الأربعاء، 9 مارس 2011

الخاطرة الحادية والعشرون


بسم الله الرحمن الرحيم
الخاطرة الحادية والعشرون
في الغالب؛ كل منا شاهد على شاشة الرائي (التلفزيون) ذلك الشيخ التونسي، وهو يمسح على شعر رأسه الذي ابيض شيبًا حين كان يخاطب الشباب قائلاً: جاء دوركم.. نحن كبرنا... نحن هرمنا...
كان الشيخ يقول ذلك وتكاد الدموع تترقرق في عينيه فرحًا بما يراه ماثلاً أمامه واقعًا حيّا ملموسًا بعد أن كان، حتى في المنام لا يحلم أن يراه، إنه الخلاص من كابوس الظلم والقهر الذي جثم على صدور التونسيين لعقود..، ويتكرر المشهد، بالمفهوم نفسه، في المحروسة مصر، وإن كانت الصورة تختلف بعض الشيء ...
أجل.. كانت حيوية الشباب الهدارة، ودماء الشباب الفوارة.. وراء ما حصل وأُنْجز.. ولكن حين تكلّم ذلك الشيخ التونسي ما تكلّم، وحين أصاب الذي قرر أن يُطلق على انتفاضة الشعب في مصر أنها حركة الشباب.. ما أحسب أن الشيخ أو أيّا ممن كانوا وراء التسمية المذكورة أنه دار في خلده أن يغمط الشيوخ حقهم..كما فعل بعضهم حين راح من دون تحفظ أو استثناء يُلغي أثر ما قام به الذين هم شيوخ الآن، وكانوا شبابًا من قبل من دور هام وبارز بما يناسب وقتهم، وفي الظروف المتاحة لهم... سواء كان ما قاموا به ممثلاً بأعمال قد يقتضي بعضها الكتمان والسرية تأسيّا بما كان عليه حال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بدء الدعوة.. إلى أن توفرت الظروف المواتية التي جعلت حمزة وعمر رضي الله عنهما يتقدمان صفين للمسلمين وقتئذٍ وهما يجوبان شوارع مكة معلنين تنفيذ ما أمر الله به: "فاصدع بما تُؤْمرُ" .. أو تمثل عمل شيوخ اليوم وشباب الأمس بأي صورة من الصور المشروعة لمواجهة الظلم وتحمُّل الشدائد في تلك المواجهة.. وإن كان لبعض ما نشير إلى التنبيه إليه وجهة نظر.. ولكن لا يجوز دمج الأمور هكذا... بجعل المشروع النافع إلى جوار المحظور الضار في النقد، وما من أحد يدّعي أن جميع ما قاموا به كان صوابًا.. ولكن لا ينبغي ألا يُغمط لهم حق، وألا يُشار إلى جهد لهم ونحن نشيد بمنجزات الشباب اليوم.. فهؤلاء الشباب ليسوا إلا نتاج جهود أولئك الشيوخ...
هذه واحدة، وواحدة أخرى يحسن التركيز عليها.. وهي أن الله سبحانه وتعالى يُملي للظالم.. ولكن لا يُهمله.. ولا يَغفل عنه... ومن يدري، فكما أنّ المرء الذي يتعرض لشدائد كثيرة وينجو منها ولا يموت بسببها.. نرى فيما بعد أن أقل سبب ينهي حياته، حين يأتي أجله الذي حدده الله له.. وكذلك الأمم.. فربما، لأمر يريده الله، لا تفلح محاولات مهما كانت مجدية وشديدة في إنهائها، حتى إذا جاء الأجل الذي حدده الله لها.. فتكون نهايتها بطريقة لم تكن في الحسبان!!..ولا يقولن قائل: إن هذا القول مدعاة للكسل والتثبيط.. إذ يجعل الناس تنتظر ذلك الأجل.. من غير أي عمل على إزاحة ما هم فيه من مظالم... وهذا غلط.. فالأجل يأتي للتغيير... وتغيير واقع الناس مرتبط بتغيير ما في نفوسهم... وحين يعلم الله أن النفوس قد تغيرت، وأنها بذلت وتبذل الجهد والوقت مع الصبر للتغيير.. يقرب الله أجل الانفراج بطريقة، هي في كثير من الأحيان غريبة ولم تخطر على قلب بشر... تمامًا كما حدث في دول أوروبا الشرقية... وفي تونس وفي مصر..وفي أمكنة أخرى من العالم...
اللهم لا تجعلنا من الذين يغمطون الناس حقوقهم، ولا من الذين يتقاعسون ولا يعملون على تغيير ما في أنفسهم حتى تُقَرِّب عليهم آجالَ الانفراج عنهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
الخميس 5/ربيع الآخر/1432
                                  محمد جميل جانودي  

هناك تعليق واحد: