الجمعة، 12 ديسمبر 2014

أعمدة الحياة الثلاثة (حسن العبادة)

أعمدة الحياة الثلاثة (حسن العبادة):
قال الرسول صلى الله عليه وسلّم لمعاذ: أوصيك بألا تدعنّ في دُبر كل صلاة أن تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك.
كلمات قليلات، أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم حبيبه معاذًا، بعد أن حفز كل عرق فيه، وكلَّ جهاز استقبال، أن يستعد ويتأهب للأخذ بهذه الوصية، كان ذلك حين أمسك بيده يداعبه، ثمّ أخبره بأنه يحبه...
يا معاذ، اسأل ربك بعد أن تفرغ من كل صلاة أن يعينك على فعل أمور ثلاثة...أمور حددها له، فكم هي، إذن، مهمة في الحياة، وكم هي من الثقل والضخامة حتى تحتاج إلى تأكيد طلب العون من الله لأدائها وباستمرار.
قد تم المرور بسرعة على العمودين الأول والثاني؛ "الذكر" و"الشكر" في الإشراقتين السابقتين.
ثالثًا: حسن العبادة.
العبادة في الإسلام كلمة جامعة، شاملة لجميع مناحي الحياة للمسلم. فهي لا تقتصر، كما يظن بعض الناس، أنها تعني إقامة الصلوات المفروضة، وأداء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت...بل هذه تدريب عملي ونفسي لغيرها...
إن المسلم يكون على مدى اليوم والليلة في عبادة، (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)، فهو يستيقظ وفق سنة الله في ذلك، فيحمد الله أن أحياه بعد أن أماته، فهذه عبادة، ثم ينطلق ليطيع الله فيما أمره من وضوء وصلاة وذكر، وهذه عبادة، بعد ذلك يتوجّه إلى عمله، أيًّا كان ذلك العمل، منتشرًا في الأرض ومبتغيًا فضل الله ورزقه فهو في عبادة (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)، ثم يعود إلى بيته وقد حمل معه ما يحتاجه البيت من متاع وأغراض، فهذه أيضًا عبادة، ويدخل بيته مبتسمًا بإشراقة وجه بهية، يُدخل بها السرور إلى جميع أفراد الأسرة فيؤدي عبادة، ثم يقعد معه ويتناول طعامه معهم، وبعد ذلك يُحدثهم مسليًا أو معلمًا أو موجهًا أو ناصحًا، أو ملاعبًا ومُداعبًا، فذلك كله عبادة، ثم يقوم ببعض الزيارات لأرحامه وأصدقائه، وربما، إن أمكنه، يحمل معه بعض الهدايا، فتلكم عبادة، وفي طريقه يميط أذٍى يراه في الطريق، أو يُعين ذا حاجة، أو يدل ضالًا للسبيل، أو يأمر بمعروف، أو ينهى عن منكر، فذلك كله عبادة، وفي نيته ألا يُطيل غيابه عن بيته ليعود ويطمئن على أن كل من في البيت، مستعد لأن يأوي إلى فراشه، وليس ثمة من همٍ أو غم أو حاجة له يجب أن تُقضى، فنيته تلك عبادة، وفي أداء الحقوق لزوجته، ولمن يعول عبادة، وفي نومه وهو ينوي أن يأخذ نصيبًا من الراحة ليستأنف عمله في الغد بهمة عالية ونشاط كبير، عبادة، يُلخص ذلك أنه وقف نفسه وحياته لله تعالى يعمل ما يُرضيه، ويبتعد عما يُسخطه.
وحُسن العبادة، هو أداء جميع ما مرّ ذكرُه بإتقان، وإخلاص، فلا يكون عمله لإسقاط العتب عنه، ولا يبتغى به أحد غير الله. فحسن الاستيقاظ في البكور، وحسن الصلاة بأدائها على الوجه الصحيح، بإتمام أركانها، وواجباتها، وسننها، بعد أن تُسْتوفى شروطها، وحسن الزكاة أداؤها من خير المال كاملة غير منقوصة، وحسن الصيام التقيّد بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه عملًا وخُلقًا، وحسن الحج أن يكون من مال حلال، خاليًا من أي رفث أو فسوق أو جدال، وحسن عبادة العمل أن يُؤدى كاملًا من حيث الزمن ومن حيث الجودة، يستوي في ذلك التاجر في متجره، والمدرس في مدرسته، والمهندس في مشروعه، والطبيب في مشفاه، والصيدلاني في صيدليته، والأجير فيما أُسند إليه من عمل، والمرأة في بيتها، أو مقر عملها، والجندي في ثكنته، والعالم في علمه ونشره، والقاضي في دار قضائه، والحاكم في تسيير شؤون البلاد بأسرها، والمحكوم في الطاعة بالعروف..... وهكذا
ومن المفيد والشعب السوري يخوض معركته لنيل حريته، وبسط العدل في ربوع بلاده، وهي معركة، كما هو واضح تجاوزت الحدود الجغرافية لسورية، أقول: من المفيد أن نشير إلى حسن عبادة الثوار وهم في الميدان، يكون ذلك بأن يتحدوا ولا يتنازعوا، وأن يطيعوا قادتهم بالمعروف، وأن تبقى عيونهم مفتوحة تحرس وتراقب، وألا يغلّوا، ولا يظلموا، وأن يأخذوا حذرهم فلا يدعون ثغرة يمكن أن يُختَرَقوا من خلالها، فيضيع ما عملوا، ويحبط ما صنعوا، وأن يتحابوا فيما بينهم، حتى يكونوا كالبنيان المرصوص، والجسد الواحد.

وبقدر ما تكون العبادة حسنة تكون نتائجها طيبة، وثمارها يانعة. فما أعظم هذا النبي الكريم، وما أبلغه، حين أوجز ما سبق ذكره هنا وفيما سبق عن الذكر والشكر، بكلمات قليلات في العدد، كثيرات في المدلول والمعنى والفائدة. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق