السبت، 5 سبتمبر 2015

البحـــر.....والطفل

البحر....والطفل
في إحدى رحلات الموت الزؤام، التي فرضت على كثير من السوريين في الشام، واستجابوا لها كرهًا... كان من بينهم طفل، دفعت أهله الأوهام والأحلام، إلى أن يركبوا البحر...علهم يحظوا بعيش آمن، وينعموا في أمان وسلام... وفي ليلة بلغ بدرها التمام، ولأمر يريده الله، ألقى البحر الطفل على الشاطئ...فبدا ساجدًا، وكأنها سجدة شكر على ما رأى من ربه وهو يلقاه من حفاوة وإكرام....
نظر إليه البحر نظرة ملؤها عطف وحنان... وأخذ يروي  له الحكاية من أولها، يروي له الحكاية وهو يذرف دموعًا مالحة جدًا من شدة الحرقة عليه....كان البحر موقنًا من أن الطفل يفهم عليه؛ لأنهما من عالم آخر بعيد عن عالم الدجل والنفاق... عن عالم الظلم والبهتان...
يا صغيري لا تجئني شاكيا
يا صغيري لا تجِئْــــني باكيـا**** أنت لا تدري حبيبي ما بــيا
لم يكن في طوع أمري أن أَرى****أحدًا في شاطئي قـــد أُلْقيـا
كم علا ظهري أناسٌ ومضوا****في أمانٍ، ما شكوا أمواجيـــا
لا تلمْني يا صغيـــــري أبـــدًا****إنّ ربــي كان فيك القـــاضيا
قلتُ سمعًا يا إلهـــــــي إننــي****لك عبــــدٌ، لن تراني عاصيا
إن لي قــــــلبًا ذوى مـــنْ ألمٍ****أنْ أراهُ في جـــــواري ثاويـا
إن لــــي قلبًا ينـــادي حرقـةً****يا إلهـــــــي، قــــد أتاني باكيا
برعــمٌ طفل مضى من عمره****ســـــنواتٌ، وغــدا في جوفيا
قال لي: يا بحـر إنـي كــاره****أن تراني عن ديــــاري قاصيا
يا صديقي هل تلبي رغبـتي****راحــــتـــــــي ألا أرى أعدائيا
راحتي في موطني يا صاحبي****فيـــه بيـــتي وأرى أصحابيا
قلتُ في حـزن عمـيق: ولـدي****لا تلُمْـــني، لا تكن لي جافـيا
لا تلمـني إذ أتــــاني هاتــفٌ****ألقــــــه قـد كان أمري ماضيا
لا تلمْني يا صغيـــــري أبـــدًا****إنّ ربــي فيك قد أوحـى ليــا
ألقـهِ حـتى تـــــــراهُ أعيـــــنٌ****فيكونَ الدّمـع منـــــها جاريــا
أو تـــــــــراه أمّــةٌ نسّـــــاءةٌ****نسيتْ ما كان فـــــيـــها غاليـا
عِزَّهــا أو مجدَها أو نورَهـــا****قد أضاء الكونَ يـــومًا زاهيا
ألقـهِ يا بَحـــــرُ قد تُحيي بـــه****غـــارقًا فـي نومـهِ أو لاهيـــا
ألقِهِ يـــــرو الحكايــــاتِ التي****صار فيها هــاربًا مستخْـفــيـا
عن سفيه الشام عن إجـــرامه****دمُها قد صـــار نهـرًا جاريـا
لم يــدع طفــلًا ولا شيـخًا ولا****ذاتَ خــــدرٍ، ما رأوا بواكيا
ألقـهِ يروي الطمــوحات التي****قـــد تلاشت، عنــدهم، تلاشيا
عن قَــرابـات له قد أهــــملتْ****ما عـــلـيها فــــــرأت دواهيـا
رُبّ طفلٍ قد قـضى في لُجــةٍ****صار عارًا فاضحــًا للأشقــيا
سوف يغدو سبةً لا تنـمـحــي****في جبيــــــن الكاذبين الأدعيا
زعموا في قولهم أن ينصروا****خائفًا في أرضـه أو نـــائـيـــا
في سماء البحر طارت روحه****تشتكي لله غـــدرا بـــــــاديـا
إنـــــــه عرّاهمُ مــــن نخـــوة****لم يجـدْ فيهم لظـــــــامٍ ساقـيا
ألقه يا بحــــر بـرًا، لا تخـف****أحـــدا فـــــي أن تــراه القاليـا
فهـــــــو عبدي وأنا رب لــه****في ظلالي سوف يبقى راضيا
الجمعة 20/ذو القعدة/1436 الموافق 4/أيلول/2015


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق