الأحد، 24 يونيو 2012

من أسماء الثورة السورية.....العَصيَّـة


من أسماء الثورة السورية......... (العَـصيّة).
منذ أن أهانت الشرطة الفتى السوري في منطقة الحريقة بدمشق، وانتفض على إثرها الدمشقيون (مَن حضر منهم) في وجه الرمز المُهين... وهتفوا كلهم بصوت رجل واحد ((الشعب السوري ما بينذل))... وكانت هذه هي المرة الأولى، بعد عقم في الانتفاضات، لعقود، تعبر فيها عيّنة من الشعب العظيم عن إرادتها في نشدان الحرية والكرامة ورفض الذل.. وجاء، عقب ذلك للتو، وزير داخلية النظام ليَطْمئن أن هذه الحركة ليست مظاهرة، من خلال قوله للمتظاهرين، بعد أن شرح بعضهم موجزًا لما حدث: ((بس ما تكون مظاهرة... بس ما تكون مظاهرة)).. فرد عليه بعضهم مسكتين له: لا... لا.... ذلك لأن أنباء الثورات في البلدان العربية كانت تترى على مسمع الوزير ومعلميه... وهي تقلقهم وتقض مضاجعهم... وقد اتخذت هذه الثورات المظاهرات السلمية أداة لها.. في إسقاط أنظمة تلك البلدان...
كانت انتفاضة الحريقة، تلك، إرهاصًا من إرهاصات الثورة السورية المباركة... وأراد الوزير أن يحتوي ذلك الإرهاص، ويُخفي معالمه، ودلالاته، وراء ستار قمعه الحديدي، الذي يلوح به... ولكن الثورة التي كانت تطرق أبواب دمشق، والمدن السورية الأخرى استعصت على ذلك الاحتواء، وأبت إلا أن تعلن للوزير وسادته أن ما جرى في الحريقة كان نداء عفويًا لها من أحرار الشعب السوري لتدخل سوريا من أوسع أبوابها، ومن اتجاهاتها كافة... وهذا ما حصل...واستجابت لذلك النداء.
وانطلقت شرارة الثورة... وشقت طلائع الثوار طريقها... وحاولت آلة قمع السلطة أن توقف تلك الانطلاقة، وأن تضع السدود في دربها، كان ذلك حين تعمدت أن تقتل روح الثورة في درعا بانحطاطها في ذلك إلى أقذر الوسائل، بتعذيب الأطفال وقلع أظافرهم، لكن عيون أولئك الأطفال كانت تتحدى القتل والتعذيب والتشويه ... ثم خرج الناس بما كان يخشاه وزير داخلية السلطة الغاشمة...خرجوا بمظاهرات عارمة..وارتقى أول الشهداء هناك... وظنت السلطة أنها بذلك ستجهز على الثورة وهي في مهدها.. ولكن الثورة المباركة استعصت على تلك المحاولة... وكان لسان حالها يقول: لدينا المزيد من الشهداء... ولدينا المزيد من الإصرار...
واستعصت الثورة على الثقافة الرخيصة المبتذلة التي روّج لها النظام من أن الأمر لا يتعدى أن يكون محاولة من شرذمة عددها بعدد أصابع اليد، اندست في صفوف الناس، تستخدم السلفية تارة، وغير ذلك تارة أخرى لتزعزع الأمن الراسخ في (سوريا الأسد) والصمود والمقاومة والممانعة..!! وأن الأمر سيُقضى عليه خلال ساعات أو أيام... وإذ بالثورة تستعصي على تلك الدعاية الرخيصة، وتنتقل مئات الكيلومترات على الأرض، فتصل إلى اللاذقية وبانياس ومناطق أخرى من الساحل... وتنتقل أيضًا بروحها لتسري في نفوس جميع أحرار سوريا، ليقفوا متحدين الموت ووسائل القمع الأخرى... فاستعصت على الاحتواء والتطويق الزمانيين والمكانيين...
واستعصت الثورة على إلباسها اللبوس الطائفي المقيت حين أظهرت أصالتها الوطنية، وانتماءها الشعبي بأقوى وأشد ما يمكن في حمص الملونة والمزركشة بألوان أطياف الشعب السوري... ولقنت النظام السلطوي درسًا بأن محاولته تلك ستبوء بالخيبة والفشل... وأن الثورة هي ثورة شعبية عارمة تتجه لتحرير الشعب السوري كله من كابوس القهر والظلم...الذي خيم عليه قرونًا عدة..
واستعصت الثورة على جميع الهرطقات التي كانت تنطلق من أفواهٍ، لست أدري بم يجب أن توصف، ومن ألسنة استمرأت النفاق ودرجت عليه... كان أصحابها يتزيون بزي كان إلى وقتٍ قريب موضع احترام وتقدير وتبجيل من السوريين جميعًا بلا استثناء...
أجل استعصت الثورة على تلك الهرطقات التي تريد أن تشوهها تارة بقول أن الثوار دعاة فتنة، وتارة بعدم جواز الخروج على (ولي الأمر)، وتارة بأنها مصنوعة من أعداء قابعين وراء البحار، وتارة بأن رجالها لا تعرف جباههم السجود لله... فكان الرد قويًا ناصعًا جليًا أجلى من الشمس في نهار يوم لا غيوم في سمائه، ولا كسوف لشمسه... وتمثل ذلك الاستعصاء حين بدت أنها قامت لتقضي على فتنة التسلط، والظلم، والاستعباد، وأن القائمين بها من خيرة شباب الأمة، الذين يُقال في حقهم وحق أمثالهم أنهم ما زالت صفحاتهم عند الله بيضاء لأنهم لم يقترفوا بعدُ ذنوبًا... لأن أعمارهم كانت بعمر الورد، الذي لم يكتمل تفتح زهره بعد... وإذا بساحات المدن وصعيدها الطاهر يتألّق بلمس جباه أولئك الثوار وهم يسجدون لله، ويقيمون صلواتهم على ذلك الثرى الطاهر...
واستعصت الثورة على أن تنجر إلى عنف فوضوي، يحرق الأخضر واليابس، كما أنها استعصت (بحجة سلميتها) على أن تكون سهلة الازدراد والهضم من قبل وحوش النظام السلطوي وجلاوزته... فخرج من رحمها شبان قلوبهم قلوب أسود، وعيونهم عيون صقور، ونفوسهم نفوس ملائكية، بشخوص بشرية، طيبي الجبلة والأصل والمنبت... تجلّى استعصاؤها بواسطة هؤلاء الأشاوس الذين عُرفوا بالجيش الحر، فرسّخوا التوازن بين غصن الزيتون الذي يشير إلى سلمية الثورة، ورفقها، ولينها، وبين البندقية التي تحمي الشباب والأطفال والنساء والشيوخ من رصاص الغدر الذي أصر الظالم على ألا يكف عن رشق الناس به منذ أول انطلاقة الثورة...
واستعصت الثورة على أن تكون أداة بيد هذا الطرف أو ذاك من أطراف ادّعت أنها تريد صالحها ومساعدتها، وأخذت تلوح لها بمختلف أنواع المغريات تارة والتحذيرات تارة أخرى... تُرغبها حينًا وترهبها أحيانًا، فلم تتأثر بهذه أو تلك.. ومضت غير آبهة بما يُخطَّط لها، وهي تعلن بأعلى صوتها (( يا الله، ما لنا غيرك)) وتحملت الجوع والعطش والعري والحرمان وهي ماضية تهتف (( الموت ولا المذلة)) أنى كانت هذه المذلة... أكانت من سلطة غاشمة، أو ممن يريد ابتزازها بمغريات أو تحذيرات... فطعم المذلة واحد...
واستعصت الثورة عن محاولة حرف بوصلتها واتجاهها عما خططت له... فلم تستجب لإفراط هذا أو تفريط ذاك.، بل كانت وسطية في كل شيء... فقد استعصت عن محاولات بعضهم بإلباسها ثوبًا لا يليق بإيمان الشعب السوري الصادق بالله وكتبه ورسله، وحرصه على ألا يأتي بما لا يتفق وذلك الإيمان وفق منهج وسطي معتدل، واستعصت على كل دعوة نشاز، تتخذ من الغلو والتطرف منهجًا لها، واستعصت على أي جذب أو جر لها لتُشغَل بما يصرفها – جزئيًا أو كليًا – عن هدفها الأساسي المتمثل بإسقاط نظام الفساد والجور والفئوية والطائفية المقيت، وبناء نظام حر عادل ينعم به جميع السوريين بحياة كريمة، وعيش رغيد...
واستعصت الثورة على كل المحاولات التي تريد لقامتها أن تنحني، ولعينها أن ترف، ولهمّتها أن تضعف، ولعزيمتها أن تلين، ولمسيرتها أن تتراجع أمام أبشع أنواع القتل، وأحط وسائل العنف، وأمام هول المجازر التي ارتكبت في الحولة والقبير وبابا عمرو والحفة والقصير ودير الزور وجبل الزاوية وغير ذلك من تراب سوريا الثائر...
وأخيرًا استعصت الثورة على أهواء تعتري الذات، وتكون مقتلاً لها...فكانت متواضعة من غير مذلة، وغنية النفس من غير طغيان، وشديدة حازمة من غير جور أو ظلم، وسخية من غير تبذير، وحريصة من غير بُخل أو تقتير، وصابرة من غير خنوع، وعزيزة من غير تكبر أو عجب...
فلله درك أيتها الثورة العملاقة....كم أنتِ عصية على كل باطل، وعلى كل إرجاف أو تخذيل، وعلى كل إغراء أو تحذير...وعلى كل مكر أو خديعة..
محمد جميل جانودي
السبت 3/شعبان/1433 الموافق لـ 23/حزيران/ 2012.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق