الاثنين، 10 يناير 2011

الخاطرة السابعة عشرة

روزنامة جدي (2)
دخلت ذات يوم على جدي وسألته عن التاريخ فأجابني حالاً بالتاريخ الهجري لذلك اليوم، فقلت له: أسألك عن التاريخ الميلادي، فهز رأسه ثم قال:
معك حق يا بُني، فقد نسيتُ أنك تسأل عن التاريخ لأمر يتعلق بمراجعة الجهات الحكومية، لأنها تحدد تواريخ مراجعاتها (عمليّاً) بالتاريخ الميلادي، عِلْمًا بأنه يوجد منذ زمن أمر سلطاني ينص على استخدام التاريخ الهجري وذكره قبل غيره، ولكن كم وكم من النصوص التي لا يكون هوانا تبعًا لها نلقيها وراء ظهورنا.. وكم وكم من النصوص التي يكفهر لها وجه الأجانب (أي الفرنجة) نُعْرض عنها حتى ننال رضاهم!! وهكذا حتى استمرأْنا ذلك، فأصبحنا نسمع الآية الكريمة تُتلى وهي تأمر وتنهى فلا نأتمِرُ ولا ننتهي.. ثم نظر في وجهي مليّاً وقال بشيءٍ من الحدة :
لا تقل : "التاريخ الميلادي" نحن نسميه التاريخ الفرنجي...لأن الفرنجة هم الذين وضعوه .. والأمر نفسه عن توقيت الساعة، فالحكومة تسير على توقيت نسميه: التوقيت الفرنجي (يقصد به الزوالي) أيضًا، أما نحن فنسيّر أمورَنا على التوقيت العربي (الغروبي)، ويكون فيه وقت المغرب تمام الساعة الثانية عشرة دائمًا، وفي هذا الوقت ينتهي اليوم، والليلة تتبع النهار الذي يليها.. أما ترى مثلاً أننا نسمي الليلة التي تسفر عن صباح الجمعة بليلة الجمعة والليلة التي تسبق صباح العيد بـليلة العيد....
قلتُ له: ولكن (روزنامتك) التي تقتنيها تبدأ بأول كانون الثاني وهو أول السنة الفرنجية فقال: وماذا أصنع يا بني؟ حبّذا لو أن أحد أصحاب المطابع يُصدر تقويمًا يبدأ بالأول من المُحرم... ثم أطلق زفرة من أعماق صدره وقال: أليس من العجب العُجاب أن نُعْرِضَ عن تاريخ وضعه سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، ليكون تقويمًا يسير عليه المسلمون، ونجعل استخدامه – إن استخدمناه - يأتي في المرتبة الثانية... عِلْمًا بأن تقاويم عدة كانت معروفة لدى الناس، حين وضع التقويم الهجري، مثل التقويم الفارسي والتقويم الروماني..فلم يلتفت إليها، لأنّه – رضي الله عنه - أراد أن يكون للمسلمين تقويم يخصهم..يتميزون به عمن سواهم..
والآن؛ وبعد مرور ما يُقارب خمسين سنة على هذه القصة أقول:
ليت الأمر وقف عند استخدام التاريخ يا جدي!!
وأقـول له مُسْتأْذنًا:
جَدّي، أتـأذنُ لي بعِتـقِ جَـوَادِي      فالقــومُ من حَـوْلي بِلا أجْيَــادِ؟
أنّـى تَلَـفَّـــتَ لا يَجِـدْ منْ مُؤْنِسٍ      أو مُحْفِــزٍ للسبْـــقِ أو لِجِهَـــادِ
ودمُــوعُهُ مِـنْ مُقْـلَتَيْــهِ غزيرةٌ       تَبْكــي على الأبطــالِ والأنجادِ
كانُوا يَجُوبُـونَ الوَغَـى بِِبَِســالَةٍ      وبِعِـلْمِــهمْ صاروا مِـنَ الــرّوادِ
كَمْ كَانَ يَزْهُـو في الّلقَــا مُتباهيًا      بِفَــوَارسٍ من مِصْرَ أو بَغْـــدَادِ
يَحْكِي إلى الأَجَيَــالِ قِصَّتَهُ التي      أبْــطـالُهـا صِيْــــدٌ مِن الأجـدادِ
واليَـومَ أضْحَى يـَائِسًـا مُتمَلْمِـلاً      ممّــا يَرى مِن ضَيْــعَةِ الأحْفـَادِ
أرْجُوْكَ، جَدّي، لا تؤاخِذْني على      حَـالٍ تـذيــبُ جَـلامدَ الأكْبـَـاد
يومًا زفَرْتَ بِحُــرْقـةٍ ممْـزوجَةٍ       بِـدَمٍ على "التــأريخِ بالميــلادِ"
وصَـرختَ في وجهي بحزم قائلًا      تاريخُنا مـن هجْـــرةِ الآســادِ
تاريْخُنــا، الفَـــاروقُ حدّده لَنـــَا       ومشى عليهِ القَـوْمُ في الآمَــادِ
تِلْكَ المعَــاني أيقَـظتْنـي يَـومَهـَا       فَـأبَـيْتُ أنْ أبْــقَى مَــعَ الرُّقّــادِ
ماذا يُصيبُــك لو دريتَ بِحَـالِنـا       بِهَــــوانِنا، فــي ذِلَّـــةٍ وتَمَــــاد
تلْكَ الّتي عَــاتبتَـني منْ أَجْلِهـــا       لَمَـمًا غَدَتْ في زَحْمـةِ الإفسـادِ
أمَــمًا تَـفََــرَّقْنـا وثـــارَ خلافُـنَــا      في التُّرّهَات وفي رضا الأسْيَادِ
وأمـامَنا تُـلْقى الدُّمـى فنَضُمُّهــا        لِصُــدُورِنا في غَفــلةٍ وسُهَــادِ
صِرْنا نُمُورًا في افتراسِِ ذَواتِنا       وأرانبًـــا أهْـــليّـــــةً لِلْــعَــادي
سُـودانُنــا صــارَ اثنتـين ورُبّمَـا      أضْحَى ثلاثًا فَـوْقَ جَـمْرِ رَمَادِ
وعِراقُنَـا قَـــدْ جزَّؤوه ولمْ يَعُــد       فيه الرّشيْــدُ وَلا أخُـوهُ الهادي
والشَّامُ ليسَ كما عَهِدْتَ نَضَارَةًَ       ومَحَجّــةَ العُلَمــاءِ والـــزّهــادِ
أمّــا حَبـيـبَتُكَ الَّتـي أوْصَيْــتََـنَــا       بفِــدائِــها بالـروحِ والأجْســادِ
فَغَدَتْ تئنُّ بِمَا اعْتَرَاهَا مِنْ أذًى       وتَصيـحُ أينَ الْعَهدُ يا أولادي؟
إني أنا القدْسُ التي في مُهجتــي      أقصاكمُ، وعَلَـيْـهِ ذابَ فُــؤادي
يسْعَى العِدا سعيًا لِمَحْـوِ معالمي       مستوطنين لأنْجُـدي وَوِهَـادي
لمْ يَسْتَجبْ لنِـــــدائِها أحدٌ سِوى       نَفَـرٍ قليــلٍ، همْ أســـودُ بلادي
لم يَنْكُثـُـوا عَهْـدًا ولَمْ يَتَقَاعَسـوا       عَـنْ نُصْــرَةٍ وإجابَـةٍ لِمُنَـَــــادِ
وبنَـوا رباطــًا للخُيُــولِ وثُكْنَــةً       فهتفتُ: هيّــا للربَـاطِ؛ جَوادي
  محمد جميل جانودي...

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق