الجمعة، 26 سبتمبر 2014

تعامل الثوار مع مراحل الثورة.

تعامل الثوار مع مراحل الثورة.
مرت الثورة السورية بمنعطفات ومراحل كثيرة وخطيرة، وما زالت تمر، ولا تكاد مرحلة تؤذن بالرحيل إلا وتحل مكانها مرحلة أكثر تعقيدًا من الأولى...وإذا كان واجبًا على أي مهتم بهذه الثورة أن يعرف كل شيء عن أي مرحلة (ظروف نشأتها، وهدفها، ومشجعاتها ومثبطاتها، ومآلاتها، وأدواتها، وانعكاساتها على الثورة...)، فإن من باب أولى أن يكون ذلك أكثر وجوبًا على الثوار أنفسهم قيادات وجنودًا. وإذا وجدت ثمة غفلة عن ذلك فإنه نذير خطير على الثورة وعلى منحنى فعالياتها...
مرت الثورة أولًا بمرحلة البدء والمبادرة، وحسب رأي كثيرين أنها كانت عفوية...وانتقلت إلى مرحلة إثبات الوجود والتنامي، وهي لم تتعد مرحلة (السلمية)، وانطلقت النداءات للتدخل الدولي، وكانت بين مؤيد ومعرض، وجدّتْ مرحلة اللجوء إلى دول الجوار، وانتقلت بعد شهور كثيرة نسبيًا إلى مرحلة استخدام السلاح للدفاع عن النفس، حيث واكب الانشقاقات وتشكيل الجيش الحر، ثم أخذ المظهر المسلح يتنامى، ويزداد بروزًا على حساب الحراك السلمي، هذا التنامي تجلى في تشكيل كثير من الكتائب الموزعة على الأراضي السورية كافة تقريبًا، وحمي الوطيس، وأخذت الإنجازات الثورية تتحقق، وتفنن النظام في وسائل قمعها ومواجهتها، ثم جاءت مرحلة التدخل الدولي على شكل مؤتمرات، وتعدد هذه المؤتمرات (زمانيًا ومكانيًا، وحتى في طريقة المعالجة)، وأخذت المراوغات تطل برأسها من هنا وهناك، لدرجة أن المرء كاد يضيع في دهاليز التصريحات والمشروعات، كان ذلك يتم في وقت يشتد فيه النفخ في نار التنازع والخلاف، بين الفصائل والكتائب، والنافخون الحقيقيون يعرفون ماذا يقصدون من ذلك، ثم أعقب ذلك تنازع مسلح بين الفصائل، لكنه كان محدودًا ولم يطفُ على السطح، اللهم إلا ما وقع، وبصورة تم احتواؤها، نسبيًا، وإلى حد ما، بين مجموعات من الإخوة الأكراد وبعض الفصائل الأخرى، إلى أن تجلى بأشأم صوره بين "تنظيم الدولة" والذي تعارف بعضهم على تسميته "داعش" وبين معظم الفصائل الأخرى، وكان الإعلام يلعب دورًا كبيرًا وحسَاسًا في إذكاء ذلك، وإظهار كلا الطرفين بأنه غول لا يمكن التفاهم معه في نظر الطرف الآخر، وعاد التدخل الدولي مرة أخرى ليكون له دور مادي بارز، ولكن في هذه المرة، تحت شعار "محاربة الإرهاب"!!!، وتشكل تحالف لهذا الغرض، وبدأ التنفيذ، بالتحليق في الأجواء السورية، وعلى أراضيها، بخطة يضعها المعنيون بالأمر في هذا التحالف...
ما كان الهدف مما تقدم، السرد التاريخي بترتيب زمني للمراحل، وإنما أردت أن أضع سؤالًا كبيرًا أمام الثوار الحقيقيين، جميعًا، الذين اتفقوا، جميعًا، على هدف واحد، وضعوه نصب أعينهم، واعتبروا الحيود عنه خيانة للثورة ولدماء شهدائها... هذا السؤال هو: هل قام هؤلاء الثوار، بطريقة منهجية مدروسة، بالواجب الذي أكدنا عليه في بداية هذا المقال (الدراية التامة بكل مرحلة من ظروف نشأتها إلى انتهائها وما بينهما). هل كان لدى الثوار حس مستقبلي يتوقعون به، حسب المعطيات التي بين أيديهم، شيئًا عن المرحلة القادمة؟ وعن ربطها بالسابقة؟ وهل يوجد تسلسل منطقي بين ترتيب تلك المراحل، وهل يوجد دور تكاملي بينها؟ هل خططوا للتعامل معها، وحددوا محطات منها يمكن أن يستغلوها إيجابيًا لصالح الثورة، وأخرى سلبية ينبغي عليهم أن يتفادوها ويُبعدوها عن طريقهم؟ هل عرفوا هدف المرحلة الذي هم يريدونه، إن كانت المرحلة بفعلهم هم، أو الذي يريده غيرهم؟ هل اتخذوا الاحتياطات الكافية لمواجهة أي خطر يحيق بهم في تلك المراحل، ولكل مرحلة خطرها الخاص بها واحتياطاتها المتعلقة به؟
 أنا لا أسأل هذه الأسئلة لأشكك في خلو ميدان الثورة من رجال مخلصين نبيهين خبيرين يضعون نصب أعينهم ما تم ذكره، معاذ الله؟ فالواقع أثبت وجودهم، ولله الحمد، والكمال لله وحده، ولكن أردت التأكيد على ذلك، والانتباه، بمهارة وذكاء، إلى كل مرحلة، فهناك مراحل أخرى تنتظر؟ ما بعد الغارات؟ ماذا عن النظام في أثناء هذه الغارات وفيما بعدها؟ وماذا عن الهدف الأساسي الذي وضعوه نصب أعينهم؟ وكيف يتعاملون مع المستجدات لعدم المساس بهدفهم، وأنه سيبقى هدفًا إستراتيجيا وليس تكتيكيا...وما أنجع الوسائل والسبل وأكثرها حكمة في التعاطي مع كل جديد؟ أسئلة كثيرة.... أسأل الله تعالى أن يكون للتذكير بها، عند جميع المهتمين بهذه الثورة وناشدي نجاحها وقع كبير في نفوسهم.ِ
 ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق