الخميس، 15 سبتمبر 2011

حبسها حابس الفيل


بسم الله الرحمن الرحيم
حبسها حابس الفيل.....
حابس الفيل هو الله سبحانه وتعالى الذي بقدرته ومشيئته، ولحكمة هو وحده يعلمها، وتكشفت فيما بعد لكثير من المتسائلين، حبس الله عزّ وجلّ الفيل الأبيضَ الكبير الذي كان يتقدمُ مجموعة من الفِيَلة، استخدمها أبرهة في جيشه، حين توجه إلى الكعبة ليهدمَها..  فبعد استراحة بالقُرب من مكة، وحين همّ بمتابعة سيره إلى البيت العتيق ليقوضه؛ وجد أن الفيل قد حرن، وامتنع عن التقدّم باتجاه الكعبة، في حين أنه كان ينطلق مُسرعًا إذا وُجه بعكس الطريق...وعندئذ تكاثر عليه جند أبرهة وقتلوه برماحهم، كي لا يؤثر ذلك على سلوك الفيلة الباقية... لكن الله سبحانه وتعالى أرسل طيورًا تحمل في مناقيرها حجارة من سجيل، ورمت به الجيش المهاجم وقضت عليه...
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى (حبس الفيل) حين بركت ناقته عند الحديبية وكان متوجهًا مع أصحابه إلى مكة لأداء العمرة، وقال الصحابة: خلأت القصواء؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت، وما ذاك لها بِخلُق..ولكن حبسها حابس الفيلِ....وعلم الناس فيما بعد أن الله منَعها من الاستمرار، لأمر خبَّأه وهو لصالح الجميع... فقد تمَّ في ذلك المكان إبرامُ صلح الحديبية الذي سُمي ((الفتح المبين))...
واليوم أخذ الشعب السوري باجتهاده الذي ما نحسبه إلا موفقًا، فيما هو ظاهر للعيان، أخذ يبحث عن طريقة يُوقف بها طاحونة الموت والقتل التي تعمل عملها في الرياحين النّضرة من شبابه... وكان مما وصل إليه مطالبته بالحماية من المجتمع الدولي... بعد أن رأى أن لهذا المجتمع تجربةً ناجحةً في هذا الصدد في كل من الحالتين المصرية والليبية، وبصورة أوضح في الحالة الليبية... ففي كل من الحالتين لم يمض على الثورة أقلُّ من شهر إلا وكان المجتمع الدولي مشاركًا في إنهاء الأمر لصالح الشعب الثائر في كلا البلدين... وانتصرت الثورة فيهما بحبل من الله وحبل من الناس... ولكننا نرى الأمر، في الحالة السورية، مختلفًا... فقد مضى على الثورة ما يزيد عن ستة شهور، والقتل لم يتوقف؛ ولو ليوم واحد، ومع كثرة ما يظهر من كلام في وجوب نصرة الشعب السوري على المستويات كافة، الإقليمية منها والدولية... إلا أنها كما ينطق الواقع، كانت محاولات خجولة لم ترق إلى درجة تخفيف دوران طاحونة الموت تلك.. لا إيقافها... وهنا لا بد للناس أن تتساءل... لِمَ يحدثُ ذلك...؟ وتختلف الإجابات... فمنهم من يرى أن لا مطمع اقتصاديًا في سوريا كما هو الحال في ليبيا... ومنهم من يرى أن السوريين لم يكونوا نشيطين بالقدْر الكافي ليشجعوا المجتمع الدولي للاستجابة والنصرة... فحتى بعد مضي هذه المدة الطويلة على انطلاقة ثورتهم لم يستطيعوا أن يشكلوا مجلسًا ينطق باسمهم جميعًا... ومنهم من يرى أن هناك تخوفًا من بديل يأتي لا يروق لتطلعات المجتمع الدولي وأصحاب القرار فيه... وأن المحافظة على المعروف (أيا كان) خير من الإتيان بالمجهول!! ومنهم... ومنهم...
وإذا سمحنا لعقولنا أن تصغي باحترام إلى تلك الحجج والإجابات (بغض النّظر عن مدى قُربها من الحقيقة أم لا) فما أظن أننا نكون منصفين ومنطقيين إذا أقصينا إجابة هي ليست أقل ورودًا من غيرها... هذه الإجابة يقول أصحابها: إنَّ بلاد الشام أرض مقدسة، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم، وإن لأهلها حظوة عندالله سبحانه، وكذلك عند رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنهم إذا فسدوا فلا خير في أهل الأرض... وأنها أرض الرباط، وأنها تُعدُّ لأن يجري، بها وعليها، أمر كبير وعظيم، يعود على المنطقة بالخير، والعزة، والكرامة، ودحر الباطل، وانتصار الحق... وأنه سبحانه وتعالى يريد أن ينزِّه هذه الثورةَ عمَّا يمكن أن يلحق بها من غبار يشوِّه سمعتَها... وتظهرُ في أعين الناس غيرَ صافية ونقية... (على الأقل الآن، الوقت الذي ما زال كثير من الناس يرون في المشاركة الدولية عارًا بدرجة ما..)..لذا حبس عنها تلك الأسباب التي يمكن أن تُفْضي إلى ذاك التشويه... وما ندري ماذا يُخبئ الله تعالى لِهذه الثورة المباركة في المستقبل.. وهو خير إن شاء الله... ومفاجآته – جل جلاله – للبشر كثيرة وغريبة.. ومن يدري ما تلك المفاجآت؟ فكما تمثّلَتْ في الطوفان لنصر نوح على قومه، وفي أخذ الصاعقة لثمود، وتسليط الصيحة لقوم شعيب، فستكون لغيرهم بما يراه الله سبحانه وتعالى الأحكمَ والأجدى... وهو- سبحانه-  لا يُسْأل عما يفعل... ولا يُستبعد أن تكون في استخدام أحد جنوده، المتمثلِ في المجتمع الإقليمي، أو الدولي، ولكن، ربّما، حين يرى أن لا غضاضة عند البشر في ذلك، بعد أن تتحول نظرتهم من كون ذلك عارًا وسبة، إلى كونه مقبولاً ومطلوبًا، ولاسيما بعد أن تتعاظم المجازرُ في المجتمع الذي مازال لسان حاله يخاطب قاتليه بما خاطب به ابنُ آدم الأول مَنْ هَمَّ بقَتْله (( لئن بسطْتَ إلي يدكَ لتقتلَني ما أنا بباسطٍ يديَ إليك لأقتلَك) فإطلاق ما حبسه الله في وقت من الأوقات واردٌ، باحتمالٍ كبير، حين يرى الله سبحانه وتعالى أنْ قد آن الأوان لذلك التدخل، وألا غبار عليه لدى الغالبية..والله أعلم.. وفي جميع الأحوال فعلى السوريين أن يبذلوا قصارى جهدهم، ويجتهدوا فيما يرونه مناسبًا لخلاصهم، وانتصار ثورتهم، حتى ولو كان هذا الاجتهاد خطأ؛ لكنهم لم يتبيّنوا خطأه... فالله سبحانه وتعالى سيهيّئ لهم ما هو أفضل وأجدى، وما يُمكن أن يكون فتحًا مبينًا، ونصرًا مؤزرًا.
محمد جميل جانودي
جمعة ((ماضون حتى إسقاط النظام))
18/شوال/1432 الموافق لـ 16/أيلول/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق