الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

الخاطرة الثالثة عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم
الخشوع في الصلاة وثماره
الخشوع في اللغة هو الخضوع... وحين نقول خشع المصلي في صلاته نقصد خضع وذل لله تعالى، وهذا يعني أنه وضع نفسه رهن أوامر الله تعالى في العمل الذي يمارسه، وهو هنا: الصلاة، فقلبه موصول بالله، وجوارحه تتحرك وتعمل حسب توجيهات ربه ومولاه، وذهنه وعقله وتفكيره؛ كل ذلك منصب فيما يرضي الله.. عندئذٍ يفهم ما يتلو من قرآن أو أذكار، ولا يتحرك بجوارحه في غير ما بيّن الله له من حركات لتلك الجوارح.. فتراها ساكنة هادئة مطمئنة في مواضع السكون.. وتراها متحركة وتأخذ وضعية ما؛ في أوضاع بيّن الله له فيها كيف تتحرك وما الوضعية التي تأخذها.. فلتكبيرة الإحرام وضعية لحركة اليدين، وفي الوقوف وضعية للقامة واليدين، وهكذا في الركوع والسجود وسائر هيئات الصلاة.. وحين ينصرف قلبه واهتمامه وتركيزه عما هو فيه من صلاة يجعل نفسه عُرضة للخطأ في الحركات أو الأوضاع أو الأقوال.. لأنه بذلك لا يكون قد أتم ركوعها أو سجودها..ومن هنا نفهم لِم قال الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك الذي كان يصلي ولكن من غير أن يتم الركوع أو السجود أو من غير أن يطمئن فيهما "اذهب فصلّ فإنّك لم تُصل!".
والله سبحانه وتعالى غني عن عباده خشعوا أم لم يخشعوا.. ولكن من رحمته بهم حثهم على الخشوع في الصلاة ليحققوا الغاية من أداء الصلاة؛ من سمو في الروح، وراحة للنفس (أرِحنا بها يا بلال). واستقامة في السلوك وانتهاء عن كل فاحشة أو منكر " إنَّ الصلاةَ تنْهَى عنِ الفحْشَاءِ والمُنْكَر"
وفائدة أخرى عظيمة يجلبها الخشوع في الصلاة... فالصلاة عمل هام في حياة الإنسان المسلم.. فإذا واظب على خشوعه فيها يكون قد عوّد نفسه على الخشوع في كل عملٍ يعمله.. أي ينصرف بكليته ( بنفسه وجوارحه) إلى ذلك العمل.. وتزداد درجة تركيزه فيه ...وعندئذٍ يؤديه على أتم وجه.. فالعامل يُنجز عمله بجودة وإتقان، والمدرس يلقي درسه بأفضل ما يكون، فينظم عناصر موضوع درسه، ويرتبها، ولا يلتفت عن ذلك الموضوع إلى آخر؛ تمامًا كالمصلي الذي لا يلتفت في صلاته إلى سواها، والموظف يقوم بواجبه تجاه وظيفته على الوجه المطلوب، والسائق يقود سيارته من غير شرود فييبقى تركيزه في الطريق وعابريه سواء كانوا سيارات أو مارة.. والمُحاور للآخر يبقى مصْغيًا إلى صاحبه ليفهم ما يقوله..وهلمّ جرّا..
وإذا تذكرنا أن قوة التركيز في أثناء العمل أمر لا يتأتى بيسر وسهولة، وإنما يحتاج إلى تدريبات وتمارين متنوعة وتكون في أزمنة مختلفة، وأن يُبعد المرء جميع المؤثرات الخارجية التي من شأنها أن تعيق التركيز أيا كانت جهة تأثيرها سواء في ذلك السمع أو البصر أو الذوق أو الشم أو اللمس... إذا تذكرنا ذلك فنستطيع أن نفهم جيّداً حكمة توزيع  الصلوات المفروضة على خمسة أوقات في اليوم، واختلاف عدد ركعات كل وقت، والحكمة من تقديم العَشاء عند حضوره على العِشاء، وأن لا يشوش القارئ على المصلي برفع صوته، وألا يصلي الإنسان إذا كان يدافع الأخبثين..وألا يصلي المرء وأمامه ما يشغل باله كصورة أو ما شابهها، ولماذا يُمنع المرور بين يدي المصلي فالمار يقطع على المصلي تركيزه.. ويعيده إلى ما يقارب درجة الصفر.. وكيف أن المصلي أُعطي (في هذه الحالة) الحقَّ لأن يَمنع المار بين يديه ولو بالقوة... وغير ذلك..
فلقد راعى الشرع عند تحقق الخشوع في الصلاة - والذي يفضي بدوره إلى التركيز في العمل - كل مقومات تقوية التركيز الزمنية ( فجر - ظهر - عصر - مغرب - عشاء) فضلاً عن النوافل.. والعضوية( حركات اليدين والرجلين والجذع والرقبة..) والكيفية(قيام - ركوع - سجود ..) والنفسية ( الإحساس بمراقبة الله له).. وكل هذه تؤدي إلى وجود الإنسان الصالح لخدمة مجتمعه وإخوانه والبشرية جميعًا.. ومن هنا نفهم أحد أسباب كون الصلاة في وقتها من أحب الأعمال إلى الله تعالى، ولماذا أنه لا يُكتب للمصلي من صلاته إلا عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها...  فالجزء من الصلاة الذي لم يُؤد بخشوع لا يكون له أي أثر في تقوية التركيز في أي عمل، ومن ثمّ فالمصلي يفقد فائدته في الدنيا، ويفقد أجره في الآخرة..
تلك هي من ثمرات الخشوع في الصلاة، ولذلك فالخاشعون في صلواتهم مُفْلحون " قدْ أفلَحَ المُؤْمِنُونَ* الذين هُم في صَلاتِهم خَاشِعُوْنَ* ..." مفلحون في الآخرة ومفلحون في الدنيا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق