السبت، 25 يوليو 2015

فقط للمخلصين للثورة السورية

لم تعد الثورة السورية بعد اليوم خيارًا من عدة خيارات، يمكن لمن يريد الخلاص من الظلم، ونيل الحرية، أن يختاره أو يختار غيره...ربما كان هذا مستوعبًا إلى حد ما فيما مضى... أما اليوم فهي الخيار الوحيد لمن يريد بناء مستقبل له ولأولاده من بعده، لا يرى فيه ظلمًا ولا قهرًا ولا نفاقًا ... ولا يرى فيه إضفاء محمومًا للشرعية على نظام طائفي، كُرّس على مرأى ومسمع ممن يسمون أنفسهم الأوصياء على أقدس ما يحسبونه أرقى ما توصلوا إليه (الديمقراطية)؛ التي تعني فيما تعني عندهم: الحرية والمساواة واحترام آراء الشعوب وصناديق الاقتراع، و...و....
نعم، لم يبق أمام المخلصين لهذه الثورة من خيار لهم إلا هي، حتى تستكمل أهدافها، وعليهم ألا يخالطهم أدنى شك في أنها ستُستكمل، بإذن الله، لأنهم دفعوا الثمن باهظًا ومُقدّمًا، وهم إن لم يختاروا ذلك برغبة وأريحية وتصميم فسيجبرون على اختياره... ذلك لأن دماء الشهداء وأرواحهم التي يرون أنهم مخلصون لها، وأنها حاضرة في أذهانهم كل لحظة... هذه الدماء سوف تلزمهم على هذا الخيار... لأن غيره هو محض الخيانة والنسيان لتلك الدماء والأرواح... فما من حر شريف، إلا ويسمع كل يوم صراخًا يكاد يثقب أذنيه يقول له: إنني أرقت دمي، وبذلت روحي من أجلك وأجل أهلك وأبنائك؛ لتعيشوا، وقد تحررتم من (هيمنة العائلة الواحدة) و(هيمنة الطائفة الواحدة) و(هيمنة الطبقة الواحدة) و(هيمنة الجهال) و(هيمنة الرويبضة) و(هيمنة العبيد) و(هيمنة اللصوص) و(هيمنة اللاحضارة) و.....و... نعم إنها صرخة يومية، بل لحظية، تطرق سمع كل من كان عنده قلب أو ألقى السمع وهو شهيد...
صحيح أن الغيوم تتلبد، وتزداد كثافة في سماء الثورة، وصحيح أن كل يوم ينشق فجره يُعَد لها عدو جديد، وصحيح أن المثبطين نشيطون، وأنه يوجد كثيرون من أصحاب القلوب ذات الجدر الرقيقة الواهية التي يسهل لليأس أن يخترقها وينفذ إلى أعماق تلك القلوب... فيترجَم ذلك اليأس إلى عبارات تنطلق على الألسنة... مثل (ليتنا نعود إلى الحالة التي كنا عليها قبل الثورة!!) أو (لولم تقم الثورة لما حصل هذا الخراب!!) أو ( حقًا إن المؤامرة عالمية...!!!) أو .....
أما عن العبارة الأولى فيبدو أن أذواق أصحابها مريضة... فلم تتذوق طعم رائحة الحرية التي هبت عليهم منذ أول يوم خرج الناس، بعفويتهم، يهتفون (حرية...حرية)، ولم يفهموا ذاك الشيخ الذي جاوز السبعين من عمره وكان قد  مر على الثورة أربعة أشهر لا غير فقال: أنا عمري، فقط، أربعة أشهر... معتبرًا أن سنوات عمره السبعين التي أمضاها في ظل الاستعباد والقهر لا شيء، وأنها هباء منثور... وأما عن أصحاب العبارة الثانية‘ فيبدو أن على أبصار أصحابها غشاوة سميكة، وكأنهم لم يروا الخراب الأشد الذي كان يعم البلاد قبل الثورة...هذا الخراب المتمثل بالفساد الأخلاقي، والتفكك الأسري والاجتماعي(فقد الثقة بين الأخ وأخيه، والجار وجاره، و...)، والفساد المالي(الرشوة، والسرقة، والغش، و...)، والفساد السياسي(تكريس السلطة في يد قلة قليلة ومن يلوذ بها، وما رافق هذا التكريس من ظلم وجور ..))، والفساد العسكري( الهزائم المتتابعة...)، والفساد الديني(البدع والمخالفات وتسخير الدين لغير ما أراده الله...)...وأما عن أصحاب العبارة الثالثة، فيبدو أن اختلاط الأمور عندهم بلغ إلى درجة لا تميز بين الحق والباطل، وتجعل مكر الماكرين، وكيد الكائدين ينطلي عليهم بسرعة... فالمؤامرة عالمية ولكن على من يريد أن يتحرر من العبودية للعبيد ليغدو عبدًا لله وحده... والمؤامرة عالمية ولكن لدعم الظالم وترسيخ قدمه ما دام أن في ذلك مصلحة أساطين تلك العالمية...
فعلى الذين جعلوا الثورة السورية خيارهم الوحيد أن يعوا ذلك كله، وأن لا يملوا ولا يكلوا في نشر هذا الوعي بين الناس، وأنهم حتى يكونوا منسجمين مع ذلك الخيار عليهم أن يضعوا أعمالهم ونشاطاتهم تحت الاختبار اليومي الذي يتلخص في أن يسأل كل واحد منهم نفسه السؤال الآتي: هل تقدم عطائي للثورة وعملي لأجلها في هذا اليوم عما كان عليه بالأمس أم تأخر؟ ومن ثم يعمل حسب الجواب... ومجالات العمل كثيرة ومتنوعة، فالذي يستطيع إحداث فرجة بين تلك الغيوم المتلبدة فليفعل، والذي يستطيع أن يزرع الأمل ويخفف من هجمة غيلان اليأس فليفعل، والذي يستطيع أن يقلل من الذرائع التي يتخذها الأعداء للتثبيط  والتخذيل فليفعل، والذي يستطيع أن يذب عمن يحس أنه كان نصير ثورته فيفند شبهةَ تهمةٍ وجهت إليه فليفعل، ويكفي من بعض الناس أن يكون سلوكه مع الآخرين سبب تعلق به وحب له، ومن ثم يتعلقون بثورته ويحبونها، وليحذر أي من هؤلاء أن يكونوا ثغرات تُؤتى الثورة من قبلهم...وفي أضيق الحالات فإن المطلوب من كل واحد أن يدعم هذه الثورة ولو بكلمة طيبة، وألا يحقرن صغيرًا في ذلك.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الحديث غير موجه إلى أولئك الذين كان باطنهم غير ظاهرهم حيال الثورة، ولا إلى أولئك الذين اتخذوا من الثورة مطية لهم لبلوغ غرض ذاتي قريب...فهؤلاء لا يملك المرء إلا أن يدعو لهم بالهداية أو أن يشير إليهم ليُتقى شرهم، ويُستبعدوا من طريق العاملين.      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق