقولهم في أمرٍ آخر " الحمد لله جاءت (أي المصيبة أو المشكلة) إلى هذا الحد" والدّعاء "اللهم استر من الأعظم". وغير ذلك من الكلمات التي تُطمئن النفس وتحفزها على العمل بما هو نافع.

ولا يجوز أن يُفهم من ذلك أنه قتلٌ للطموح لدى المرء ودعوة له إلى الرضا بالقليل في كل شيء.. فما مر ينطبق على من حلّت به المشكلة،وانتهى الأمر... لكن الأصل أن يسأل المرء ربه العافية، وأن يكون طموحًا يتطلع إلى خير مما هو فيه، فالتنافس في الخير مطلب إيجابي. "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".


الجمعة 25/8/1431هـ و 6/8/2010م                                محمد جميل جانودي 













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق