الخميس، 12 أغسطس 2010

الخاطرة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم
أذى الإنسان لنفسه
أحيانًا قد يتسبب الإنسان في أذى نفسه أو وضعها في مأزق يعود عليه بالضرر ماديًا ومعنويًا...وتتفاوت مواقف الناس منه.. فمنهم من يحزن عليه ويسعى إلى أن يقدم إليه العون ليُخلّصه مما هو فيه... ومنهم من ينظر إليه شزرًا ويردد لسانه المثل العامي "من إيدو الله يزيدو" ويتفرج عليه وهو تحت وطأة المعاناة...


وفي الحقيقة إن الموقف الثاني هو الموقف الخطأ، والمُستنكَر من قِبل أصحاء النفس والعقل.. ولو أن أحدًا ناقش أصحاب ذلك الموقف لسارعوا في الإجابة قائلين: دعوه ينل جزاء ما سبّب لنفسه.. ولا ينسون سَوق ما كانت العرب تردده من أمثلة تناسب الحالة مثل"يداك أوكتا وفوك نفخ" و "على نفسها جنت براقش" ولكن ليس بالضرورة أن العرب لا يسارعون إلى من جنى على نفسه أو من يداه أوكتا وفوه نفخ..


لكن فريقنا الذي نعنيه بالحديث لا يأبه بما يرى...وخطؤهم يتضح فيما يأتي:


أولاً: كل إنسان معرّض لأن يُخطئ.. لِقول الرسول صلى الله عليه وسلم " كل ابن آدم خطّاء وخيرُ الخطائين التوابون". وخطأ الإنسان يكون في بعض الأحيان مع نفسه.. بل لو نظرنا بعمق أكثر لقلنا: إنه في جميع حالات خطئه يكون خطؤه مع نفسه.. لأن خطأه مع غيره يرتد على نفسه بالضرر؛ بصورة من الصور.. و طبيعة الإنسان هذه لا تدعو لأن يُوقَفَ منه ذلك الموقف الغريب. والحل الناجع يكمن في مساعدته، وبيان أن خطأه ذاك صغير مهما كان كبيرًا أمام رحمة الله وعفوه ومغفرته، فهذا مما يهيئه نفسًيا لأن يتحول عن الخطأ برغبة وصدق.


ثانيًا: كثيرًا ما يكون خطؤه راجعًا إلى جهل، وقلة خبرة أو معرفة... فمن الخطأ توجيه اللوم له أو تأنيبه..أو تركه دون عون أو مساعدة.. ويتمثل عونه هنا في تعليمه، وبيان الصحيح من العمل كي يفعله.وبذلك يتحقق في الرجل أمران؛ الأول:حب الناس الذين علّموه، والثاني: تعزيز ثقته بهم، فيغدو يتقبل كل نصح أو توجيه منهم لتيقنه أن في ذلك خيرًا له.. وما أجمل أن نتذكر قصة ذلك الأعرابي الذي بال في المسجد فقام عليه الناس من حوله صارخين ومؤنبين ولائمين.. فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلّم إلا أن بيّن لهم أن ما فعلوه خطأ ، ونهاهم عنه إذ قال لهم " دعوا الرجل لا تقطعوا عليه بوله، ثم دعا به ، فقال : ألست برجل مسلم ؟ قال : بلى ، قال : فما حملك على أن بلت في المسجد؟ ، قال : والذي بعثك بالحق ما ظننت إلا أنه صعيد من الصعدات ، فبلت فيه ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذَنوب من ماء فصُبَّ على بوله" وعن ابن مسعود قال إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبًا فلا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه؛ تقولون اللهم اخزه اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كنا لا نقول في أحد شيئا حتى نعلم على ما يموت؛ فإن ختم له بخير علمنا أنه أصاب خيرًا، وإن ختم له بشر خفنا عليه عمله.


ثالِثًا: لو أن المخطئ مع نفسه تُرك من غير عون أو مساعدة ففي أغلب الحالات يتجاوز الضرر الذي حل به إلى الآخرين.. وعليه ففي مساعدته نجاة له ولغيره.


رابعًا: هبْ أن المخطئ ينبغي أن يُعاقب على خطئه، فمن الخطأ أن تكون عقوبته تركه على خطئه ومعاناته... بل تتم معالجة حالته ليصبح أمره سويّا، ثم يُعاقَب بما يكفل ردعَه عن الوقوع في الخطأ ثانيةً من غير شطط أو أذى.


ومن هنا يُمنع المقدِمُ على الانتحار من إتمام انتحاره، وشاربُ الخمر من شربها، والمبذرُ بماله من التبذير.. ومُكرهُ فتياته على البغاء من ذلك، وعاضلُ النساء من عضلهن.. وهكذا.... ولا يجوز بحال من الحال أن يُسمعَ له إن قال: ( أنا حرٌ بنفسي أو بأولادي.. أفعل ما أشاء)..


الجمعة 3/رمضان/1431                                                                                                    محمد جميل جانودي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق